"لقد قيض الله لنا أن نتربع على عرش أجدادنا الميامين وفق إرادة والدنا الذي أسند إلينا ولاية عهده وبناء على مقتضيات الدستور وطبقا للبيعة التي التزم بها ممثلو الأمة. فتسلمنا المشعل من يد والدنا قدس الله روحه لممارسة مسؤولية قيادة البلاد. ونحن بحول الله مصممون العزم على مواصلة مسيرة التطور والنماء لصالحك شعبي العزيز، ولفائدة جميع فئات الشعب ولاسيما الفئات المحرومة التي يستأثر مصيرها باهتمامنا والتي نوليها عطفنا وحنونا.. وأننا نحمد الله على أن سياستنا الداخلية بارزة المعالم واضحة السمات وأن المطلوب هو ترسيخها ودعمها. لذا فنحن متشبثون بها أعظم ما يكون التشبث بنظام الملكية الدستورية والتعددية الحزبية والليبرالية الاقتصادية وسياسة الجهوية واللامركزية وإقامة دولة الحق والقانون وصيانة حقوق الإنسان والحريات الفردية والجماعية وصون الأمن وترسيخ الاستقرار للجميع". كان هذا مقتطفا من أوّل خطاب للعرش يلقيه عاهل المملكة المغربية الشريفة الملك محمد السادس على شعبه مباشرة بعد إعلان وفاة جلالة المغفور له الملك الراحل الحسن الثاني طيب الله ثراه واعتلاءه عرش أجداده المنعمين، حيت يتضح جليا تركيز جلالته على الفئات المحرومة من الشعب المغربي منذ دقائقه الأولى كعاهل للبلاد. فما كان منه إلاّ أن بادر إلى وضع برامج تنموية مستدامة تمكن من الاندماج الفعلي في مشاريع اقتصادية مدرة للدخل و فك الهشاشة و التهميش والإقصاء، وقد اتضح ذلك جليا على أرض الواقع عبر إحداث المبادرة الوطنية للتنمية البشرية سنة 2005 والتي ضلت مستمرة في مختلف المحطات و مواكبة لجميع التحولات الاجتماعية والاقتصادية، وهو ما ساعد تلك الفئات الهشة على خلق مشاريع صغيرة مدرّة للدخل، وتشييد مؤسسات اجتماعية تعنى بهذه الفئات الواسعة من المجتمع ثقافية ورياضية وإنسانية... وعملت مشاريع التنمية البشرية التي وضع هندستها جلالة الملك في فك العزلة وخفض الفوارق المجالية عبر تقوية المسالك الطرقية والربط بشبكتي الماء الصالح للشرب والكهرباء، وكذا تيسير الولوج للخدمات الصحية للقرب عبر إحداث دور الأمومة والمراكز الصحية واقتناء سيارات للإسعاف في مختلف المناطق القروية، بالإضافة الى تنظيم القوافل الطبية والحملات الصحية، وسلسلة من المشاريع الميدانية في مختلف جهات المملكة مكنت من تقليص العجز المسجل على المستوى السوسيواقتصادي، في إطار البرامج المعتمدة. وفي نفس الشق الاجتماعي ومن أجل رفع وإزالة الصعوبات التي يواجهها الشباب في الوصول إلى مصادر التمويل والعراقيل التي تواجهها المقاولات الصغيرة جدا، خاصة بعد ما خلفته آثار أزمة كوفيد 19 على الاقتصاد الوطني، فقد وجه جلالته تعليماته السامية للحكومة قصد تشجيع العمل المقاولاتي وخلق فرص الشغل، وهو ما جعل الحكومة تطلق برنامج فرصة، وهو برنامج طموح ومبتكر يستهدف جميع الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 18 عاما، من حاملي الأفكار أو المشاريع المقاولاتية. ووضع برنامج فرصة الذي أتى استجابة للتوجيهات الملكية السامية المتعلقة بتشجيع الاستثمار والتشغيل، خاصة بين الشباب، الآليات العملية التي ساهمت في تمكين المواطنين من خلق مقاولات صغرى ساهمت في خلق فرص شغل متعددة، حيث يوفر آليتين تجمعان بين المواكبة والتمويل. ويلتقي برنامج فرصة مع مبادرات الدعم الأخرى للمبادرات الفردية، ويتكامل مع المنظومة المعمول بها. وتم تخصيص غلاف مالي لبرنامج فرصة يصل إلى 1.25 مليار درهم سنة 2022. كان الهدف منها مواكبة 10000 من حاملي المشاريع في جميع قطاعات الاقتصاد، مع ضمان مبادئ المساواة الجهوية والمساواة بين الجنسين. وتمكن الملك محمد السادس في ظرف وجيز الوفاء بالتزامه الذي عبر عنه في أول خطاب عرش له حين قال : " وسنولي عنايتنا كذلك إلى مشكلة الفقر الذي يعانيه بعض أفراد شعبنا وسنعمل بمعونة الله وتوفيقه على التخفيف من حدته وثقله. وفي هذا الصدد كان والدي رحمه الله قد شرفني بقبول اقتراح إنشاء مؤسسة اختار لها من بين الأسماء مؤسسة محمد الخامس للتضامن تهتم بشؤون الفقراء والمحتاجين والمعوقين عاهدنا أنفسنا على تفعيل دورها وإحاطتها بكامل الرعاية والدعم.". وفي الشق الديبلوماسي، اتضحت بشكل ملموس الرؤية الملكية البعيدة النظر بتوجيه بوصلة اهتمامات السياسة الخارجية للملكة نحو الجنوب وإحياء جذور المغرب الإفريقية، فاهتمت المملكة المغربية بتعزيز التعاون الدولي الاقتصادي مع بلدان إفريقيا جنوب الصحراء من خلال تفعيل آليات مؤسساتية وقانونية متنوعة، وهو ما اكّد عليه صاحب الجلالة الملك محمد السادس بقوله: "يجب على حكومتنا إعطاء الأولوية لدبلوماسية اقتصادية مقدامة قادرة على تعبئة الطاقات بغية تطوير الشراكات وجلب الاستثمارات وتعزيز جاذبية البلاد وكسب مواقع جديدة وتنمية المبادلات الخارجية، كما ندعوها للتنسيق والتشاور مع مختلف الفاعلين الاقتصاديين في القطاعين العام والخاص للتعريف لمؤهلات الاقتصادية التي تزخر ا بلاد وخاصة في القطاعات الإنتاجية الواعدة دف المساهمة في تنميتها ولإرساء تعاون مؤسسي بين القطاعات الوزارية التي لها نشاط دولي في المجال الاقتصادي". ولم يقف اهتمام عاهل البلاد عند الخطابات التوجيهية والتأطيرية للحكومة والمؤسسات المختصة، بل تعداها للشق العملي وهو ما تجلى بوضوح في الجولات التي قام بها جلالته لمختلف ربوع القارة الإفريقية، والزيارات المولوية لعدد من الدول التي لم تكن تربطها علاقات متينة مع المغرب، وكذا الدول الصديقة والتي تربطها بالمملكة علاقات تاريخية متينة. وأثمرت هذه السياسة الحكيمة لعاهل البلاد عن إنشاء عدد من تلك الدول لقنصليات بمدن الصحراء المغربية وإعلان تأييدها المطلق لمبادرة الحكم الذاتي التي وضعها المغرب من أجل إنهاء النزاع المفتعل حول أقاليمنا الجنوبية. كما أظهر عاهل المملكة المغربية الشريفة حكمة وحنكة بليغتين من خلال طريقة تدبيره للأزمات الطارئة، وخير مثال على ذلك ما أبان عنه من حكمة وحكامة في مواجهة كل من جائحة كورونا وتداعيات زلزال الحوز المدمّر. فقد استطاع المغرب بفضل حكمة جلالته الرشيدة، أن يجنّب المغرب وشعبه كارثة إنسانية بكل ما تحمله الكلمة من معاني وتخفيف الآثار الناجمة عن الوباء بشكل منقطع النظير، من خلال سلسلة من الإجراءات الاحترازية الاستباقية منذ الإعلان عن ظهور أولى حالات الإصابة بهذا الوباء بالدول المجاورة، وكذا بعد تسجيل أول حالة مؤكدة بالمغرب، وذلك من خلال إعطاء تعليماته الحازمة لإغلاق الحدود ووقف الاستيراد من الدول التي تفشى فيها الوباء بشكل كبير كالصين وإيطاليا، و الحد من تداعياته على النسيج المجتمعي، عبر نهج مقاربة ارتكزت على الحكمة والحزم والصرامة، وقد شكلت الخطة المغربية نموذجا اقتذت به عدد من الدول العربية والإفريقية، ليجسد الملك المجتهد والقريب من شعبه طوق أمان للمغاربة . ولم يكن الجانب الاقتصادي بمنأى عن التحولات التي شهدها المغرب بعد تولي الملك محمد السادس الحكم، فمن ضمن المشاريع الاقتصادية الكبرى التي أطلقها عاهل المملكة المغربية الشريفة المركب المينائي طنجة ميد، الذي أصبح الأكبر في إفريقيا ، حيث تضاعفت طاقته الإجمالية ثلاث مرات وجرت توسعته بافتتاح محطة ثانية، ما جعله الأكبر في حوض البحر الأبيض المتوسط، والذي يرتبط ب186 ميناء في 77 بلدا. كما تم في 2018 إطلاق القطار الفائق السرعة والأول من نوعه في إفريقيا وهو المشروع الذي مكّن المملكة من الارتقاء بنشاطها السياحي. وفيما يتعلق بجاذبية المغرب في مجال الاستثمارات الأجنبية، فالمملكة نجحت خلال السنوات الأخيرة في استقطاب مجموعات عالمية كبرى، من قبيل الشركة الفرنسية لصناعة السيارات (رونو). كما أطلق الملك محمد السادس عددا من المشاريع الكبرى لتأهيل البنى التحتية، وافتتح في عام 2016 محطة "نور" لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية في مدينة "ورزازات"، الواقعة في جنوب البلاد، التي تعد من أكبر محطات الطاقة الشمسية في العالم، حيث جعل المغرب الطاقات المتجددة أولوية في تطوير سياسة الطاقة. كما أطلق الملك محمد السادس برنامج التنمية الحضرية لأكادير (2020-2024)، البرنامج المهيكل الذي يؤسس لمرحلة جديدة في مسلسل التنمية الاقتصادية والاجتماعية لهذه المدينة وتعزيز دورها كقطب اقتصادي مندمج وكقاطرة للجهة ككل. وبذلك يكون الملك محمد السادس قد سطّر وخطّ مسارا حافلا بالإنجازات الغير مسبوقة بالقارة الإفريقية والعربية، وجعل المغرب يضمن موقعا متميزا على الخارطة العالمية ضمن مصاف الدول المتقدمة.