كثر الحديث في هاته الآونة على تعديل مدونة الاسرة لالحاح وكأنما هذا التعديل هو اللبنة الأخيرة التي سيتم فيها تغيير وإصلاح الاسرة المغربية ،والحال ان الاسرة ومشاكلها غير محدودة ومتغيرة بتغير الزمان والمجال والواقع . ولذلك وانا اناقش وابحث على اهم المعوقات الواقعية لهاته المدونة، تبادر الى الذهن الواعي ان اهم خطر يهدد تماسك الاسرة المغربية هي تلك الألغام المحيطة بها او التي قد تكون داخل الاسرة ولا يدري احد من افرادها انه تحت رجليه لغم ربما بمجرد الدوس عليه بقوة او بدون شعور قد يشتت اسرة تكون اهم ضحاياها الأبناء وكذا الالام المستعصية على العلاج . ولذلك سنضع بعض المحددات لمعرفة الألغام الاسرية التي قد تكون عائقا نحو استمرا اسرة ما دامت سنوات من التعايش والاستقرار، ولهذه الألغام قد تكون حقيقية أو مخفية لكنها تبقى مؤثرة في المناطق الخطرة او في المواقيت التي يصعب استثمار هامش الضغط فيها . المال لغم أسرى متجدد حولت الحداثة الاسرة الى شركة اقتصادية بقيت العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة نفعية خالية من العواطف والاحاسيس والمودة والرفق والحب بين أعضائها ،واصبح مقياس الرضا بين الزوجين فيما قدمه لهاته الاسرة ،فأصبحت القروض البنكية التي تبنى عليها الاسر اكبر عامل تهددي بسبب غياب ثقافة الواجب وحضور ثقافة اللاواجب وغياب القيم الروحية مقابل القيم الاستهلاكية ،فأصبحت مائدة الطعام ديكور فقط في مقابل الوجبات السريعة التي تؤسس لثقافة الانانية والشره والفردانية المتوحشة . لذلك معيار التنشئة الاجتماعية اختلف حينما تغيرت الاسرة الحديثة بسبب عوامل التعرية القيمية، حيث أضحت مجرد من كل مرتكزات الثبات والسكينة . لذلك تحكمت العقلية الاقتصادية المرتبطة بهامش الربح والخسارة في العلاقة الاسرية، وأصبحت مساهمة الرجل والمرأة تقسم على أساس المشاركة والتشارك دون حضور مبدا القوامة، وحتى لوحضر فان في حالة منشأ الخلاف وحصول الطلاق تصير الثروة المكتسبة من هاته الشركة الاقتصادية تحت رحمة الفصل والقسمة القضائية في حالة عدم التسوية الودية . فالمال الاسري ليس غاية في حد ذاته ولكنه وسيلة لتصريف أمور ورعاية الاسرة وحينما يتحول الى عامل تحول في الوظائف، هنا تتغير النظرة ويتغير الموقف ويتغير الدور وتصبح الأدوار مختلفة ومناط تحقيق السكينة مجرد وهم من الأوهام التي تجتاح الاسرة المغربية عامة بدون استثناء . الرقمنة لغم صامت رغم انها وليدة الحضارة الغربية والتحول الرقمي سيف ذو حدين، لان هذا التضخم المعرفي في وسائل التواصل الرقمي جعل الاسرة تعيش نوع من التفكك الصامت والذي يطرح العديد من الأسئلة، حول غياب الأدوارالاساسية، لأعضائها في نسق الرقمنة ،فهي منفتحة ومرنة وسهلة المنال لكنها تبقى بعيدة على الواقع ،فتطبيقات زرقاء تغسل الادمغة وتصبح الحلول الجاهزة مثلها مثل الوجبات السريعة التي لاطعم لها ولاهوية ،سوى انها تحمل اسما عالميا او ماركة ما تنسخ في مخيلتنا نوع من الزهو والغرور المصطنع بمادية اقل ما يمكن ان توصف انها مادية مجردة عن الإنسانية . فالحداثة والاسرة تجعلها منحطة قريبة الى الزوال بعيدة على الصمود والتباث، فتلقى الاب في علاقات وهمية يدافع وينافح على أفكار في عالم ازرق ويضيع الساعات الطوال في متابعة اطوار لقاء مفتوح بدون هدف وكذا الزوجة في متابعة روتين يومي لنجمة او غسالة اواني في مقهى ليلي في مكان غريب يعشش فيه البؤس، وهي بهذا الهروب تؤسس منطقة محظورة الاقتراب بالغام تنسجها كل يوم وليلة، وهذه هي بداية قصة الألغام الرقمية الاسرية. ونفس الامر عند باقي أعضاء الاسرة فهم مشغولون في تيك وتوك او العاب الاتاري، والشات بدون رقيب او حسيب . نهاية الرمزية وسقوط القدوة أكبر انجاز حققته الحداثة السائلة حينما قضت على رمزية الاب والام في الاسرة وأصبحت تتحدث عن اسر متعددة واسر فردية واسر مثلية واسر افتراضية أو مؤسساتية، وحينما تم تعويض الاب باب افتراضي انهارت القيم الاسرية وانهارت الاسرة معها ،وبتعرية الاب قيميا أصبحت القدوة غائبة واصبح الأبناء عرضة للبحث عن القدوات خارج مؤسسة الاسرة ،ليصبحوا ضحية افتراس مجتمعي لاشكال اجتماعية . ان قيم التي تبنى عليها الاسر بمثابة لبنات أساسية في النسق الاجتماعي ورغم ان التحول الاقتصادي جعل من الزوجين في ملعب الحداثة ،لكن ما يجعل ثبات الاسرة هو الدين الذي هو صمام امان لتفكيك الألغام الاسرية المتجددة في كل وقت وحين . اننا بهذا السلوك نؤسس لثقافة الرشد والالتزام الجمعي بمدركاتنا التي لاتتغير لانها متينة بهويتنا وحضارتنا . صديق الاسرة او الحمو الحداثي تلقاه في الفضاء الأزرق لا يفارق الاسرة، وهذا الحمو التسلسلي يقتات على الازمات ويستثمر الصدمات ويؤسس للعلاقات وفق منهج الإصلاح الفاسد، وهذا اللغم اكثر فتكا من الجميع لذلك ففي هاته الثقافة الجديدة اصبحنا نتحدث على الانفتاح تقبل الوضع والصمت والتغافل السلبي المجني لموت بطيئ للعلاقة الاسرية، وبداية تلغيمها بشتى أنواع الألغام التي يضعها هذا الغريب الذي قد يدخل اما عن طريق مؤسسة او عمل او معرفة قديمة . وفي غياب ضوابط الاحترام للأسرة تضيع قيمها وتوازنها وتصبح ثقافة الاختلاط هي المحدد لرقي وتموقع الاسرة في النسق الاجتماعي . ويتم تمدد هاته العلاقة لكلا الطرفين حتى تصبح العلاقات الرضائية طبيعية ويصبح التعايش مع الوضع امرا عاديا ويطبع الافراد مع الوضع وتنكسر القيم وتنهار الارس وتخرب البيوت وتتفكك ،وحينها لن ينفعنا لاقانون ولا شرع لان البناء انهار بسبب صمت او تطبيع او خنوع وعدم يقظة في امن اسري سببه قبول بحداثة سائلة فكك اهم بناء اجتماعي في المنظومة الا وهو الاسرة ..