تأجيل أولى جلسات النظر في قضية "حلّ" الجمعية المغربية لحقوق الإنسان    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن استئناف برنامجه النضالي مع بداية 2025    المغرب التطواني يكشف حقائق مغيبة عن الجمهور    الريسوني: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة ستضيق على الرجل وقد تدفع المرأة مهرا للرجل كي يقبل الزواج    الحصيلة السنوية للأمن الوطني: أرقام حول الرعاية الاجتماعية والصحية لأسرة الأمن الوطني    مصرع رضيع إثر سقوطه من شرفة المنزل ببرشيد            بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"    التوحيد والإصلاح: نثمن تعديل المدونة    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    مصرع لاعبة التزلج السويسرية صوفي هيديغر جرّاء انهيار ثلجي    بعد تتويجه بطلا للشتاء.. نهضة بركان بالمحمدية لإنهاء الشطر الأول بطريقة مثالية    الوداد يطرح تذاكر مباراته أمام المغرب الفاسي        الرباط: المنظمة العربية للطيران المدني تعقد اجتماعات مكتبها التنفيذي        28 ناجيا من تحطم طائرة بكازاخستان    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    ابتدائية الناظور تلزم بنكا بتسليم أموال زبون مسن مع فرض غرامة يومية    مسؤول روسي: المغرب ضمن الدول ال20 المهتمة بالانضمام إلى مجموعة "بريكس"    برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    ترامب عازم على تطبيق الإعدام ضد المغتصبين    باستثناء "قسد".. السلطات السورية تعلن الاتفاق على حل "جميع الفصائل المسلحة"    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    بطولة إنكلترا.. ليفربول للابتعاد بالصدارة وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    نزار بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية استعدادا لتنظيم مونديال 2030    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    مجلس النواب بباراغواي يصادق على قرار جديد يدعم بموجبه سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية    تزايد أعداد الأقمار الاصطناعية يسائل تجنب الاصطدامات    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    ضربات روسية تعطب طاقة أوكرانيا    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    ونجح الاتحاد في جمع كل الاشتراكيين! .. اِشهدْ يا وطن، اِشهدْ يا عالم    وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده ويحذر من الفوضى    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    الخيانة الزوجية تسفر عن إعتقال زوج وخليلته متلبسين داخل منزل بوسط الجديدة    إمزورن..لقاء تشاركي مع جمعيات المجتمع المدني نحو إعداد برنامج عمل جماعة    ‬برادة يدافع عن نتائج "مدارس الريادة"    "ما قدهم الفيل زيدهوم الفيلة".. هارون الرشيد والسلطان الحسن الأول    الاعلان عن الدورة الثانية لمهرجان AZEMM'ART للفنون التشكيلية والموسيقى    العلوم الاجتماعية والفن المعاصر في ندوة بمعهد الفنون الجميلة بتطوان    الدورة العاشرة لمهرجان "بويا" النسائي الدولي للموسيقى في الحسيمة    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    اليوم في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية : البحاثة محمد الفاسي : مؤرخ الأدب والفنون ومحقق التراث        ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    الإصابة بالسرطان في أنسجة الكلى .. الأسباب والأعراض    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بايدن في باريس.. زيارة لتشييع حلم ماكرون ب"الاستقلال الأوروبي"
نشر في العمق المغربي يوم 13 - 06 - 2024

زيارة بايدن لباريس واجتماعه بماكرون أشبه ما تكون بالزيارة التي يقوم بها إمام الحي لتلقين الشهادتين لشخص يلفظ أنفاسه الأخيرة. وقد جاءت الزيارة في الوقت المناسب تماماً على ما يبدو.
منذ البداية كتبت مقالاً قلت فيه إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لا يتوفر على مشروع من أجل فرنسا، وها قد صار واضحاً أنه لم يكن أبداً يتوفر عليه. مشروعه الوحيد وحصانه الأساسي كان ولا يزال يتعلق بما يسميه "الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي"، ولذلك كانت الانتخابات الأوروبية دائماً أهم عنده سياسياً من الانتخابات الفرنسية بكل مستوياتها.
وحتى مشروع "الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي" ليس ولم يكن أبداً واضحاً بالقدر الكافي في ذهن وتصريحات وخطوات ماكرون.
أولاً، ماكرون لم يستطع أن يقنع الشركاء الأوروبيين بقدرته على إنتاج سيناريو اقتصادي ومالي أوروبي كفيل بإسناد هذا الاستقلال الاستراتيجي المأمول، بل تسبب بهذا الخصوص في خلق شرخ كبير بين دول شمال أوروبا المزدهرة مثل ألمانيا وهولندا والدول الإسكندنافية التي تريد أن تجعل ميزانية الاتحاد الأوروبي موجهة أساساً نحو تطوير بنيات صناعية وعلمية مرتكزة حول تطوير الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الفضائية من أجل تمكين أوروبا من المنافسة العلمية والتكنولوجية الضرورية لتحقيق استقلالها الاستراتيجي عن العملاقين الصين وأمريكا، وبين دول جنوب أوروبا المأزومة مثل اليونان وإيطاليا والبرتغال التي لا ترى مانعاً في استعمال ميزانية الاتحاد من أجل الحفاظ على التوازنات المالية للدول الأعضاء، وهو ما يعني تعطيل مسيرة الاتحاد واستنزاف مجهودها المالي في المشاكل التدبيرية.
ثانياً، ماكرون تسبب في تدمير التنسيق الفرنسي الألماني باعتباره القاطرة الحتمية لأي طموح استراتيجي أوروبي مستقل، وتسبب في تغيير جذري في نظرة برلين للمحور الفرنسي الألماني بما جعل المستشار الألماني شولتز يصرح بأن ألمانيا يجب أن تصبح القوة العسكرية الأولى في أوروبا مكان فرنسا التي كانت تحظى بهذا الامتياز من قبل...
ثالثاً، ماكرون تسبب في إخراج فرنسا من إفريقيا، وبالتالي تقليص مجال نفوذ باريس ومن خلالها مجال النفوذ الأوروبي بشكل كبير، وإضعاف المقومات الاقتصادية المتعلقة بالموارد والمواد الأولية والمقومات الجيوسياسية الضرورية لإنجاز الطموح الفرنسي حول هذا الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي.
رابعاً، ماكرون أدخل فرنسا في مسار سينتهي حتماً بإخراجها من المحيطين الهادي والهندي بما يؤدي في النهاية لتقليص مجالها البحري بنسبة تتجاوز التسعين بالمائة، وبالتالي حرمان أوروبا من أحد أهم ركائز الاستقلال الاستراتيجي ألا وهو المجال البحري.
خامساً، ماكرون تسبب في فقدان باريس لميزة الحياد في العلاقات مع روسيا وفتح الباب مشرعاً أمام إمكانات المواجهة العسكرية معها والتي لا يشك أحد في أنها ستنتهي بخراب باريس ومعها العديد من العواصم الأوروبية التي قد تقترف خطأ دعم باريس في هذه المواجهة، علماً أن روسيا في الماضي كانت دوماً داعمة لاستقلال فرنسا على جميع المستويات.
سادساً، ماكرون تسبب في فقدان ثقة المعسكر الغربي بشكل عام والأوروبي بشكل خاص بسبب تقاربه مع بكين دون أن يجلب لفرنسا أي امتياز من أي نوع، على اعتبار أنه ذهب إلى بكين دون أن يكون مستعداً كفاية ودون أن يكون متوفراً على أي مشروع حقيقي في علاقات فرنسا مع الصين باستثناء بعض التصريحات غير المسنودة، حتى أن الصينيين أنفسهم لا يفهمون بالضبط ما الذي يريده ماكرون وكيف يريد بناء علاقات مع بكين خارج السرب الأوروبي.
سابعاً، ماكرون أحرق أوراق باريس في الحلف الأطلسي وأقنع واشنطن بضرورة نقل ثقل الحلف بالقارة العجوز من فرنسا إلى دولة أخرى، وهو ما انتهى بدعم دولة مثل بولونيا للعب الدور المحوري الذي كانت تلعبه فرنسا.
ثامناً، ماكرون تسبب داخلياً في تفتيت، إن لم نقل قتل، الحقل السياسي والحزبي الفرنسي وخلق شرخاً هائلاً بين فضاء النقاش الفكري العمومي الذي كان يغني فرنسا ويميزها دولياً ومجال الممارسة الحزبية الذي صار في عهده مجرد روتين إداري لم يسعفه حتى في تمرير المشاريع السياسية التي روج لها، حتى أنه اضطرّ لاستعمال الفصل 39-4 لتجاوز النقاش البرلماني وفرضها لأنه يعتبرها ضرورة إصلاحية.
في النهاية، ماكرون عاش من أجل مشروعه الأوروبي ولكنه دمر مقومات تحقيقه، وها هو يموت شهيداً من أجله بعدما خسر الانتخابات الأوروبية بشكل مهين. انتخابات تبين أن يداً ثالثة هي من أدارت رحاها وصاغت نتائجها، يد ثالثة ضاقت ذرعاً بوجود بنية أوروبية قد تتحول في أية لحظة إلى منافس نظامي فقررت تفتيتها بيد أصحابها، وهل هناك أفضل من دعم الشعبويين واليمين المتطرف المعادي للوحدة الأوروبية من أجل ذلك؟
وقد جاء الرئيس بايدن ليذكر الرئيس ماكرون بالقانون الذي يقول بأن "القاتل يحوم دائماً حول ساحة الجريمة"، وأن حل البرلمان وإجراء انتخابات سابقة لأوانها لن يغير من الأمر شيئاً بقدر ما سيضع ماكرون في وضع مؤسساتي أسوأ مما هو عليه الآن. ولا أستبعد شخصياً أن يضطر إلى الاستقالة في سابقة قد يترتب عنها ما هو أسوأ في ظل تصاعد الدعم لليمين المتطرف وتصاعد العداء للمهاجرين وتفكك المجتمع الفرنسي.
ولن أستغرب كثيراً من اندلاع مواجهات قد تكون أقرب للحرب الأهلية منها لأعمال شغب. وما يجعل قرار ماكرون بإجراء انتخابات سابقة لأوانها خطيراً هو أنها تأتي قبل بضعة أسابيع فقط من "اندلاع" الألعاب الأولمبية في باريس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.