تخرج من البيت قبل الموعد بربع ساعة، تسرع الخطى قليلا لتصل قبل خمس دقائق من الرابعة القديمة الخامسة الجديدة. دروب المدينة فارغة، وشوارعها هادئة على غير العادة، بعض الشباب فقط يمسكون أكياسا بلاستيكية يشمونها وأجسادهم تتمايل يمينا وشمالا، يطلبون درهما من كل مار ويدعون له ب"الله يخلي ليك أميمتك" لا يستحضرون أن البعض فقد أمه منذ زمان، وأن البعض يتمنى متى تموت ليرتاح منها، وأن البعض تخلص منها ورماها في دار العجزة إرضاءً للسيدة الجميلة، وأن البعض لا يعرف أمه أصلا.. مقاهي الأحياء الشعبية مليئة بالصراخ والدخان...إنها لا تليق بموعد كهذا، ولذلك قررتَ أن تتجه صوب "قهوة هاي شوية" في حي راقٍ حيث الناس محترمون، لا يبالون بالآخرين، وهناك يمكنك أن تجلس بهدوء وتحتسي فنجان قهوة "على كانتك"، ويمكنك أن تمسك يد حبيبتك أو تسرق منها قبلة ولا من يعترض أو يصيح في وجهك "طلق الدجاجة لماليها"، لا بأس أن "تخسر" على نفسك عشرين درهما "وتبكي على أمها" ياك ما كاتكمي ما كاتسكر"... تصل المقهى المقصودة و"الصدمة كانت قوية"، هي كذلك لم تعد هادئة ولا فارغة.. لا مكان شاغر ولا كرسي بلاستيكي حتى، لا فنجان قهوة ولا براد شاي ولا عصير فواكه. يقترح عليك النادل أن تجلس على "صندوق مونادا خاوي" وستطلب مشروبا غازيا لا خيار آخر، تتكبر وتقرر الانسحاب بشرف والزبناء يصرخون في وجهك "واحيد أصاحبي.. دوز ضغيا". تقطع الشارع الفارغ صوب مقهى آخر في الجهة المقابلة، تجد الزحام نفسه والصراخ يعلو على صوت المعلق، تشعر أنك محظوظ هذه المرة لأنك حصلت على كرسي وكل ما ينقصك هو مكان يمكنك من خلاله أن ترى الشاشة. أخيرا تجلس كباقي الزبناء المؤقتين، وتحرك رأسك يمينا وشمالا، توشك أن تقف، تحرك قدمك كأنك تسدد كرة، تتأسف على الفرص الضائعة، آه لو كنت مكانه كنت "راوغته وسددت كرة يسارية لا تُصد ولا تُرد".. تسمع ما لا يرضيك من الكلام، ينشطر المغاربة في المقهى نصفين نصف إسباني والنصف الآخر إسباني أيضا، يشتم بعضهم البعض ويشتمون جميعا الحكم و العارضة، أو لاعبا عنيفا يريد أن يكسر موهبة عالمية، وأنت تتابع صامتا لكنك تصيح أيضا بصوت غير مسموع... تنتهي مباراة الغريمين، ويخرج النصف فرحا شامتا والنصف الآخر غاضبا حانقا، وحديثهم عن الكلاسيكو سيتواصل لأيام، أو قل إلى كلاسيكو إسباني آخر.. وأنت تسألُكَ: ما جنسيتك؟ فتحار: هل أنت إسباني قضى يوما في المغرب، أم مغربي قضى يوما في إسبانيا؟ أم إسباني قضى يوما في إسبانيا؟ أم هو يوم خلا فيه المغرب من مواطنيه واحتله (إسبانيون) يتحدثون العربية ويحبون الكسكس يوم الجمعة؟ ولو أحصينا السكان في هذا اليوم.. كم سيكون عدد المغاربة؟ تغوص في شرودك قبل أن تتذكر أن العشرين درهما التي أنفقتها كان يحدثك أبوك أنه كان يشتري بها العجائب وهو يحدثك عن ماضيه التليد ككل مرة دون أن يتذكر أنه حكى تلك الحكايات لعشرات المرات، وهي اليوم أجر نصف يوم عمل لكثير من الكادحين في هذا الوطن، وعلى (إسبانيا) أن ترفع من أجور مواطنين تنهشهم الحكرة قبل يد الزمان الغادرة قبل أن ينتفضوا يوما ويعلنونها "مابقيناش مفرجين".