أصدرت رابطة علماء المغرب العربي يوم 5 يونيو 2023 بيانا تدعو فيه حكومتي الجزائر والمغرب إلى وأد الفتنة والى التعقل والحكمة والمصالحة، وحل الخلافات بين البلدين. ولكون البيان مُوقعاً من طرف منظمة مغاربية غير حكومية وتمثل شريحة اجتماعية تُعنى بالشأن الديني فالأمر يستدعي وقفة لقراءة خلفياته واستنطاق ما بين السطور، خاصة وأنه يأتي في سياق تصعيد غير مسبوق في منسوب التهجم اللفظي من القيادات الجزائرية، وطوفان البروبكاندا الإعلامية، مع ترجمة ذلك إلى أفعال استفزازية وحشود عسكرية على الحدود، وتحرشات ضد المغرب في كل الميادين الدبلوماسية عربيا وإفريقيا ودوليا، وفي كل المناسبات سواء كانت مؤتمرات سياسية أو منافسات رياضية أو حتى تظاهرات ثقافية. وسنكتفي باستعراض أربعة معطيات خطيرة تزامنت خلال الأسبوع الذي صدر فيه البيان وهي تكفينا عَنَتَ الرجوع إلى ما سواها. فقد انعقد المجلس الأعلى للأمن الجزائري يوم فاتح يونيو، أي أربعة أيام قبل صدور بيان رابطة العلماء، وكانت الرئاسة الجزائرية قد أعلنت أنه ناقش الوضع في البلاد والوضع على الحدود، برئاسة عبد المجيد تبون وبحضور الجنرالات دون باقي الأعضاء غير العسكريين، بما فيهم الوزير الاول، ووزراء الخارجية والعدل والداخلية. وهذا يعني أن الاجتماع يتعلق بقرارات عسكرية خطيرة لا يريد الجيش أن يطلع عليها حتى الوزراء، وهو تصرف يحمل في طياته تخويناً للحكومة. وعلى صعيد آخر، تحدثت تقارير صحافية جزائرية عن حشود عسكرية كبيرة ومعدات عسكرية ثقيلة كالدبابات وراجمات الصواريخ على الحدود المغربية، يومين فقط بعد انعقاد المجلس الأعلى للأمن الجزائري، مما يعني أن هذا التحرك العسكري يأتي تنفيذاً لما تم اتخاذه من قرارات على مستوى ذلك المجلس، وهذا لا يدعو إلى الاطمئنان. وفي نفس السياق، شن الإعلام الجزائري حملة بروبكاندا رهيبة وواسعة النطاق حول وجود مؤامرة مزعومة تستهدف الجزائر. وتم الترويج لخبر لم تنقله أي وكالة انباء دولية موثوقة، مفاده أن أجهزة مخابرات فرنسا وإسرائيل والمغرب عقدت اجتماعا سرّياً في تل أبيب بهدف زعزعة استقرار الجزائر! ولاحظوا تهافت هذا الخبر، فرغم أن الاجتماع المزعوم كان سرياً إلا أنّ الإعلام الجزائري حصل حصرياً على هذه المعلومة، في حين عجزت المنابر الإعلامية الدولية عن ذلك. ولاحظوا أيضا أن فرنسا، التي تعيش أزمة صامتة مع المغرب منذ سنتين، تريد التآمر معه ضد الجزائر التي تعيش معها فترة وئام غير مسبوق. وآية هذا الوئام زيارة الرئيس ماكرون الى الجزائر خلال شهر غشت 2022، والتي تلتها زيارة قائد الجيش الجزائري الجنرال شنقريحة إلى باريس في يناير 2023، ولبس فيها قبعة الحرس الجمهوري الفرنسي مع ما يعنيه ذلك من رمزية لا تخفى على أحد، ثمّ الزيارة المتوقعة للرئيس تبون إلى باريس في غشت المقبل.. فهل يعقل أن فرنسا التي تعيش كل هذه الحميمية مع الجزائر تتآمر مع المغرب ضد الجزائر؟! أما المعطى الرابع فيتعلق بتسريب تقارير إعلامية حول هجوم جزائري وشيك ضد المغرب في بداية الخريف المقبل، اي مباشرة بعد زيارة تبون لباريس بشهر أو شهرين! وهذا نوع من التحضير النفسي للرأي العام، قبل وقوع أمر جَلَل تخطط له العقول الصغيرة لجنرالات النفط والغاز، لاستكمال المهمة القذرة التي بدأها الاستعمار من تفتيت للدول وتدمير لقدراتها. حينما نعلم أن كل هذه الأحداث الخطيرة وقعت في مدة لا تتجاوز أسبوعا واحداً، فهذا يقربنا إلى فهم بعض أسباب وخلفيات بلاغ رابطة علماء المغرب العربي، والتي هي شاهدة على الاستفزازات والتصعيد الخطير الذي يقوم به سَدَنة النظام الجزائري منذ إعلان قطع العلاقات الدبلوماسية بشكل أحادي مع المغرب في غشت 2021 وإغلاق المجال الجوي بعد سنوات من إغلاق الحدود البرية. كما أنّ رابطة العلماء شاهدة على أطوار الحرب الإعلامية على كل ما هو مغربي، دون مراعاة لأي قواعد أو أعراف أخلاقية، حيث تشن وسائل الإعلام الجزائرية الرسمية حملة تشهير وقذف للأعراض وتزوير للتاريخ وقرصنة للتراث. وقد وصل الأمر إلى حدّ الاعتداء الجسدي يوم الثامن من شتنبر 2022 فوق الملعب وأمام كاميرات العالم، على الرياضيين المغاربة الذين شاركوا في بطولة كأس العرب لكرة القدم لفئة أقل من 17 سنة في مدينة وهرانالجزائرية، ناهيك عن بتر النشيد الوطني ورفض إعلاء راية المغرب داخل الملعب في خرق سافر لكل قوانين المنافسات الرياضية الدولية. نحن إذن أمام مظاهر حرب حقيقية لا ينقصها إلا هجوم عسكري واسع، وهو أمر مُخطط له كما ما أكد ذلك صراحةً الرئيس الجزائري نفسه في مقابلة صحافية مع جريدة لوفيغارو في ديسمبر 2022، حين قال بأن قرار قطع العلاقات كان مطروحا على الطاولة إلى جانب قرار الحرب على المغرب. وإذا رجعنا إلى بيان الرابطة مرة أخرى، فسنجده يوجه بين السطور سهام الاتهام والإدانة إلى الجزائر دون غيرها، فالبيان يدعو حكومتي الجزائر والمغرب إلى طاولة الحوار لحل الخلافات، ولكن الجميع يعلم أنّ المغرب يطالب بذلك على لسان أعلى سلطة في البلاد، وقد جاء ذلك في خطابات ملكية رسمية سنوات 2018 و2019 ثم 2021. وكان الرد الجزائري على اليد الملكية الممدودة للمصالحة هو دق طبول الحرب. ويكفي أن نعلم أن دعوة الملك للمصالحة مع الجزائر في خطاب العرش يوم 30 يوليو 2021، جاءها الردّ الجزائري الأرعن بعد أقل من شهر بقطع العلاقات الدبلوماسية في بيان للرئيس الجزائري تلاه بالنيابة عنه وزير خارجيته آنذاك رمطان العمامرة!؟ بقي أن نقول بأننا في المغرب نؤمن بقيم السلام وحسن الجوار ونحترم تاريخنا المشترك، ولدينا مشاريع طموحة وطنياً وقارياً يتم تنفيذها على أرض الواقع للحاق بنادي الدول المتقدمة، ولا يجب أن نسمح لأيّ جهة أن تحيد بنا عن مواصلة السير لتحقيق النهضة.. كما أننا على وعي بأن الجنرالات الجزائريين يريدون حرباً يظنون واهمين أنها طوق النجاة الأخير من الأزمات المركبة التي أوشكت أن تعصف بهم. لذلك كلّه، علينا أن نحمل تهديداتهم وتحركاتهم محمل الجد، فنحن أمام نظام ضبابي خارج كل التصنيفات السياسية، نظام غير معروف من يتحكم فيه، فالجيش نفسه منقسم ومتناحر بدليل وجود ثلاثين جنرالاً خلف القضبان وآخرين فروا نحو إسبانيا وفرنسا. ولدينا سوابق تؤكد غدر هذا النظام سواء في إطلاقه شرارة حرب الرمال سنة 1963، أو في معركتي أمغالا، أو باستيلائه على واحة العرجة بفكيك في مارس 2022، وغيرها من الأحداث. لذلك علينا أن نستعد لكل الاحتمالات وأن نضع السيناريوهات لكل الفرضيات تحسبا للأسوأ. وليحفظ الله وطننا المغرب من كيد الأعداء./ (*) خبير في العلاقات المغربية الجزائرية