لاشك أن مناسبة عيد العرش التي تحل علينا تعتبر واحدة من أجمل وأسعد لحظات تاريخنا.. ولا شك أنها فرصة سنوية للاحتفال وتجديد البيعة والولاء لملك يبذل الغالي والنفيس من أجل ضمان حياة كريمة لشعبه أينما حل وارتحل. فمنذ اعتلاء جلالته لعرش أسلافه الميامين سنة 1999، شكلت قضايا الجالية المغربية أولوية لدى جلالته وأفرد لها العديد من المبادرات التي تصب جميعها في ضمان حقوقها والحفاظ على مصالحها سواء خارج أو داخل أرض الوطن، وجعل منها جلالته شريكا فاعلا في مشاريع ومخططات المغرب التنموية. ومن أبرز المؤسسات التي عزز بها جلالة الملك دور رعاياه بالخارج ، مجلس الجالية المغربية المقيمة في الخارج ، الذي جعل منه جلالته مؤسسة استشارية تضطلع بمهمة متابعة وتقييم السياسات العمومية للمملكة اتجاه المهاجرين وضمان حقوقهم ومشاركتهم في الدفع بعجلة التنمية السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية للبلاد ، بالإضافة إلى الاضطلاع بوظائف الإحاطة بإشكاليات الهجرة واستشرافها والمساهمة في تنمية العلاقات بين المغرب وحكومات ومجتمعات بلدان الإقامة في أفق تطويرها والرفع من مستواها.وهذه هي المهمة التي سهر على تنزيلها فوق أرض الواقع ورغم كل الصعوبات السيد الأمين العام لمجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج الدكتور عبد الله بوصوف بمعية الأطر المقتدرة التي تعمل بجانبه . إن اهتمام جلالة الملك حفظه الله برعاياه المقيمين بالخارج وحرصه على العناية الموصولة بهم تميز بإفراد جزء هام من فصول دستور فاتح يوليوز 2011 لفائدة هذه الفئة خاصة ما جاء في الفصول 16 – 17 – 18 – 30 – 163 التي خصت أفراد الجالية المغربية بمكاسب هامة ومكانة متميزة تستجيب لتطلعاتهم وكرست لهم عددا من الحقوق الثقافية والاجتماعية والتنموية والسياسية. وإذ نستحضر هنا إشادة و تنويه الجالية المغربية بمضامين الخطاب الملكي السامي ليوم الخميس 30 يوليوز 2015 بمناسبة الذكرى 16 لعيد العرش المجيد ، والذي أعطى فيه جلالته تعليماته الملكية السامية لوضع حد للعبث و التسيب الذي كان يقوم به بعض القناصل الذين كانوا يظنون أنهم قادرون على فعل ما يشاؤون في أرضية خاوية على عروشها ، ولكن هيهات ثم هيهات ، فقد ثبت أن للجالية ملك يحميها ويدافع عنها ويصون كرامتها.. ففي مجال ممارسة الشعائر الدينية ، نثمن المبادرات القيمة التي أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله ، قصد إعادة هيكلة الحقل الديني والتصدي لكل مظاهر الغلو و التطرف ، خاصة إحداث مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة ، المجلس الأعلى للعلماء ، المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة ، مؤسسة محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات ، مؤسسة محمد السادس لنشر المصحف الشريف...، في ظل الالتحام القوي الذي يجمع بين المكونات الثلاثة للتدين في المغرب العقيدة الأشعرية المذهب المالكي التصوف السني. أما بخصوص تنظيم الطائفة اليهودية المغربية التي تستمدّ روحها من الأمانة العظمى، والتي يتولاها جلالة الملك، أمير المؤمنين، الضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية لكلّ المغاربة على اختلاف عقائدهم الدينية، وكذا تكريساً للرافد العبري كمكوّن للثقافة المغربية الغنيّة بتعدّد روافدها، فإن التعليمات الملكية السامية أفردت تنظيما جديدا ينص على تشكيل ثلاث هيئات : أولا: المجلس الوطني للطائفة اليهودية المغربية ، حيث يتولى السهر على تدبير شؤون الطائفة والمحافظة على التراث والإشعاع الثقافي والشعائري للديانة اليهودية وقيمها المغربية الأصيلة. وستنبثق عن المجلس لجان جهوية تقوم بتدبير القضايا والشؤون اليومية لأفراد الطائفة. ثانيا: لجنة اليهود المغاربة بالخارج، والتي ستعمل على تقوية أواصر ارتباط اليهود المغاربة المقيمين بالخارج ببلدهم الأصلي، وتعزيز إشعاعهم الديني والثقافي، والدفاع عن المصالح العليا للمملكة. ثالثا: مؤسسة الديانة اليهودية المغربية، والتي ستسهر على النهوض والاعتناء بالتراث اللامادي اليهودي المغربي والمحافظة على تقاليده وصيانة خصوصياته. ولا يفوتنا بهذه المناسبة أيضا أن ننوه بحكمة جلالته حينما اختار بلدنا التوجه نحو عمقه الأفريقي للمساهمة الفعالة في التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي لكل الأفارقة. وأن هذا التوجه تكلل بتعزيز المغرب لشراكاته الاقتصادية، وبعودته لحضن الاتحاد الأفريقي. هكذا إذن أصبحت المملكة المغربية تقدم للسوق الأفريقية الواعدة تجربتها ومعرفتها، ونموذجها الاقتصادي الذي يتكيف جيدا مع السياق الأفريقي معتمدا على الاستثمار المنتج، والنقل الجوي والبحري والخدمات المالية والمصرفية، بالإضافة لتصدير التجربة والمعرفة والخبرة والتقنية. إن نجاح الديبلوماسية المغربية تحت القيادة الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في تشكيل استراتيجية ناجحة من أجل التعامل مع قضية الصحراء المغربية.. وها نحن نعاين القوة الدبلوماسية المغربية التي تعززت بافتتاح العديد من القنصليات العامة في مدينتي العيون والداخلة، والتي تمثل دولاً من مختلف القارات. إذ يجسد افتتاح هذه التمثيليات تعبيراً رسمياً يعلو ولا يعلى عليه عن اعتراف هذه الدول بمغربية الصحراء، وعن تكريس دور الأقاليم الجنوبية بوابةً للمغرب نحو أفريقيا. كما أن كل هذا يوحي بما لا يدع مجالاً للشك بأن المنظومة الدولية تعتقد يقيناً بجدية المبادرة المغربية للحكم الذاتي للحل السياسي للنزاع المفتعل حول صحرائه عبر تطبيق حكم ذاتي موسع تحت السيادة المغربية، وفي إطار الوحدة الترابية للمملكة المغربية. وفي الأخير، لا يسعنا بهذه المناسبة السعيدة إلا التأكيد على مباركتنا لكل مبادرات عاهل البلاد حفظه الله داعين لجلالته بموفور الصحة والنصر والتمكين، ولكافة أفراد أسرته الكريمة بمزيد من السعادة والرخاء، ولشعبنا المغربي الأبي أينما تواجد بوافر الطمأنينة والأمان.