الأعذار التي تدافع بها بعض ميكروفونات تونس اليوم، هي أكبر من زلة الدولة التونسية نفسها والتي اقترفتها وهي تخصص استقبالا رسميا لزعيم انفصاليي البوليساريو المدعو للمشاركة في القمة الاقتصادية اليابانية-الأفريقية الأخيرة (تيكدا 8) 1- تقول هذه الميكروفونات بأن تونس ليست هي من دعا البوليساريو للقمة بل كانت منظمة الاتحاد الأفريقي. وما كان على تونس- حسب مبررات الميكروفونات- سوى قبول استقبال كل ضيوف الاتحاد حسب تقاليد الضيافة التونسية. لكن من رد على هذا العذر كانت اليابان نفسها، الدولة المشاركة في تنظيم القمة، والتي أحاطت الأفارقة علما وكذا المنتظم الدولي، بأنها احترمت مساطر التنظيم مسبقا وحددت مع الخارجية التونسية مسبقا لائحة الدول المدعوة، وهي لائحة لم تكن تشمل لا ميليشيات ولا تيارات انفصالية...ورمت الكرة بين أقدام تونس التي تواطأت مع فيلق متحرك داخل الاتحاد الأفريقي تقوده الجزائروجنوب أفريقيا. أول استنتاج مأسوف عليه هو خروج تونس من شساعة الحياد الجيوسياسي المريح الذي كانت تتمتع به وكان يمنحها أدوار الرقابة والنظم والتحكيم الأفريقي، ودخولها لنادي الجزائر الضيق والمعزول وذلك مقابل 300 مليون دولار سبق أن "وعدت" بها الجزائرتونس كمنحة داعمة مقابل التحاقها بالأجندة الجزائرية الثواقة لعزل المغرب كمنافس إقليمي. 2- تستند الميكروفونات على مبدإ السيادة التونسية حيث تروج بأن تونس تتمتع بكامل سيادتها لاستقبال اي ضيف على أراضيها كيفما كان حجمه الديبلوماسي وكيفما كانت سياقات الاستقبال. طبعا لا أحد يطعن أو يخدش سيادة تونس، ولكن تنسى هذه الميكروفونات بأن سيادة الدول تكون مبنية على الموازنات الجيو-سياسية وليست هكذا سيادة هلامية فوضوية خارجة عن منطق العلاقات الدولية...وإلا سيتحول مفهوم السيادة لمدخل مريح لرواد الفوضى وخلخلة التوازنات الإقليمية وتوازنات الصداقات والتحالفات. غذا، وحسب منطق السبادة، يمكن للمغرب أن يخصص استقبالات رسمية لزعماء لقبايل أو قبائل غرب ليبيا أو زعماء الطوارق من جنوبتونس، أو زعماء عشائر صحراء سيناء شرق مصر أو منسقي تيار الصدر العراقي ... ولكن المغرب ليس أخرقا ولا أحمقا لكي يجعل سيادته مدخلا للفوضى والعبث والعزلة ويفتح مجاله الجوي وحدوده وأراضيه للانفصاليين والإرهابيين العابرين للقارات حتى ولو كان المقابل ملايير الدولارات. السيادة ليست هي ما يقنع بها الزبون كل مومس بدعوى حرية بيع جسدها لمن تشاء. 3- تتشبت الميكروفونات المأجورة للدفاع عن زلة تونس الكبيرة بفكرة تؤكد على أن المغرب استصغر تونس كثيرا من خلال إفراطه "غير المفهوم" – حسب إدعاءهم- في الغضب، حتى يمرر رسائله "لمن يهمه الأمر" وذلك بالرواية المغربية (اضرب المربوط ليخاف السايب). وتؤكد نفس الميكروفونات بأن الديبلوماسية المغربية استعملت قنوات الاتصال الموازية للضغط على حلفائها الأفارقة من أجل استصدار بيانات تستنكر الدعوة الموجهة للبوليساريو وتستنكر استقبال تونس الذي خصصته لزعيم الانفصاليين الجزائري إبراهيم غالي. نسيت هذه الميكروفونات أنها بهذه المرافعة الغبية تضر تونس وتطيح من قيمتها وربما تشتغل حسب منهاج الإيحاء الذهني النفسي لتقنع بشكل شيطاني تونس على أنها فعلا دولة صغيرة استباح المغرب دمها وعلى نادي الجزائر حمايتها من بطش المغرب وغضبه المنتظر. وهي عملية إقناع ذهني يكون بمتابة آخر مسمار يدقه هذا النادي فوق نعش تونس قبل اختطافها وعزلها في انتظار تذويب سيادتها بشكل نهائي. وتنسى هذه الميكروفونات أن المغرب فعلا غاضب من تونس لكنه لن يسلم تونس للفوضى والعبث. الخطوات الموالية ستكون في اتجاه التصحيح وليس في اتجاه القطيعة. التاريخ القريب وليس البعيد يؤكد "التوأمة" الحضارية والثقافية بين تونس والمغرب ويؤكد أن حتى خريطتا الدولتين متشابهتين (فقط واحدة تولي وجهها للشرق والثانية تنظر للغرب) وأن الكسكس خرج منهما والغرناطي والمساجد والجوامع والموسيقى والحريات... وإلا لما كان المغفور له الحسن الثاني يصرح- في سابقة كلام ملك متزن وحذر- بأنه مستعد لدعم تونس عسكريا...وإلا لما غامر الملك محمد السادس بسلامته ليجوب شوارع تونس وهي التي كانت مجروحة في سلمها وسيادتها وذلك إشارة منه إلا إن تونس في قلب المغرب وملكه. 4- أرجو أن يفسح المجال لعقلاء تونس وهم كثر للدفع بالدولة التونسية لتدارك وتصحيح الأمر ليعود الأوكسجين لتونس وتسترجع مع المغرب عافيتها كدولة "أنوار" بدل تحويلها "لمومس دول الآبار"