إن الحديث عن هيئة المناصفة ومكافحة جميع أشكال التمييز التي نص الدستور المغربي على مأسستها يقودنا في بداية الأمر بتحديد بعض المفاهيم المرتبطة بتسميتها. – التمييز: يمكن تعريف التمييز على أنه معاملة غير مواتية إزاء شخص أو مجموعة من الأشخاص على أساس معايير غير مشروعة ويمكن أن نربط هذه المعايير بخصائص متأصلة في الشخص(الجنس،العرق،اللون،السن،وغيرها…) أو خصائص مكتسبة (اللغة،الدين،الوضع الأسري ،الانتماء النقابي…) ويمكن أن يمارس التمييز من قبل أشخاص طبيعيين أو معنويين، أو من طرف موظفي الدولة أو مؤسسات القطاع العام أو الخاص. وقد تم التطرق لمفهوم التمييز في العديد من الإعلانات والمواثيق الدولية، حيث نجد المادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الانسان تنص على ما يلي:" لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان دونما تمييز من أي نوع، ولاسيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين ، أو الرأي سياسيا وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد أو أي وضع آخر" . وبما أننا في إطار الحديث عن التمييز ضد المرأة، فقد ورد مفهوم التمييز في المادة الأولى من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة والتي تنص على أن مصطلح التمييز يعني " أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس ويكون من آثاره أو أغراضه توهين أو إحباط الاعتراف للمرأة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية والمدنية، أو في أي ميدان آخر، أو توهين او أحباط تمتعها بهذه الحقوق أو ممارستها لها، بصرف النظر عن حالتها الزوجية وعلى أساس المساواة بينها وبين الرجل." كما تؤكد المادة الثانية من الاتفاقية على:" أن تسحب الدول الأطراف جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وتتفق على أن تنتهج بكل الوسائل المناسبة ودون إبداء سياسة تستهدف القضاء على التمييز ضد المرأة وتحقيقا لذلك تتعهد بالقيام بما يلي: أ- إدماج مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في دساتيرها الوطنية أو تشريعاتها المناسبة الأخرى إذا لم يكن هذا المبدأ قد أدمج فيها حتى الآن، وكفالة التحقيق العملي لهذا المبدأ من خلال التشريع وغيره من الوسائل المناسبة. ب- اتخاذ المناسب من التدابير تشريعية وغير تشريعية بما في ذلك ما يناسب من جزاءات لحظر كل تمييز ضد المرأة. ج- فرض حماية قانونية لحقوق المرأة على قدم المساواة مع الرجل وضمان الحماية الفعالة للمرأة عن طريق المحاكم ذات الاختصاص والمؤسسات العامة الأخرى في البلد، من أي عمل تمييزي . د- الامتناع عن مباشرة أي عمل تمييز ي أو ممارسة تمييزية ضد المرأة وكفالة تصرف السلطات والمؤسسات العامة بما يتفق وهذا الالتزام . و- اتخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة من جانب أي شخص أو منظمة أو مؤسسة، اتخاذ جميع التدابير المناسبة بما في ذلك التشريعي منها، لتغيير أو إبطال القائم من القوانين والنظم والعراف والممارسات التي تشكل تمييزا ضد المرأة. ز- إلغاء جميع الأحكام الجزائية الوطنية التي تشكل تمييزا ضد المرأة " وحسب التعاريف التي سبقت يتبين أن هناك تمييزا مباشرا وآخر غير مباشر: يتمثل غرض التمييز المباشر في تفضيل مجموعة معينة على مجموعة أخرى بموجب بعض القوانين. أما أثر التمييز غير المباشر فيتمثل في تفضيل مجموعة معينة على مجموعة أخرى، فالتمييز غير المباشر يغطي جميع الممارسات المحايدة على المستوى الرسمي والتي لها أثر سلبي غير متناسب على الأفراد المنتمين إلى بعض الفئات المهمشة (وخاصة النساء والأقليات العرقية والإثنية) وذلك بغض النظر عن دوافع المروجين لها . وتفيد لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة التابعة لهيئة الأمم بأن التمييز غير المباشر قد يحدث عندما تبنى القوانين والسياسات العامة والبرامج على معايير محايدة في ظاهرها، في حين يكون لها أثر سيء على المرأة عند تطبيقها فعليا، وقد تديم عن غير قصد نتائج التمييز الذي حدث في الماضي. ويمكن تفسير هذا التمييز غير المباشر بأسباب غالبا ما تكون بنيوية يمكن أن تنجم عن التوقعات والمواقف وأنواع السلوك النمطية المقولبة الموجهة نحو المرأة، والمبنية على الفروق البيولوجية بين المرأة والرجل، وقد توجد أيضا بسبب ما هو قائم بصفة عامة من إخضاع الرجل للمرأة، والقوانين والسياسات العامة والبرامج المحايدة بالنسبة لنوع الجنس، قد تديم عن غير قصد نتائج التمييز الذي حدث في الماضي.وقد تكون مصاغة بسبب عدم الانتباه على نموذج الأساليب الحياتية للذكر، وبالتالي لا تأخذ في الاعتبار نواحي الخبرات الحياتية للمرأة والتي قد تختلف عن تلك الخاصة بالرجل. . ونجد نوعا من التمييز لا تعتبره المنظمات تمييزا، وهو الذي يكون الغرض منه القضاء على التمييز ضد المرأة حيث نجد المادة 4 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة تنص على أنه : أ- لا يعتبر اتخاذ الدول الأطراف تدابير خاصة مؤقتة تستهدف التعجيل بالمساواة الفعلية بين الرجل والمرأة تمييزا كما تحدده هذه الاتفاقية، ولكنه يجب ان لا يستتبع بأي حال كنتيجة له بالإبقاء على معايير غير متكافئة أو منفصلة، كما يجب وقف العمل بهذه التدابير عندما تكون أهداف التكافؤ في الفرص والمعاملة قد تحققت. ب- لا يعتبر اتخاذ الدول الأطراف تدابير خاصة لحماية الأمومة بما في ذلك التدابير الواردة في هذه الاتفاقية إجراءات تمييزية. فالاتفاقية تلزم الدول التي صادقت على الاتفاقية باتخاذ تدابير وإجراءات لصالح المرأة قصد العمل على التسريع بتحقيق مساواة المرأة بالرجل في التمتع بكافة الحقوق والحريات، لكن هذه الإجراءات تبقى مؤقتة واستتنائية، وما أن يتحقق القصد منها إلا ويجب إيقاف العمل بها، وإلا أصبحت بدورها تميبيزا ضد الرجل.فالغرض منها هو أن الدفع بالنساء إلى المشاركة والوصول إلى مراكز القرار لترفع عنها الحيف والظلم الذي عانته لسنين. إن مبدأ المساواة وعدم التمييز لا يعني أن كافة حالات التمييز بين البشر هي غير قانونية بمقتضى القانون الدولي، فحالات المفاضلة مشروعة وقانونية بشرط: – أن تتوخى غرضا مشروعا مثل العمل الايجابي بغية التصدي لأوجه التفاوت الواقع. – أن تكون معقولة بالنظر إلى غرضها المشروع، وللأغراض المدعاة للمفاضلة في المعاملة التي لا يمكن تبريرها موضوعيا والتدابير التي لا تتناسب مع الغرض المشروع الذي يتحقق هي تدابير غير قانونية وتتعارض مع قانون حقوق الانسان الدولي . – المناصفة: مبدأ المناصفة يسعى المسوقون له تحقيق تطلعات وآمال المدافعين عن حقوق المرأة، فبواسطته سيتم تحقيق المساواة الفعلية على أرض الواقع بين المرأة والرجل، ويعزز تكافؤ الفرص بين الجنسين حتى يتسنى للمرأة المشاركة الحقيقية في الحياة العامة وفي ولوج مراكز القرار وتقلد المناصب القيادية العليا لتساهم بدورها إلى جانب الرجل في اتخاذ القرارات وخاصة تلك الخاصة بحقوقها وحياتها. ويمكن تعريف المناصفة بين الجنسين على أنها المساواة العددية والحضور والتمثيل المتساوي للنساء والرجال في جميع مراكز اتخاذ القرار بالمؤسسات سواء على مستوى القطاع العام أو القطاع الخاص أو السياسي، وقد عملت من أجل دعم مشاركة النساء على قدم المساواة مع الرجل في كافة مستويات اتخاذ القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وقد عرفتها أمينة المريني على :" أنها التمثيل المتساوي للنساء والرجال على مستوى الكم، في جميع المجالات وفي الولوج إلى هيئات صنع القرار في القطاع العمومي والمهني والسياسي. وتشكل المناصفة التي تقدم على أنها الاعتراف باللامساواة المبنية اجتماعيا على أساس السياسات الرامية بين الرجل والمرأة في هيئات صنع القرار العمومي والسياسي، وفي مجال الشغل والتربية وغيرها.وتهدف المناصفة إلى الأخذ بعين الاعتبار أشكال التمييز الفعلية ضد المرأة في حين يتجلى سبب وجودها في ضرورة اللجوء إلى آليات مؤسساتية ملزمة لمواجهة هذا التميبيز. ولا يوجد تعريف للمناصفة في المواثيق الدولية، بل نجدها تتحدث عن التدابير والإجراءات التي يجب على الدول الأطراف اتخاذها من أجل تحقيق المساواة بين الجنسين.وهناك تعهد في مؤتمر بكين 1995 بين الدول حيث نجد إعلان بيكن ينص على اتخاذ مجموعة من التدابير التي ترتبط ترجمتها عمليا بمفهوم المناصفة، وهي التدابير الكفيلة بوصول المرأة على قدم المساواة مع الرجل إلى هياكل السلطة وإلى مراكز صنع القرار والمشاركة الكاملة فيها.وأيضا الالتزام بإعادة التوازن في نسبة الرجال والنساء في الهيئات و اللجن الحكومية، وكذا في الإدارات العمومية وفي القضاء، ولاسيما من خلال وضع أهداف محددة وتطبيق تدابير تروم تحقيق زيادة ملموسة في عدد النساء في المناصب العمومية بغرض الوصول الى تمثيل متساو في كل المناصب الحكومية والإدارات العمومية وعبر اتخاذ تدابير إيجابية، إذ تعتبر آليات الأممالمتحدة والأجهزة المسؤولة عن النهوض بأوضاع المرأة أن التسيير الشفاف و المسؤول والديمقراطي لقضايا المجتمع يستدعي مشاركة متساوية للنساء والرجال في مناصب اتخاذ القرار. وبالرجوع الى دساتير وقوانين بعض الدول نجد أن القليل من الدول هي من تبنت التنصيص على مفهوم المناصفة في دساتيرها وقوانينها، مثل المغرب الذي نص في دستور 2011 على المناصفة، وسأعود لمناقشة هذا التنصيص المغربي بشكل منفرد بعد أن أشير الى الدول التي تبنت المناصفة. ففرنسا مثلا نجدها قد نصت صراحة على مبدأ المناصفة في قانون الانتخابات 2001، وفي قانون الانتخابات البرلمانية المحلية والإقليمية سنة2002 …ونجد أن تطبيق مبدأ المناصفة بفرنسا عرف مجموعة من الصعوبات والعوائق، حيث لم تتجمع الدولة في مأسسته قانونيا رغم التنصيص عليه في الدستور، إلا بعد التعديل الدستوري الأخير.ذلك أن فرنسا حاولت إصدار قانون يهدف إلى إقرار نظام الحصص في الانتخابات المحلية ولم يسمح بذلك المجلس الدستوري الذي اعتبر أن التمييز الايجابي مخالف لمبدأ المساواة أمام القانون الذي يضمنه الدستور. كما أثارت المطالبة بتنزيل مبدأ المناصفة على المستوى الدستوري والقانوني بفرنسا الكثير من الجدل والمعارضة خصوصا في صفوف الحركات النسوية، ونذكر هنا مقال ل"إليزابيت بادنتير" بجريدة لوموند التي سجلت خلاله اعتراضها وقالت : " وأخيرا يضاف الى اعتراضي كمواطنة وشعوري بالإهانة كمناضلة نسائية شعور عميق بالإهانة، فهل نحن معاقات إلى هذه الدرجة، حتى يتم فرضنا عن طريق الإكراه الدستوري– الكوطا -". وتونس بدورها سنت قرار يكرس مبدأ المناصفة بين الرجل والمرأة في القائمات الانتخابية العامة بالمجلس الوطني التأسيسي. والبرتغال سنة 1998 تبنت الحكومة قانون يهدف إلى ضمان تكافؤ أفضل للفرص بين الرجال والنساء، والذي نص على مبدأ الكوطا على مستوى لوائح الترشيح للانتخابات والذي تم رفضه من طرف مجلس النواب.كما أن إيطاليا دفعت بعدم دستورية قانونين صدرا سنة 1993، واللذان كان ينصان على تخصيص حصص للمرأة في لوائح الترشيح، وقد أقرت المحكمة الدستورية بعدم دستورية أحكام هذين القانونين لكونهما يتعارضان مع مبدأ المساواة بين الجنسين. وتطبيق المناصفة في المجال السياسي عرفت جدلا ونقاشا بين رافض ومؤيد في الدول التي حاولت تطبيقها . المناصفة بين المؤيدين والمعارضين: – فمعارضو المناصفة يقدمون مبدأ الكونية كدليل أساسي حيث أنت المصلحة العامة تتعارض مع المصلحة الفئوية، وحيث أن التمييز الإيجابي قد يهدد المساواة بين جميع المواطنين.وانطلاقا من هذا المنظور وبما أن معيار الأهلية في القانون يسري على الجميع بنفس الطريقة، فإن المواطن وبالتالي المرشح لا يمكن تمييزه على أساس خصائص معينة تتعلق بالجنس أو الثقافة أو الدين، فمن شأن كل تمايز أن يكسر وحدة جمهور الناخبين، ويمكن أن يقود إلى مطالب ترفعها فئة معينة من المجتمع وقد يؤدي الى الطائفية.بالإضافة إلى ذلك فإن إقامة نظام الكوطا أو المناصفة يمكن أن يشكك في كفاءة المستفيدين منه. فالمعارضون يرون أن المناصفة تتعارض ومفهوم المواطنة في إطار النظام الديمقراطي ومن حيث مسها بمبدأ المساواة.وتطبيقها يعتبر انتهاكا لمبدأ الاستحقاق الكفاءة.ذلك أن وجود المرأة بالفضاء العام يسجل باعتبارها مواطنة لها كامل الحقوق وعليها كامل الواجبات وليس باعتبارها أنثى. كما تعتبر المناصفة آلية تمس بمبدأ تكافؤ الفرص الدستوري وفيه تمييز بين المواطنين. ونجد أن القوة التي يمتلكها حضور مجموعة من المبادئ دستوريا كالمساواة والاستحقاق والكفاءة والديمقراطية والمواطنة يؤسس مناعة ومقاومة مؤسساتية ومبدئية ضد تطبيق المناصفة، فيقع الاعتراض على تطبيق هذا المفهوم في إطار المنطق الدستوري من حيث عدم إمكانية الأخذ بمقتضى من مقتضيات الدستور بمعزل عن باقي المقتضيات، وفي إطار اعتبار أن المنطق القانوني السليم يرفض تناقض مضامين الدستور لأن أجزاء الدستور يجب أن تفهم في تناغم وبما ينسجم مع جميع مقتضياته. – أما الحجج التي يدلي بها مناصرو تطبيق المناصفة فيمكن إجمالها في ما يلي: كون المناصفة هي تدبير تصحيح للمجتمع على أساس الإنصاف والعدل، حيث أنها تعيد الاعتبار الى مبدأ المساواة بين الجنسين على أرض الواقع، علما أن هذا المبدأ يكرسه القانون وذلك من خلال تفعيل تدابير تفضيلية لفائدة النساء.واستنادا على الحقيقة التي تفيد بأن الجنس قد يشكل العنصر الوحيد الذي لا يمكن أن ينفصل عن الشخص نفسه، والذي لا يمكن أن ننسبه لفئة اجتماعية، فإن تحديد القانون لشروط ولوج الرجال والنساء على قدم المساواة إلى الوظائف الانتخابية لا يمكن أن يقارن بالطائفية أو سياسة التدبير الايجابي الأمريكية، وذلك لأن النساء لا يشكلن لا فئة ولا أقلية. إن إقامة المناصفة بين الرجل والمرأة لا يمكن أن تكون مبررا إذن لمطالب فئات أخرى من المجتمع. كما أن المناصفة تزيل التفاوت والاختلال الواقعي الذي تكرسه الآليات البنوية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية التي تسبب تهيش المرأة، كما أنها فرصة تتيح للمرأة التواجد في صلب المبادرات الوازنة. أما بخصوص التعارض مع مبدأ الدستور فيذكرون أن العديد من الدول اتخذت تدابير وإجراءات التمييز الايجابي لصالح النساء بشكل قانوني ودون تسجيل أي تعارض مع مضامين الدستور. وطرح جدل آخر حول المناصفة والكوطا، فهناك من يراها بأنها بمثابة نظام كوطا هدفه مكافحة التمييز وزعزعة اللامساواة الهيكلية، ومن هذا المنطلق فهو نظاما تمييزيا، في حين أن هناك من يذكر أن المطالبة بالمناصفة هي من أجل المساواة في الوضع وليس من أجل تمثيل أقلية كما هو الأمر بالنسبة لنظام الكوطا. ومهما كان الاختلاف حول التسميات وتطبيق مبدأ المناصفة بين مؤيد ومعارض فهي تبقى وسيلة وآلية تهدف الى تصحيح الواقع الذي نجد فيه الرجل هو المهيمن على أغلب المناصب والمراكز، بالمقابل نجد أغلب النساء مازلن يعشن التهميش والأمية ونماذج من المعاناة وخاصة بالعالم القروي، فالمناصفة هذا الإجراء المؤقت هو تشجيع وتحفيز للمرأة للانخراط في عجلة التنمية والبناء إلى حين استئناسها بالعمل السياسي وبناء الثقة بينها وبين المجتمع من كونها قادرة على البذل والعطاء في هذا الميدان الذي بقي حكرا على الرجل. أما بخصوص الكفاءة فهي تكتسب من خلال الممارسة والتجربة، ولابأس في البداية أن يكون هناك نوعا من تقديم يد المساعدة للنساء إلى حين تمكنهن من الخبرة.ومن جهة أخرى فالواقع يثبت وبالملموس أن العديد من النساء برعن وابتكرن في القيام بمهامهن خير قيام في كافة المجلات التي وجدن فيها. وتبقى الحجة الأساسية في عملية شرعنة مبدأ المناصفة هو بعدها الذي يروم مكافحة التمييز ضد المرأة، هذا الهدف الذي تشدد علية المنظمات الدولية وتطالب الدول الأطراف على تفعيل التدابير التفضيلية أو التمييز الإيجابي لصالح فئة معينة قصد تصحيح وضع هذه الفئة التي كانت ضحية التمييز في الماضي أو الحاضر.وهذا يتماشى كذلك مع الإعلان العالمي لحقوق الانسان الذي ينص على أن الناس جميعا يولدون أحرارا ومتساويين في الكرامة والحقوق، وأن لكل شخص الحق في المطالبة بكل الحقوق والحريات المذكورة في الإعلان دون تمييز من أي نوع كان، وخصوصا ما ارتبط بالجنس.فالإعلان وكذلك الاتفاقات الأخرى الخاصة بحقوق الإنسان كلها تلزم الدول بضمان التساوي بين الرجل والمرأة في ممارسة كافة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، وبما أن المغرب من الدول التي صادقت على هذه الاتفاقيات فقد نص في الدستور الأخير على إحداث هيئة المناصفة ومكافحة جميع أشكال التمييز لأن الإيفاء بالتزاماته المتمثلة في تحقيق المساواة بين الجنسين تحتاج الى تدخل مؤسساتي وإرادة صارمة قصد بلوغ الهدف. الأسس المرجعية لهيئة المناصفة ومكافحة جميع أشكال التمييز: – المرجعية الاسلامية: إن المتتبع لأحكام الدين الإسلامي يجد الإسلام بعقائده وتشريعاته قد أولى عناية خاصة بالمرأة ، وذلك لما تستحقه من الحرمة والتعظيم والتثمين، فالمرأة هي الأم والزوجة والبنت والجدة …هي نصف المجتمع يجب أن تصان حقوقها، وتاريخ الإسلام يظهر بالملموس أن المرأة كانت توجد في جميع المجالات والأماكن وتقوم بكل الوظائف المرتبطة بالحياة، وحققت وظائفها بالشكل الذي يلائم العصر الذي تنتمي إليه. ولم يقتصر دور المرأة على الوظيفة البيولوجية من حمل أو إنجاب ورضاعة بل قامت بالوظائف كلها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والدينية والتربوية والمدنية، وما عرف عن المرأة المغربية أنها تنازلت عن دينها وقيمها، حيث كان يضرب بها المثل في الصلاح والإصلاح وفي المحافظة على توجهات الدين الاسلامي واحترام مقدساته والذود عنه في كل المحافل. والمغرب باعتباره بلدا إسلاميا وقد نص الدستور في ديباجته على أن " المملكة المغربية دولة إسلامية …..كما أن الهوية المغربية تتميز بتبويء الدين الاسلامي مكانة الصدارة فيها .." وكذا في الفصل الثالث من الدستور جاء فيه " الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية" لهذا مما يجعل أن كل القوانين التي سيتم إصدارها يجب أن لا تتعارض والمرجعية الإسلامية والهوية المغربية، فهذا هو القاسم المشترك بين المغاربة الذي لا يمكنهم السماح بالمساس به.فمن غير الممكن استصدار أو المصادقة على اتفاقية تتعارض ومرجعية المغاربة الإسلامية التي يجب أن يكون الاجتهاد في ظلها و تحت غطائها، من هنا فالساهرون على مأسسة هيئة المناصفة ومكافحة جميع أشكال التمييز يجب أن يأخذوا بالاعتبار هذا الأمر. إن الإسلام قد حفظ للمرأة حقوقها مند الولادة حتى الممات، وقررها في تشريعاته التي لا يملك أحد الخيرة فيها قال تعالى: " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم…." وتشريع الإسلام لهذه الحقوق فيه تنويه لقيمة المرأة في المجتمع ودورها البارز في الحياة، فلها مكانة عظيمة في التشريع الرباني الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وقد أخذت المرأة هذه المكانة الرفيعة لما لها من دور مهم وبارز في حياتنا وفي بناء الأمم والأجيال، سواء كانت أما أو أختا أو زوجة أو ابنة أو غير ذلك…فالمرأة مكرمة باعتبارها إنسان كرمها الخالق ولم يظلمها وهو أعلم بما يناسبها من حقوق وواجبات قال تعالى :" ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" . والتعامل مع قضية المرأة من عدل وإنصاف تعامل معها الإسلام بنظرة تكاملية، فلا ينظر إليها من جانب الحقوق فحسب بل من ناحية الواجبات كذلك. كما يجب أن يكون المنطلق عند الذين سيشرعون لهذه الهيئة أن عدل الله مطلق وليس في شرعه ظلم لبشر أو لأي أحد من خلقه، والله لا يوزن حكمه بموازين البشر، بل المقياس الإلهي هو الذي ينبغي أن تقاس به أفعال العباد.وما جاء في القرآن والسنة من نصوص تظهر علو المكانة التي أولاها الإسلام للمرأة وأنه لا يوجد تشريع سابق ولا لاحق كرم المرأة كما كرمها التشريع الرباني.فميزان عمل العمل هي الشريعة الإسلامية التي لا يملك أحدا الحق في أن يحلل حراما أو أن يحرم حلالا. – الدستور: أولى الدستور المغربي عناية خاصة لحقوق المرأة كما هو متعارف عليها عالميا مع حظر ومكافحة كل أشكال التمييز حيث أوجب على السلطات العمومية وضع سياسات تهتم بالمرأة، وكفيلة بتحقيق المساواة بين الجنسين، حيث يؤكد الفصل السادس من الدستور على ضرورة تفعيل مبدأ المساواة فنص على ما يلي :" القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة، والجميع أشخاصا ذاتيين واعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له. تعمل السلطات العمومية على توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين، والمساواة بينهم، ومن مشاركتهم في الحياة السياسة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية…." . ويعتبر المغرب من الدول القلائل التي نصت صراحة على مبدأ المناصفة في دستور 2011 بالإضافة الى مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص، حيث جاء في الفصل التاسع عشر من الدستور على ما يلي: " يتمتع الرجل والمرأة على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها.تسعى الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز." كما جاء في الديباجة أن المملكة المغربية تؤكد وتلتزم على :" حظر ومكافحة كل أشكال التمييز بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو اللغة أو الإعاقة أو أي وضع شخصي مهما كان ." وهذا يتماشى والتزامات المغرب مع المنتظم الدولي. وبخصوص الاختصاصات الموكولة لهذه الهيئة فالدستور قد تطرق لها في المادة 164 والتي نصت على ما يلي: " تسهر الهيأة المكلفة بالمناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز المحدثة بموجب الفصل التاسع عشر من هذا الدستور، بصفة خاصة على احترام الحقوق والحريات المنصوص عليها في الفصل المذكور، مع مراعاة الاختصاصات المسندة للمجلس الوطني لحقوق الانسان.". وهذا يتماشى كذلك ورأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي حول النهوض بالمساواة بين النساء والرجال في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية الذي يحمل عنوان :" تحقيق المساواة بين النساء والرجال مسؤولية الجميع تصورات وتوصيات معيارية ومؤسساتية:" حيث يلاحظ أن الآلية المؤسساتية للنهوض بأوضاع المرأة محدودة جدا من حيث صلاحياتها، وموقعها ومواردها، مما يعوق بروزها، وقدراتها على أن تدفع وتحرك، أو تتبع بطريقة فعالة سياسية وبرامج من شأنها تحقيق المبدأ الدستوري الخاص بالمساواة بين النساء والرجال وتحريك هذه السياسات ومتابعة فعالياتها."واعتبر أن مراجعة الآلية الوطنية ضرورة ملحة، وأن إحداث هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز التي نص عليها الدستور، تمثل تاريخية يتعين على كل الأطراف المعنية أن تساهم في إنجاحها." فالدستور المغربي أولى أهمية بالغة لمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، حيث حمل الدولة السهر على ضمان تكافؤ الفرص للجميع وضمان الحماية القانونية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية لجميع الفئات. – التشريعات الوطنية: بالرجوع إلى التشريعات الوطنية نجد أن المغرب قطع أشواطا كبيرة فيما يتعلق بحقوق المرأة وإرساء مبدأ المساواة. جاءت مدونة الأسرة بمقتضيات وصياغة جديدة تحترم كرامة وإنسانية المرأة، وأكدت على المسؤولية المشتركة للزوجين لضمان بناء أسرة مغربية مستقرة تساوي بين الجنسين، كما يضمن لهما حقهما الإنساني والقانوني سواء الرجل أو المرأة.وقد تم تعديلها من منطلق تشاركي عرف مشاركة مختلف الهيئات بفعالية ودينامية كبيرين في الاقتراح، وكانت ثمار نقاش عاشه المجتمع كله بمختلف فئاته كاد أن يتحول النقاش الى انزلاقات بين تيارات المجتمع تيار محافظ يدافع عن تشبته بالهوية المغربية والموروث ومرجعيته الإسلامية مع الانفتاح على المجتمع الانساني والاستفادة منه، والأخذ ما لا يخالف الشريعة الاسلامية وهوية المغاربة الدينية والوطنية، وتيار حداثي يريد تبني المرجعية " الكونية " كاملة دون تجزيء لقناعات أفراده أن حقوق الإنسان هي كونية ولا تتجزأ، مما أفضى الى مسيرتين واحدة بالدار البيضاء قادها وأخرى بالرباط قادتها الحركات اليسارية، الأمر الذي عجل بالتدخل الملكي الذي شكل لجنة عملت على إعداد مدونة الأسرة التي تمت بداية العمل بها سنة 2003. كما أن هناك العديد من القوانين التي تم تعديلها والتي تمنع التمييز مثل: القانون الجنائي 2004 في المادة 431-1 التي تنص على ما يلي:" يكون تمييزا كل تفرقة بين الأشخاص والطبيعيين، الأشخاص المعنويين، بسبب الأصل الوطني، أو الأصل الاجتماعي أو اللون أو الجنس أو الوضعية الأسرية أو الحالة الصحية أو الإعاقة أو الرأي السياسي أو الانتماء النقابي أو عدم الانتماء الحقيقي أو المفترض لعرق أو لأمة أو لسلالة أو لدين " . وقد أدرج مفهوم التمييز الإيجابي من خلال تحديد القانون للحالات التي لا يعاقب فيها التمييز" . ومدونة الشغل بدورها في ماتها التاسعة تنص على ما يلي :" يمنع كل تمييز بين الأجراء من حيث السلالة أو اللون أو الجنس أو الإعاقة أو الحالة الزوجية أو العقيدة أو الرأي السياسي أو الانتماء النقابي أو الأصل الوطني أو الأصل الاجتماعي، يكون من شأنه خرق أو تحريف مبدأ تكافؤ الفرص أو عدم المعاملة بالمثل في مجال التشغيل أو تعاطي مهنته، لا سيما في ما يتعلق بالتأجير وإدارة الشغل وتوزيعه والتكوين المهني والأجر والترقية والاستفادة من الامتيازات الاجتماعية والتدابير التأديبية والفصل في الشغل . وقانون الصحافة 2003 يعاقب في مادته 39 مكرر على التحريض على التمييز أو العنف حيث ينص على أن :" كل من استعمل إحدى الوسائل المبينة في الفصل 38، للتحريض على التمييز العنصري أو الكراهية أو العنف ضد شخص أو أشخاص اعتبارا لجنسهم أو لأصلهم أو للونهم أو لانتمائهم العرقي أو الديني أو تساند جرائم الحرب ضد الانسانية يعاقب بحبس تتراوح مدته بين شهر وسنة واحدة وبغرامة بين 3000و 30000 درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين. – المواثيق الدولية : حماية حقوق المرأة كانت محل اهتمام المجتمع الدولي سواء على المستوى العالمي أو الإقليمي فكان من الطبيعي إذن أن تعمل المنظمات الدولية على إيجاد مواثيق واتفاقيات دولية قصد حماية حقوق المرأة بدءا من الإعلان العالمي لحقوق الانسان، والاتفاقيات الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية الصادرة سنة 1979م، وصولا إلى الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة لعام 1979، والبروتوكول الاختياري الملحق بها لعام 1999م، هذه الاتفاقية التي تعتبر الركيزة لحقوق المرأة. إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ينص في مادته 16 على المساواة بين الرجل والمرأة، كما أن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة( سيداو 1978) التزمت الدول الموقعة عليها بما فيها المغرب بالعمل على تحقيق المساواة بين الجنسين ومحاربة كافة أشكال التمييز كالاتجار بالمرأة واستغلال بغاء المرأة، والقضاء على التمييز في الحياة السياسية.وتكفل للمرأة الحق في التصويت في جميع الانتخابات والاستفتاءات العامة، والأهلية للانتخابات التي ينتخب أعضاؤها بالاقتراع العام، ومشاركتها في صياغة وتنفيذ سياسة الحكومة، وتمثيل الحكومة على المستوى الدولي والاشتراك في أعمال المنظمات…وكذلك تضمن لها المساواة في الميادين الاجتماعية والاقتصادية والثقافية… ودستور 2001م كرس قضية تعهد التزام المغرب ما تقتضيه المواثيق الدولية من مبادئ وحقوق وواجبات، وأكد على تشبثه بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا. والتزم كما جاء في تصدير الدستور الذي يعتبر جزءا لا يتجزأ من الدستور ب: – حماية حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والنهوض بهما والإسهام في تطويرها، مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق، وعدم قبليتها للتجزيء. – حظر مكافحة كل أشكال التمييز بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي، أو اللغة أو الإعاقة أو أي وضع تشخيصي مهما كان. – جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية، تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات مع ما تتطلبه تلك المصادقة. يظهر أن هناك التزاما قانونيا على الدول الأطراف في الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان بضرورة تعديل تشريعاتها الوطنية بما يتفق مع أحكام هذه الاتفاقيات الدولية.ويرى الدكتور منتصر سعيد حمادة أن هذا الالتزام يرجع إلى نظرية سمو القانون الدولي العام على القانون الداخلي أو الوطني، ولذا يرى أنه في حالة تراخي الدول الأطراف عن القيام بهذه الاجراءات التشريعية أو في حالة عدم القيام بها أصلا تقوم المسؤولية الدولية في حقها، ويجب على الأممالمتحدة والمجتمع الدولي إجبارها على القيام بذلك بالوسائل القانونية المتاحة. ورغم أن الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان قد أشارت إلى ضرورة قيام الدول الأطراف بدمج هذه الحقوق في تشريعاتها الوطنية كضمانة لحماية هذه الحقوق، إلا أنها أجازت لهذه الدول في بعض الحالات الضرورية تقييد هذه الحقوق لصالح الأمن العام والنظام العام في هذه الدول . ولهذا نصت المادة الرابعة من الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على ما يلي:" يحق للدول الأطراف في الاتفاقية في مجال التمتع بالحقوق التي تؤمنها تماشيا مع الاتفاقية الحالية، أن تخضع هذه الحقوق للقيود المقررة في القانون فقط وإلى المدى الذي يتماشى مع طبيعة هذه الحقوق فقط.". ومن جهة أخرى نجد في الدستور المغربي بأن المملكة المغربية دولة إسلامية كما أن الهوية المغربية تتميز بتبويء الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها …مما يبين بأن أي مادة في أي اتفاقية في حالة معارضتها للدين الاسلامي فهي غير سارية المفعول. وفي اتفاقية حقوق الطفل جاء في المادة الثانية على أن :" تحترم الدول الأطراف الحقوق الموضحة في هذه الاتفاقية، وتضمنها لكل طفل يخضع لولايتها، دون أي نوع من أنواع التمييز، بغض النظر عن عنصر الطفل أو والديه أو الوصي القانوني عليه أو لونهم أو جنسهم أو لغتهم أو دينهم أو رأيهم السياسي أو غيره أو أصلها القومي أو الإثني أو الاجتماعي أو ثروتهم أو عجزهم أو مولدهم أو أي وضع آخر." كما تنص الاتفاقية على أن تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة لتكفل للطفل الحماية من جميع أشكال التمييز أو العقاب القائمة على أساس مركز والدي الطفل أو الأوصياء القانونيين عليه أو أعضاء الأسرة أو أنشطتهم أو آرائهم المعبر أو معتقداتهم."وفي تعليقها العام حول التدابير العامة لتفعيل اتفاقية حقوق الطفل شددت لجنة حقوق الطفل على مفهوم الفاعلية في مجال حقوق الطفل، بما في ذلك الحق في عدم التمييز وفي هذا الإطار أولت اللجنة اهتماما خاصا لمشكلة التمييز ضد الفتيات وخاصة في مبادئها التوجيهية للدول الأطراف حول إعداد تقاريرها المتعلقة بتفعيل الاتفاقية، وهكذا تطلب اللجنة بشكل صريح تفسيرات عن واقع الفتيات والوسائل المستخدمة بشكل فعلي لمكافحة التمييز ضدهن. وكذلك نجد الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في مادتها الثالثة جاء فيها: " تستند هذه الاتفاقية على عشرة مبادئ عامة، بما في ذلك المساواة بين الرجل والمرأة: – احترام كرامة الأشخاص المتأصلة واستقلالهم الذاتي بما في ذلك حرية تقرير خياراتهم بأنفسهم واستقلاليتهم. – عدم التمييز. – المشاركة والاندماج بصورة كاملة وفعالة في المجتمع. – احترام الفوارق وقبول الأشخاص ذوي الإعاقة كجزء من النوع البشري والطبيعة البشرية. – تكافؤ الفرص. – سهولة الولوج. – المساواة بين الرجل والمرأة. – احترام تطوير قدرات الأطفال ذوي الإعاقة . – احترام حق الأطفال ذوي الإعاقة في الحفاظ على هويتهم. وفي سنة 1993 أعاد المؤتمر العالمي الأول حول حقوق الإنسان في فيينا التأكيد بقوة في الإعلان وبرنامج العمل المتعلق به على أن " حقوق الإنسان للمرأة والطفلة تشكل جزءا من حقوق الإنسان العالمية لا ينفصل ولا يقبل التصرف ولا التجزئة، وأن مشاركة المرأة مشاركة كاملة وعلى قدم المساواة في الحياة السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي واستئصال جميع أشكال التمييز على أساس الجنس .. وبذهابنا الى إعلان بيكن كذلك لعام 1995 نجد أن المؤتمر الدولي دعا في إعلانه (ا لذي اعتمدته 189 دولة في المؤتمر العالمي الرابع حول المرأة سنة 1995)، الحكومات إلى اتخاذ مجموعة من التدابير نذكر منها: – تعزيز الحقوق الأساسية للمرأة وحمايتها. – إنشاء مؤسسات وطنية مستقلة لحماية حقوق الإنسان والنهوض بها، بما في ذلك الحقوق الإنسانية للمرأة . – إعطاء الأولوية لتعزيز وحماية ممارسة المرأة والرجل لجميع الحقوق والحريات الأساسية ممارسة كاملة وعلى قدم المساواة.. – توفير ضمانات دستورية أو إصدار التشريع الملائم لمنع التمييز على أساس الجنس بالنسبة الى جميع النساء والفتيات. – اتخاذ التدابير الكفيلة لوصول المرأة على قدم المساواة مع الرجل إلى هياكل السلطة ومراكز صنع القرار والمشاركة الكاملة فيها. تنزيل وتفعيل هيئة المناصفة تم السعي لتنزيل منطلقات التأسيس الدستوري لمبدأ المناصفة من خلال مباشرة تأسيس هيئة المناصفة ومكافحة كافة أشكال التمييز، بالإضافة إلى ذلك وفي محاولة تحقيق الانسجام بين النصوص التشريعة والتنظيمية مع الدستور، تم إدراج مبدأ المناصفة في القوانين التنظيمية المنظمة لمسطرة التعيين في المناصب العليا التي يتم التداول في شأن التعيين فيها بمجلس الحكومة.كما تضمن القانون التنظيمي لمجلس المستشارين مقتضيات تهم المناصفة في اللوائح الانتخابية لانتخاب أعضاء مجلس المستشارين، وأيضا تم اعتماد مجموعة من المبادرات من طرف عدة قطاعات حكومية عبرت من خلالها عن حسن نية اتجاه تطبيق هذا المبدأ. وقد دعت الحركة من أجل المناصفة التي تتشكل من عدد من الجمعيات النسوية في بيان لها إلى تفعيل مبدأ المناصفة في مشاريع القوانين التي هي محط نقاش حاليا بالمغرب، من قبيل القانون التنظيمي للأحزاب السياسية والقانون التنظيمي المتعلق بتنظيم مجلس النواب… وقد تعاملت مع هذا المبدأ أحزاب مختلفة عملت على تشكيل آليات مؤسساتية تستغل على موضوع المناصفة داخل الأحزاب كالعدالة والتنمية، الاستقلال، الاشتراكي الموحد، شكلت لجنا تهتم بالتأسيس للمناصفة والمساواة وتكافؤ الفرص. عقبات أمام تطبيق المناصفة: بداية نجد أن النص الدستوري عندما تحدث عن المناصفة يذكر السعي إلى تحقيق مبدأ المناصفة وليس تحقيق المناصفة، الأمر الذي يطرح إشكالية ما هي التدابير والإجراءات المتبعة في هذا السعي؟ فالدستور لم يلزم بتحقيق المناصفة وإنما العمل على الوصول إليها، أما متى أو ما هو الميزان أن نقيس به هذا السعي فغير محدد، وما هي المدة الزمنية التي سيستغرقها هذا السعي كذلك غير محددة، وهذا سيخلق بطبيعة الحال نقاشا وجدالا بين مكونات هذه الهيئة التي ستعمل على إعداد القانون التنظيمي لهذه الهيئة، مما سيجعل الأمر هو العمل على تحديد كوطا للنساء في كل مرة إلى أن تتهيأ الظروف لتحقيق المناصفة. وترى فاطمة الزهراء بابا أن الدستور رغم تنصيصه على السعي نحو المناصفة، نجد أنه بينما ينص على مقتضيات من شأنها تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف الانتخابية (الفصل30)، لم يذهب في هذا الاتجاه فيما يخص الولوج الى الوظائف العمومية أو الوظائف السامية.كما نجد الدستور من خلال مضامين الفصل 92 يتناول بالذكر القانون التنظيمي الذي يعتبر أنه يحدد على وجه الخصوص، مبادئ ومعايير التعيين في المناصب السامية، ولا سيما منها مبادئ تكافؤ الفرص والاستحقاق والكفاءة والشفافية، ولم ينص في هذا الجزء من الدستور على مبدأ المناصفة. كما نجد أن الفصل 31 من الدستور ينص على أن تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتسيير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين على قدم المساواة من الحق في :….ولوج الوظائف العمومية حسب الاستحقاق ولم يذكر فيه حسب المناصفة، والاستحقاق يعني الاحتكام الى الكفاءة والخبرة والتجربة.والشاهد أن أغلب المناصب ومراكز القرارات التي تفتح للتباري حولها يكون عدد الراغبات فيها قليل، أو حتى إن شاركن تجد الطرف الآخر الرجل له من المؤهلات والكفاءات مما يجعل المنصب المتبارى حوله من نصيبه… إن المناصفة في النسخة العربية من الدستور تم اعتبارها بمثابة مبدأ في حين وردت في النسخة الفرنسية بمثابة مفهوم مجرد من صفة المبدأ.لتخرج باستنتاج بكون مضامين الدستور لا تستوفي الضمانات الكافية التي ستساعد على تحقيق سعي قوي نحو تفعيل المناصفة على جميع المستويات، خصوصا على مستوى القطاعات العمومية والمجال الاقتصادي. وتبقى خلاصة الأمر أن المناصفة ستبقى موضع نقاش وجدال بين مختلف التيارات داخل المجتمع بسبب المرجعية التي ينطلق منها كل طرف، الأمر الذي يتطلب ضرورة الحوار والإنصات وتقريب الرؤى والأفكار لتوسيع دائرة المشترك والمزيد من البحث والدراسة للمختلف حوله شريطة عدم المس بثوابت وخصوصية المجتمع التي هي تنوع وعنصر إغناء. وأي تطبيق للمناصفة يجب أن يتم تطبيقها بالتدريج لصعوبة تنزيل كل الآليات المرتبطة بهذا المبدأ، كما هو شأن العديد من الدول بما فيها الأوربية التي سبقتنا في التنصيص عليها، وأن أي تسرع في علمية وضع الآليات سيعود بالسلب وعدم خدمة قضية المرأة بعدالة.
هوامش : [1] أمينة لمريني الوهابي وربيعة الناصري، في أفق إحداث الهيئة المكلفة بالمناصفة ومكافحة جميع اشكال التمييز، منشورات المجلس الوطني لحقوق الانسان، سلسلة الدراسات، نونبر2011، ص:11. [2] أمير فرج يوسف، الأحكام الدولية المعاصرة في العنف والتمييز ضد المرأة، مركز الاسكندرية للكتاب، 2009، ص:7. [3] أمينة لمريني الوهابي ،مرجع سابق، ص:13-14. [4] نفسه،ص:15. [5] اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة،المادة:4. [6] أمير فرج،مرجع سابق،ص:34. [7] فاطمة الزهراء بابا أحمد،مبدأ المناصفة التأسيس الدستوري ورهانات التنزيل،مجلة مسالك،عدد مزدوج:23،24،2013،النجاحالجديدة،المغرب،ص:65. [8] أمينة لمريني الوهابي، نفسه،ص:16 [9] فاطمة الزهراء بابا أحمد،نفس المرجع،ص:65. [10] فاطمة الزهراء بابا،مرجع سابق ،ص:68. [11] أمينة لمريني ،مرجع سابق،ص:16. [12] فاطمة الزهراء بابا ،مرجع سابق،ص: 67. [13] أمينة لمريني ،مرجع سابق،ص:16. [14] سورة الأحزاب، الآية:36 [15] سورة الملك، الآية : 14 [16] رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي حول النهوض بالمساواة بين النساء والرجال. [17] القانون رقم 2-03 المعدل والمتمم للقانون الجنائي الصادر بموجب الظهير رقم1-03-2007 بتاريخ 11يونيو 2003 في الجريدة الرسمية الصادرة بتاريخ 16 يناير 2004. [18] انظر القانون السابق في الجريدة الرسمية. [19] القانون رقم 65-99 الصادر بموجب ظهير 11 شتنبر 2003 بالجريدة الرسمية رقم….بتاريخ 8دجنبر 2003. [20] الحماية الدولية ، ص: 248. [21] لمريني ،مرجع سابق،ص:31. [22] المؤتمر العالمي حول حقوق الانسان فيينا من 14 الى 25 يونيو 1993. [23] للتوسع انظر المرجع السابق ص:34… [24] فاطمة الزهراء بابا أحمد، مبدأ المناصفة التأسيس الدستوري ورهانات التنزيل،مسالك عدد مزدوج 23-24 ،2013 ص:69.