حصل المغرب على صفة الوضع المتقدم مع الإتحاد الأوربي منذ أكتوبر 2008م، على هامش الدورة السابعة لمجلس الشراكة المغربي-الأوروبي، كتتويج للشركات الثنائية التي كانت تجمع المغرب والمجموعة الاقتصادية الأوربية؛ هذا الوضع خول المغرب إمكانيات متنوعة للمساهمة في مناقشة قضاياه الاستراتجية مع التكثل الأوربي من موقع مريح إلى حد كبير، فهو ليس عضوا يحق له الانضمام إلى هياكل الادارة الأوربية، لكنه أكثر من الشريك. الموقع المتقدم للمغرب في علاقاته بالاتحاد الأوربي، ورغم الامتيازات التي يتمتع بها ؛ كامتياز "الأولوية والتفضيل"، إلا أنه ليس شيكا أوربيا على بياض، بل تحكمه شروط مرتبطة بمدى الدمقرطة وحماية حقوق الإنسان، إضافة إلى المصالح الاستراتجية لأوربا؛ خاصة تلك المتعلقة بضمان تزويد السوق الأوربية بالمواد الفلاحية والثروة السمكية، ناهيك عن كون المغرب بوابة أساسية نحو إفريقيا. فما هي آفاق الشراكة الأوربية المغربية في ظل العقبات التي توضع أمام استمرار اتفاقية الصيد البحري والاتفاقية الفلاحية؟. يعود تاريخ الشراكة المغربية الأوربية حول الصيد البحري والقطاع الفلاحي إلى سنة 1996م ، بموجب عقد شراكة موسعة دخل حيز التنفيذ سنة 2000م ، ويشمل عدة جوانب، أهمهما بالنسبة للمغرب تصدير المنتجات الزراعية والبحرية المغربية المتأتية من كل تراب المملكة المغربية بما فيها الأقاليم الجنوبية، وقد تم تجديد الجزء المتعلق بالصيد البحري عدة مرات كان أخرها سنة 2019م ، مما يسمح لحوالي 120 سفينة صيد أوربية بالصيد داخل المياه الإقليمية الأطلنتية للمغرب مقابل عائدات مالية تقدر بحوالي 45 مليون أورو سنويا. تشكل أتفاقية الصيد البحري إلى جانب الاتفاقية الفلاحية بما يشمل الأقاليم الجنوبية، الملف الأكثر أهمية من الجانب المغربي في علاقاته بالاتحاد الأوربي، ليس لأهميته الاقتصادية فقط، وإنما للأهمية السياسية؛ فالحكومة المغربية تصرف على الاقاليم الجنوبية مقابل كل درهم سبعة دراهم؛ فقد ورد في خطاب العاهل المغربي بمناسبة الذكرى التاسعة والثلاثون للمسيرة الخضراء سنة 2014م " انه اضافة إلى التضحية بأرواحهم، فقد قدم جميع المغاربة أشكالا أخرى من التضحيات، المادية والمعنوية، من أجل تنمية الأقاليم الجنوبية، وتقاسموا خيراتهم مع إخوانهم في الجنوب… فمنذ استرجاعها، مقابل كل درهم من مداخيل المنطقة، يستثمر المغرب في صحرائه 7 دراهم، في إطار التضامن بين الجهات وبين أبناء الوطن الواحد". نعتقد أن الأهمية السياسية لملف الصيد البحري والاتفاقية الفلاحية، تضع علاقات المغرب والاتحاد الأوربي بين مد وجزر؛ فخصوم الوحدة الترابية للمغرب داخل الاتحاد الأوربي، يورطون المؤسسات الأوربية في هذا الملف، الأمر الذي أدخل العلاقات المغربية الأوربية في مراحل شديدة الخطورة؛ كإعلان المغرب وقف اتصالاته مع الاتحاد الأوربي مطلع سنة 2016م، تعبيرا عن رفض موقف محكمة العدل الأوربية من الاتفاقية الفلاحية المغربية الأوربية. لقد مكن موقف المغرب الحازم من قرارات محكمة العدل الأوربية المناوئة لسياسة الاتحاد الأوربي في التعامل مع قضية الصحراء المغربية، كل من الاتحاد الأوربي والمغرب من التعامل مع مواقف هذه المحكمة بنوع من الحكمة، وهو الأمر الذي تجلى في التعامل مع القرار الأخير للمحكمة الأوربية القاضي بإلغاء اتفاقتي الفلاحة والصيد البحري، حيث قام الاتحاد الأوربي بإستئناف قرار المحكمة الأوربية بتنسيق مع الحكومة المغربية. إن المتتبع لتطورات العلاقات المغربية مع الاتحاد الأوربي في علاقتها بتدبير ملف الصيدالبحري والإتفاق الفلاحي، سيلحظ أن هناك تغيرا سمته الأبرز؛ الابتعاد تدريجيا عن ردود الفعل المتسرعة، والنزوع نحو سلك دواليب المؤسسات الأوربية عبر استثمار الوضع المتقدم الذي يتمتع به المغرب، وعبر اسغلال اللوبيات المساندة للطروحات المغربية، الأمر الذي بدأ يعطي أكله ويبقي المغرب في منأى عن إهدار الجهد في الملاسنات السياسية المتشنجة، هذا الأكل يتضح من خلال تركيز قيادات الاتحاد الأوربي ومؤسساته التنفيذية (المفوضية الأوربية) على مثانة وقوة العلاقة مع المغرب باعتباره شريك موثوق فيه، بل أن الاتحاد الأوربي سيبادر لمنع اندلاع أزمة سياسية مع المغرب إثر حضور زعيم الجبهة الانفصالية "البوليساريو" لقمة الشراكة بين الاتحاد الأوربي والاتحاد الإفريقي المنغقدة يومي 17و 18 فبراير 2022 ببروكسيل، من خلال تصريح للمتحدث باسم الشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي "بيتر ستانو"، أكد فيه على أمرين؛ الأول يتمثل في كون الأعضاء ال 27 لا يعترفون بالجمهورية الوهمية، والثاني يتمثل في التركيز على أن الاتحاد الأوربي ليس معنيا باستدعاء زعيم الجبهة الإنفصالية، وأن استدعائه تم من طرف "الإتحاد الإفريقي"، وهو نفس الموقف الذي تأكد من خلال عدم إدراج "ابراهيم غالي" ضمن الاستقبال البروتوكولي لرؤساء الوفود من طرف قادة الاتحاد الأوربي (رئيس وزراء بلجيكا والرئيس الفرنسي باعتباره رئيسا دوريا للاتحاد ورئيسة المفوضية الأوربية). التجارب التي راكمها المغرب في إدارة الازمات مع الإتحاد الأوربي، تفترض نضج السياسة الخارجية المغربية تجاه هذا التكثل الذي لا غنى في تقوية الشراكة معه، وبناء عليه نرى أنه لا بد من الإبتعاد الكلي عن ردود الفعل المتشنجة، والقطع مع سياسة القطيعة الديبلوماسية واستدعاء السفراء، مع التركيز على تقوية اللوبيات داخل المؤسسات الأوربية خاصة مؤسسة البرلمان، وتشبيك العلاقات مع المؤسسات القانونية كمدخل لتقوية المرافعات المغربية أمام كل المناورات التي لن تتوقف. لتحقيق كل ذلك يجب على الحكومة المغربية أن تقوم بعدة خطوات منها: * اختراق اللوبيات المناوئة للمغرب عبر تقوية الجبهة الداخلية من خلال تعزيز حقوق الانسان وتقوية الديمقراطية التشاركية وتوسيع مساحات الحريات؛ * استغلال عودة الدفئ للعلاقات الديبلوماسية المغربية الألمانية؛ * استغلال المواقف الإيجابية القادمة من الجارة الشمالية إسبانيا التي ما فتئت تركز على أهمية المغرب كشريك، بل أنها تعتبر اتفاقية الصيد البحري من أولوياتها، حيث أعلن وزير الفلاحة والصيد البحري والتغذية الإسباني ( لويس بلاناس ) بأن اتفاقية الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي يشكل "أولوية" بالنسبة لبلاده؛ * الحزم في مقاربة ملف العلاقة مع الاتحاد الأوربي على أساس قاعدة رابح رابح.