ترى بثينة قروري رئيسة منتدى الزهراء للمرأة المغربية ضرورة إحداث مجلس أعلى للأسرة كمؤسسة دستورية، يهتم باقتراح الآليات المناسبة لتعزيز مكانة مؤسسة الأسرة وحمايتها ويبدي رأيه في السياسات العامة التي تهم مؤسسة الأسرة، وذلك في إطار مراجعة الدستور المغربي تجاوبا مع الخطاب الملكي ليوم 9 مارس المنصرم. وعن مساهمة المنتدى في النقاش الدائر حول مراجعة الستور قالت قروري في حوار ل ''التجديد'': ''لا يملك أي مغربي في هذه اللحظة التاريخية إلا أن يساهم في هذا النقاش الوطني الواسع، وقد نظمنا بهذا الصدد يوما دراسيا في الموضوع بمشاركة مجموعة من المختصين في الموضوع ونحن عاكفون على إعداد مذكرتنا بهذا الشأن قصد عرضها على اللجنة الاستشارية المكلفة بمراجعة الدستور''. وتطرقت قروري في هذا الحوار إلى العديد من المحاور منها على الخصوص دسترة المشاركة السياسية للمرأة وحق التحفظ بشأن الاتفاقيات الدولية، وغيرها من المحاور هذه تفاصيلها: كيف تقرؤون في منتدى الزهراء للمرأة المغربية الدينامية السياسية والاجتماعية الجارية في المغرب على ضوء الخطاب الملكي ل 9 مارس؟ منتدى الزهراء للمرأة المغربية باعتباره شبكة نسائية تتكون من 60 جمعية تتوزع على مختلف جهات وأقاليم المملكة راكم صورة واضحة حول أهم الاختلالات الموجودة في المجتمع المغربي وبصفة خاصة ما يتعلق بقضايا المرأة والأسرة وذلك من خلال مراكز الاستماع والعمل الميداني لجمعياته التي لامس من خلالها الأوضاع المزرية التي تعيشها المرأة والأسرة، هذه الوضعية التي تعتبر نتاج ظروف مجتمعية يعيشها المجتمع ككل، خاصة الفقر والبطالة والاتجار بالبشر والدعارة والاستغلال الجنسي للقاصرات، وهو الأمر الذي وقفنا عليه في عدة حالات وردت علينا في مراكز الاستماع والإرشاد الأسري التابعة للشبكة، خصوصا مع ضعف الجانب القانوني الرادع، ووجود أحكام قضائية مخيبة للآمال. كنا نشعر بأننا نناضل لوحدنا في الميدان إلى جانب بعض الفعاليات الجمعوية الأخرى، لكن التحولات المتسارعة الجارية في العالم العربي والدينامية الاحتجاجية الشبابية الأخيرة في المغرب ضخت دماء جديدة في مسيرتنا النضالية وبدأنا نستشعر بالفعل هبوب رياح الديمقراطية في العالم العربي، لاسيما وأن جزء كبيرا من معاناة المرأة والأسرة في المغرب يرجع إلى ضعف تجذر قيم المساواة الحقيقية وتقدير قيمة المرأة ومكانتها في المجتمع، وضعف احترام الحقوق والحريات، إن هذه الوضعية في النهاية مرتبطة بتعثر الديمقراطية في واقعنا المعيش. وفي هذا السياق لا يمكن لنا إلا أن نستبشر خيرا بمضامين الخطاب الملكي ليوم 9 مارس الذي يجعل من الإرادة الشعبية مصدرا للسلطة ويضفي قيمة حقيقية على الصوت الانتخابي مادامت الحكومة منبثقة عن الأغلبية النيابية وما دام الوزير الأول يعين من الحزب الأول الحاصل على أغلبية مقاعد مجلس النواب. وإن الإعلان عن إصلاحات دستورية عميقة سيفتح بلادنا على ديمقراطية حقيقية وعلى مؤسسات سياسية قوية على قاعدة ثوابت وطنية راسخة، وفي هذا الإطار نقرأ في منتدى الزهراء للمرأة المغربية دلالات منطوق الخطاب الملكي الرامي إلى ''تعزيز مشاركة المرأة في تدبير الشأن الجهوي، وفي الحقوق السياسية عامة، وذلك بالتنصيص القانوني على ولوجها للمهام الانتخابية، وهو ما يعني الرفع من التمثيلية النسائية في المؤسسات المنتخبة. ولكن كيف تنظرون إلى انعكاسات التعديلات الدستورية المرتقبة على واقع المرأة والأسرة المغربيتين؟ من المفيد أن نشير إلى أن موقع المرأة والأسرة في الدستور المغربي الحالي لا يرقى إلى المكانة التي تتطلع إليها النساء المغربيات، وتقتصر الإشارة إلى المرأة بشكل مباشر في الدستور على مادة يتيمة هي الفصل ,8 إذ تمت الإشارة إلى أن المرأة والرجل متساويان في الحقوق السياسية. ''أما مصطلح الأسرة فهو غائب تماما عن متن الوثيقة الدستورية بخلاف الأمر عند العديد من الدول العربية وغيرها، فالدستور المغربي لا ينص على الحق في حماية الأسرة والأمومة والطفولة، كما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته ,16 فقرة 3 من أن الأسرة هي الخلية الطبيعية والأساسية في المجتمع، ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة، هذا النقص الذي نطالب باستدراكه في في دستور .2011 إننا نتطلع إلى مضامين دستورية قوية تعمل على صيانة مؤسسة الأسرة التي تعتبر الخلية الأساسية للمجتمع وتقوم بالعديد من الأدوار والمهام التي لها انعكاسات اجتماعية واقتصادية وثقافية وتربوية وسياسية أيضا، ومن واجب الدستور أن يعمل على تحصين هذه المؤسسة وحمايتها وجعل من مسؤولية الدولة والمجتمع تجاوز كل العوائق التي من شأنها عرقلة بناء الأسرة أو استمراريتها، من قبيل حماية الأمومة والطفولة والتشجيع على الزواج... فمثلا هناك دساتير عدد من الدول العربية والإسلامية وغيرها التي تنص على الأسرة هي خلية المجتمع الأساسية وتحميها الدولة، وأن الدولة تحمي الزواج وتشجع عليه وتزيل العقبات المادية والاجتماعية التي تقوم فيه وتحمي الأمومة والطفولة وترعى النشء والشباب وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم. من هنا يأتي مطلبنا بضرورة إحداث مجلس أعلى للأسرة كمؤسسة دستورية يهتم باقتراح الآليات المناسبة لتعزيز مكانة مؤسسة الأسرة وحمايتها ويبدي رأيه في السياسات العامة التي تهم مؤسسة الأسرة. و ماذا ترون بالنسبة للمشاركة السياسية للمرأة في المرحلة القادمة؟ نعتقد أن حضور المرأة في مرحلة ما بعد مراجعة الدستور، لن يبقى رهينا بالتصويت والترشح، ولكن حضور المرأة في المشهد السياسي سيتميز بنكهة خاصة ترتبط بالمكانة الدستورية التي ستحظى بها في الوثيقة الدستورية الجديدة. إن المطلوب اليوم هو تعزيز وجود المرأة ليس فقط في المؤسسات التمثيلية ولكن في جميع مراكز اتخاذ القرار والمناصب العليا، وهو ما يتطلب التنصيص الدستوري على الآليات الكفيلة بإعمال مقتضيات التمييز الإيجابي للمرأة حتى تتمكن من تجاوز الهوة التاريخية القائمة بين الجنسين بفعل تراكمات ثقافية ومجتمعية لازالت راسخة، كما أن قضية التمثيل السياسي للمرأة لا ينبغي اختزالها في مجال الهياكل الرسمية المعنية بصناعة وتنفيذ السياسات العامة، ولكن علينا أن نأخذ بعين الاعتبار قدرة المرأة على صياغة المعنى الواسع للسياسة وقدرتها على إنتاج القيم السياسية وتوزيعها من خلال مؤسسات التنشئة الاجتماعية التي تبدأ من العائلة، مرورا بالمدرسة وجمعيات المجتمع المدني والأحزاب السياسية، فالسلطة هي إحدى تعبيرات وتجسيدات مفهوم السياسة، ولكنها ليست التجسيد الوحيد والأهم. وفي هذا الصدد نؤكد على أن رؤيتنا لهذا الموضوع نابعة من مقاربة شاملة تستحضر خطورة وأهمية دور المرأة كأم وكزوجة وكقطب رحى بالنسبة للأسرة وهو ما يستدعي تبديد العقبات أمامها حتى تتمكن من القيام بوظائفها على أحسن وجه سواء في المجال العام أو المجال الخاص. وهنا يحضرني نموذج بعض الدول الأوروبية التي عملت على توفير دور للحضانة داخل مؤسسة البرلمان. هل سيكون لكم مساهمة في هذا النقاش الدستوري؟ لا يملك أي مغربي في هذه اللحظة التاريخية إلا أن يساهم في هذا النقاش الوطني الواسع، وقد نظمنا بهذا الصدد يوما دراسيا في الموضوع بمشاركة مجموعة من المختصين في الموضوع ونحن عاكفون على إعداد مذكرتنا بهذا الشأن قصد عرضها على اللجنة الاستشارية المكلفة بمراجعة الدستور. تنص إحدى توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة على سمو معايير القانون الدولي لحقوق الإنسان على القوانين الوطنية كيف ترون هذه التوصية؟ إن الحركية الدولية التي عرفها العالم بعد الحرب العالمية الثانية والتي أنتجت العديد من الاتفاقيات الدولية في مجال حقوق الإنسان لا يمكن أن نتعامل معها إلا بإيجابية، فالاتفاقيات الدولية زاخرة بالكثير من الأمور الإيجابية في ما يتعلق بحقوق المرأة والأسرة وحماية الأمومة والأطفال، كمنع العمل الليلي بالنسبة للمرأة ومنع تشغيل القاصرين وضمان المساواة في الأجور بين النساء والرجال، وحق المرأة في ممارسة أمومتها وذلك بضمان حقها في إجازة الأمومة وغيرها من المقتضيات الواردة في هذا الشأن، لكن تبقى بعض المواد الواردة في تلك الاتفاقيات تتعارض مع بعض مقتضيات الشريعة الإسلامية خاصة في مجال المرأة والأسرة وهنا يمكن للدول، حسب المادة 2 من اتفاقية فيينا لسنة ,1969 المصادقة على الاتفاقية مع التحفظ على بعض المواد، وهو الأمر الذي وقع للمغرب بالنسبة لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. فالخصوصيات الثقافية هي من حقوق الشعوب، وهو ما عبر عنه الإعلان العالمي للتنوع الثقافي الصادر في سنة 2001 والذي اعتبر أن الدفاع عن التنوع الثقافي واجب أخلاقي لا ينفصل عن احترام كرامة الإنسان وأن الحقوق الثقافية جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان، من هنا لا يمكن السماح تحت أي ضغط أو معطى بإلغاء الخصوصيات الهوياتية للشعوب وتنميطها وفق تصور أحادي للعالم. وبالرجوع لقضية الإصلاح الدستوري، فإننا في منتدى الزهراء للمرأة المغربية نعتبر أن هذا الإشكال يمكن حله من خلال موافقة البرلمان، المعبر عن الإرادة الشعبية، وبالتالي ستصبح هذه الاتفاقيات جزء من المنظومة التشريعية الوطنية مع فسح المجال للرقابة الدستورية بطلب من الملك أو رئيس الوزراء أو نسبة معينة من النواب في حالة تقديرهم أن بعض البنود قد تحمل تعارضا مع الدين الإسلامي أو النظام الملكي.