كلما اقتربت امتحانات الباكلوريا كثر الحديث عن الغش، واجتهد التلاميذ في ابتكار طرق جديدة، وتطوير طرق قديمة من أجل الغش المشروع ما دام الهدف مشروعا، فلكل مواطن الحق في الحصول على شهادة الباكالوريا حتى تفتح أمامه الأفق الأخرى ليتحول إلى طالب ثم إلى موظف أو عاطل المهم أنه "شد الباك سنة...". يقضي التلاميذ وقتا طويلا في التصغير والبحث عن طرق ذكية للتحضير للغش في الامتحان، وأعتقد جازما أن المجهود نفسَه أو أقل منه كاف ليجعلهم ينجحون دون حاجة إلى "حجابات" ولا "حروزا" كما أن الوقت الذي يقضيه في مراقبة المراقب وقت ثمين يحتاجه في قراءة الأسئلة والبحث عن الأجوبة على أسئلة رأى مثلها مرارا واجتاز فروض المراقبة المستمرة تكرارا، ولا فرق إلا في حجم الضغط والنسبة التي تمثلها النقطة في معدل التلميذ. المشكلة في تعاملنا مع ظاهرة الغش هي أننا نخرجها من سياقها العام، ونحاسب فيها حائطا قصيرا هو التلميذ. فتتحرك الوزارة والإعلام والشرطة... لمحاربة الغش غش التلاميذ في الامتحان الوطني، الوطني فقط علما أن التلميذ غش في الفروض، وفي الامتحان الجهوي وفي الثالثة إعدادي، وفي السادس حيث كان السيد المعلم يكتب له الأجوبة على السبورة ويمسحها بسرعة... ليفتخر المدير بأن طاقمه جاد ومؤسسته حصلت على أعلى نسبة نجاح بالإقليم. أمر جميل أيها السادة الكرام أن يحارَب الغش، والواضح أننا نحارب الغش المتطور بطرق تقليدية تقوم على الأستاذ المراقب والشرطة وكلام التلفاز، وجمعيها لا تسمن ولا تغني من غش. الأستاذ مسكين يخاف على صحته وسيارته المهترئة التي لم يتمم أقساط دينها بعد، فمن ينقذه من عصابات المتعلمين المقرقبين ومن دعوات آبائهم ب"الله يلكَيها ليه" وحتما سيلاقيها. والشرطة التي لم تحارب المجرمين الذين يسرقون الناس ويهددون أمنهم ويغتصبون بناتهم... يطلب منهم أن يحاربوا تلاميذ لا حول لهم ولا قوة إلا أنهم يطمحون أن يحصلوا على الباك ليتحولوا إلى شرطة وأساتذة لا حول لهم ولا قوة- كأنني أبرر الغش (ماتفهمنيش غالاط أصاحبي)-. أما التلفاز فمجرد كلام وكلام لم ير منه المواطن شيئا من زمان ولم يصدقه يوما فكيف يصدقه اليوم. سيدي الوزير اعلم –علمك الله (آه نسيت أنك وزير ولا يكون وزيرا إلا من علمه الله، وعلمه أبوه أيضا في المدارس الخاصة وفي الجامعات الغربية)- أن الغش ليس في المدارس فقط، وليس التلميذ وحده من يغش، فالأستاذ يغش في حصصه، وفي الامتحانات المهنية والجامعية "يخرجون" المطبوعات ب"العلّاني"، وإذا تغيبوا بلا عذر ذهبوا إلى الطبيب الغشاش وأعطاهم شهادة طبية فالأطباء أيضا يغشون والشرطة إذا أوقفت أحدهم لأنه غش وخرق قانون السير غش الشرطي أيضا وتسلم "شي بركة" دون أن يحرر مخالفة، والبرلماني يغش ويتغيب وينام في البرلمان... والوزير يكذب ويغش، ومول الحانوت يغش، ومول الزريعة، والنجار والحداد والبناء والزفات، والعاطل ووو ... كلهم/ كلكم/ كلنا/ كلهن... يغشون إلا من رحم ربك. باختصار إذا أردتم أن تحاربوا الغش صدقا فاعتقلوا كل الغشاشين ليطلق سراح الوطن.