من يطالع المقال الأخير المنسوب لعبد اللطيف الحماموشي حول وضعية حقوق الإنسان بالمغرب، يخرج بقناعة راسخة مفادها أن هذا الشاب الغض يرفض مبارحة "جلباب المعطي منجب"، بل ويصر على محاكاته في أسلوب الزعم والتحريف لوصم المغرب بالأباطيل والأراجيف. فالمتمعن في ثنايا هذا المقال، يتفق مع عبد اللطيف الحماموشي في عبارة واحدة فقط تتمثل في مزاعم "التدهور المستمر" الواردة في العنوان، والتي لا تنطبق على واقع حقوق الإنسان بالمغرب وإنما تنصرف إلى أدعياء حقوق الإنسان، خاصة بعدما أصبحنا نرى أن من استخلف إدريس بنزكري والمنوزي ومبارك بودرقة وابراهام السرفاتي هم مجرد "مياومين ومناولين" يتاجرون بحقوق الإنسان، مثل المعطي منجب وعبد اللطيف الحماموشي وفؤاد عبد المومني وغيرهم. وأما المغالطة الأولى التي حاول تمريرها كاتب المقال، إما عن عمد مقصود أو عن جهل مفضوح، فهي عندما ادعى أن السلطات المغربية "اعتقلت" محمد زيان في 21 نوفمبر الماضي، وهي عبارة مضللة يراد منها تغليط القارئ العادي ودفعه إلى استنباط أن "السلطة هي من بادرت تلقائيا بالاعتقال"، بيد أن الأمر يتعلق هنا بتنفيذ حكم قضائي استنفذ جميع مراحل الدعوى العمومية وكافة أطوار التقاضي في المرحلة الابتدائية والاستئنافية. فالحديث عن الاعتقال الأمني، عوض استعراض الحقيقة المتمثلة في الإدانة القضائية، هي في الغالب مناورة "شبه حقوقية" ترنو التضليل أكثر ما تصبو للتوضيح. أما المغالطة الثانية فهي عندما سكت عبد اللطيف الحماموشي، عمدا وبكثير من الخبث، عن ذكر اسم محامي محمد زيان، وهو بالمناسبة نجله علي رضى زيان، إذ ادعى الكاتب بأن الاعتقال كان بمكتب محامي النقيب السابق، وهي طريقة ماكرة تبتغي التحايل على القراء لتصور لهم بأن هذا "الاعتقال المزعوم" استهدف حقوق الدفاع وخرق سرية الاتصال بين المتهم ومؤازره. والحقيقة أن عناصر الشرطة التي باشرت إجراءات تنفيذ الحكم القضائي الصادر في حق محمد زيان ذهبت إلى محل المخابرة الذي اعتاد محمد زيان التواجد فيه، وهو بالمناسبة مكتبه الذي يستغله ابنه حاليا، دون أن تكون لهذه القضية أية علاقة نهائيا بحقوق الدفاع ولا بضمانات المحامين. وبخصوص المغالطة الثالثة، فتتمثل في ادعاء عبد اللطيف الحماموشي أن عدد رجال الأمن الذين باشروا تنفيذ الحكم القضائي في حق محمد زيان، كان هو 20 عنصرا بزي مدني، وهو رقم كاذب ومبالغ فيه، ولكنه يفي بالغرض بالنسبة لأدعياء حقوق الإنسان، لأنه يعطي الانطباع بشكل مغلوط بأن عملية التنفيذ كانت ربما مشوبة "بالغلظة والعنف"، حتى وإن كان المشرع المغربي لا يحدد أي سقف معين لعدد عناصر الشرطة المطالبين بتنفيذ المقررات والأوامر القضائية. كما أن الحشو المتعمد من جانب عبد اللطيف الحماموشي في قوله عناصر أمنية "بزي مدني"أريد به تضليل الرأي العام ودفعه للاعتقاد بأن الأمر يتعلق ب"اعتقال خارج إطار القانون"، مع العلم أن قانون الشرطة يميز أصلا وقانونا بين فئتين من ضباط وأعوان الشرطة القضائية، فئة تعمل بالزي المدني في مجالات الشرطة القضائية والاستعلامات العامة وغيرها، وفئة تعمل بالزي الرسمي في وحدات حفظ النظام وشرطة المرور وغيرها. أما المغالطة الرابعة فتتجسد في استخدام عبد اللطيف الحماموشي أسلوب "الفهلوة والتلاعب بالمفردات"، فمثلا زعم هذا الأخير بأن عناصر الأمن "اقتحموا مكتب المحامي"، في محاولة مفضوحة لخلق اللبس وتصوير تنفيذ الحكم القضائي وكأنه جرى بطريقة غير مشروعة، والحال أن ضابط الشرطة القضائية ومساعديه الذين انتدبتهم النيابة العامة لهذا الغرض لم يكسروا بابا ولم يتلفوا نافذة كما توحي بذلك لفظة "الاقتحام" المستعملة بشكل خبيث في صلب المقال. وإمعانا في التحريف والتغليظ دائما، وهو ما شكل موضوع المغالطة الخامسة، فقد أقحم عبد اللطيف الحماموشي سن محمد زيان بشكل مقصود (80 سنة)، كحيلة تدليسية ومخادعة لتصوير الرجل وكأنه شيخ أضعفته الحياة، ومع ذلك تستهدفه الدولة المغربية. لكن ما نسي أو تناسى عمدا أن يقوله كاتب المقال هو أن القانون المغربي لا يعتبر سن الثمانين سببا من أسباب سقوط الدعوى العمومية، ولا سببا للإباحة وسقوط العقوبة. كما تجاهل عبد اللطيف الحماموشي أن يكتب في مقاله بأن محمد زيان كان يبعث لضحيته نجلاء الفيصلي رسائل غرام تصدح ب"الفحولة"، ويتعهد أمامها بأنه قادر على الوطء وقادر على الإنجاب رغم مشارفته على الثمانين. أما المغالطة السادسة، والتي تنطوي على زور فاضح واحتيال صارخ، فهي عندما تصرف كاتب المقال في صك التهم المنسوبة لمحمد زيان بطريقة مشوبة بالتزوير، إذ اكتفى بذكر ثلاث تهم فقط وأسقط عمدا ثمانية تهم أخرى. والملاحظة هنا أن عبد اللطيف الحماموشي سرد فقط تهم إهانة القضاء وبث الادعاءات الكاذبة والقذف في حق موظفين عموميين، وسكت في المقابل عن الجرائم الأخلاقية والجرائم الأخرى التي تفضح حقيقة محمد زيان، من قبيل تهم التحرش الجنسي، والمشاركة في الخيانة الزوجية، وإعطاء القدوة السيئة لقاصر، والتستر على مجرم ومساعدته على الهرب، وغيرها من الجرائم الأخرى المذكورة في عريضة المتابعة ومنطوق الحكم. والسؤال المطروح هنا: هو لماذا أسقط كاتب المقال هذه التهم من مقاله ؟ هل من باب التخفيف عن محمد زيان أم لتضليل الرأي العام الأجنبي الذي يجهل كافة تفاصيل هذه القضية؟ وبالنسبة للمغالطة السابعة في رصيد عبد اللطيف الحماموشي، فتتمثل في إقحامه لرئيس الحكومة عزيز أخنوش والوزير المنتدب في الاقتصاد والمالية فوزي لقجع في خانة المشتكين بمحمد زيان، في محاولة خادعة لتسييس محاكمة هذا الأخير وإخراجها من نطاقها القانوني الصرف. ومن يعرف جيدا تفاصيل محاكمة محمد زيان، يعلم يقينا بأن عزيز أخنوش وفوزي لقجع لا علاقة لهما نهائيا بهذه القضية، ولم يتقدما بأية شكاية في مواجهته، وأن إقحامهما من طرف عبد اللطيف الحماموشي في هذه القضية لا يعدو أن تكون مناورة مكشوفة من طرف شخص يريد النيل من سمعة المغرب الحقوقية عبر نشر الأراجيف الباطلة. وأما المغالطة الثامنة التي فضح بها كاتب المقال نفسه، وافترض بها الجهل في حق كل من طالع هذا المقال، فهي محاولته الربط بين إدانة محمد زيان وبين أحداث الحسيمة من جهة، وبين إدانته الحبسية ومطالباته العبثية بحل المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني من جهة ثانية. وهنا لا بد من بعض التصويب، إذ أن محمد زيان لم يناضل إطلاقا من أجل المعتقلين في أحداث الحسيمة، والدليل أنهم رفضوا صراحة أمام المحكمة أن يؤازرهم هذا الأخير أو ينوب عنهم، كما أن هناك شريط فيديو يوثق كيف طرده سكان "تارجيست" من منصة بالشارع العام بعدما شرع في سبهم واستهجانهم بكلمات ذميمة وعبارات قدحية. كما أن ادعاء عبد اللطيف الحماموشي بأن "الحزب المغربي الحر، الذي يترأسه محمد زيان" نشر بيانا شديد اللهجة يطالب بحل المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، فهو افتراء موغل في التحريف والتزوير، ويشكل موضوع المغالطة التاسعة، وذلك على اعتبار أن محمد زيان تم عزله من رئاسة هذا الحزب، ولم يعد يشغل فيه أي منصب قيادي، خلافا لما زعمه كاتب المقال. وحتى عندما كان محمد زيان يجثم على صدرهذا الحزب، فإنه كان يتصرف بمفرده بعيدا عن القواعد الحزبية، وبالتالي فإن إقحام الحزب في هذا الطلب العبثي هو ضرب من التدليس والافتراء. أكثر من ذلك، فإن المطالبة بحل المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني هي شعبوية مقيتة مطبوعة بالعبث والسفه، ولا يقبلها عاقل، خصوصا وأن العالم بأسره يتحدث عن منجزات هذا المرفق الأمني العمومي المواطن، سواء في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة أو في ضمان الأمن والاستقرار الوطني والإقليمي والدولي. أما المغالطة العاشرة، وهي بالمناسبة ليست الأخيرة في سياق مهاترات عبد اللطيف الحماموشي، فهي عندما نشر العقوبات السجنية الصادرة في حق توفيق بوعشرين وسليمان الريسوني وعمر الراضي بمعزل عن سرد التهم الجنائية المنسوبة لهم، إذ اكتفى فقط بذكر مدة العقوبة وصفة الشخص المدان، في محاولة لإشاعة الغموض عند القارئ وتصوير المغرب وكأنه دولة تستهدف الصحافيين. وهنا نتساءل مع عبد اللطيف الحماموشي، لماذا لم يوضح للقراء أن توفيق بوعشرين أدين من أجل الاتجار بالبشر والاغتصاب المتعدد والتحرش الجنسي، وأن هناك تسجيلات توثق لهذه الاعتداءات الجنسية؟ ولماذا استنكف عن ذكر أن سليمان الريسوني أدين من أجل هتك العرض بالعنف المدفوع بالرغبة في الشذوذ؟ وأن عمر الراضي حوكم بسبب الاغتصاب والتخابر مع جهات أجنبية بغرض الإضرار بمصالح المغرب. طبعا لن يتجاسر عبد اللطيف الحماموشي وينشر هذه المعطيات الدامغة، لأنها ستقوض مزاعمه وتهدم ما يصبو لتحقيقه رفقة المعطي منجب وفؤاد عبد المومني، من نشر للمغالطات والأكاذيب التي تسيء لصورة المغرب ولمكتسباته الحقوقية.