إن التراث والمدينة الذكية مسألة حيوية ومصيرية اليوم ومحدد أساسي ورئيسي في تطور المدينة، فهذه الأخيرة تجمع بين الأصالة والمعاصرة، فمن جهة التراث يبين الحضارة وهوية البلد وعمقه التاريخي والحضاري وعادات وتقاليد المجتمع، في حين المدينة الذكية هو الشكل الجديد الذي ستأخده المدن المستقبلية في ظل التحول الرقمي واقتصاد المعرفة وبالتالي التغير الكلي في وظائف المدينة الحالية وظهور وظائف وخدمات جديدة مستقبلا تتماشى وتواكب العصر الذي نريد الولوج إليه. ان مسألة التراث والمدينة الذكية مسألة شائكة جدا، فالأسئلة التي يجب ان تطرح : لماذا التراث والمدينة الذكية ؟ وكيف يمكن المحافظة على التراث في ظل الثورة الصناعية الرابعة ؟ وماهي الاستراتيجيات الحديثة للمحافظة على التراث من الضياع؟ وماهي افضل الممارسات العربية والدولية والعالمية في هذا المجال؟ وماهي أهم التحديات التي يمكن أن تواجه مسألة الحفاظ على التراث في ظل التحول الى المدينة الذكية؟ وما الفائدة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للمحافظة على التراث؟ كل هذه الأسئلة وغيرها محل تساؤل ونقاش بين مختلف الأطراف المتدخلة في هذا المجال. فالتراث الثقافي يمكن دمجه بشكل مستدام في المدن الذكية من خلال تبني تقنيات حديثة للحفاظ على التاريخ وتعزيز التفاعل بين السكان والتراث. وبالتالي يمكن استخدام التكنولوجيا لتعزيز الوعي بالتاريخ وتسهيل وصول الناس إلى المعلومات التراثية. ولكن هناك تحديات كبيرة جداً تواجه الحفاظ على التراث في ظل التحول إلى المدينة الذكية ومن بين هذه التحديات : فقدان الهوية الثقافية: فالتحول إلى المدن الذكية قد يؤدي إلى إهمال أو إزالة جوانب من التراث الثقافي، مما يمكن أن يؤدي إلى فقدان الهوية الثقافية تأثير التطور العقاري: فزيادة التطور العقاري في المدن الذكية قد يؤدي إلى هدم المباني التاريخيةوالمعالم، مما يشكل تهديدًا للتراث. التحديات الأمنية الرقمية: إن التكنولوجيا المتقدمة قد تعرض المعلومات التاريخية والثقافية للتهديد، وبالتالي تحتاج المدن الذكية إلى تكنولوجيا أمان فعّالة تحول نمط الحياة : فالتكنولوجيا قد تؤثر على نمط حياة السكان وتجعلهم أقل تفاعلًا مع التراث المحلي. ضغوط التنمية الحضرية: فزيادة الضغوط على المدن قد تؤدي إلى التضحية بالتراث لصالح التنمية الحضرية السريعة. ومن أجل تحقيق التوازن، يجب أن تتخذ المدن الذكية إجراءات للحفاظ على التراث وتكامل التكنولوجيا بشكل مستدام ومتوازن، ومن بين هذه الإجراءات والممارسات الفضلى في هذا المجال مايلي : تكامل التكنولوجيا بحذر : من خلال اعتماد تقنيات حديثة بحيث تعزز التراث بدلاً من التأثير السلبي، مثل استخدام التكنولوجيا للمحافظة على الوثائق الرقمية للمعالم التاريخية. المشاركة المجتمعية: حيث يتم تشجيع المشاركة الفعّالة للمجتمع المحلي في صنع القرار وتنفيذ مشاريع الحفاظ على التراث. إدارة مستدامة: من خلال تبني أساليب إدارة مستدامة للمواقع التاريخية والتراثية، بما في ذلك استخدام موارد طاقة نظيفة ومواد صديقة للبيئة. التوثيق الرقمي: العمل على إجراء التوثيق الرقمي للتراث الثقافي بما يسهم في الحفاظ على المعلومات والقطع الفنية بشكل دائم. التثقيف والتوعية: من خلال توجيه حملات توعية للجمهور حول أهمية الحفاظ على التراث وفهم كيفية الاستفادة من التكنولوجيا بشكل إيجابي. الشراكات العامة والخاصة: من خلال العمل على تعزيز التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص والمؤسسات الدولية لتوفير الدعم المالي والتقني لمشاريع الحفاظ على التراث. التشريعات والسياسات الفعّالة: من خلال وضع وتطبيق سياسات وقوانين تعزز حماية وحفاظ التراث الثقافي في سياق التحول إلى المدن الذكية. الاستفادة من السياحة الثقافية: من خلال تطوير استراتيجيات لاستخدام التراث كمورد سياحي، مع الحفاظ على التوازن بين جذب السياحة وحقوق المجتمع المحلي. فهذه الممارسات التي تجمع بين الابتكار التكنولوجي والمحافظة على القيم الثقافية، تساهم في تعزيز استدامة التراث في ظل التحول نحو المدن الذكية.