الإعلان عن فوز الرئيس إيمانيول ماكرون بالرئاسيات في شهر أبريل من سنة 2022، لم يكن إعلانا عن نهاية المسلسل الانتخابي الفرنسي، بل كان نهاية جولة فقط في انتظار جولة التشريعيات التي ستجري في دورتين يوم غد الاحد 12يونيو ويوم 19 المقبل..لذلك حملت تصريحات كل من ماكرون ولوبان وميلنشون عدة رسائل سياسية يوم اعلان نتائج الرئاسيات تُعلن عن بداية السباق نحو " قصر الماتينيون " أي قصر رئاسة الحكومة الفرنسية... الأكيد أن نسق ومُجريات حملة الانتخابات الرئاسية لسنة 2022 ستؤثر لا محالة على كل تفاصيل انتخابات الجمعية العمومية الفرنسية ومقاعدها ال 577.. إذ النتائج المتقاربة بين كل من ماكرون ولوبان وميلنشون ( 27 و23 و22 في المائة) جعلت أولًا، الجولة الثانية للرئاسيات تنحصر بين ماكرون ولوبان حيث انتصرت قيم محاربة التطرف والعنصرية... فيما تجري ثانيًا، التشريعيات بين ماكرون وميلنشون... طبعا لا يجب إهمال تصريح " مارين لوبان" زعيمة " حزب التجمع الوطني " اليميني المتطرف عشية إعلان هزيمتها الرئاسية في ابريل 2022 وانتشائها بتحقيق الانتصار.. إذ حققت تقدما بين سنتي 2017 و2022 وهو ما يعني التخطيط لتجاوز حصيلة تشريعيات 2017 والمقاعد الثمانية بالجمعية العمومية..في أفق تحقيق نتائج أقوى داخل الجمعية العمومية في يونيو 2022 وإمكانية خلق أرضية مشتركة على مستوى البرامج وطريقة الاشتغال والتحالف مع زعيم " حزب الاسترداد " ايريك زمور وتشكيل معارضة قوية..بناء على النتائج الكارثية التي حققها " حزب الجمهوريون " في رئاسيات ابريل 2022.. لكن العديد من المراقبين ينبهون للاختلافات الجوهرية في العملية الانتخابية بين الرئاسيات التي تتحكم فيها عوامل السياسات الخارجية أيضا وبين التشريعيات التي تتأثر بميكانزمات شخصية المُرشح نفسه والحضور التاريخي للحزب علاقته بهذه المنطقة أو تلك..لذلك يذهب نفس المراقبون الى تحقيق " حزب الجمهوريون " لنتائج تضمن بقائه في الخريطة السياسية الفرنسية سواء كمعارضة أو " كحليف مُحتمل " لتيار حزب الرئيس ماكرون في حالة عدم الحصول على الأغلبية المطلقة أي 289 مقعدا... كما لا يجب إهمال تصريح جان لوك ميلنشون زعيم " حزب فرنسا الأبية " وقوله بعدم إعطاء أي صوت لمارين لوبان..لكنه لم يدعو صراحة وعلنا للتصويت لماكرون... محتفظا بناخبيه لجولة تشريعيات يونيو 2022.. أما ماكرون فقد أشار في نفس الليلة الى ناخبين صوتوا له ليس تأييدا لبرنامجه، بل فقط لقطع الطريق على اليمين المتطرف وزعيمته لوبان... كل هذه الرسائل حملت معها متغيرات قوية في التعامل مع تشريعيات 2022، قد تُغير العديد من ملامح الجمهورية الفرنسية الخامسة سواء على مستوى التشريعات الخاصة بالتقاعد وتحديث بعض القطاعات الإدارية والانتقال البيئي والطاقي... أو على مستوى موقع الدولة الفرنسية في الاتحاد الأوروبي والناتو وعلاقاتها مع الصين وموسكو وإفريقيا...كما ستكون لها إرتدادات على مستوى انتخابات البرلمان الأوروبي القادم... فالرغبة في الاحتفاظ " بقصر الماتينيون " كانت وراء هندسة اختيارات الرئيس ماكرون بمناسبة التعديل الوزاري والمجيء " باليزابيث بورن " على رأس الحكومة الفرنسية بعد حملها سابقا لحقائب وزارات النقل والانتقال البيئي..و هي ثاني امرأة كرئيسة الحكومة في تاريخ فرنسا بعد السيدة " إيديث كريسون "...و يحمل رسائل الانتصار " النوعي " للمرأة الفرنسية من جهة ، ولماضيها اليساري من جهة ثانية.. فيما سيقود الرئيس المستقيل " جاك كاستيكس " حملة التشريعيات باسم تيار إيمانويل ماكرون.. التعديل الحكومي والذي اعتُبر حلقة مهمة في التحضير لانتخابات الجمعية العمومية حمل معه أيضًا تغييرا في حقائب الخارجية والدفاع فيما تم الاحتفاظ بوزير الداخلية " جيرالد دارمانان " ، لكن الاختيار " النوعي " الآخر والمتمثل في وزير التربية العمومية الجديد " باب ندياي " شكل مادة إعلامية وسياسية قوية ، إذ لم تكن اصوله ( من أب سينغالي وأم فرنسية ) هي المشكلة بل أفكاره وتبنيه للأفكار " المستيقظة "...عكس سابقه في نفس الوزارة.. كما ان الرغبة في الوصول " لقصر الماتينيون " هي التي عبدت الطريق لبناء تحالف يساري جديد NUPES بزعامة " جان لوك ميلنشون " ويضم أحزاب الخضر والبيئة والاشتراكي والشيوعي...و هي زعامة فرضتها نتائج الرئيسات التي هزت اركان اليسار الفرنسي التقليدي وجعلت من ميلنشون منافسا قويا على " قصر المانيتيون " ومشاركته للرئيس ماكرون إدارة البلاد في اطار " حكومة تعايش " سيرا على سابقة " الجبهة الشعبية " سنة 1936 وLeon Blum وسابقة " اليسار المتعدد "" سنة 1997و ليون جوسبان عندما قاد الحكومة في عهد الرئيس اليميني جاك شيراك.... و رغم ذلك فلا أحد يمكنه تكهن نتائج الدور الأول للتشريعيات الفرنسية يوم 12يونيو..على الرغم من اليقين التام بانتظار مفاجئات قوية داخل الاتحاد الجديد لليسار الفرنسي واقتراب ميلنشون من رئاسة الحكومة وأيضا انتظار ارتفاع مقاعد اليمين المتطرف داخل الجمعية العمومية.. الكرة الآن ، في ملعب الناخب الفرنسي للإختيار بين أغلبية مطلقة داخل الجمعية العمومية تضمن للرئيس ماكرون كافة الصلاحيات ، أو " حكومة تعايش " تشاركه في الحسم في ملفات حساسة خاصة ملفات الرعاية الاجتماعية والحد الأدنى للأجور والانتقال البيئي..أو الامتناع عن التصويت وهو ما يفسح المجال لامتداد اليمين المتطرف داخل البرلمان الفرنسي... الكرة الآن أيضا ، في ملعب " الناخب المسلم " والناخب المهاجر من سكان الضواحي... الذي لعب دورا حاسما في هزيمة التطرف اليميني العنصري ونجاح قيم التعايش المشترك في الرئاسيات الفرنسية الأخيرة .. فهو مدعو اليوم للدفاع موقعه الفاعل والفاصل في المشهد السياسي ، إذ لم يعد مسموحا له اليوم بالتراجع أو التخلف عن موعد انتخابي حاسم سواء كمنتخبين أو كمرشحين....يجب طي صفحة اعتبار المهاجرون والإسلام والضواحي كحطب لنار الانتخابات والانتقال الى اعتبارهم مشعلا للتنوع والتعدد الثقافي وحسنات العيش المشترك..سننتظر الدور الثاني يوم 19يونيو....