دشنت مؤسسة تراحم للدراسات والأبحاث الاسرية عملها لسنة بإطلاقها دينامية تراحم وهو مشروع مجتمعي يهدف الى الإجابة على مجموعة من الأسئلة المرتبطة بواقع القيم في المجتمع المغربي أمام هول وتعاظم المشاكل والعنف المجتمعي المسلط على الفئات المكونة له ،وخاصة النساء والأطفال . تنطلق ديناميية تراحم من خلال البحث عن سبل احياء ثقافة اللاعنف في المجتمع المغربي من خلال تسليط الضوء على اهم مظاهر العنف بالمجتمع ،عنف الصورة ،عنف المؤسسة ،عنف القانون ،عنف اللغة . دينامية تراحم هي آلية لتتبع السياسات العمومية بالمغرب والتأثير على صناع القرار السياسي لإعادة النظر في مجموعة من القيم التي تم اسقاطها تحت ذريعة الانفتاح من جهة وغياب البديل أو بسبب احتدام الصراع السياسي في نسق اجتماعي لا يقبل الصراع ،بقدر ما يقبل الحوار الهادئ السليم وتحديد الأدوار وتنسيقها . أمام هذا الانفجار الهائل من الصور النمطية التي تكرس دونية مكون ّأساسي في المجتمع ،الدونية لا تعني انقاص من قيمة او ذكاء بقدر ما أنها تشيء المرأة وجعلها صورة جميلة تتداول في المواقع وفي المجلات وفي الشركات وفي المسلسلات الروتينية من زاوية نمطية ايحائية بقيم حجرية تتعامل معها على أنها شيء من الأشياء ،وهذه العملية تجعل قيم العنف لذة في يد المؤسسات التي تهدف الى الربح دون ضوابط أخلاقية ،حينها وجب التدخل كمجتمع مدني حارس للقيم وحارس للنظم الأخلاقية العالمية . آلية تراحم هي بداية لفتح حوار هادئ بين مكونات المجتمع المغربي بكل تلاوينه حول النموذج التنموي الجديد الذي نطمح اليه. دينامية تراحم تشتغل بمنهجية تشاركية بين مكونات أساسية ،الفاعل الأساسي فيها هو الذي يستطيع ان يقترح بعد دراسة واضحة ويتابع توصياته ويقيم أداءها وتنفيذها . في نفس السياق ندشن هذا المنحى للتتبع للسياسات العامة بعد تنزيل العديد من المقتضيات الدستورية الجديدة وإخراج نصوص قانونية هامة تؤسس لثقافة المأسسة وهي المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة وهياة المناصفة وتكافؤ الفرص . وكذلك اخراج قانون 103.13المتعلق بمحاربة كل اشكل العنف ضد النساء ،شكل طفرة قيمية لوقف سلوك غير مبرر تجاه المرأة المغربية ،رغم ان النقاش هنا سلط على العلاقة بين الرجل والمرأة ،الا ان ما سنتطرق اليه في الدراسة يتعلق بعنف المؤسسة ضد المرأة ،هذا العنف الذي لا يجدي فيه القانون أو حتى العقوبات الزجرية ،لأن المؤسسة التي ترتكبه تحتاج الى مواجهة أخرى وهي مواجهة باللاعنف . الدراسة تطرقت الى حالة إعلامية بعينها وهي مرتبطة بعرض مجموعة من الصور الروتينية في التلفزة المغربية بشكل تسلسلي وبهدف قد لا يكون مقصودا ولكن أمام ضعف الإنتاج وقلته وغياب سياسة وقائية تقارب النوع الاجتماعي باعتبار مكون أساسي في المجتمع اوفي غياب مؤشر واضح للتعامل مع المرأة المغربية في الاعلام الرسمي . و من خلال تتبع بعض الحلقات التلفزية وتحليل الصورة بتقنية الباحث المحايد والسوسيولوجي المشاكس ،لن تحاكم المنتج لأنه غير مسؤول على عرض انتاجه بطريقة تؤثر على ثقافة المشاهد سواء كان رجلا او امرأة وطفلا أو شيخا .ولن تحاكم المؤسسة الإعلامية بقدر ما انها تضع للمهتم وللفاعل الحكم والقرار الأخلاقي أولا خصوصا بعد تفعيل العديد من النصوص والمقتضيات القانونية المتعلقة بالنشر والاعلام . تأتي الدراسة للتطرق الى دور الاعلام في خلق وعي مجتمعي بحقوق المرأة ودور المجتمع المدني في تفعيل الوعي وترجمته الى سياسات وقيم وسلوكيات مؤثرة وقادرة على تغيير سلبيات الواقع النسائي السائد وتحويلها الى آليات للنهوض المجتمعي الشامل . انتشرت بشكل مهول المسلسلات المدبلجة في الاعلام المغربي كبديل لندرة المنتوج الإعلامي المغربي وبلهجات مغربية بسيطة مما شكل نوعا من الخلط الاجتماعي لمدلول الصورة النمطية المقدمة للمرأة باعتبارها الأكثر حظا في التأثير ،مما يطرح العديد من التساؤلات التي تشكل إشكالية الدراسة المتعلقة باثر هاته المشاهد على تمثلات وسلوك المرأة في الاسرة المغربية ،خصوصا مع ما تجسده تلك الصور النمطية المرتبطة بالمرأة الخائنة والمرأة النكدية والمرأة الباكية والضحية . وقد هدفت الدراسة إلى تحديد أشكال التدخل والسياسات المطلوبة محليا لمعالجة الصورة النمطية للمرأة في وسائل الإعلام المرئية المؤثرة في مجتمع المغرب، وكشف الصورة الحقيقية للمرأة المغربية ، وتحديد الجهات القادرة على صنع هذا التغيير. التعرف على ملامح صورة المرأة المغربية في وسائل الاعلام المغربية وصورة المرأة المؤثرة . تحديد طرق تحسين صورة المرأة الغزية في الاعلام والجهات المسؤولة والمؤثرة في السياسات والاجراءات والتدخلات المطلوبة . توجيه النتائج والتوصيات للجهات المعنية في مجال الإعلام والمرأة. واعتمدت في بحثها على : 1- مراجعة المسلسلات المعروضة ، حيث تم فحصها وخصوصا التي تناولت صورة المرأة النمطية . 2- مجموعات مركزة: مجموعات- متخصصين واعلاميين/ات 3- مقابلات معمقة: مقابلة مع خبيرات وخبراء ومتخصصين/ات) – دراسة حالة: عدد(2) لمؤسسة نسائية ذات خبرة في الشأن الإعلامي، ومؤسسة نسائية إعلامية ناشئة. ومجتمع الدراسة: يتكون من النساء القاطنين في جهة الرباط ،حيث تم استهدافهم من خلال مجموعات مركزة ومقابلات النتائج التي تم التوصل اليها: أولا: الصورة الحالية: بحسب تحليل الادوات البحثية لهذه الدراسة فإن الصورة الحالية للمرأة في المسلسلات المدبلجة ماهي الا عكس لتمثلات المجتمعات التي تنتمي اليها تلك المسلسلات حيث تقدم بصورة نمطية المعاناة الاجتماعية والاضطهاد ونسبة التفكك وتنميط صورة المرأة باعتبارها ضحية للمجتمع وكانما لا يد لها في ما يجري . على الانجاز والوطني على الانساني و تقدم المرأة كتابع للرجل بدلا من شخصيتها المستقلة. الغالبية ممن تمت مقابلتهم قالوا أن هذه الصورة لا تعكس الواقع وهي صورة تقليدية مقولبة كالتالي: 1- صورة نمطية سلبية منقسمة: إن صورة المرأة في الإعلام صورة نمطية، سلبية، تابعة ولكن المرأة المغربية تضيف صفة أخرى جديدة وهي المراة الضحية بسبب ما أصبح عليه واقع المرأة بسبب انتشار المهول للعنف 2 – صورة المرأة-الجسد ليست مغربية ،بل هي تتكلم بلهجة مغربية وتتنفس بجنسيتها الاصلية: الاعلام المغربي وإن كان يعرض الصورة النمطية للمرأة إلا أنه يعرض صورة المرأة بشكل أكثر من المعقول فلا وجه للمقارنة بين واقع المرأة على مستوى التمثلات الاجتماعية –اللباس –المظهر –طريقة التفكير – يعتمد على صورة المرأة الأنثى كجسد وإغراء بنفس الدرجة التي تظهر في الاعلام العربي والغربي، وأيضا يصور المرأة بشكل مغاير لما يتوافق وتاريخ المرأة المغربية وحجم عطاءها ونضالاتها على الصعيد العام والخاص. 3- -صورة المرأة المقهورة الممنوعة المضطهدة الباكية الضعيفة: هذه الصورة الأكثر انتشارا و فيها الكثير من النمطية بسبب الظروف الاجتماعية الغالبة على وضع المرأة المغربية. -4- صورة المرأة كأم أو زوجة أو قريبةويتم استخدام هذه الصورة مرارا حتى لو تميزت المرأة بمميزات أخرى. -5- صورة المرأة التي تعاني من الفقر والحرمان ومن واقع صعب: غالبية المشاركين والمشاركات رأوا أن هذه الصورة فيها ضعف وقلة حيلة وعدم القدرة على التعايش مع الواقع. 6- -صورة المرأة الجاهلة غير الواعية وغير المنظمة. -7- تغييب نماذج جيدة للنساء: تكررت الاشارة إلى اشكالية غياب نماذج مختلفة لنساء ناجحات أو مستقلات أو قادرات على التغيير، باستثناء تكريسها في إعلام المؤسسات الأهلية والنسوية تحديدا. -8- تنميط في عرض قصص النجاح، بل واستكثارها على المرأة. -9- المساحة المتاحة غير كافية وموسمية: إن وجود مساحة اعلامية محدودة لقضايا النساء في وسائل الإعلام على اختلافها هو بحد ذاته جزء من النمطية. -10- تغييب للقضايا الاجتماعية: هنالك غياب حقيقي لقضايا اجتماعية وتنموية وفكرية وثقافية هامة عن الاعلام، والاهتمام بالنموذج الأسهل التقليدي المستهلك فقط.
ثانيا: الصورة المطلوبة للمرأة المغربية : يبقى الحديث عن صورة نمطية للمرأة المغربية حديثا نظريا مالم يرتبط بواقع النساء مما تطلب التعرف على هذه الصورة وانعكاساتها. ومن خلال مجموعات العمل ستعمل الدراسة الى تقديم رؤى وتمثلات قيمية مغايرة لاستبدال نموذج الصورة السلبية النمطية التقليدية للمرأة المغربية الضحية والشاكية و الباكية بنموذج وصورة نمطية أخرى تتمثل في صورة المرأة الناجحة القوية الصامدة، أي نموذج المرأة الواقعية في كل شيء، ففي هذا الأمر خطورة من نوع آخر وهو أمر يثير الكثير من التساؤلات بهذا التوجه، ومدى أثره ونجاعته وموضوعيته، وفي كلتا الحالتين يبدو الغبن واضحا في حق النساء. ولذلك تسجل الدراسة انه ينبغي العمل على تقديم نوع من التوازن الموضوعي والمراعي للصورة التي يجب أن تكون عليها صورة المرأة في وسائل الإعلام لقضايا المرأة وليس الانقياد فقط لما يتم ترويجه كوظيفة أساسية من وظائف الاعلام، بحيث يكون الدور المبادر والقيادي لتحقيق التغيير المجتمعي والوعي الجمعي المطلوب. أهم التوصيات التي يمكن ان تخرج بها الدراسة: إن أهم توصية لهذه الدراسة ضرورة دمج قضايا المرأة بالقضايا التنموية والاجتماعية والثقافية وعدم أخذها بمعزل عن قضايا المجتمع ، ومن هنا فهنالك حاجة ضرورية لإشراك الرجل والمرأة في كافة التدخلات التي يمكن اقتراحها لتحسين صورة المرأة المغربية . المؤسسات النسوية ومؤسسات المجتمع المدني: أن يصاغ بموازاة كل خطة حول قضايا المرأة سواء كانت خطة شاملة أو تدابير جزئية خطة إعلامية ذات أهداف واضحة تستند الى معطيات وإحصائيات ومعلومات ودراسات علمية توفر لها الإمكانيات اللازمة من طاقة بشرية وتكنولوجية . أهمية خلق أدوات إعلامية موحدة كتلفاز أو فضائية أو إذاعة أو مجلة دورية تحتضنها مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات النسوية إنشاء مرصد إعلامي يوزع عمله على المؤسسات النسوية، ليتم متابعة الصورة المقدمة للمرأة في وسائل الإعلام والوقوف على حالات التشويه للصورة ومن ثم اتخاذ إجراءات تنفيذية للحد منها ومحاربتها. المؤسسات الإعلامية: أن تقوم وسائل الإعلام على تدريب موظفيها لقيادة برامج تهتم بقضايا المرأة إعلاميا وتدريبهم على الكتابة وعلى كيفية تناول قضايا المرأة بحساسية ووعي. ضرورة الوصول لمفهوم وآليات تنسيق وتشبيك بين المؤسسات النسوية والحقوقية والمؤسسات الإعلامية التي تجسد صورة المرأة في وسائل الإعلام للتخطيط والتعاون بما يخدم صورة المرأة. ضرورة الاهتمام بنوعية المضمون الإعلامي المقدم من شكل ومضمون ومدى الاستمرارية والاستدامة فى طرح الرسائل الإعلامية المرتبطة بأهداف تنمية المرأة اجتماعيا واقتصاديا وصحيا وتعليميا. الإعلاميين والإعلاميات: تنويع الصور الاعلامية المقدمة وابراز قضايا تعكس الواقع مع تسليط الضوء على التجارب الايجابية الاهتمام بالمناطق المهمشة والمسكوت عنها والقضايا المهملة من الاعلام السائد متابعة القضايا الاعلامية الجادة وممارسة دور في التوعية المجتمعية بدلا من تكريس صور نمطية وتكرارها المؤسسات الحكومية: وضع توجهات استراتيجية وسياسات داعمة لتقديم صور ايجابية متنوعة عن المرأة ضمان حرية الاعلام وامكانيات الاعلاميين للتعبير عن أنفسهم دون قيود العمل على تضمين مفاهيم النوع الاجتماعي والمساواة بين الجنسين إن العمل على تغيير الصورة النمطية للمرأة في الاعلام مهمة جماعية تتطلب مشاركة من أطراف متعددة والاتفاق على تعزيز انعكاس التنوع الثقافي والاجتماعي والتنموي والفكري لكافة شرائح النساء، والعمل على تنسيق الجهود بين الجهات المعنية المختلفة. * رضوان بوسنينة، مؤسسة تراحم للدراسات والأبحاث الاسرية