أشعلت "لغة التصعيد" التي لجأ إليها وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عبد اللطيف ميراوي، فتيل التوتر في صفوف طلبة كليات الطب والصيدلة، خاصة في أعقاب إصدار عقوبات تأدبية وصلت حد التوقيف بحق عدد من الطلبة. وكانت جامعات مغربية قد أصدرت عقوبة الإقصاء من كلية الطب والصيدلة مع المنع من التسجيل بها لمدة سنتين جامعيتين بحق الطلبة، متهمة إياهم ب"خرق القوانين والأعراف، والمشاركة في نشاط جماعي يخل بالقواعد التنظيمية النافذة بالجامعة أو التحريض عليه، والسب والشتم والقذف في حق الأساتذة والموظفين". تهديد لا يبشر بالخير وخاطب وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار عبد اللطيف ميراوي، طلبة الطب والصيدلة بلغة تصعيدية محذرا من استمرار مقاطعة الدروس، ودعاهم إلى الالتحاق بالفصول الدراسية من أجل اجتياز الامتحانات، بينما رفضت المعارضة البرلمانية "لغة التهديد". وقال ميراوي خلال جلسة عمومية للأسئلة الشفوية بمجلس النواب، الاثنين الماضي، إن الحكومة والوزارات الوصية على القطاع فتحت منذ بداية المقاطعة باب الحوار من أجل الرد بشفافية على انشغالات الطلبة الأطباء، وشددت على قناعتها بأن الأطباء ينبغي أن يتلقوا تكوينا ذا جودة ومن طراز عالمي. وتعليقا على الوضع الحالي، الذي تعيش كليات الطب والصيدلة على إيقاعه، قال ميراوي "لن أخفي عليكم، الوضع لا يبشر بخير، وتمديد المقاطعة لا يسمح لنا بإيجاد بدائل لإنقاذ السنة، وسيتم التوجه نحو حلول أخرى قد تؤدي إلى خسائر فادحة". ويخوض طلبة الطب وطب الأسنان والصيدلة، منذ يداية الموسم الجامعي الحالي، احتجاجات واسعة النطاق للمطالبة بإصلاح تكوينهم، وهي الاحتجاجات التي واوجهتها وزارة التعليم العالي ووزارة الصحة بالتصعيد. وفيما ترى اللجنة الوطنية لطلبة الطب وطب الأسنان والصيدلة أن الإجراءات التي اتخذتها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، لا سيما منها الرفع من عدد الطلبة في بعض التخصصات الطبية الحيوية، وتخفيض عدد سنوات التكوين من 7 سنوات إلى 6 سنوات، "يقوض جودة التكوين"، يتشبث الوزير عبد اللطيف ميراوي، بكون هذه التدابير هي ضمان جودة تكوين طلبة الطب والصيدلة وطب الأسنان. عريضة للحوار وفي هذا السياق، وجه مواطنون عريضة وطنية إلى رئيس الحكومة يطالبونه فيها بالتدخل لفتح حوار وطني مباشر مع اللجنة الوطنية لطلبة الطب و الصيدلة وإلغاء جميع العقوبات التي وصفت ب"القاسية وغير المبررة" التي اتخدت ضد ممثلي الطلبة. وجاء في المذكرة التفصيلية للعريضة أن قرار تنزيل مقتضيات الإصلاح الذي يهم التكوين الطبي والصيدلي اتخذ في تجاهل تام للأساتذة باعتبارهم المسؤولين أكاديميا عن الجانب البيداغوجي ودون أخذ رأي الطلبة باعتبارهم المعنيين بهذا الإصلاح. وقالت المذكرة إن الإجراءات الجديدة لم تكن تهدف في الحقيقة إلى إصلاح حقيقي بقدر ما تهدف إلى رفع عدد الأطباء والصيادلة الخريجين ليتسنى للوزارتين الوصول إلى رقم محدد في أفق سنة 2030 حتى تقترب من معدل المنظمة العالمية للصحة، وذلك لضمان تغطية صحية اجتماعية شاملة حسب زعمهم، إلا أن هذه الإجراءات كلها تصب في تحقيق ما هو عددي على حساب جودة التكوين الطبي والصيدلي. وذكرت العريضة التي اطلع عليها "العمق المغربي"بأن الإصلاح يروم خفض عدد سنوات التكوين من 7 سنوات إلى 6 سنوات دون توضيح مآل التداريب التي يقوم بها الطالب في السنة السابعة والمقدرة بحوالي 600 ساعة، بالإضافة إلى أن هذه السنة تخصص أيضاً لتهييئ الأطروحة، علاوة على هذا أن هذا الإجراء لم يتطرق إلى إعادة برمجة الدروس و التداريب البينية. وأوضح المصدر ذاته، أن الوزارة دافعت على هذا الإجراء، والتي اعتبرته حلا سيمكنها من الحد من الهجرة إلى الخارج لمتابعة دراسة التخصص، وهو ما يعني بالواضح أنها تريد قطع الطريق على كل من يفكر متابعة دراسته و التخصص، وفق تعبير العريضة. وسجل المصدر ذاته أن الوزارتين لا تهدفان لإصلاح حقيقي للمنظومة الصحية لوطننا ولا استشفاء جيد للمواطن المغربي بقدر ما تهدفان إلى تحقيق أرقام عالية على حساب جودة التطبيب وسمعة المنظومتين الوطنيتين التعليمية والصحية، معلنا استنكاره لاستهداف تكوين أطباء وصيادلة المستقبل والحط من كرامتهم، وإغلاق باب الحوار، واتخاذ إجراءات عقابية بلغت حد الطرد والتوقيف و حل مكاتب تمثيلياتهم. واقع لا يليق وتعليقا منه على الموضوع، قال رئيس الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب، محمد رشيد الشريعي، إنه في الوقت الذي كان فيه الجميع ينتظر حلولا تنهي أزمة طلبات الطب والصيدلة بالمغرب، لجأت الحكومة من خلال وزارة التعليم العالي إلى "صب الزيت على النار" عبر توقيف العديد من الطلبة وحرمانهم من متابعة الدراسة في "خرق سافر لكل القوانين" التي تكفل الحق في الاحتجاج وفي غياب مقاربة تشاركية تهدف الى الاستجابة لمطالب الطلبة والعمل على تسويتها بدل استحضار المقاربة الانتقامية. وقال الفاعل الحقوقي في تصريح لجريدة "العمق" إن ما أقدمت عليه بعض الجامعات هي إجراءات انتقامية تضرب دولة المؤسسات وتعصف بالشعارات التي ترفعها الدولة في مجال احترام الحقوق والحريات، سيما أن بلادنا مقبلة على احتضان حدث رياضي رفيع المستوى وله تداعيات على حقوق الإنسان، مشيرا إلى أن الإصرار على إغلاق باب الحوار في وجه الطلبة دليل على عدم جدية وزير التعليم العالي في إيجاد حلول لهذا الملف الذي سيؤثر على القطاع الصحي بالمغرب. وأدان الشريعي في تصريح لجريدة "العمق" ما وصفها ب"القرارات الارتجالية والانتقامية" المتخذة في حق الطلبة والتي لا يمكنها أن تؤدي إلا إلى مزيد من الاحتقان والتوتر في قطاع الطب والصيدلة وطب الأسنان، محملا الدولة مسؤولية كل العواقب الوخيمة التي ستؤدي إليها. وختم الحقوقي ذاته تصريحه بدعوة الجهات الحكومية المعنية إلى استحضار لغة العقل في تسوية مطالب الطلبة وإلى التراجع الفوري عن هذه القرارات "المجحفة"، وفتح حوار جدي ومسؤول مع مختلف مكونات القطاع الصحي بما فيها طلبة كليات الطب والصيدلة لإيجاد حلول ترضي الجميع وترفع من مستوى التكوين وشروط التداريب، وفق تعبيره. من جانبه، عبر نائب الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للصحة المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل، رحال لحسيني، في تصريح لجريدة "العمق" عن أسفه للمأزق الذي تعرفه السنة الدراسية الحالية بكليات الطب و الصيدلة وطب الاسنان، معتبرا ذلك أمرا غير مقبول. وقال لحسيني: "لا يعقل أن يتم الاستمرار في التعامل مع احتجاجات ومطالب أطباء المستقبل بهذا النوع من الجفاء والقرارات القاسية التي تعصف بمصير الآلاف من الطلبة والطالبات"، مضيفا: "من غير الطبيعي ألا تقوم الوزارتان المعنيتان بإعادة النظر في المنهجية التصعيدية ضد الطلبة والتي لم تجد نفعا". وأوضح المسؤول النقابي، أن هذه المقاربة ستكون لها نتائج "وخيمة" على الطلبة وعائلاتهم، وأيضا وعلى المنظومة الصحية ببلادنا التي تعرف خصاصا مهولا في الأطر الصحية بشكل عام، وستسبب في خسارة أطباء جدد لسنة كاملة أو أكثر في حال مواصلة لغة التصعيد، وفق تعبيره. وشدد لحسيني، على ضرورة فتح الحوار مع ممثلي الطلبة والتوقف عن تجاهل وحل لجانهم، معبرا عن تضامنه مع طلبة الطب والصيادلة وطب الأسنان في هذا الملف الذي قال إنه لا يليق بمغرب اليوم، لافتا إلى أن الجامعة الوطنية للصحة سبق لها من خلال لجنتها الوطنية للخريجين والطلبة أن طالبت بإنقاد السنة الدراسية لأطباء المستقبل من الضياع، وكذلك من خلال اللجنة الوطنية للأطباء والصيادلة وجراحي الأسنان التي أكدت على فضيلة الحوار لإيجاد حل عاجل وعادل منصف يليق بالجميع، على حد تصريحه.