لا زلت أعتقد أن فصل السلط ضمانة ديمقراطية لتدبير شؤون المواطنين و الوطن. نعم لدي ذاكرة تنتخب الأحداث التي تعتبرها مهمة و تتجاهل، رغما عني، من القضايا و الأمور أقلها أهمية. و لكن الثابت هو الإهتمام المفرط الذي أوليه للقضايا السياسية في أبعادها الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية و الرياضية. لماذا نسيت أن إفتتاح الدورة البرلمانية الربيعية كان يوم الجمعة 12 أبريل الموافق لثالث أيام عيد الفطر. لا أنكر أن للأمر علاقة مباشرة ببعض القراءات التي جعلت من هذا الدخول السياسي لحظة غير ذات أهمية ، و لكن تدهور الممارسة البرلمانية شكلا و مضمونا هو الفاعل الأكبر في نعمة النسيان.سامح الله اؤلئك الذين ركزوا تفكيرهم و أعطوا كل الإهتمام على توزيع غنيمة مقاعد مسؤولية بالبرلمان بين الفرق النيابية و اجتهدوا في تحليل طموحات أناس " منتخبين" و اعتبارها مهمة جدا و جديرة بالقراءة . أظن أن الأمر أصبح هينا لأن التدبير السياسي أصبح مهانا. لخصت أحزابنا و مهندسي خارطة السياسة في بلادنا اللعبة السياسية في سباق من أجل المصالح و المناصب و التغطية عن المصائب. و كان ما كان من آثار هذا الوضع على احتقار دور المواطن في بناء المؤسسات و الثقة فيها. تحول العمل، الذي لا زلنا نسميه سياسيا بالرغم عنا، إلى مباريات أغلبها يشبه رياضات العنف و ألعاب القمار و الغش و فنون التستر عن ممارس الاغتناء غير المشروع و تاجر المخدرات و المرتشي و المفسد. تراكمت الثروات و تحصنت المواقع و صدق ناس الغيوان حين رأوا، بعد أن تعجبوا مستخدمين قوة قول" سبحان الله " أن الصيف عندنا أصبح شتاء و تحول فصل الربيع في بعض البلاد إلى خريف. أصبح المثقف اما خائفا أو مبتعدا مضطرا او تاركا الجمل بما حمل. هذا المثقف كان قادرا على التضحية بحريته قبل سنوات و أصبح غير قادر على التضحية بعرضه و شرفه. كان قادرا على أهوال معتقل درب مولاي الشريف و كل المعتقلات التي كانت سرية، و لكن " الشبيحة " المسخرين في المجال الانتخابي بالمال و العنف و الشتائم كانوا أشد عنفا و أكثر حضورا و قوة لاحتلال ميادين ممارسة تدبير الشأن العام. نعم نسيت موعد إفتتاح الدورة الربيعية للبرلمان بفعل فاعل. كنت أسبح في حلم تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة و قررت أن استجيب طواعية لكل آليات التنويم المغناطيسي. استفقت بفعل فاعل و وجدت نفسي ضمن المدمنين على متابعة ملفات الفساد التي تلاحق مجموعة من المسؤولين السياسيين. لم أصدق أن مؤسساتنا الرقابية الموقرة قد كانت خارج نطاق الحصول على المعلومة و التدقيق في ضخامة حجمها قبل هذا الوقت. برلمانيون و رؤساء جماعات ترابية و غيرهم يوجدون بين أيدي العدالة، و هذا أمر يستجيب لإنتظارات المواطنين، و يطرح سؤال تفعيل آليات تنزيل أكبر للفعل المؤسسي لدولة الحق و القانون. الكل يعرف أن الفساد أنتج الخنوع و التواطؤ و عرقل التنمية. و هذا الكل ينتظر إنهاء المهزلة التي أوصلت بعض الفاسدين إلى مراكز القرار. إننا أمام تحدي يتطلب إرجاع الثقة إلى المواطن من خلال الإستمرار في المحاسبة القضائية النزيهة و العادلة و الضامنة لكل الحقوق و لعدم الإفلات من العقاب. لا يمكن تحفيز النخب الجديدة للإقبال على العمل السياسي برشوة الحصول على المناصب و لكن بضمان نظافة العمل من أجل تغيير تدبير الوطن و الإسهام في رقيه و رفعته. نعم نسيت إفتتاح الدورة البرلمانية الربيعية و ليس لدي أي شعور بالأسف. إنه " اللاحدث " في بلادي التي تسيطر على ثقافة جل نخبتها "السياسية " الإستفادة من الريع و الصراع من أجل المناصب و ليس من أجل الإصلاح و خدمة المواطن. يحق لكل مغربي أن يشعر باليأس من هذه النخبة بعد أن سمع ملك البلاد يؤكد على ضرورة وضع مدونة سلوك في مجال العمل السياسي تجمع عليها كل الأحزاب و كل الفاعلين و خصوصا اؤلئك الذين ينتجون القوانين . اغلب نواب الأمة في البرلمان و في الجماعات الترابية و حتى في الحكومة لا يقدمون أي منتوج يستجيب لحاجيات المواطنين. أصحاب المراكز ينتظرون، بكثير من اللامسوؤلية ، توجيهات عليا لكي يتحركوا و يبتدعون كل الأساليب للاستيلاء سياسيا على المكتسبات الإجتماعية. و لنا في ورش التغطية الاجتماعية خير دليل على غياب الفعل الحزبي و إنتظار المبادرات الملكية في عدة قطاعات و محاولة الظهور في مجال استثمار الإنجاز. نسيت أن البرلمان قد دخل في دغدغة انتظارات بعض أشباه السياسيين و تحقيق حلمهم الصغير للحصول على منصب رئيس فريق نيابي أو لجنة برلمانية أو الحصول على وعد بالحصول على كرسي وزاري من خلال ترميم حكومي مفترض. الأمر يتعلق بدخول برلماني ربيعي يتطلب عقولا و إرادة قوية تظل غائبة في ظل الوضع الراهن. و تظل الحكومة غائبة عن ورش تقييم السياسات العمومية و من ضمنها " المغرب الأخضر أو الجيل الأخضر " و إصلاح المنظومة التربوية و غيرها من السياسات التي رصدت لها ميزانيات ضخمة و تمت برمجتها من خلال قوانين المالية لسنوات متتالية. و تظل قضية الأمن الغذائي و الطاقي و الطبي معلقة إلى أن تتوفر آليات التقييم. نصدر الأطنان من الطماطم و لا نمتلك إلا 20% من القدرة على إنتاج بذورها. أصبحنا نصدر مياهنا و تربة أرضنا و نرهن مستقبل أمننا الغذائي و نستورد موادا غذائية بكميات أقل بكثير مما نصدر و بتكلفة تضاهي قيمة صادراتنا الغذائية. لذلك لا يمكن للمواطن المغربي أن لا يتعاطف مع الفلاح الإسباني و الفرنسي و هو الذي يدافع عن حقنا في إرجاع منتوج أرضنا إلى أسواقنا. حلقت الأسعار عاليا و تراجعت نسبيا بفعل رفض منتجي فرنسا و إسبانيا تسويق منتوجاتنا التي انهكت تربتنا و مياهنا و تم تصويب قوة نيرانها إلى جيوبنا. و هكذا أصبح التضخم فعلا ناتجا عن تصدير لا عن استيراد في قطاع المواد الغذائية. نعم تزايد حجم صادراتنا ، و زادت بنياتنا التحتية اتساعا ، و حافظنا على توازنات حساباتنا الخارجية. و لكننا لم نحقق معدلات نمو مهمة تخلق الثروات و مناصب شغل حقيقية منذ ما يقرب من 12 سنة. و تظل هذه الحكومة التي هي امتداد لحكومة عبد الإله بن كيران ، تبحث عن حلول دون أن تتخذ قرارات لتحقيقها. نعم لقد نسيت موعد الدورة البرلمانية الربيعية و أريد أن ينساها الجميع و أن يقاطعها المواطنون إلى أن تستقيم الممارسة السياسية في بلادي. ولن تستقيم ما دامت إرادة تخريب آمال المواطن أكبر من تفعيل محاسبة المسؤولين عن الشأن العام. لقد صوتت أغلبية كبيرة على دستور 2011 لأنه حمل في فقراته كل المبادىء التي تضمن بناء دولة الحق و القانون. و لكن جنة إنتاج القانون لا تقابلها جنة تفعيل القانون. لا أرسم لوحة يملؤها التشاؤم و لكن أؤكد على أن هناك من يريد أن يؤخر مسيرتنا نحو التنمية بنية مبيتة هدفها مراكمة الثروات و سد الطريق أمام البناء بسواعد أبناء الوطن. لا أحلم بالمستحيل و لكنني أؤمن بالممكن و بتنزيل مبادىء ثورة الملك و الشعب و طرد كل حاملي مشاريع خيانتها. لا يهم ان افتتحت دورات البرلمان أو أغلقت ما دام اقتصاد الريع و غياب المنافسة و الاغتناء غير المشروع و ضعف الإدارة و تراجع المرافق العمومية في الصحة و التعليم و تسليع الولوج إلى الخدمات الصحية و التربوية واقعا و صورة حقيقية لمعيش المواطن. كل الخطوات التي سنقطعها في مجال الحكامة ستوطد بناء مؤسساتنا و ستقفل الباب أمام كل خائن للعهود. نعم نسيت إفتتاح دورة البرلمان و لكن لا أنسى أن بلادي التي فتحت أوراش البنيات التحتية بعزم كبير يمكنها أن تسير في إتجاه النمو السريع عبر تقليص دور محاربي الحكامة الجيدة و المحاسبة الحقيقية و الإستثمار المنتج و العلم النافع.