في هذه الأيام تتسابق الصحافة والنشطاء على نشر جديد ملف إبراهيم "المالي"، أو "إسكوبار الصحراء"، وضيفا الشرف فيه الثنائي "الناصيري / بعيوي". ملف "إسكوبار" لم يكن يحظى بهذه الأهمية رغم أنه مفتوح منذ 2018، غير أن نجاح "المالي" في إسقاط الثنائي "الناصيري وبعيوي" بتهم ثقيلة، بالرغم من نفوذهما وما يملكانه من علاقات معقدة متشابكة، تدل عليها المناصب الحساسة التي يشغلانها "سياسيا" و"مؤسساتيا"، وكذلك طبيعة الأعمال والمهام التي يشرفان عليها. ليس مهما هنا البحث في خلفيات "الثنائي" الجنائية، وليس مطلوبا التدقيق في تفاصيل الفضائح التي تورطا فيها، ولا حتى في حيوية المشاريع التي يعملان فيها، ولا حتى في المسؤوليات التي تقلداها "مؤسساتيا" وداخل المجتمع، بالقدر الذي يساعد على تسليط الضوء على طبيعة نخبة الحكم التي بدأت تتشكل قبل 20 سنة. بعد رحيل الحسن الثاني، شرع محيط الملك الجديد في صناعة "نخبة" تساعد الملك على تدبير شؤون الحكم، ووضعت لذلك قواعد حرصت على تنفيذها، كان من بينها خلق "عهد جديد"، أساسه تهميش السياسة، لصالح تفكيك للهوية الوطنية، جربت مرة دعم فكرة قطبيْ المحافظين والحداثيين، وصنعت لذلك حزب الأصالة والمعاصرة، قبل أن يكتشف المحيط بعد سنوات أن الحل هو الحكم دون سياسة! من أجل هذا الهدف، جرا إحلال "ركائز" جديدة للحكم، من بينها؛ شخصنة السلطة ومركزة القرار. حكم دون سياسة ورفض للسيادة الشعبية. تمكين التكنوقراط أو ما يعرف ب"بني وي وي". نخبة ناجحة بالمعيار المادي وإن كانت "جانحة" على المستوى القانوني والأخلاقي. "وطنية" مقلصة ومفصولة عن التاريخ والجغرافيا. السنوات العشرون التي قضيناها كانت محاولات تثبيت هذه الركائز، ولم تكن تهم الوسائل المستعملة في هذا الاستنبات المضاد لخط التطور الذي رسمه المغرب لنفسه، حتى أننا وقفنا في محطات غير قليلة أمام قسوة غير مفهومة ولا مبررة لتحقيق الهدف الذي رسمه أصحاب "الوصفة". قالت الدولة عبر وسائلها الأيديولوجية الناعمة والصلبة (أحيانا) إن لها "وصفة" جاهزة مجربة وناجحة، وهي غير مستعدة للتفاوض بشأنها، وإن على الجميع "الانخراط" كل من موقعه في تنزيل الجزء المتعلق بما يملى عليه لإنجازها. كانت حركة 20 فبراير وقراءة الشباب المنخرط في ديناميتها موفقة، حينما جعلت لمطالبها خطا سياسيا، مزج بين المطالبة بالإصلاحات الضرورية، ومحاربة الفساد والاستبداد، وركزته في عناوين أبرزها الموقف الرافض لوجود حزب الأصالة والمعاصرة، بلغت حد المطالبة بحله نهائيا. لم يصدر مطلب حل حزب "التراكتور" من فراغ، فرغم أن الحزب لم يتجاوز حينها إلا 3 سنوات من العمر، غير أنها كانت في تقدير الأغلبية كافية للاقتناع بأن "الوافد الجديد" ذاهب إلى "بَنْعَلَةِ" المغرب. في "الوصفة" كانت فكرة "الحركة لكل الديموقراطيين" روحها وجوهرها، مناضلون متعطشون للحكم بعد انفصالهم عن السياسة، و"أعيان" بنى الريع وجودهم الاقتصادي والاجتماعي، و"طارئون" مستعدون لتنفيذ أي شيء مقابل نفوذ بلا حدود. الثنائي "الناصيري/ بعيوي"، تخلْقا من هذه "الوصفة"، كما ظهرا نتيجة أعمال "الطباخ"، ففي أحسن الأحوال نحن أمام "نكهات" متغيرة وغير أصيلة في الطبخة، وبالتالي التركيز على النكهات، محاولة إخفاء أعطاب الوصفة، ومستوى حرفية الطباخ. وصفة الحكم بلا السياسة، أكبر من مسار الناصيري + بعيوي، ويكفي التوقف عند "زردة" 8 شتنبر، للتعرف على حجم المآسي التي حاقت بالوطن نتيجة هذه الوصفة، إهانة مكعبة للسياسة، أنتجت حكومة تضارب مصالح ونهب، ومجالس سرقة ونصب، وبلد يجري بسرعة الريح ليرتطم بالحائط. عوض الاجتهاد في عرض فضائح "النكهات" وتفاصيلها، واجبنا تجاه الوطن أن نستخلص العبر من هذا التشويه القاسي لوجهه، والقول بكل الوضوح الممكن، مشكلة بلدنا هي وصفة "الحكم دون سياسة"! فالحكم هو السياسة، ولا حكم دون سياسة. وكل من يريد أن "يحكم" بقتل السياسية، فهو يستهدف وجوده أولا.