كثر الحديث عن تلك الترسانة القانونية التي تتهيأ في الخفاء من أجل تدميرالأسرة المغربية واضعاف الرجل المغربي وزعزعة عقيدة شعب بأكمله، والقضاء بشكل تام وواضح على القيم المغربية، كثر الحديث عن تلك المدونة المستوردة من الغرب، والتي ستدلل المرأة المغربية وتضسرها على سيدها الرجل، هذا الأخير الذي سيعاني في المحاكم حيث سيتم استنزافه ماديا ومعنويا، كثر الحديث عن تلك النصوص الدينية المقدسة التي للأسف سيتم الغاؤها واستبدالها بنصوص غربية لا تعترف بالدين الاسلامي والهوية الوطنية والخصوصية الثقافية لبلادنا. احتد النقاش ما بين متنمر وساخر وخائف، وجاهل ومتجاهل. حدث ذلك عشية نشر بلاغ الديوان الملكي المتعلق بإعادة النظر في مدونة الاسرة، والتي أسند جلالة الملك من خلاله لوزارة العدل والسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة الاشراف العملي على إعادة النظر في مجموعة القوانين التي تنظم حياة الاسرة المغربية على ان تتم مشاورات وفتح قنوات للحوار والاقتراحات مع القوى المدنية والمجتمعية المختصة. لكن للأسف في الوقت الذي كنت وغيري من نساء هذا الوطن الغيورات على مستقبل الاسرة المغربية ننتظر التجاوب الإيجابي مع هكذا خطوة جبارة صادرة من اعلى سلطة في البلاد، فاذا بموجة رهيبة من النقد والتخويف والتهويل والاستخفاف ملئت وسائل التواصل الاجتماعي وجلسات المقاهي والبيوت وسيارات الأجرة ومكاتب العمل ووقفات الشباب في الاحياء والدروب ...فكثر الحديث... تابعت كل هذه الزوبعة ,لم أشارك ولم أعطي رأيي , حتى أنني لم أبدل أدنى مجهود في محاولة اقناع احدهم بوجهة نظري, لأنني في الواقع كنت تحت وطأة الصدمة ,ليس لأنني لا اقبل الاختلاف او النقاش أولأني أملك الصواب وغيري خاطئ, بل اكثر ما ألمني هو المستوى المخيف الذي وصلت اليه قضية المرأة المغربية بعدما قطعنا اشواطا كبرى في مصالحة المرأة مع المجتمع الذكوري بفضل الإرادة السياسية العليا للبلاد و التي كان الرجل المغربي داعما لهذه الإرادة في مختلف المحطات التي مر منها هذا التصالح , كنت تحت وطأة الصدمة عندما أرى صور تستهزأ بالأمهات والمطلقات والارامل بشكل مقزز, صور اعتبرت المرأة كائنا متوحشا متعطش لإفلاس الرجل و زجه في السجون و الانتقام منه. أيها المجتمع الذكوري ... ان نسبة كبيرة من المغربيات اللواتي هن الأمهات والأخوات والبنات يعانين في صمت، وتهيمن عليهن فطرة الامومة مما يجعلهن يتجاوزن الكثير من حقوقهن. لن أدخل في التفاصيل والثغرات القانونية و إشكالية عدم تنفيذ الاحكام و التحايل على القانون و الهروب من المسؤولية , وليست الغاية من هذا المقال ان أسلط الضوء على بشاعة اشباه الرجال ونذالة من يترك ام باطفال بدون نفقة ومشاركة في التربية من تعليم و تطبيب وترفيه, من يترك له الولاية ليحقق بها رجولة مزيفة و يعيق الضروريات الإدارية اليومية للطفل بحجة انه الأب الولي الشرعي وهو في الواقع انتقام مبطن من الأم ,من يستغل الفهم السطحي لبعض النصوص القرآنية حول الميراث و يسيطر على حقوق النساء في أسرته بحجة أنها حدود الله . لكنني اليوم اريد تسليط الضوء على ما هو أخطر من كل هذا، وهو ان وسائل التواصل الاجتماعي عرت عن واقع مخيف يمكن تلخيصه فيما يلي: نسبة كبيرة من الشباب المغربي يرى المرأة عدوا له يريد تدميره ماديا ومعنويا , يرى أن الحركة النسائية هي مجموعة من الفاشلات عاطفيا منحرفات أخلاقيا مختلات نفسيا وعقليا , الانطلاق من فكرة أن كل الحقوق التي تطالب بها المرأة هي تبعية للغرب و محاولة سطحية للتشبه بالمرأة الغربية و انبطاح لدعوات المنظمات الدولية و تبعية عمياء لليبيرالية و العلمانية و تنزيل لاتفاقيات دولية دخيلة على الإسلام و الثقافة العربية وعلى رأسها اتفاقية السيداو وهي اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة, هذه الأخيرة التي ذاع صيتها فجأة لدى رواد و سائل التواصل الاجتماعي و في الجلسات الدينية و الفيديوهات الدعوية على أساس انها اتفاقية غربية كافرة تحرض على الشذوذ و التفكك الأسري و تحارب القران و السنة, و الحال ان هذه الاتفاقية بموادها الثلاثين في شرح تفصيلي لما جاء في ديباجتها ,و ابرز ما جاء في هذه الأخيرة ما يلي : إن الدول الأطراف في هذه الاتفاقية، إذ تلحظ أن ميثاق الأممالمتحدة يؤكد من جديد الإيمان بحقوق الإنسان الأساسية، وبكرامة الفرد وقدره، وبتساوي الرجل والمرأة في الحقوق وإذ تلحظ أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يؤكد مبدأ عدم جواز التمييز، ويعلن أن جميع الناس يولدون أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق، وأن لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات الواردة في الإعلان المذكور، دون أي تمييز، بما في ذلك التمييز القائم على الجنس وإذ تلحظ أن على الدول الأطراف في العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان واجب ضمان مساواة الرجل والمرأة في حق التمتع بجميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية وإذ تأخذ بعين الاعتبار الاتفاقيات الدولية المعقودة برعاية الأممالمتحدة والوكالات المتخصصة، التي تشجع مساواة الرجل والمرأة في الحقوق وإذ تلحظ أيضا القرارات والإعلانات والتوصيات التي اعتمدتها الأممالمتحدة والوكالات المتخصصة، للنهوض بمساواة الرجل والمرأة في الحقوق وإذ يساورها القلق، مع ذلك، لأنه لا يزال هناك، على الرغم من تلك الصكوك المختلفة، تمييز واسع النطاق ضد المرأة وإذ تشير إلى أن التمييز ضد المرأة يشكل انتهاكا لمبدأي المساواة في الحقوق واحترام كرامة الإنسان، ويعد عقبة أمام مشاركة المرأة، على قدم المساواة مع الرجل، في حياة بلدهما السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ويعوق نمو رخاء المجتمع والأسرة، ويزيد من صعوبة التنمية الكاملة لإمكانات المرأة في خدمة بلدها والبشرية وإذ يساورها القلق، وهى ترى النساء، في حالات الفقر، لا ينلن إلا أدنى نصيب من الغذاء والصحة والتعليم والتدريب وفرص العمالة والحاجات الأخرى وإذ تؤمن بأن إقامة النظام الاقتصادي الدولي الجديد، القائم على الإنصاف والعدل، سيسهم إسهاما بارزا في النهوض بالمساواة بين الرجل والمرأة ...... وإذ تضع نصب عينيها دور المرأة العظيم في رفاه الأسرة وفى تنمية المجتمع، الذي لم يعترف به حتى الآن على نحو كامل، والأهمية الاجتماعية للأمومة ولدور الوالدين كليهما في الأسرة وفى تنشئة الأطفال وإذ تدرك أن دور المرأة في الإنجاب لا يجوز أن يكون أساسا للتمييز، بل إن تنشئة الأطفال تتطلب بدلا من ذلك تقاسم المسؤولية بين الرجل والمرأة والمجتمع ككل وإذ تدرك أن تحقيق المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة يتطلب إحداث تغيير في الدور التقليدي للرجل وكذلك في دور المرأة في المجتمع والأسرة... وتعتبر الديباجة المؤطر العام و الأساسي لجميع بنود الاتفاقية وعليه فهي المحدد الأساسي لمجال عملها و الذي لا يتجاوز حث الدول الأطراف فيها على سن قوانين و تشريعات تضمن عدم التمييز بين الرجل و المرأة في المجالات الاتية: الصحة، التعليم، المساواة امام القضاء , في الضمان الاجتماعي, محاربة على الأدوار النمطية التقليدية السائدة في بعض المجتمعات , محاربة الاتجار بالمرأة و البغاء , ضمان حقوقها المدنية و السياسية من تصويت و المشاركة السياسية الى جانب الرجل وغيرها من الحقوق الاقتصادية الأساسية لضمان العيش الكريم لها . من جهة أخرى يحيلنا هذه الهجوم الغير المبرر و المستمر في الزمان الى الازدواجية في الزاوية التي يتم التعامل بها مع المرأة حيث ان الطفل عندنا يتحول فجأة من كائن بريء يرى في المرأة محور حياته و مصدر الأمان لديه ويكون أول شاهد على تضحياتها من أجل صونه وتربيته بحسب ما هو متاح لها ماديا ومعنويا , شاهد أيضا على حرصها الشديد على حمايته بداية من نفسه و المجتمع حتى لو من باب فطرة الأمومة ,الى مرحلة ما بعد الطفولة و التأثر بالمحيط السائد في مجتمعنا و هنا يقع التحول من انسان منضوي تحت جلباب امرأة الى داعية يستقوي عليها و يستكثر عليها أبسط حقوقها الإنسانية و أي اجتهاد فقهي أو قانوني من شأنه تحسين ظروف حياتها و الذي سينعكس بقوة المنطق على حياة اسرة بأكملها وفي مقدمتها المصلحة الفضلى للطفل . ان ما يجهله هؤلاء ان المرأة في شمال افريقيا والشرق الاوسط عانت دائما من الهيمنة الذكورية، منذ عصور، من شيوخ وفقهاء يكيفون النصوص القرآنية والسنة على هواهم , يغيرون كل شيء و يجتهدون في كل المجالات و تبقى المرأة "حرمة" خط أحمر, جعلوا من أي محاولة للاجتهاد و تجويد أي نص قرأني أو ملائمته مع السياق و الزمن و تطور المجتمع أمر محرما خطيرا وأنه دعوة صريحة الى الفاحشة , و بين كل هذا تضيع المرأة و الرجل معا و معهما فرص كبيرة لتنمية المجتمع و الحرص على توازنه حيث لا يستقوى طرف على أخر و انه حان الوقت بفضل الإرادة الملكية التقدمية و المتنورة و العادلة أن نعيد التفكير في مجتمع لطالما كان منارة للحضارة و احترام الاختلاف و التوجهات الفكرية واختار توجها دينيا معتدلا يغلب عليه طابع التصوف الذي يعزز العلاقة الثنائية ما بين الله سبحانه و تعالى و الانسان ,كنا مجتمعا يستمد قوته الروحانية و الدينية و الثقافية منه و لا ينتظر استراد شيوخ او فقهاء يفتون لنا فيما ما بيننا .
*ناشطة حقوقية وأستاذة باحثة في القانون الدولي لحقوق الانسان