بعيدا عن ثقافة التطبيل والتهليل للشيء وضده والتي أفسدت النقاش الجاد حول القضايا المصيرية لبلادنا، وخلقت الكثير من الغموض والتشويش حول مشروعنا الوطني ، فإننا لا زلنا نعتقد بأن غياب المغرب عن قمة بريكس ، وبالضبط هذه المنعقدة بجنوب إفريقيا ، يعتبر خطأً استراتيجيا يمكن أن تكون له عواقب سيئة على المدى المتوسط ، بل إن هذا القرار يشبه في تصورنا قرار المغرب الانسحاب من منظمة الوحدة الافريقية قبل أربعين سنة من الآن، أي في سنة 1984 , مما فسح المجال واسعا حينها أمام جبهة البوليساريو من أجل التوسع في علاقاتها مع الدول الأفريقية ، لولا عودة المغرب في سنة 2017 بمجهود دبلوماسي خارق قاده الملك محمد السادس. إن منظمة بريكس تشهد صعودًا هائلا ، وستشهد خلال السنوات المقبلة انضمام عدد هائل من الدول إلى صفوفها ، كما أن غياب المغرب عنها سيمنح جنوب افريقيا فرصة توطيد علاقات جبهة البوليساريو مع الدول الملتحقة بالمنظمة وتعكير صفو العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والعديد من تلك الدول ، وغني عن القول أن الدول التي ستلتحق ببريكس لن تقوم مقام المغرب في مواجهة مناورات البوليساريو ورعاته. ولذلك يعتبر غياب المغرب بمثابة سياسة مقعد فارغ جديدة كتلك التي انتهجها المغرب زمن الحسن الثاني رحمه الله، والتي أبعدت المملكة عن دول القارة وحرمت المغرب من قيمة سياسية واقتصادية مضافة هائلة كان بإمكانها تعزيز موقف المملكة وربما حسم القضية منذ زمن بعيد. ففي الوقت الذي تسارع العديد من الدول الأفريقية المعادية للوحدة الترابية للمغرب إلى الانضمام وربما لاحقا الاستقواء بمنظمة بريكس ، مثل الجزائرونيجيريا وغانا ، أو تلك التي تلاعب المغرب بهذا الصدد مثل مصر على غرار مشاركتها في لقاء القيادات العامة للجيش بكل من مصر والجزائر وليبيا ، في هذا الوقت يتبنى المغرب سياسة المقعد الفارغ ، أما البوليساريو فإنها ستحظى غدًا باستدعاء من الجزائر وبعدها من نيجيريا وبعدها من مصر وغير ذلك ، بما أن كل هؤلاء سيصبحون قريبا أو على المتوسط أعضاء في المنظمة. إن المبررات الي سيقت في أفق تبرير غياب المغرب عن قمة بريكس في جنوب إفريقيا هي ذاتها المبررات التي كان يجب في تصورنا أن تؤدي إلى مشاركة المغرب بكثافة ونشاط في هذا المؤتمر. ...لقد أعطينا ، لأعدائنا بهذا الغياب ، كيف يغلقون علينا العديد من الهيئات الدولية في المستقبل ، ولنا في ما حدث في تونس خلال القمة اليابانية الأفريقية خير مثال على ذلك .... بقي أن نطرح سؤالا : هل تعرض المغرب لضغوط من أي جهة كانت ، من أجل اتخاذ هذا الموقف ؟ وهذا ، بطبيعة الحال ، أمر وارد ومنتظر. إنه لمن غير المفهوم أن تكون لدينا شراكات استراتيجية مع البلدان الأساسية لبريكس ، الصين وروسيا والهند ، ثم نترك للدول الثانوية والمعادية لنا في المنظمة فرصة إفساد علاقتنا مع تلك الدول ، ألم يكن الأجدر أن نستثمر تواجدنا في بريكس لتعزيز علاقتنا بتلك الدول واستثمار كل ذلك في أفق محاصرة أعداء وحدتنا الترابية ؟