منذ إقرارها في عام 2004، عرفت مدونة الأسرة، القانون المنظم للحياة الزوجية والأسرية بالمغرب، بضع تعديلات وتحديثات لجعلها تتوافق مع المتغيرات الاجتماعية والقانونية في المجتمع المغربي، ويرى كثيرون أن تعديلا أكبر لمدونة الأسرة في المغرب يمثل خطوة هامة أضحت لازمة لتحسين الوضع الأسري في البلاد، وتعزيز المساواة وحماية حقوق النساء والأطفال. ''وإذا كانت مدونة الأسرة قد شكلت قفزة إلى الأمام، فإنها أصبحت غير كافية؛ لأن التجربة أبانت أن هناك عدة عوائق، تقف أمام استكمال هذه المسيرة، وتحول دون تحقيق أهدافها، ومن بينها عدم تطبيقها الصحيح، لأسباب سوسيولوجية متعددة''، كان هذا مقتطفا من خطاب الملك محمد السادس تلاه في يوليو 2022. وإذا كان الموقف من ضرورة التعديل يحظى بدعم كبير، فإن رءاه، ومرجعياته، ومنطلقاته، وأولوياته، وسبل تنزيله تختلف باختلاف مواقع، وخلفيات، ومطامح الداعين إليه. مدونة الأسرة إشكالات واقعية المحامية سناء الدردابي وانطلاقا من تجربتها في المجال، قالت إن تنزيل مدونة الأسرة على أرض الواقع قد أفرز العديد من الإشكاليات والثغرات القانونية إما عن فراغ قانوني، أو بفعل تأثير العنصر البشري المتمثل في جهاز القضاء الذي ينحى بها بتوجه يختلف من محكمة إلى أخرى. وأضافت الدردابي في حديث ''للعمق''، إنه ''تكاد تتلخص ثغرات المدونة في نقاط بارزة، ألا وهي: مساطر الطلاق، والحضانة، والمادة 49 المتعلقة بتدبير المواد المشتركة، أي كل ما يتعلق بالكتاب الثاني المخصص لانحلال ميثاق الزوجية وآثاره''. وأوضحت أن ''السلطة الشاسعة الممنوحة للقاضي تجعل تنزيل مواد مدونة مختلفا بين محاكم المملكة، فهناك من يبسط يده عند تقدير مستحقات الزوجة في الطلاق أو نفقتها ونفقة البناء، وهناك من يقتدر في التقدير أو يكاد يوحد منح مبلغ النفقة الممنوح في جميع القضايا رغم اختلاف دخل المدعي عليه''. ونبهت المتحدثة إلى أن الوقوف على ثغرات المدونة يقتضي تمحيصا، لأن ''كل قسم أو باب يفرز إشكالية التنزيل، أو إشكالية التطبيق، أو ترك فراغ قانوني من قبل المشرع''. المطالب الحقوقية جمعية المساواة للتحدي والمواطنة التي ''تعمل بشكل معمق على النصوص القوانين من أجل مزيد من المساواة في حقوق المرأة ''، ترى أن التعديلات ينبغي أن ترتكز على مقتضيات الدستور، وعلى المواثيق الدولية ''نظرا لكون المغرب جزء لا يتجزأ من المنظومة الدولية ولا يليق به يتخلف عن ركب الحضارة الإنسانية، وعلى مضامين الخطب الملكية، وما يتبع ذلك من ضرورة تحقيق المساواة والمناصفة بين الرجال والنساء''. رئيسة الجمعية، بشرى عبدو، قالت في حديث ''للعمق''، إن المحاور الرئيسة التي يجب أن يطالها التعديل هي: ''مراجعة لغة المدونة وحذف المصطلحات والعبارات التي من شأنها أن تكرس الصور النمطية لمهام وأدوار الرجال والنساء، ومنع تزويج الأطفال من خلال حذف المادة 20 المتعلقة بإمكانية إعطاء الإذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية''. وأضافت عبدو ضمن محاور التعديل: ''المنع الهائي لتعدد الزوجات، ووضع حد للتلاعب فيما يتعلق بدعاوى ثبوت الزوجية، وتنظيم وتوحيد مساطر الطلاق، ومعالجة مسألة ثبوت النسب، ووضع حد للتمييز الذي يطال النساء فيما يتعلق بحضانة الأبناء''. كما أكدت على ضرورة ''تحقيق التوازن بين الزوجين فيما يخص الولاية على الأبناء، ومعالجة مسألة الطرد من بيت الزوجية، ثم معالجة مسألة تدبير الممتلكات المكتسبة أثناء الزوجية''. الديني والكوني ضمن مدونة الأسرة للفقه المالكي باعتباره المذهب الإسلامي الرسمي للمملكة المغربية، الذي يأطر الأصول والقيم الشرعية، وتطبيق القواعد والأحكام الفقهية على المسائل الحياتية والمعاملات المالية والاجتماعية، حظوة ضمن مدونة الاسرة الحالية بالمغرب لاسيما في ديباجتها والمادة الأخيرة منها. ويبدو أن النقاش حول التعديلات المرتقبة للمدونة أعاد السجال القائم حول التقاطعات الحاصلة بين ما هو ديني وما هو كوني، وكفة أي منهما ينبغي ترجيحها في حال التعارض أو الاختلاف. الملك محمد السادس قال في خطاب عيد العرش في يوليو 2022، والذي تطرق من خلاله لوجوب تعديل المدونة، ''بصفتي أمير المؤمنين، وكما قلت في خطاب تقديم المدونة أمام البرلمان، فإنني لن أحل ما حرم الله، ولن أحرم ما أحل الله ، لاسيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية''. وجاء في الخطاب أيضا ''من هنا، نحرص أن يتم ذلك، في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية، وخصوصيات المجتمع المغربي، مع اعتماد الاعتدال والاجتهاد المنفتح، والتشاور والحوار، وإشراك جميع المؤسسات والفعاليات المعنية''. وفي السياق ذاته كشف استطلاع رأي حديث لشبكة ''الافروباروميتر'' أن 78% من المغاربة يقولون بوجوب استناد أي تعديلات لمدونة الأسرة من أجل تعزيز المساواة بين الجنسين إلى الشريعة الإسلامية، في حين يريد 2% منهم أن تستند هذه التعديلات فقط على الاتفاقيات الدولية الموقعة من قبل المملكة المغربية. في حين ترى بشرى عبدو أن لب الشريعة الإسلامية لا يتعارض مع المطالب الهادفة للبحث عن حلول للإشكالات الواقعية وللملفات العالقة، وأنه حتى في حال التعارض فالأمر يقتضي اجتهادات دينية لتدارك الأمر. أما وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، فقال في هذا الصدد، ''سيتم إعادة النظر في مدونة الأسرة حتى تكون هناك كثير من المساواة بين المرأة والرجل، ويجب أن نجتهد في مجالنا الديني بما فيه الإحسان وأينما كانت المصلحة فتم شرع الله، سنجتهد وفق الحدود التي ترسمها شريعتنا وقناعاتنا الدينية ومقومات مجتمعنا وقيمنا لنغير وضعية المرأة''. وعن المجلس الوطني لحقوق الإنسان فقد شكل مجموعة عمل حول مقترح مراجعة مدونة الأسرة، ضمت؛ لطيفة الجبابدي، عضو المكتب التنفيذي لاتحاد العمل النسائي، وجميلة كرمومة، نائبة رئيسة فيدرالية رابطة حقوق المرأة، وأمينة لطفي، رئيسة الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب ونائبتها عاطفة تيمجردين. منتدى الزهراء للمرأة المغربية من جانبه استنكر ما وصفه ب"المنهجية الإقصائية"، التي اعتمدها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، في تشكيل مجموعة العمل حول مقترح مراجعة مدونة الأسرة، على اعتبار أنها ضمت في عضويتها عددا من الشخصيات "التي يعبر معظمها عن توجه فكري واحد، في الوقت الذي تم إقصاء تيار فكري وثقافي" ذو توجه ديني. هذا التيار، بحسب بيان لمنتدى الزهراء، له "امتداده في المجتمع المدني ونضاله من أجل قضايا المرأة والأسرة انطلاقا من التكامل الخلاق بين المرجعية الإسلامية والمرجعية الدولية لحقوق الإنسان".