اطلعت، قبل شهر تقريبا، على دعوة صادرة عن وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، تدعو من خلالها المؤسسات التمثيلية للقطاع الخاص إلى المشاركة في اجتماع لتدارس سبل تدريس الأمازيغية في هذا القطاع. ونظرا لتتبعي المستمر لموضوع تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، اختمرت لدي فكرة الاسهام في هذا النقاش عبر هذه المقالة لبسط وجهة نظري في الموضوع. وفي البداية قبل الخوض في تفاصيل الموضوع لا بد من إبداء جملة من الملاحظات الأولية حول الموضوع: 1- موضوع تدريس الأمازيغية في القطاع الخاص ليس موضوعا جديدا، فقد سبق وشاركت رفقة الدكتور خالد الصمدي ممثلين لقطب التربية والتكوين والبحث العلمي والثقافة برئاسة الحكومة، في لقاء وطني نظمته تمثيليات القطاع الخاص بمراكش، وقد بسطت فيه جل المقتضيات المؤطرة لإلزامية تدريس الأمازيغية في التعليم الخاص، وكان ذلك سنة 2019. 2- موضوع إدماج الأمازيغية في منظومة التربية والتكوين يحتاج مقاربة شمولية مندمجة تبدأ أولا بإعادة تنظيم الزمن المدرسي بما يتلائم ومقتضيات الدستور، إذ لا يعقل أن تأخذ الفرنسية وهي لغة أجنبية 9 ساعات إلى 6 ساعات في الأسبوع في السلك الابتدائي، مقابل 3 ساعات للأمازيغية وهي اللغة الرسمية، كما أن هذه الشمولية تقتضي مراجعة جذرية وشاملة لمنهاج مادة الأمازيغية، والعمل على توفير الأطر التربوية المتخصصة الكافية لاستدامة العرض التربوي المرتبط بالأمازيغية، بدل الرجوع لتكليف 2000 أستاذ مزدوج، مقابل 600 أستاذ متخصص؛ هذه المقتضيات التي نصت عليها المذكرة الوزارية رقم 24/152، الصادرة بتاريخ 19 أبريل 2024، هذا الأمر الذي نراه غير ذي جدوى ولا يعوله كثيرا في الدفع بدينامية تعميم الأمازيغية. 3- العمل على تثمين تجربة الوزارة الوصية عبر مركز تكوين مفتشي التعليم بتكوين 12 مفتشا متخصصا في الأمازيغية، وهو الأمر الذي وجب تعزيزه وتوسيع العرض التكويني بالمركز قصد إعداد جيل من المفتشين المتخصصين الذين من شأنهم تسريع عملية التأطير وإعداد البرامج والمناهج، خاصة في ظل إلزامية الانطلاق في تعميم الأمازيغية بسلكي الثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي. 4- موضوع إدماج الأمازيغية في التعليم لا ينفك بتاتا عن مشروع تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية كمشروع وطني مهيكل، مما يحتم ضرورة تفعيل مقتضيات الدستور وتفعيل أجهزة تتبع ومواكبة هذا الورش وفي مقدمتها اللجنة الوزارية الدائمة التي لم يعقد رئيس الحكومة أي اجتماع لها خلال هذه الولاية، وكذا عدم تنزيل مقتضيات المخطط الحكومي المندمج وغيرها من المقتضيات. بعد استعراض هذه الملاحظات التي اعتبرها ضرورية، وللدخول في صلب الموضوع، سأذكر بجملة من الأسس/ والمرجعيات المؤطرة لإدماج الأمازيغية في التعليم الخصوصي: نصت المادة 7 من القانون الإطار 51.17، على مقتضى جوهري ومهيكل يغير كلية فلسفة منظومة التربية والتكوين، في سياق تناولها لمكونات منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي وهيكلتها " تتكون منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، بقطاعيها العام والخاص، من قطاع التربية والتعليم والتكوين النظامي وقطاع التربية والتعليم والتكوين غير النظامي ومن مؤسسات للبحث العلمي والتقني"، هذا المقتضى الذي أدمج القطاع الخاص ضمن مكونات التربية والتكوين، عكس ما كان عليه سابقا لما كان هذا القطاع منظم بمقتضيات القانون 06.00 بمثابة النظام الأساسي لمستخدمي التعليم المدرسي الخصوصي. وتبعا لهذا المقتضى فإن التعليم الخاص ملزم بتنزيل كل مقتضيات القانون الإطار السالف الذكر مثله في ذلك القطاع العام. هذا التوجه الذي اجترحه المشرع من خلال القانون الإطار تزكيه مقتضيات المادة 13 منه، والتي نصت على " التزام مؤسسات التربية والتعليم والتكوين التابعة للقطاع الخاص، في إطار من التفاعل والتكامل مع باقي مكونات المنظومة، بمبادئ المرفق العمومي في تقديم خدماتها، والمساهمة في توفير التربية والتعليم والتكوين لأبناء الأسر المعوزة وللأشخاص في وضعية إعاقة وكذا الموجودين في وضعية خاصة"، هذه المادة المهمة جدا، أدمجت مفهوم المرفق العمومي في تدبير التعليم الخاص، وهو معطى قانوني معناه أن ملف التربية والتكوين هو اختصاص أصيل للدولة، وبمقتضاه فوضت جزءا منه للتعليم الخاص لكن ليس بمنطق السوق والاستثمار الحر، بل بفلسفة التقيد بالضوابط الكلية للمنظومة، دون تمييز بين القطاع العام والخاص، ويمكن في هذا الصدد الرجوع للقانون قانون رقم 19-54 بمثابة ميثاق المرافق العمومية. إن الحديث عن إعادة تنظيم وهيكلة القطاع الخاص يقتضي وجوبا استحضار وتفعيل ما نصت عليه المادة 44 " تعمل الدولة من أجل تحقيق الأهداف المنصوص عليها في هذا القانون – الإطار على وضع إطار تعاقدي استراتيجي شامل، يحدد مساهمة القطاع الخاص في تطوير منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، والرفع من مردوديتها، وتمويلها، وتحسين جودتها، وتنويع العرض التربوي والتعليمي والتكويني، مع مراعاة مبادئ التوازن المجالي على الصعيد الترابي، وأولوية المناطق ذات الخصاص في البنيات المدرسية، كما يحدد الإجراءات والتدابير التحفيزية التي يمكن أن يستفيد منها القطاع المذكور، في إطار تنفيذ الالتزامات التعاقدية المبرمة بينه وبين الدولة. ويجب أن تراعى في الإطار التعاقدي المشار إليه في الفقرة السابقة بصفة خاصة معايير الحكامة والجودة والتمركز الجغرافي وتكاليف التمدرس والمردودية". ويحسن في هذا السياق التذكير بأنني سبق وشاركت رفقة خبراء قطب التربية والتكوين برئاسة الحكومة في عدة اجتماعات لوضع هذا الإطار التعاقدي بحضور كل ممثلي القطاع الخاص، والذي قطعنا فيه أشواطا مهمة، لكن انتهاء الولاية الحكومية حال دون التمكن من إصداره، وهو ما يلزم الحكومة الحالية بإصدار هذه الوثيقة الهامة قبل أي حديث عن تنظيم واعادة النظر في قطاع التعليم الخاص، ذلك أن أي اشتغال قبل صدور هذا الإطار التعاقدي هو مخالفة صريحة لمقتضيات القانون الإطار، وهدر لفلسفته التي يفترض أن تنهض بوضع منظومة التربية والتكوين. هذه الفلسفة تتساوق مع ما نصت عليه المادة 14 من القانون الإطار التي أكدت على أنه من أجل تمكين مؤسسات التربية والتعليم والتكوين التابعة للقطاع الخاص من الوفاء بالتزاماتها المنصوص عليها في هذا القانون -الإطار، ولا سيما المتعلقة منها بإسهام القطاع الخاص في تحقيق أهداف المنظومة، المشار إليها في المادة 3 أعلاه، وتنفيذ الالتزامات الناشئة عن الإطار التعاقدي الاستراتيجي الشامل بين الدولة والقطاع المذكور المنصوص عليه في المادة 44 من هذا القانون -الإطار، يتعين على الحكومة أن تتخذ، تدابير هامة أهمها "مراجعة نظام الترخيص والاعتماد والاعتراف بالشهادات، ومنظومة المراقبة والتقييم المطبقة على المؤسسات المذكورة، من أجل ضمان تقيدها بالنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل وبالدلائل المرجعية لمعايير الجودة المشار إليها في المادة 53 من هذا القانون -الإطار. في ختام هذه المقالة، نُجمل القول في أن إدماج الأمازيغية في القطاع الخاص ليس منة من أحد، بل هو واجب دستوري وقانوني مُؤطّر بنصوص تلزم الجميع في تحمل مسؤوليته الكاملة في تنزيل ورش تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وتبقى منظومة التربية والتكوين على رأس أولويات هذا الورش، إذ لا يمكن بتاتا الحديث عن تفعيل الطابع الرسمي دون إدماج حقيقي للأمازيغية في التعليم، باعتباره القطاع الحيوي الذي يؤثر في باقي المجالات التي تحتاج أساسا لأطر بشرية مؤهلة في الأمازيغية. لكل هذا أنبه الوزارة الوصية إلى ضرورة استحضار فلسفة القانون الإطار حتى يتسنى لها بدء ورش إدماج الأمازيغية في منظومة التربية والتكوين بشكل قاصد وواع. مع التذكير بأن هذه الملاحظات لا تعني بتاتا التنقيص من مبادرات القطاع الحكومي بل دافعها هو تجويد ولفت الانتباه لمقتضيات مهمة سابقة على أي حديث. * د. يحيى شوطى، أكاديمي وباحث في اللغة الأمازيغية