عجيب أمر المغاربة في هذا الزمان، لقد كان الناس في القرن الماضي يفرون من "الفضيحة"، لكن اليوم تغيرت أخلاق المغاربة وتبدلت كذلك عادات و ثقافة المجتمع، لقد ظهر جيل جديد يعشق سماع أخبار الفضائح الجنسية ، ويتلذذ بنشرها ومشاهدة "الفضيحة" حيث تشكل عنده إثارة قوية يصعب مقاومتها، لهذا تجدهم يبحثون عنها في كل موقع دون ملل، فهم بذلك يشبهون الدباب الذي يحط على مواقع القذارة، ومما زاد الطين بلة وسهل الأمر هو التقدم الهائل في وسائل الإتصال ، حيث أصبح العالم معها فعلا قرية صغيرة لم تعد للحدود المادية معنى، لأن الصور والمعلومات تنتقل بسرعة الضوء بين القارات الخمس، وهي بذلك تتحدي كل أصناف الرقابة التقليدية، والخطير في هذا الميدان هو استمرار وتيرة تطوير وسائل الإتصال بشكل مرعب ودون توقف ، فلا يكاد يمضي يوم حتى نسمع عن منتج "إيلكتروني" جديد يدخل السوق، وهذا بسبب حمى المنافسة الشديدة بين شركات عملاقة متخصصة في تصميم وتطوير الأجهزة الإلكترونية، لقد حول "الذكاء" الإصطناعي في ميدان الإتصالات حياة الناس إلى جحيم لا يطاق ، فهناك ( كاميرات "ذكية" للمراقبة مثبتة في كل مكان- أجهزة التنصت "ذكية " يمكنها اختراق حسابك وسرقة بياناتك – هواتف "ذكية " تتجسس عليك وعلى الغير..) ، فيوم بعد يوم وبسبب هذا التطور العلمي الخطير والمتسارع قد يصبح من الصعب المحفاظة على أسرار البيوت ، وأنا هنا لا أقصد بيوت الطبقة المتوسطة والفقيرة فقط، لا بل كذلك أسرار البيوت الكبيرة للطبقة البرجوازية، الكل في "الهواء سواء" حاكم و محكوم ، لقد فقد كل الناس تقريبا الطمأنينة و راحة البال الكل خائف من سرقة معلوماته الشخصية وصوره الحميمية ، حيث أصبحت الحياة الشخصية مجرد حلم جميل أو ذكرى من ذكريات الزمن الجميل ، لقد حققت البشرية قفزة هائلة في ميدان تكنولوجيا الإتصال ، فإذا كان المؤرخون قد تحدثوا عن الإنسان البدائي انه كان يستعمل الحجر ، وبذلك سموا ذاك الزمان بالعصر الحجري ثم العصر البرونزي ، فاليوم يمكن القول أننا نعيش في العصر" الأنترنيتي" ، و أنا شخصيا لست ضد التطور في هذا الميدان لأن ليس هناك خير محض ولا شر محض ، لكن يجب التقيد ببعض الضوابط الأخلاقية عندما يتعلق الأمر بمسألة الشرف والعرض ، وخاصة أننا في مجتمع مسلم الستر فيه هو الأصل ( من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة) وليس الفضيحة يا(بوسنطيحة)، هذا لا يعني الحد من حرية نشر و نقد و معارضة كل تصرفات المسؤولين التي يمكنها أن تلحق ضررا معنويا أو ماديا بالمواطنين ، لكننا في هذه الحالة لسنا أمام قضية حرية النشر والتعبير كما يحلو لبعض الناس تبرير نشره الفضيحة الجنسية ، وذلك لعدة اعتبارات منها: " 1 " – من الناحية الشرعية : – هناك شروط صارمة لقبول دعوة القذف حيث يجب حضور أربعة أشخاص قد شاهدوا فعل الزنى مباشرة وإن كانوا أقل من أربعة يتم جلدهم ثمانين جلدة لأن الأمر خطير و يتعلق بالعرض . " 2 " – نظرا لتقدم تكنولوجيا تزوير الصور يصعب الجزم بصحة الڤيديو و نسبته لهذا الشخص أو ذاك " 3 " – القضية هنا جد حساسة و خطيرة إنها الأسرة اللبنة الأولى في بناء المجتمع والدولة فإذا دمرت تفكك المجتمع و انهارت الدولة كذلك . هذا من جهة ومن جهة أخرى إن نشر الفضائح الجنسية في وسائل التواصل الإجتماعي لم تعد قضية بريئة ، بل أصبحت في صلب الصراع السياسي تستعمل كسلاح فتاك لتصفية الحسابات ، وهي على العموم قد يتم استغلالها من طرف الخواص كذلك في تحقيق مكاسب مالية ، وذلك بتحقيق نسب مشاهدة مرتفعة لبلوغ " البوز " ، أو من طرف السلطات لضرب المعارضة السياسية و(إعادة التربية..!) للمتمردين على نهجها في تسير الشأن العام ، لهذا قبل أن تنقر على زر الإعجاب أو زر نشر ( الفضيحة ) ايها "الذكي" عليك اتباع هذه التعليمات : "1" – تأكد جيدا من الڤيديو أو الصور فقد تكون مزورة وليست حقيقية . " 2 "- تأكد كذلك من مصدر الڤيديو أو الصور المسربة .. " 3 " – ويمكنك كذلك طرح بعض الأسئلة للفهم : – لماذا مثلا تم تسريب هذا الفيديو في هذا التوقيت بالضبط..؟ و من الجهة المستفيدة من نشره..؟ و ماهي الفائدة التي أجني انا شخصيا عندما أنشر هذا الڤيديو..؟ وأخيرا ماهي صفة الشخص المستهدف بنشر هذه "الفضيحة" الجنسية مثلا : – فهل هو موظف نزيه كشف بعض أسرار إدارته أم سياسي معارض لم يقبل المساومة أو فنان او صحفي مستقل نشر ملفات فساد لكبار الموظفين..؟. وفي حالة عدم التقيد بهذه الإجراءات اعلم أيها المغفل أن النقر والنشر و الإعجاب ، قد يدمر عائلة بريئة ويساهم في تفكك المجتمع والدولة معا ، وقد تكون مجرد شخص " غبي" يستعمل هاتف "ذكي"..! ، وانت في النهاية يا مغفل لست إلا مجرد سوط في يد سلطة سياسية تجلد ظهور المعارضين..! و قد تكون من ( ..الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا..) ، وإن لم ينفع معك تحذير ولا نصح وبقيت على حالك ، تنشر أخبار الفضائح الجنسية دون تثبت و خدمة لغيرك ، فإنني أبشرك بوسام قرآني من درجة حمار ممتاز (.. كالحمار يحمل أسفارا..) ، لأن الحمار كذلك يحمل فوق ظهره كتبا لا يدري ما كتب فيها ولا الغاية من حملها إنه "حمار" مأمور... فهو كذلك يشتغل لحساب الغير. في البداية فرح الناس وظنوا أن هذا التطور في وسائل الإتصال نعمة ستكون معها الحياة أسهل وأفضل وأكثر راحة، فهناك مدن "ذكية" هواتف "ذكية" كمرات كذلك " ذكية" ، لكن الحقيقة هي أن حياة الناس انقلبت رأسا على عقب وصارت جحيم من المعانات ، تفكك أسري حيث أصبح كل فرد يعيش عزلة خانقة ، ولم يعد الشخص يشعر بدفىء العائلة ، و تأكلت قيم المجتمع حيث أصبح المال وحده هو المحدد لسلوك الناس ، تطبقيق ( روتيني) نموذجا حيث أصبحت بعض النساء يقمن بتصوير انفسهن بلباس فاضح و في اوضاع مخلة بالأدب ، طلبا لرفع منسوب المشاهدة هكذا دون حياء ، ومما زاد الأمر تعقيدا هو استغلال هذه الوسائل في الصراع السياسي بين السلطة والمعارضة ، وأصبح نشر كل فضيحة جنسية تقريبا هو نوع من العقاب القاسي لكل معارض ، إضافة إلى التجسس على الحياة الخاصة للأفراد ، مما جعل أغلب المغاربة يتمنون عودة الزمن الجميل ، زمن الستر حيث الجار لا يسعى لفضح جاره ، وكان التلفاز في ذاك الزمان بلونين فقط أبيض وأسود لكن كانت الحياة بكل الأوان... ، اليوم يصدق فينا قول المفكر علي الوردي ( نحن لا نعود للماضي لجماله فقط بل لبشاعة الحاضر) فإذا كان الهاتف " ذكي" و المستعمل " غبي" فانتظر الكوارث ، لهذا أيها المغربي الحر لا تكن مطرقة في يد أجهزة خفية تعمل في الظلام ، ولا تنشر "فضيحة " بالمعطي اليوم فقد تنشر فضيحتك انت في الغد كما نشرت من قبل "فضيحة" اجيلالي بالأمس. مسرور المراكشي يقول لكم أن الجميع يمكن أن يخطئ ويرتكب الذنب لا أحد معصوم فوق هذه الأرض، لهذا يتمنى لكم ستر الله الدائم في الدنيا والآخرة.