عندما نتحدث عن المغرب فإننا نتحدث عن بلد تمتد جذوره الثقافية والحضارية لأزيد من 950 سنة قبل الميلاد تزامنا مع صعود الفرعون شيشناق الأول لعرش مصر. ونتاجا لهذا التاريخ المديد فإن لبحره الثقافي خمسة روافد، الرافد الأمازيغي والرافد العربي والرافد الأندلسي الموريسكي والرافد الإفريقي ثم الرافد اليهودي. هذه الروافد وعلى مدى مئات السنين أغنت موروثه الثقافي كما لم يحدث إلا في مناطق قليلة حول العالم. ثم اتساع المغرب جغرافيا على مدار تاريخه ليصل الحدود التونسية والليبية شرقا ونهر السينغال جنوبا وجبال البرانيس في حدود فرنسا شمالا، زيادة على موقعه الاستراتيجي المستقطب عبر التاريخ لكل الأجناس لمحاولة احتلاله أو للعيش والاستقرار فيه أو لكسب العلم والمعرفة كونه كان منارة للعلم وكانت مدنه ذات إشعاع ثقافي وعلمي في العصر الوسيط والحديث، حملت هذه الوفود معها ما حملت من ذاكرة ثقافية مميزة لكل ديانة وعرق على حدة، فقط استوطنت كل الديانات بهذه الأرض، الوثنية، واليهودية والمسيحية والإسلام الصوفي. هذا التنوع الديني والعرقي وما يصاحبه من عادات وتقاليد وطقوس وتراث أغنى الثقافة المغربية. ولا ننسى التطور السياسي الغني لهذا البلد الذي أهله ليكون سلطنة حكمت هذه المنطقة الشاسعة من الأرض. وحتى منتصف الخمسينيات كان هذا هو الاعتقاد السائد عند المغاربة وكان يمثل التوجه الرسمي للدولة المغربية. بعد هذا التقديم المقتضب عن تاريخ المغرب الثقافي ومكونات حضارته دعوني أنقلكم إلى موقع آخر من هذا الكوكب دولة العم سام التي تأسست قبل 245 سنة فقط. الأرض التي اكتشفها الغزاة الأوربيين عندما انطلقت سفن أوروبا حول العالم بحثا عن الموارد الطبيعية لإشباع رغباتها، وبشكل رسمي نحو فلوريدا في الولاياتالمتحدة في سنة 1513 من المملكة الأسبانية. هذه الدولة التي أقامت نفسها على جثة الهنود الحمر الذين أبادتهم عن بكرة أبيهم بالأوبئة والأسلحة المتطورة لإقامة مستوطنات جديدة. انبثق عن كل هذا وبعد تاريخ مديد من الصراع والحروب بين المماليك الأوروبية ما يسمى اليوم بالولايات المتحدث الأمريكية. نفس الدولة اليوم تقود العالم بسبب الطفرة الاقتصادية التي شهدتها في مطلع القرن العشرين. ولن أتطرق هنا إلى الجانب السياسي منه، بل الجانب الثقافي. استعملت فيه أمريكا كل السبل المشروعة واللامشروعة. حتى أصبحنا لا نجد بقعة في هذا الكوكب إلا وتعشعش فيه هذه الثقافة المصطنعة، بل لا توجد بقعة حول الأرض إلا ويحاول سكانها التلبس بلبوس هذه القيم الثقافية التي أصبحت منذ بداية القرن الماضي تجسيدا للرقي والتحضر