يبدو، أن المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة الى الصحراء المغربية، ستيفان دي ميستورا، قد أضاع بوصلة تكليفه، من أجل تيسير التوصل إلى حل سياسي، واقعي، عملي، دائم ومتوافق عليه للنزاع الإقليمي حول الصحراء، وذلك بالعمل مع الأطراف الأربعة المعنية بالعملية السياسية التي تشرف عليها الأممالمتحدة، لإقناعها باستئناف المفاوضات، عبر الية الموائد المستديرة تبعا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة. هذه هي محددات المهمة المهيكلة لدور السيد دي ميستورا ضمن رسالة التعيين، أي اقناع الأطراف الأربعة المعنية لاستئناف المفاوضات، في إطار قرارات مجلس الأمن منذ سنة 2007، ومن بينها القرار2703 بتاريخ 30 أكتوبر الماضي. والأطراف المعنية كما باتت معروفة في أدبيات مجلس الأمن، ولدى الرأي العام الدولي، هي المغرب، والجزائر، وموريتانيا و" البوليزاريو"، وليس بينها قطعا جنوب افريقيا، لذلك أحرى بالمبعوث الشخصي للأمين العام للام المتحدة ان يكرس جهوده ومساعيه لدى الأطراف الأربعة، ولاسيما الجزائر هذه الدولة /الطرف الأساس في هذا النزاع الإقليمي المفتعل، وذلك بمقتضى قرارات مجلس الأمن الدولي، لإقناعها باستئناف المفاوضات ضمن اطار الموائد المستديرة، كما بدأت عامي 2018 و2020، وصولا الى التسوية السياسية في ظل محددات مجلس الأمن. لذا، فإن تفاعل المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة مع دعوة جنوب افريقيا، البلد الذي لا يوجد ضمن الأطراف المعنية، يعتبر تجاوزا لمهمته، وانزياحا عن اطارها الضابط، وليس صحيحا ما ذكره المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك أن من حق دي ميستورا التشاور مع الأطراف التي يقدر أنها يمكن أن تسهم في تسهيل العملية السياسية، وان ذلك من صميم ولايته، ذلك أن رسالة تعيينه وقرارات مجلس الأمن التي تشكل تحدد مهمته، قد حددت الأطراف المعنية بالعملية السياسية، وحددت الوسيلة التي ينبغي أن تتم في اطارها المفاوضات، بل ورسمت معالم الغاية التي يفترض أن تنتهي إليها المفاوضات، واناطت بالمبعوث الشخصي العمل ضمن هذه الأطر والمحددات لإنجاح العملية السياسية، وحتى إن فرضنا جدلا أن من "حق" دي ميستورا توسيع دائرة المشاورات، فينبغي أن يتم ذلك في إطار الحوار مع الأطراف المعنية، وخاصة مع المغرب، البلد المعني أولا واخرا بالعملية السياسية، وفي احترام تام للأطر المرجعية. جنوب افريقيا، هذا البلد البعيد جغرافيا وتاريخيا عن المنطقة، لا يعول عليه بأي دور في العملية السياسية، ليس بسبب بعده عن المنطقة فحسب، وإنما أساسا لاستمراره في مراكمة عداء تاريخي لسيادة المغرب ووحدته الترابية، وذلك في وقت تحررت فيه معظم دول القارة الافريقية من الاصطفافات الأيديولوجية الموروثة عن نظام الثنائية القطبية، وباتت أكثر واقعية، وتفهما ،وانفتاحا على الحقائق، والوقائع والمصالح على الأرض، جعل الكثير من دول القارة تعيد بناء مواقفها الموروثة من أزمنة الحرب الباردة على أسس واقعية وموضوعية، إزاء عدد من القضايا والملفات الإقليمية والدولية، بينها قضية النزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية. وفي وقت أعادت فيه معظم البلدان الافريقية بناء مواقفها من قضية الصحراء، على أسس موضوعية وواقعية، من خلال اعترافها بسيادة المغرب على صحرائه، ودعم مبادرة الحكم الذاتي، بل ومبادرة بعضها الى فتح قنصليات في مدينتي العيون والداخلة امعانا في اظهار تأييدها للسيادة المغربية، ظلت جنوب افريقيا وحليفتها الاستراتيجية الجزائر متشبثتان بموقف العداء لسيادة المغرب ووحدته الترابية، معاكستان بذلك التوجه الإقليمي والدولي الداعم لمغربية الصحراء، ما يشي بأن موقفهما نابع أساسا من المصالح، والحسابات، والصراعات الجيوستراجية والسياسية والاقتصادية أكثر من أي سردية أخرى يتم تسويقها في هذا السياق، ولذا ما فتئتا تعملان سرا وعلانية على عرقلة التوجه الدولي الايل الى تسوية النزاع الإقليمي حول الصحراء ضمن مبادرة المغرب للحكم الذاتي، التي تلقى تأييدا دوليا واسعا. وضمن هذه المساعي الخبيثة، تأتي دعوة جنوب افريقيا للمبعوث الشخصي للأمين العام للمشاركة فيما أسماه نظام بريتوريا "اجتماعات لمناقشة قضية الصحراء المغربية؟ !"، دون أن تكون جنوب افريقيا بأي شكل من الأشكال طرفا في النزاع، ولعل هذا ما يدركه جيدا ستيفان دي ميستورا، وبالتالي، كان عليه أن يتحرى مرامي ونوايا هذه الدعوة الملغومة، قبل أن يتفاعل معها، لأن من شأن هذه الدعوة أن تعقد مأمورية دي ميستورا، وتؤثر على مسار العملية السياسية برمتها، وهذا ما تسعى له جنوب افريقيا والجزائر، خاصة في ظل الدينامية الدولية الداعمة للمبادرة المغربية للحكم الذاتي هذا على فرض "حسن النية" أو بالأحرى "سوء التقدير" حسب وصف الدبلوماسية المغربية لتفاعل دي ميستورا مع دعوة جنوب افريقيا، رغم أن الوصفان معا مستبعدان في الممارسة السياسية الدولية، وهذا بالتحديد ما يشيع الريبة في "حرݣة" المبعوث الشخصي للأمم المتحدة بتفاعله مع دعوة ملغومة لدولة معاكسة للتوجه الإقليمي والدولي في قضية الصحراء المغربية، وهو ما يبرر "الاعتراض" المغربي الرسمي على الزيارة، وتذكير السيد دي ميستورا بالأطر والضوابط المهيكلة لعمله وعدم الحياد عنها، نظرا لما قد يترتب على ذلك، من تشتيت للجهود، وتحريف للمسار، وتأخير في التسوية السياسية، وذلك بانتظار تبين الخلفيات الكامنة وراء "حرݣة" دي ميستورا