رفض الاتحاد الأوروبي، يوم الأربعاء الماضي، تمديد اتفاقية الصيد البحري المبرمة مع المغرب منذ عام 2007 لمدة عام آخر، وهو الأمر الذي من شأنه أن يدخل العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي إلى مرحلة أزمة ويهدد بالتراجع عن بعض المكتسبات التي تحصلت لدى الجانبين بمقتضى امتياز الوضع المتقدم الذي منحه له الاتحاد عام 2008 وشكل منطلقا لعلاقات متميزة بين الطرفين. وقد شكل القرار صدمة قوية، ليس للمغرب فحسب، بل أيضا للمهنيين الأوروبيين العاملين في القطاع، خصوصا في إسبانيا القريبة من المياه المغربية والتي تنحدر جل قوارب الصيد منها، فقبل أيام قليلة رفعت اللجنة الخاصة بقطاع الصيد في البرلمان الأوروبي تقريرا إيجابيا بخصوص تمديد الاتفاقية مع المغرب، عقب تصويت سري داخل اللجنة، وذلك إثر مفاوضات بين الطرفين استمرت لمدة أشهر، كما أن المجلس الأوروبي أبدى موافقته على تمديد الاتفاقية ودعا البرلمان إلى التعامل بإيجابية مع القضية، بعد أن نجح الاتحاد الأوروبي خلال المفاوضات في الحصول على مكاسب جديدة مع المغرب في القطاع لفائدة المهنيين. حتى الأسبوع الماضي كان الوضع عاديا لأن توقعات التمديد كانت كبيرة، خصوصا بعد فشل مناورات قام بها نحو 77 عضوا في البرلمان الأوروبي من أجل إحالة مشروع الاتفاقية على محكمة العدل التابعة للاتحاد، بدعوى عدم إدراج المياه الإقليمية المغربية الواقعة في الصحراء داخل الاتفاقية والحيلولة دون تزكية «سيطرة» المغرب على الصحراء، حسب ردود فعل المناوئين لتمديد الاتفاقية مع المغرب. وبصرف النظر عن جوانبه الاقتصادية وما يوفره الاتفاق للمهنيين الأوروبيين، فإن الجانب السياسي من الاتفاق هو الذي هيمن في النهاية، نزولا عند الضغوطات التي تمارسها اللوبيات الموالية لجبهة البوليساريو داخل البرلمان الأوروبي، والتي سبق لها(الجبهة) مراسلته من أجل دفعه إلى عدم تجديد الاتفاقية مع المغرب، كما راسل رئيس الجبهة محمد عبد العزيز الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، طالبا منه التدخل لدى بلدان الاتحاد لإقناعهم بعدم التمديد، مهددا بأن إدراج المياه الواقعة في الصحراء من شأنه أن يؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار في المنطقة. غير أن مناورات البوليساريو لم تنجح في دفع الاتحاد الأوروبي إلى إلغاء قرار تمديد الاتفاق، إذ أعلنت المبعوثة الخاصة في قطاع الصيد ماريا داماناكي أن الوثائق التي قدمها المغرب بخصوص عدم مساس الاتفاقية بالوضع في الصحراء «تشكل خطوة في الاتجاه الصحيح»، وأضافت في تصريحات للصحافة في فبراير الماضي أنه لأول مرة تقدم السلطات المغربية «معطيات ملموسة»، وخضعت الوثائق التي تقدم بها المغرب للدراسة من قبل البرلمان الأوروبي، التي كان مقررا على ضوء توصياتها الخلوص إلى تأكيد التمديد من عدمه، وجاء رأي المجلس الأوروبي بدعم تمديد الاتفاق ومطالبة البرلمان بالسير في نفس الاتجاه. ويثير إلغاء قرار تمديد اتفاقية الصيد موقف الاتحاد الأوروبي من قضية الصحراء ومبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب كحل للنزاع، وهي المبادرة التي لقيت تجاوبا من طرف قسم واسع من أعضاء الاتحاد. فقرار الإلغاء يراد له هنا أن يكون نوعا من النصر لجبهة البوليساريو، وهو ما ستعمل هذه الأخيرة على توظيفه ديبلوماسيا وإعلاميا باعتباره شهادة على دعايتها في ملف الصحراء صادرة عن البرلمان الأوروبي، واستثماره في مواجهة المواقف المغربية على الصعيد الديبلوماسي. وبصرف النظر عن الرابح والخاسر من هذا القرار، الذي لا بد أنه يخدم المصالح المغربية بالنظر إلى الإجحاف الذي يشوب الاتفاقية، فإنه يطرح ضرورة إعادة النظر في الديبلوماسية الموازية لبلادنا، لأن ما حصل قد لا يكون له من تفسير سوى الفشل الديبلوماسي في إقناع جزء من البرلمان الأوروبي بالمواقف المغربية، وغياب التأثير وسط النخب السياسية والبرلمانية في الاتحاد الأوروبي، في وقت يشهد فيه اليمين صعودا في عدد من بلدانه. الراجح أن البرلمان الأوروبي سوف يتراجع عن موقفه لاحقا، لأن ضغوطات لوبيات الصيد والمهنيين في القطاع وكذا بعض الأحزاب السياسية والحكومات مثل الحكومة الإسبانية بزعامة الحزب الشعبي، لكن في اتجاه المزيد من تأكيد المصالح الأوروبية في الاتفاقية المقبلة، وهو ما يفرض على المغرب تقوية موضعه التفاوضي مجددا والرفع من مستوى أدائه الديبلوماسي، وعدم اعتبار ما يقدمه الاتحاد الأوروبي من مساعدات هدية بدون مقابل.