أثارت الشروط التي فرضتها وزارة التربية الوطنية لاجتياز مباراة التعليم جدلا كبيرا في الساحة الوطنية، بل وصل الأمر إلى التنديد بها ميدانيا من قبل الأساتذة والطلبة والمعطلين، رغم أن الحكومة ومن يدور في فلكها يدافعون عن الشروط دون قيد، بحجة أن كل الأمور المعلن عنها، ستجعل قطاع التعليم مُغريا للكفاءة والشباب، وستُجود القطاع في شموليته؛ فما هي الجودة؟ وما شروطها؟ وما هو واقع قطاع التعليم بالمغرب؟. إن المتتبع للشأن التعليمي ببلادنا وصل إلى خلاصة فريدة، ألا وهي أن التعليم في هذا الوطن الجريح دخل إلى غرفة الإنعاش، ولم يكون يوما ما في حالة استقرار، إذ يعتبر مختبر تجارب لكل القوانين والتشريعات الفرنسية خصوصا؛ وكل حكومة تأتي تلعن سابقاتها وتقوم بتغيير الأولويات ومناهج الاشتغال رغم اتباعهم نفس السياسات وانضباطهم لنفس القوانين المؤطرة للعمل. إذا عدنا قليلا إلى فترة الحجر الصحي (زمن كورونا) التي نتج عنها خسائر كثيرة وكبيرة في جميع الميادين (اقتصاديا، اجتماعيا، ....)، كان الاعتقاد آنذاك أن مدبري الشأن العام خرجو بدروس مهمة، وتوصيات ثقيلة تستوجب تغيير الأولويات وإعادة النظر في السياسات الكبرى الفاشلة، لكي يحافظوا على وجود دولهم. وكان لنا أمل الاهتمام بالعلوم والمعرفة وخاصة علم توقع المخاطر الكونية ووضع سياسات دولية لذلك، والعمل المشترك بين الأمم والدول بدل الأنانية المقيتة التي تستحضر مصلحة دول التحالف الدولي المستعمر على دول منهوبة وتابعة؛ لكن الوضع زاد استفحالا وتغولا من قبل ناهبي ثروات البلاد وأرزاق العباد، والغارقين في الفساد والاستبداد. فجائحة كورونا قامت بتعرية مكامن الضعف والفشل، وإبراز أهم الاختلالات المتواجدة في البلاد، والمجالات التي يجب الاهتمام بها أكثر، والوظائف التي ينبغي العناية بها، وأصحاب الوظائف والمهن الواجب تكريمهم، من أجل الإقلاع التنموي، وكذا الحفاظ على كينونة المجتمع والوطن، فمن وحي دروس "الجائحة"، ظهر جليا إلى ضرورة تنفيذ توصيات مصيرية، كلها ذات طبيعة استعجالية وحاسمة لتأكيد الوعي الجماعي للمغاربة بتحديات المرحلة القادمة لبناء مجتمع متماسك ووطن واعد ومتقدم، دون الدخول في كثرة اللقاءات والمشاورات الماراطونية التي يتم فيها غالبا هدر الزمن والمال العام دون نتائج ملموسة على أرض الواقع. وبالرجوع إلى الشروط المجحفة، يتأكد بالملموس أن الدولة تتغنى بشعارات طوباوية لا علاقة لها بالواقع، ويتأكد بأن عقلية المسؤولين لم تخرج بأي خلاصة في زمن كورونا، فما علاقة الشروط بالجودة والارتقاء داخل المنظومة التربوية؟ 1- شرط الانتقاء(نقطة وسنوات الإجازة): هذا الشرط كاف أن يبين أن مشرَعيه بعيدون كل البعد عن الواقع، فكيف سيتم الاحتكام إلى معيار النقط، والجامعات والكليات ليست لها معايير موحدة في التنقيط والتقويم، إذ هناك جامعات يحصلون طلبتها على نقط متميزة بأقل مجهود وذلك بتبسيط مواضيع التقويم، علاوة على الغش المتفشي داخلها والابتزاز الإداري والسلطوي، والذي يصل في بعض الأحيان إلى بيع النقط بالمال أو الجنس (كلية الحقوق بسطات نموذجا)؛ وجامعات أخرى واقعها غير مساعد لا من ناحية صعوبة مواضيع التقويم أو من ناحية بنيتها التحتية، أو قلة المختبرات العلمية وأماكن البحوث فيها. ومن جهة أخرى، يلعب الوضع الاجتماعي للطالب والطبقة التي ينتمي إليها أسريا دورا مهما في توسيع الفوارق العلمية، فلا يمكن المقارنة بين طلبة ينتمون إلى الأسر المفقرة والمستضعفة، وبين طلبة ينتمون إلى الأسر الميسورة والثرية. ولهذا من غير المعقول ومن الظلم والإجحاف، أن يكون الحكم على كفاءة الشخص انطلاقا من عدد سنوات الإجازة وميزاتها؛ اللهم إن كان الأمر هو التمكين بسهولة لخريجي القطاع الخاص من الولوج إلى قطاع التعليم، وإعدام طموح خريجي الجامعات العمومية، أما شعار الجودة فما هو إلا غطاء لشرعنة الهدف المشؤوم. 2- شرط تسقيف السن في 30 سنة: الواقع يبين أن هناك طلبة لهم طموح استكمال الدراسة أولا (الإجازة، الماستر، الدكتوراة)، ثم التفكير في العمل ثانيا، فإذا كان هذا الصنف قد تكرَر في مستويات سابقة (الابتدائي، الاعدادي، الثانوي، الجامعي) أو تأخر للالتحاق بالتعليم الابتدائي في السن القانوني، وذلك لأسباب اجتماعية واقتصادية تم التفصيل فيها سابقا؛ فإن هؤلاء الدكاترة سيتجاوزون 30 سنة لا محالة، مما سيحرمهم نهائيا من ولوج قطاع التعليم؛ فكيف يمكن الحديث عن الجودة وإقصاء الدكاترة؟ فكيف يمكن الاعتماد على طلبة أقل من 30 سنة وأغلب التحولات الحضارية قادها أناس تجاوزوا الثلاثين؟ فبناء على تعليلات الوزير المعني، بأن الهدف من السن هو إغراء الكفاءات الشابة الأقل من 30 سنة للولوج إلى قطاع التعليم؛ فكيف سيتم إغراء الشباب وموظف التعليم هو الأقل أجرة من بين الوظائف؟ وكيف سيتم إغراء الشباب والإعلام يعمل يوما بعد يوم لتشويه صورة نساء التعليم ورجاله؟ كيف ذلك وكل يوم نسمع اعتداءات وحشية على الشغيلة التعليمية؟ ؟ هل من يعمل في القفار والمداشر في ظل غياب أدنى شروط العمل وتعويضات مادية ومعنوية سيجشع الشباب إلى الالتحاق بالقطاع؟؟؟ وبناء عليه، أن كل ما يتم الترويج له هو سراب وغثاء كغثاء السيل، وغطاء لحقيقة ساطعة متمثلة في تنزيل إملاءات وحسابات الصندوق المغربي للتقاعد عبر تقليص كتلة المعاشات وإطالة مدة المساهمات وسنوات الاستغلال قصد تغطية الاختلالات الكبرى والبنيوية التي عرفها الصندوق؛ وإلا كيف نفسر تمديد سن التقاعد إلى 65 سنة؟ أليس هذا تناقض بين خفض السن في الولوج إلى التعليم ورفعه إلى فوق 60 في التقاعد؟؟ إن اختلالات التعليم ببلادنا متعددة ومتنوعة، أجمعت عليها كل التقارير الرسمية وغير الرسمية، كتقرير الخمسينية الذي أصدرته الدولة، والذي اعتبر مجمل الإصلاحات التي عرفتها المنظومة التربوية وخاصة الجامعة المغربية طيلة الخمسين سنة الماضية، لم تتمكن من تحقيق أي من الأهداف التي سطرتها، باستثناء المبدأ الكمي المتعلق بمغربة الأطر التربوية، وهذه الإخفاقات ظهرت في كل الجوانب. هذه الإختلالات الجوهرية طفت إلى السطح في زمن كورونا، وتأكد للشعب أن التعليم هو عمود الحياة، بدونه سيبقى الإنسان يتخبط في مشاكل وظلام، وتبين له صوابية نضالات أحرار وحرائر هذا الوطن الذين ناضلوا ومازال يناضلون من أجل مجانية التعليم وجودته. وإذا كانت الدولة المغربية فعلا تريد الانتقال إلى مرتبة الدول المتقدمة، وجعل قطاع التعليم مُغريا للشباب، فعليها اعتبار التعليم قطاعا استراتيجيا وأولوية الأولويات، وذلك بتغيير جذري للسياسة السلطوية والترقيعية المتبعة داخل القطاع، إذ أن كل المخططات التي باشرتها الدولة باسم إصلاح التعليم لم تحقق هدفها ومبتغاها نتيجة تضافر مشكلات متعددة ومختلفة، بسبب عدم صواب المنهجية التي اعتمدت في الإصلاح والقائمة على السلطوية والتبعية، في ملف يحتاج إلى إشراك حقيقي لكل قوى المجتمع والجرأة في اتخاذ القرار، والحسم في المرجعية وأسس دعائم الإصلاح؛ ثم العمل على حل جميع المشاكل العالقة داخل المنظومة التربوية ورد الاعتبار للمدرسة والوظيفة العموميتين ولنساء ورجال التعليم، وهذا لن يتأتى سوى بالتجاوب مع كل مطالب الشغيلة التعليمية وتعزيز مكانتها، وأي إصلاح لا يجعل هموم الأستاذ ومشاكله في صلب أي تحرك، فهو بمثابة ذر الرماد في العيون، وقد ثبت بالملموس بأن فشل التعليم في المغرب غير راجع للموارد البشرية كما تحاول الوزارة الوصية ترويجه إعلاميا وخاصة في الآونة الأخيرة، فمن خلال عدة تقارير وطنية ودولية تبين العكس، فدولة قطر على سبيل المثال حسب التصنيف الأخير لمنتدى دافوس هي الرابعة عالميا والأولى عربيا، وكذا الحصيلة العامة للتعليم الخاص أفضل من التعليم العمومي، فكيف للذي تعتبره الدولة هو السبب في فشل التعليم، هو في نفس الوقت هو الذي ساهم بشكل كبير في التصنيف المتفوق لدولة قطر، باعتبار أن أغلب هيئة التدريس في بلاد العنابي هم أساتذة مغاربة؟ وهذا نفس الأمر في التعليم الخصوصي. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، لإصلاح قطاع التعليم، يجب تقريب العرض التربوي في مختلف المناطق خاصة منها القروية والجبلية، وذلك بتوفير مقعد دراسي لكل طفل بمواصفات عالمية، من خلال البنية التحتية وجودة التعلمات والخدمات. وكذا توسيع البنية الجامعية لتصل كل أقاليم البلاد وبناء جامعة مستقلة متضمنة لكل التخصصات والشعب، وإصلاح حقيقي للجامعة المغربية إداريا، ماليا، وبيداغوجيا؛ ثم تشجيع البحث العلمي ليواكب تغيرات المجتمع ويجيب على القضايا الراهنة، وذلك بالرفع من ميزانيته. وبناء على ما تم ذكره، فالنموذج التنموي الحقيقي يجب أن يقدم إجابات فعلية لكل الإشكالات المطروحة في قطاع التعليم، بتدخلات مستعجلة لا تحتمل أي تأخر، باعتبار القطاع هو المحرك الرئيسي لأي تنمية منتظرة.