يوم السادس عشر من أكتوبر من هذه السنة ستشهد بكين عقد الحزب الشيوعي الصيني لمؤتمره العشرون، ويُنتظر أن يعرف هذا المؤتمر قرارات جوهرية وحاسمة في إطار عملية بناء القرارالاستراتيجي الصيني التيلا مكان فيها للصدفة والعبثية والهواية، بل يتم بناؤها بطريقة تتسم بمستوى عال جدًا من الذكاء والعقلانية، وفي الظرف الحالي فإن المعركة المرحلية الأهم بالنسبة للصين هي الحفاظ على الوضع في تايوان في أفق استرجاع الجزيرة نهائيا إلى الوطن الأم في إطار ما يعرف دوليا بالصين الواحدة، وهي معركة وجودية وذات قيمة سياسية واقتصادية حيوية في آن واحد، وبناء الاستراتيجية الصينية بهذا الخصوص يختلف جوهريا عن التكتيك الاستعراضي المبني على "الفَتْونة" وإبراز القوة العسكرية الذي تمارسه واشنطنواستراتيجيتها الإعلامية القائمة على الاستفزاز من خلال الزيارات والتصريحات التي يقوم بها السياسيون الأمريكان. ولفهم مفتاح الاستراتيجية الصينية فيما يتعلق بتايوان يتوجب البدء بالمتابعة المتأنية لمحتوى مشاركات ولقاءات وتصريحات ومخرجات المؤتمرات التي تحضرها وتساهم فيها بكين، على غرار مؤتمر بريكس الذي يضم كلا من الصينوروسيا والهند والبرازيل وجنوب افريقيا، مرورًا بالإعلان الذي خرج به مؤتمر منظمة شنغهاي للتعاون المنعقد في سمرقند، بأوزبكستان وغيرهما. كل تلك المخرجات وما تضمنته من معاهدات واتفاقيات بين الصين وشركائها، سواءً في إطار ثنائي او متعدد الأطراف، والتي تروم الصين من خلالها تحصين نفسها ضد سوء الفهم وردود الأفعال الدولية، سيتم تتويجها وتكميلها وبلورتها على شكل خطوات عمليةمن خلال القرارات التي سيسفر عنها مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني الذي سينعقد خلال ثلاثة أسابيع من الآن، وحسب متابعتي للشأن الصيني أتوقع ما يلي: – سيبلور الحزب الشيوعي الصيني عقيدة سياسية وعسكرية جديدة تروم تعبئة المجتمع والجيش الصينيين معًا خلال الفترة القادمة والتي ستمتد في تقديريعلى مدى الربع القرن المقبل أي حتى متمسنة 2047، وهي السنة التي تنتهي فيها الفترة الانتقالية الخاصة ب عودة هونج كونج للسيادة التامة لبكين وبالتالي ستندمج هذه الأخيرة بصفة كاملة بالبنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبر الصيني الرئيسي، بما يمكن بكين حينها من التفرغ التام لقضية تايوان. وللتهيء لتلك المرحلة وبلورة العقيدة الجديدة للحزب الشيوعي الصيني، سيتم من جهة توظيف واستعمال السلوكيات الخاطئة والدعاية المعادية والسياسات التمييزية لكل من الحلف الأوروبي الأمريكي والحلف الأطلسي، مثل زيارة بيلوسي واستفزازات البوارج الأمريكية بمضيق تايوان، وتصريحات السياسيين الأمريكيين مثل التصريح الأخير للرئيس بايدن والذي قال فيه إن أمريكا ستدخل الحرب إلى جانب تايبيه في حال تعرضت لهجوم من بكين، كوقودٍ لهذه العقيدة الجديدة، ومن جهة أخرىسيتم ترسيموتوسيع المناورات الغير المسبوقة بالذخيرة الحية التي قام بها الجيش الصينيبمحيط الجزيرة، والأمر المقلق في نظري الذي أصدره الرئيس الصيني للجيش بالاستعداد "لأعمال قتالية حقيقية"، وخلاصات اللقاءات الدبلوماسية والعسكرية والأمنية بين موسكووبكين مثل لقاء وزيري الخارجية الصيني وانغ يي والروسيلافروف، والذين اعتبرا على إثره في بلاغ مشترك بأن "نهج الولاياتالمتحدة بالمنطقة أصبح "مدمرًا"، كمنهجية وإطار سياسي لهذه العقيدة. وبناءً على ما يلف فإن قراءة استشرافية لما قد يسفر عنه المؤتمر القادم للحزب الشيوعي الصيني على ضوء كل هذه المعطيات تجعلنا نتوقعثلاثة أنواع من القرارات: – أولا: تكريس هيمنة شي جين بينغ والتيار المساند له على مقاليد القرار السياسي والحزبي، وهو التيار الذي يعتبر أن الصين أضحت في موقف يسمح لها بالتعبير عن نفسها سياسيا واقتصاديا ولكن أيضا عسكريا، عكس المنهجية التي ظلت تحكم سلوك بكين منذ إقرار سياسة " الإصلاح والانفتاح" من طرف دنغ شياو بينغ لمدة أربعين سنة،أي منذ سنة 1978 وحتى صعود نجم شي جين بينغ في 2012. – ثانيا: سيشهد المؤتمر بالمقابل إضعافا تنظيميا وسياسيا وإيديولوجيا لتيار التهدئة، وصعود المزيد من الصقور إلى المكتب السياسي للحزب مع ما سيصاحب ذلك من تصعيد بكين للهجتهاوإجراءاتها ضد أمريكا وحلفائها في منطقة المحيطين بشكل خاص والغرب بشكل عام وبالتالي: – ثالثا: وكنتيجة لأخطاء واشنطن أتوقع أن يتم إضفاء المزيد من الشرعية والصلابة على التقارب الصيني الروسي الذي سيتعزز أكثر وسيمتد إلى مجالات مختلفة وسيتحول بالتالي إلى كتلة جاذبة للعديد من الدول والكيانات السياسية في آسيا بشكل خاص وفي شمال وشرق إفريقيا وبعض دول أمريكا اللاتينية بشكل عام، بالنظر إلى مجموع اللقاءات والاتفاقيات والمعاهداتالتي عقدها وزيرا خارجية بكينوموسكو مع مسؤولي البلدان السالفة الذكر مثل دول الخليج ومصروالهند والبرازيل والأرجنتين وغيرها، ويعزز هذا الطرح: – إن الاستفتاءات التي تجري حاليا في مناطق دونيتسك ولوكانسك والتي ستجعل من تلكالمناطق أراضٍ روسية بشكل رسمي، سيترتب عنها انتشار مكثف ومنظم للجيش الروسي في المنطقتين، وبالتالي سيوفر للصين غطاءً عسكريا على الجناح الغربي، يحميها من احتمالات التعرض لهجوم أطلسي عبر تلك الجهة ويمكنها من تركيز قواها على الجناح الشرقي حيث تتواجد جزيرة تايوان وبحري الصين، وخصوصا أن تركيا المتمركزة على نفس المحور الجغرافي، لا تبدو متحمسة للعداء مع محور الصين-روسيا.