يبدو أن المستقبل المناخي في منطقة الشرق الأوسط وباقي الدول العربية المطلّة على البحر المتوسط، ينذر بتحولات خطيرة خلال القرن الجاري، خاصة بعد أن رفع العلماء توقعاتهم المتعلقة بارتفاع درجة الحرارة جراء التغيرات المناخية. وتنذر دراسة جديدة حول مستقبل المناخ في المنطقة بزيادة حدة الظواهر المناخية المتطرفة، والتي يتوقع أن تشمل فترات الجفاف الطويلة، وموجات الحرّ الشديدة، والعواصف الرملية، وحرائق الغابات، وأمطار طوفانية مدمّرة ومفاجئة يكاد يصعب التنبؤ بها. كما شملت توقعاتهم زيادة المشاكل الصحية الكبيرة. فما هي أهم الحقائق التي يتوقع الإعلان عن تفاصيلها قريبا في مؤتمر دولي؟ ارتفاع درجة الحرارة ب5 درجات حسب الجزيرة نت، ارتفع سقف توقعات خبراء البيئة بخصوص التغيرات المناخية وارتفاع متوسط درجات الحرارة في منطقة شرق البحر المتوسط والشرق الأوسط؛ فبعدما كانت التنبؤات تشير إلى احترار متزايد نسبيا عن المعدل العالمي، أصبح الحديث اليوم عن احترار بما يقارب 5 درجات مئوية وأكثر خلال القرن الحالي. ورغم أن منطقة الشرق الأوسط وباقي الدول العربية المطلّة على البحر المتوسط، حسب نفس المصدر، تعرف منذ عدة سنوات ظواهر مناخية متطرفة جدا، فإن مستقبلها سيزداد سوءا كما يقول الخبراء، وسيصبح على ما يبدو على كفّ عفريت لأن ما قد يطرأ عليها من تقلبات مناخية سيكون غير مسبوق. وكان معهد ماكس بلانك الألماني لعلوم الكيمياء أشرف على دراسة مرموقة مع فريق بحث علمي دولي، واستشرفت مستقبل المنطقة في ظل التغيرات المناخية الحالية، وذلك تحسبا لعرضها على قمة المناخ العالمية 27 المرتقبة في شرم الشيخ بمصر خلال نوفمبر/تشرين الثاني القادم شملت الدراسة 16 دولة من دول المنطقة، وهي: البحرين، وقبرص، ومصر، واليونان، وإيران، والعراق، والأردن، وفلسطين، والكويت، ولبنان، وعمان، وقطر، والسعودية، والإمارات، وسوريا، وتركيا. وشارك في هذه الدراسة خبراء من عدّة مراكز بحثية وجامعات عالمية، مثل مركز البحث في المناخ والجوّ التابع لمعهد قبرص، ومركز الامتياز للبحث في التغييرات المناخية بجامعة الملك عبد العزيز بالسعودية، ومعهد بحوث البيئة والتنمية المستدامة باليونان، ومعهد البحث في المناخ والأنظمة الأرضية بفنلندا، فضلا عن معهد ماكس بلانك الألماني لعلوم الكيمياء. وحسب ما جاء في البيان الصحفي الصادر في السادس من سبتمبر/أيلول الجاري، من معهد ماكس بلانك، فإن إدراج سياسات مناخية عالمية جادة وعميقة قد يسهم في تخفيف الآثار السلبية للظواهر المناخية المتطرفة. مصدر كبير لانبعاث غازات الدفيئة وحسب الدراسة التي نشرتها مجلة "ريفيوز أوف جيوفيزيكس" (Reviews of Geophysics) في 22 يونيو/حزيران 2022، فإن هذه المنطقة ستصبح من أكبر المناطق العالمية التي تنبعث منها الغازات الدفيئة، وقد تتجاوز الاتحاد الأوروبي في ذلك. ومن بين الظواهر المناخية المتطرفة التي ستزيد حدتها مستقبلا فترات الجفاف الطويلة، وموجات الحرّ الشديدة، والعواصف الرملية، وحرائق الغابات، وأمطار طوفانية مدمّرة ومفاجئة يكاد يصعب التنبؤ بها. وقال الباحث الرئيسي جورج زيتيس من مركز البحث في المناخ والجوّ التابع لمعهد قبرص في البيان الصحفي "إذا استمر الوضع على حاله ولم تقم دول العالم بأي إجراءات سريعة لاحتواء الأزمة المناخية؛ فإن المنحنى المناخي يسير نحو الأسوأ، ونحن نتوقع أن تتسع مساحة الأراضي القاحلة والجافة، حيث تزحف نحو الشمال الذي به أراض خصبة ومناخ أقل سخونة". وأضاف زيتيس أن "المناطق الجبلية ستعرف بدورها تراجعا كبيرا في معدل تساقط الثلوج، إضافة إلى ارتفاع مستوى سطح البحر بمعدل يساوي المعدل العالمي. كل القطاعات الاقتصادية ستتأثر بذلك وستكون لذلك أيضا تبعات على الجانب الاجتماعي". مشاكل صحية مستعصية كما توقع الباحثون في الدراسة أن تتسبب التغيرات المناخية في بروز مشاكل صحية كبيرة لدى سكان المنطقة، ويقول مدير معهد ماكس بلانك جوس ليليفيلد في البيان الصحفي "سيواجه سكان المنطقة مشاكل صحية كبيرة تهدد وجودهم، خاصة في أوساط الطبقات المحرومة والأطفال والأشخاص المسنين" وفي تعليقه على الجانب الصحي للدراسة، قال الدكتور العراقي وائل الدليمي المختص في البيئة والتغيرات المناخية بجامعة كاليفورنيا سان دييغو -في تصريح للجزيرة نت عبر الهاتف- إن "الدراسة دقيقة جدا وصحيحة إلى أبعد الحدود من حيث توقعاتها، لأن المنطقة من بين المناطق التي ستتأثر بالتغيرات المناخية مستقبلا، خاصة في الجانب الصحي؛ فنحن نتوقع أن يواجه سكان المنطقة مشاكل صحية كبيرة مثل أمراض القلب والتنفس وكثير من الأمراض التي تنتشر عن طريق الحشرات والبعوض كالملاريا والتي ستمتد إلى مناطق جديدة" وأضاف الدليمي "ما يمكن ملاحظته حول المنطقة أنها تفتقد إلى دراسات مفصلة لكيفية الاستعداد لمثل هذه الأمراض؛ ولذلك فقد أطلقنا في جامعة كاليفورنيا سان دييغو مشروع "التغيرات المناخية والصحة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" بالتعاون مع جامعة العلوم والتكنولوجيا بالأردن، وجامعة محمد السادس لعلوم الصحة بالمغرب، وجامعة البلمند في لبنان، وهدفه تكوين خبراء في المجال وإنجاز دراسات علمية لفهم خطورة الاحترار المناخي على صحة سكان المنطقة" وأوضح أن المشروع بتمويل من المعهد الوطني الأميركي للصحة، وسيعرف أيضا مشاركة خبراء من جامعتي هارفارد وبيركلي، بالإضافة إلى المركز الجهوي لمنظمة الصحة العالمية، ومقرّه في العاصمة عمان. وتابع "المشروع انطلق في يوليو/تموز 2022 وسيمتد إلى عام 2027، وبدأنا فعليا العمل بإقامة ورشة تدريبية لإطارات المشروع من المغرب ولبنانوالأردن، ونظمنا مؤتمرا حول التغيرات المناخية والصحة في الشرق الأوسط بمشاركة وزراء الصحة العرب". كما بدأ إعداد دراسة في الأردن لمعرفة تأثير ارتفاع درجات الحرارة على الجنين ومضاعفات الولادة لدى مجموعة من النساء في مناطق زراعية شديدة الحرارة.