لم تقو بعض الجهات التي باتت أهدافها معلومة على انتظار تأكيد خبر اعتقال محمد زيان من طرف النيابة العامة، حتى سارعت كعادتها إلى نسج أقصوصات درامية حول ظروف الاعتقال، وإلى تحوير أسبابه وسياقه الحقيقي وسعت إلى تضخيمها والركوب عليها لتصريف أحقادها المكشوفة منها والخفية ضد مؤسسات الدولة. قبل الخوض في الأسس القانونية والواقعية لاعتقال محمد زيان، وجب حسم أمر شكل أساس سوء الفهم الكبير في قضية المعني بالأمر. وهو وضع معلم لتحديد الإحداثيات السياسية لمحمد زيان بلغة الرياضيات، بمعنى هل يقبل ذو عقل راجح احتساب محمد زيان على الصف الديمقراطي والحقوقي؟ بمعنى آخر هل اعتقال محمد زيان يندرج في صلب معركة الديمقراطية وحقوق الإنسان بالمغرب؟ وبمعنى ثالث حتى يتضح المراد ويزول الشك، هل محاكمة محمد زيان مسيئ للخيار الحقوقي الوطني أم أنه إجراء كان يفترض أن يتم قبل سنوات كواجب حقوقي؟ هل يستحضر المدافعون عن محمد زيان ولو للحظة أن هيئة الإنصاف والمصالحة لو امتد اختصاصها إلى إثارة المسؤولية الجنائية لكان محمد زيان ضمن قوائم المسؤولين عن انتهاكات الماضي ممارسة أو تبريرا كأضعف الإيمان؟ ماذا كان يمكن أن تعتبر محاكمته حينذاك، ألن يعتبرها هؤلاء المدافعين عنه أنفسهم اقتصاصا من الجلادين وإنصافا للضحايا؟ ألم يكن يوصف من طرف نفس الأصوات ملمعا لأحذية النظام ورمزا من رموز الفساد؟ ألم يكن يوصف حزبه وقتذاك إفسادا للمشهد الحزبي وصناعة لإدريس البصري؟ بأي منطق يمكن أن نقتنع بسرديات باتت تروجها عناصر معلومة أن محاكمة محمد زيان هي محاكمة للخيار الديمقراطي والحقوقي للبلد، فمتى صارت عناصر أزمة المنظومة الحقوقية والسياسية للأمس جزءا من بنيان صرح ديمقراطية اليوم؟ أو لم يعد صحيحا شعار لا ديمقراطية بدون ديمقراطيين ولا نضال حقوقي بدون حقوقيين؟ وجب لهذه السرديات أن لا تطال أكثر وما كان يجب أن تنطلي على أحد، فقبل أن تسيء للديمقراطية وحقوق الإنسان فإنها تسيء لمروجيها وتنزع عنهم لبوس الصدقية المصطنع الذي لم يكن يوما أصيلا. لا أعتقد أن صفة المناضل الحقوقي والديمقراطي مشروطة بأن يكون لك ماض مخجل وسيء للغاية، ولا أظن أن معايير النضال الحقوقي قد انقلبت بهذه الصورة الكاريكاتورية التي يصير معها شخص يعد ركنا ركينا من سد منيع ضد أي تحول سياسي وانفتاح ديمقراطي بالمغرب إلى مناضل مغوار ومعارض أول وكبير الديمقراطيين. حاولت دون جدوى تفهم اعتبار محمد زيان جزئا من الصف الحقوقي والديمقراطي بكل السبل، واهتديت أخيرا إلى أن الإجابة عن هذه المعضلة لا يملكها أحد غير علماء النفس، ويطلقون عليها متلازمة ستوكهولهم، وتفسر هذا النوع من الاضطراب في التعاطف مع الآخرين، وكيف يمكن للضحية أن تحن إلى الجلاد وتلتمس له الاعذار. وتذكرت بهذه المناسبة أحداثا مماثلة لأشخاص مماثلين، عندما تملكهم الشوق والحنين إلى ماض تم طيه، وهم يطالبون بتمتيع ادريس البصري ببعض من امتيازاته واعتبار حرمانه منها انتهاكا لحقوقه لا لشيء إلا لكونه أحد معاول هدم بنيان ديمقراطي آخذ في التشكل مع بداية العهد الجديد. لنترك كل هذا جانبا، ونتساءل عن وجاهة ومعقولية اعتقال محمد زيان على المستويين القانوني والواقعي. لندقق أولا في كلمة الاعتقال، التي تفيد اننا لسنا امام اختطاف كما حاولت أن تروج لذلك بعض الصفحات مجهولة الهوية، فالذي قام بالاعتقال هم أصحاب الصفة قانونا ووجهة الاعتقال معلومة ومكان تواجده معروف. مما يعني أننا امام حالة اعتقال وليس اختطاف كما ادعى البعض. مادام الامر ليس اختطافا فلنتحدث عن الأساس القانوني للاعتقال؟ لأن افتقاد الاعتقال لأساسه القانوني لا يوصف بشيء آخر غير كونه اعتقالا تعسفيا. لذلك قامت مصادر امنية بالرد على المغالطات المقصودة بخصوص ظروف الاعتقال، فما تم الترويج له من ادعاءات بشأن عدد الضباط والأعوان الذين شاركوا في تنفيذ هذا القرار القضائي، مجرد مزاعم كاذبة ومغالطات تجافي الحقيقة والواقع، وأن الحديث عن 20 عنصرا أمنيا شاركوا في تنفيذ هذا القرار، هو كلام مشفوع بالتهويل والتضخيم ومطبوع بمناقضة الحقيقة، مع استحضار أن المشرع المغربي لم يحدد سقفا لضباط وأعوان الشرطة القضائية المخول لهم تنفيذ المقررات والأوامر القضائية. ما قامت به الشرطة القضائية هو تنفيذ لقرار استئنافي ضد محمد زيان، مما يعني أنه تصرف خاضع للشرعية القانونية، ويندرج ضمن الاحترام الواجب للمقررات القضائية وصيانتها من التحقير، ويبقى لمحمد زيان ولدفاعه كامل الحق في اللجوء إلى القضاء إذا ثبت لهما وجود ممارسات مسيئة أو حاطة بالكرامة أثناء الاعتقال، فمكان رفع الحيف إن كان حاصلا هو القضاء وليس صفحات مواقع التواصل الاجتماعي. اما من الناحية الواقعية، فقد يرى البعض، مفترضين حسن نيتهم، أنه كان واجبا على الهيئة القضائية أن تستحضر اعتبارات السن لمحمد زيان ومسؤولياته السابقة كنقيب لتمتيعه بمتابعة في حالة سراح، ولهم الحق في الدفع بذلك، لكن أليست المتابعة في حالة سراح مشروطة بتوفر ضمانات الحضور، وأن تكون هذه الضمانات يقينا وليس مجرد اعتقاد، وبالتالي فقد يكون لدى النيابة العامة والهيئة القضائية عامة معطيات تجعل ضمانات الحضور غير اكيدة بالنسبة لمحمد زيان، وللهيئة القضائية وحدها تقدير هذا الأمر، هذا أولا، ثم ثانيا، أليس من المخجل، وأضع نفسي في موقع دفاع محمد زيان، المطالبة بتمتيع موكله بالسراح، في الوقت الذي تم فيه تأكيد 11 تهمة من صك الاتهام، وتتوزع هذه التهم على أفعال تنطوي على خطورة بالغة من الناحية الجرمية، كإهانة رجال القضاء وموظفين عموميين بمناسبة قيامهم بمهامهم بأقوال وتهديدات بقصد المساس بشرفهم، ونشر أقوال بقصد التأثير على قرارات رجال القضاء قبل صدور حكم غير قابل للطعن وتحقير مقررات قضائية، وبث ادعاءات ووقائع ضد امرأة بسبب جنسها، وبث ادعاءات ووقائع كاذبة بقصد التشهير بالأشخاص عن طريق الأنظمة المعلوماتية، والمشاركة في الخيانة، والمشاركة في مغادرة شخص للتراب الوطني بصفة سرية، وتهريب مجرم من البحث ومساعدته على الهروب، بالإضافة إلى جرائم تتصل بالتحرش الجنسي. أمام كل هذه القائمة الطويلة للجرائم التي يتابع على ذمتها محمد زيان أليس مقرفا أن يقال بأن المعني بالأمر يحاكم بسبب تعبيره عن آراءه، ثم أولم يبدو تمتيع محمد زيان بالسراح المؤقت في الطور الابتدائي لمحاكمته خطأ وسوء تقدير وتعاطفا زائدا من الهيئة القضائية ومراعاة زائدة عن اللزوم لظروف محمد زيان الخاصة؟