أثارت مباريات توظيف أساتذة التعاقد بالأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، ومباراة ولوج مركز مفتشي التعليم في الآونة الأخيرة جدلا كبيرا بعد واقعة التلاعب في لائحة أسماء الناجحين. وليست هذه المرة الأولى التي تحدث فيها هذه التلاعبات، إذ أن هذا السيناريو يتكرر خلال كل مباراة، وهو ما يثير حفيظة المتتبعين للشأن التعليمي بالمغرب. وفي هذه الورقة الخاصة لجريدة بيان اليوم حول موضوع مباريات التعليم بوزارة التربية الوطنية، يقدم مجموعة من الخبراء في مجال التربية والتكوين، آرائهم حول هذه الظاهرة، محللين أبعادها، وانعكاس نتائجها السلبية على المنظومة التعليمية. وقدم الباحثون في مجال التربية والتعليم مجموعة من الملاحظات، بشأن مباريات التعليم، سواء على مستوى الشكل، أو المضمون، من حيث زمن التنظيم، ومحتوى الامتحانات، وبروفايلات المترشحين، مشددين على ضرورة إعادة النظر في مساطر تنظيم امتحانات ولوج مهنة التدريس، وكذا الترقي، أو تغيير الإطار. التربية والتكوين وعنصري الإنصاف والمساواة في مباريات التوظيف والترقي سعيد أخيطوش* يعتبر تحقيق الإنصاف والمساواة داخل الوظيفة العمومية بشكل كلي وداخل الحقل التعليمي بشكل خاص خيارا استراتيجيا ذا أولوية قصوى يستوجب على الوزارة الوصية تحقيق نوع من العدالة المهنية والاجتماعية على أساس معايير تفضي إلى تجاوز التفاوتات المسجلة لدى مختلف فئات الموظفين والعاملين، ثم العمل على إرساء مقومات مجتمع مهني تضامني قادر على تذويب كل الضغوط المهنية وفق متطلبات الحياة والعيش الكريم ثم إكساب الموظف القدرة البدنية والمادية لمسايرة تطور أسرته وحاجياتها في علاقة اضطراد مع الزمن. فمن خلال تجاوز كل الملاحظات التي يمكن تسجيلها بخصوص المستوى التعليمي ومدى تراجعه في السنوات الأخيرة ثم التباينات الملاحظة بين المناطق والجنسين، بالإضافة إلى عجز الجامعة عن القيام بدورها الريادي في تكوين الطلبة وخلق الاستعدادات القادرة على إبراز ميولاتهم المهنية المختلفة في أفق صقلها وبلورتها في مشروع مهني شخصي يراعي قدرة كل فرد على تحقيق النجاح، فقد صرنا نعيش علامات دالة على تأنيث المباريات وخاصة مباراة توظيف أطر الأكاديمية الأخيرة التي قطعت الشك باليقين حول تفوق الإناث بنسبة كبيرة مقارنة مع الذكور إضافة إلى ارتفاع معدل السن الخاص بالممتحنين الذين تمكنوا من اجتياز الشق الكتابي، ومن خلال تحليل مضمون توصيفات الاختبار التي أصدرتها الوزارة سواء بالنسبة لمباراة توظيف أطر الأكاديميات أو الامتحان المهني الخاص بالسنوات الثلاث الأخيرة، يتضح وبشكل جلي غياب عنصري الإنصاف والمساواة في هذه المباريات رغم كونهما من أساسيات الخطاب المرافق لكل محطة من محطاتها، حيث يمكن إبراز ذلك من خلال عدة نقط نتطرق إليها على النحو الآتي: أ- تقليدانية مباريات الوزارة واعتمادها على قياس الجانب المعرفي بدرجة أكبر مع عدم مواكبة طرق التدبير الحديثة التي تحاول إرساءها كالتدبير بالمشاريع والتقويم بالنتائج وخاصة في مباراة ترقي الأطر العاملة بهذا القطاع، دون إغفال كون هذه الأطر تعرف تنوعا كبيرا من حيث الفئات التي يشملها النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية ومن حيث المستوى التعليمي لكل فئة والذي يفضي إلى وجود أفراد غير قادرين على فك الرمز في القراءة والكتابة ويتم استدعاؤهم لاجتياز امتحانات مهنية غير منصفة لهم ولسنوات الخدمة الكثيرة التي قضوها في أسلاك الوظيفة العمومية. ب- عدم اعتماد أي مقياس للتعرف على درجة الاستعداد المهني للمقبلين على ولوج وظيفة التدريس واعتماد اختبار مكون من شقين، شق معرفي صرف يرمي لاجترار معارف سابقة وليس توظيفها في حل وضعيات دامجة على درجة من التعقيد، تتجاوز الدرجة المقترحة لمتعلمي السلك المعني بالتوظيف، ثم شق مرتبط بديداكتيك المواد المدرسة في هذا السلك وكأن المترشح له دراية سابقة بهذه الجوانب المهنية الخالصة والتي ستكون موضوع تكوين في المراكز الجهوية للتربية والتكوين بعد النجاح في مباراة التوظيف التي يعطي توصيفها المقترح من الوزارة الوصية نسبة النصف في الوزن العام لكل مادة، دون إغفال خطاب الوزارة عند كل مباراة والقاضي بحماية المؤسسات الخاصة من استنزاف مواردها البشرية من خلال عدم السماح للذين تربطهم بها عقود عمل باجتياز هذه المباراة. ج- عجز نظام التوظيف الجهوي بصيغته الحالية على امتصاص التباينات الصارخة أحيانا في المستوى التعليمي والنقط المحصلة بين جهات المملكة حيث يفترض الاعتماد دوما على الأفضل رغبة في النهوض بمخرجات المدرسة العمومية وبالمستوى التعليمي للعاملين في هذا القطاع كما كان الحال عليه في حقب زمنية بائدة. د- عدم مسايرة اختبارات الكفاءة المهنية للتجديدات المنهاجية الحاصلة في إطار تطوير النموذج البيداغوجي في الاختيارات المقترحة لكل مترشح بين مواد اللغة العربية والرياضيات ثم النشاط العلمي واللغة الفرنسية حيث باتت المواد الثلاثة الأخيرة ضمن مواد مدرس اللغة الفرنسية وهو ما يطرح مشكلا في إنصاف فئة المعربين من مدرسي القطاع العام للتربية والتكوين في السلك الابتدائي. على سبيل الختم إن الحديث عن المساواة والإنصاف في مباريات التوظيف والترقي في قطاع التربية والتكوين يستوجب عموما إرساء آليات ومساطر كفيلة ببلورة نموذج آخر لتقويم أداء المترشحين والمترشحات قادر على تثمين مكتسباتهم المهنية بالنسبة للموظف والموظفة والمعرفية بالنسبة لخريجات وخريجي الجامعات ويستطيع قياس مدى قدرة الفئة الأولى على الارتقاء مهنيا بالممارسات الصفية ضمن المشروع العام للمؤسسات التعليمية ومختلف البنيات الإدارية المواكبة، ثم قياس مدى استعداد الفئة الثانية نفسيا ووجدانيا لممارسة مهنة التدريس من خلال الإقبال على التكوين والتدريب، ثم اقتراح بحوث تدخلية قادرة على تجديد الممارسات ومواكبة الظواهر المدرسية المختلفة. *** التوظيف في التعليم إلى أين؟ إبراهيم سلاك خبير تربوي أخلف المغرب موعده مع التاريخ في إصلاح المنظومة التعليمية عدة مرات منذ حصوله على الاستقلال وتكررت الأسباب في ذلك، وها هو اليوم من جديد يضرب موعدا آخر، ويحدد زمن الإصلاح في فترة تبلغ هاته المرة خمس عشرة سنة، مما سيعقد بنية الدولة والمجتمع إن أخلف الموعد مرة أخرى، وسيفتح سيرورة تطورهما أمام المجهول، خصوصا أننا سنكون أمام عالم جديد لا مكان فيه للمجتمعات التي تتخبط في الجهل والأمية والمستويات المتدنية في التنمية البشرية، لذلك لابد من الوقوف عند محور أساسي في كل إصلاح تعليمي، لنسائل جدية الذهاب إلى هذا الموعد بخطى ثابتة، إنه محور الموارد البشرية، فما موقع الأطر التربوية المؤهلة وما موقع المهننة في هذا الإصلاح؟. لابد أولا من العودة إلى النصوص الرسمية المرتبطة بتأهيل الموارد البشرية لننطلق منها كأساس لمقاربة الواقع الفعلي، فقد خصصت الرافعة التاسعة من الرؤية الاستراتيجية لتجديد مهن التدريس والتكوين والتدبير واعتبرت أسبقية أولى للرفع من الجودة، كما اعتبرت المهننة مدخلا أساسيا للنهوض بأداء الفاعلين التربويين؛ ولترجمة هاته الرافعة إلى واقع تشريعي فقد نصت المادة 37 من القانون الإطار على تحديد مهام وكفايات الأطر التربوية والإدارية والتقنية المنتمية لمختلف الفئات المهنية العاملة في مجالات التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي في دلائل مرجعية للوظائف والكفاءات، كما اعتبرها القانون الإطار أساسا لإسناد المسؤوليات التربوية والعلمية والإدارية، وتقييم الأداء، والترقي المهني. لكن ما هو واقع الحال؟ في الوقت الراهن، بدل شروع الوزارة في تهييء مناخ الإصلاح، فإن الساحة التعليمية تشهد توثرا حادا بين الوزارة ومختلف الفئات: هيئة التدريس، هيئة الإدارة التربوية، هيئة التفتيش… كما أن التوظيف يسير في اتجاه مخالف تماما لروح الرؤية الاستراتيجية والقانون الإطار وهذا ما سنوضحه وفق النقط الآتية: – تأخر في إصدار دلائل مرجعية للوظائف والكفاءات، مع العلم أنها تعتبر من الأولويات، فكل توظيف جديد سيكون دون ملامح محددة؛ – تجميد التوظيف في إطار الوظيفة العمومية، وفي غياب بديل قانوني واضح، مع العلم أن الأنظمة الأساسية الخاصة بأطر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين هجينة وأقرب إلى قوانين المقاولات الخاصة التي تحكمها مدونة الشغل وبعيدة كل البعد عن جوهر وطبيعة مهن التربية والتكوين؛ – فتح المباريات أمام حاملي الإجازة بمختلف تخصصاتهم والتي لا تتناسب إطلاقا مع خصوصيات التدريس في التعليم الابتدائي: الاقتصاد، المحاسبة، تدبير المقاولات، القانون، وباقي التخصصات الأخرى ليست سوى جزءا مما يدرس في التعليم الابتدائي؛ – فشل تجربة الإجازة المهنية في مهن التدريس بصيغتها القديمة؛ – بطء وتأخر فتح المسالك الجامعية في مهن التربية والتكوين بصيغتها الجديدة وعدم الانفتاح في التكوين على الخبرة الميدانية؛ – طبيعة الأطر المرجعية لهاته المباريات التي لا تتناسب مع التكوين الجامعي للطالب؛ – إعطاء الأهمية للشق الكتابي من المباراة على حساب الشفوي من حيث المعاملات، مما يعني غياب الرؤية بخصوص مهنة التدريس التي يلعب فيها الجانب السيكولوجي والاستعداد النفسي لمزاولة المهنة دورا محوريا؛ – قصر المدة الزمنية التي تنجز فيها المباريات بكل مراحلها، مما يخلق ضغطا كبيرا على المديريات الإقليمية والأكاديميات ويجعلها عرضة للسقوط في أخطاء تدبيرية؛ – قصر مدة التكوين وتراجع جودته شكلا ومضمونا؛ – التوظيف بهاته الطريقة لم يعد استثناء، بل أصبح قاعدة ويكفي أن نشير إلى أن عدد موظفي الأكاديميات تجاوز مائة ألف، دون احتساب التوظيف المباشر. – غياب البحث التربوي وتحنيط المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين وتهميشها مقارنة مع الجامعات؛ – تهميش مركزي تكوين المفتشين، كمؤسستين يجب أن ترعى وتشرف على البحث التربوي العلمي خصوصا في مستويات الدكتوراه؛ بناء على الملاحظات السابقة وقياسا على المبادئ الموجهة، كما حددتها الرؤية الاستراتيجية والقانون الإطار، يحق لنا القول وبكل موضوعية وواقعية أن تدبير منظومة التربية والتكوين لا تزال تحكمه نفس المقاربة والعقلية القديمة إلى أن يثبت العكس عبر العمل الفوري على ترجمة فلسفة الإصلاح إلى واقع يحدث تغييرا جذريا في مهن التربية والتكوين، بعيدا عن الحسابات المالية أو تلك التي تسعى إلى الحفاظ على المنصب مهما كلف ذلك المصلحة العامة من ثمن، ولعل الطريق نحو ذلك لا يمكن أن يبدأ سوى بفتح المجال أمام الكفاءات الوطنية لتدبير القطاع بعقلية جديدة وبنفس جديد، لأن الإصلاح استعصى ويستعصي على كل من راكم الإخفاقات، ولا مبرر للمقامرة بقضية التربية والتعليم من جديد لأن سفينة المغرب ترسو عليها، وهي من سيحمله إلى بر الأمان لكن بربابنة وطنيين يعرفون الإبحار إلى مجتمع العلم والمعرفة. *** مباراة توظيف أطر الدعم بالمؤسسات التعليمية.. عيوب بالجملة محمد الهبلوج نظمت جميع الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين تحت الإشراف المباشر للوزارة الوصية شهر نونبر المنصرم أول مباراة لتوظيف أطر الدعم الإداري والتربوي والاجتماعي المنصوص عليها في قوانينها الأساسية، وقد قامت الوزارة الوصية بمهام جدولة مواعيد هذا الاستحقاق من بدايته إلى نهايته، وتدبير عمليات استقبال طلبات الترشح لاجتياز المباراة وتدبير التسجيل القبلي، كما قامت بإعداد مواضيع الاختبارات الكتابية وحددت وأصدرت بطاقات توصيف مجالاتها "المضمونية" والإجرائية، فيما عهد إلى المصالح الجهوية والإقليمية وتحديدا المديريات الإقليمية بالعمليات التقليدية المرتبطة بالتنفيذ الفعلي للإجراء والسهر على جودته تحت إشراف الأكاديميات، بينما انحصرت أهم مهام مراكز هذه الأخيرة في إصدار الإعلان عن تاريخ تنظيم المباراة وتفصيل التدابير والإجراءات المتعلقة بها، وتنظيم عمليات تصحيح الاختبارات الكتابية، والإعلان عن نتائجها، وتنظيم عمليات الاختبارات الشفوية، ثم الإعلان عن النتائج النهائية في احترام تام للجدولة الزمنية. وبدا توزيع الأدوار هذا متجانسا ومتماسكا وسلس التصريف إذ تمت جميع العمليات شكليا بنجاح، إذ لا يجوز قطعا نكران مدى المجهود المبذول تنظيميا سواء على المستوى العمودي أو الأفقي، وهو بالمناسبة عمل لا يمكن تبخيسه بأي حال من الأحوال بل يستحق الثناء والشكر والعرفان بالنظر لظروف الاشتغال وإكراهات الضغط الزمني التي تمت مواجهتها بتضحية كبيرة ونكران ذات وبخاصة من لدن أطقم المديريات الإقليمية المسؤولين عن تنفيذ الإجراء وجودته بجميع محطاته. وقد سجلت عيوب جوهرية بالنسبة لمباراة فئة ملحقي الاقتصاد والإدارة على الأقل في انتظار ما ستسفر عنه مبادرات تحليل الاثنتين الباقيتين، وحتى لا يكون حكمنا هذا حكما قيميا، وحتى لا نكون ممن يطلق الكلام على عواهنه ارتأينا بما لا يدع مجالا للشك أن نحلل بكل تفصيل من حيث التنظيم ومن حيث المضمون مباراة التوظيف لهاته الفئة. عرف مضمون الشق الكتابي من الاختبار –الذي اعتمد صيغة شبكة اختيارات أجوبة متعددة- اجتهادا على مستوى تنوع موضوع المادة الذي امتحى من العلوم القانونية والعلوم التدبيرية، وعلم المحاسبة، وعلم الإحصاء، وهو ما يتوافق مع جانبية المترشحين وتكوينهم الجامعي، ويتيح إمكانية اختبار كفاءاتهم العملية ومهاراتهم اللازمة لممارسة مهام ملحق الاقتصاد والإدارة، لكن مضامين الأجوبة المتضمنة في الاختيارات المقترحة لبعض الأسئلة المطروحة غير صحيحة، أو لا تتلاءم معها، أو تتضمن معلومات غير محينة، كما سنبين ذلك أسفله بالاستدلال بنموذج واحد على الأقل. وما جانب الصواب في هذا الاجتهاد أكثر، هو إقحام أسئلة ذات طابع تخصصي محض، كان مجال طرحها الطبيعي هو اختبارات امتحانات الكفاءات المهنية، علما أن المدة الواقعة بين تاريخ نشر بطاقات التوصيفات وتاريخ المباراة (12 يوما) غير كافية للاطلاع السطحي على مضامين المراجع التي جاءت بلائحتها المطولة، فما أدراك بتمحيص ما ورد فيها من معلومات للإجابة عن أسئلة الشبكة ذات البعد التخصصي المهني المحض، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل إن بعض الأسئلة والأجوبة المقترحة صيغت بشكل غير دقيق أو لا تستند إلى نص مرجعي رسمي، وسنذكر حالة واحدة على الأقل من 10 سجلناها من خلال القراءة الأولى ل 67 سؤالا. حالات فيها عيوب وأخطاء علمية ومنهجية: أ- السؤال رقم 38، يقترح 4 اختيارات كلها غير صحيحة بما فيها المفترض أن يكون جوابا صحيحا، ولا علاقة لهذه المعلومة بتعريف التصفية الذي جاء في المادة 38 من مرسوم 330.66 لسنة 1967؛ ب- السؤال رقم 40، يقترح إجابات خاطئة حرف فيها تعريف ما تتألف منه المحاسبة العامة، وينم هذا عن عدم تحيين معلومات واضعي الامتحان، ولا علاقة لجميع الاختيارات المقترحة بما فيها المفترض صحيحا بما جاء في المادة الأولى للمرسوم 608-99-2 الذي نسخ فصول مرسوم 1967 المتعلقة بتعريف محاسبة الدولة ومنها المحاسبة العامة؛ ج- السؤال رقم 17، الأجوبة المقترحة لا تتلاءم مع طبيعة السؤال، ف"اللجوء إلى النفقة الترتيبية" يتم إذا أرادت المؤسسة أن تنجز عملية تسوية حسابية مزدوجة داخلية بين حساباتها أو داخل نفس الحساب، ولا علاقة لذلك بما أشارت إليه الاختيارات الأربعة لأننا بكل بساطة عندما نتحدث عن الدائنية او المديونية نتحدث حتما عن العلاقة مع الأغيار (دائن أو مدين) وبالتالي فإن كل الاختيارات خاطئة؛ نخلص إذن إلى أن الشبكة كلها يجب أن توضع تحت المجهر للوقوف على العيوب الأخرى، فمن يتحمل مسؤولية هذه الوضعية؟، وما هي أسبابها؟، وكيف سيتم تعويض المترشحين عما يحتمل أنه لحقهم جراء هذه الأخطاء من أضرار، وخصوصا الذين كان تجاوزهم لمرحلة الشق الكتابي واردا، لو لم يتم تعجيزهم بأسئلة ليس تخصصية محضة فحسب بل منها ما تنم عن مغالطات كبيرة؟. *** في الحاجة إلى تقويم التقويم حسن منير أثارت قضية إنجاح مترشحة في المباراة الكتابية لولوج مركز مفتشي التعليم، دون أن تكون حاضرة الكثير من الكلام، ومن أجل تسليط بعض الضوء على مسألة المباريات التي تنظمها وزارة التربية الوطنية لابد من الحديث عن التقويم والامتحانات بحكم أن المباريات تدخل علميا وتربويا في مجال التقويم، وتعتبر جزء منه. ويعتبر التقويم والامتحانات من بين أهم المهام المنوطة بوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، وقد أنشئت لذلك مديرية خاصة هي مديرية التقويم وتنظيم الحياة المدرسية والتكوينات المشتركة بين الأكاديميات، منذ بداية التسعينيات، والتي كانت تسمى مديرية التقويم والمستجدات التربوية، ثم مديرية تقويم النظام التربوي… وتضم هذه المديرية واحدا من أهم المراكز الوطنية، هو المركز الوطني للتقويم والامتحانات والتوجيه، الذي جاء استجابة لمقتضيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين في مجال التقويم والامتحانات، وللحاجة الملحة إلى جهاز إداري مختص لتدبير العمليات المرتبطة بتطبيق نظام الامتحانات الجديد بدءا من 2003، وهو المركز الذي تناط به عدة مهام اختبارية وتقويمية إعدادا وتتبعا وتقويما، ومن أبرز هذه المهام تنظيم الامتحان الوطني الموحد لنيل شهادتي الباكالوريا؛ ونهاية السلك الإعدادي، والامتحانات الجهوية لنيل شهادة البكالوريا، وإصدار المذكرات الخاصة بها وبالمراقبة المستمرة… والإشراف على المباريات والامتحانات المهنية ومباريات التوظيف وعلى الاختبارات الكتابية والشفهية لامتحانات الكفاءة التربية والمهنية، وامتحانات شهادة التقني العالي بدءا من إعداد المواضيع ومواصفاتها وأطرها المرجعية ومعاملاتها ودلائلها ومساطر إجرائها وتصحيحها وإعلان نتائجها، عبر تشكيل عدد مهم من اللجن الوطنية المتخصصة تضم خبراء من أطر هيئة التفتيش والمراقبة متخصصين في بناء الامتحانات والمباريات وتتبع سلامتها وتصحيحها. ويمكن تقسيم الامتحانات والمباريات التي تشرف عليها الوزارة إلى: تقويم المستلزمات: عن طريق تقويم تحصيل المتعلمين بداية كل موسم دراسي، وتحديد مكامن التعثر وطرق الدعم؛ امتحانات مدرسية إشهادية: – الامتحان الموحد المحلي لنيل شهادة السلك الابتدائي؛ – الامتحان الجهوي لنيل شهادة السلك الإعدادي؛ – الامتحان الجهوي للسنة الأولى من سلك البكالوريا (يحتسب في البكالوريا)؛ – الامتحان الوطني لنيل شهادة البكالوريا؛ – الإسهام في تنظيم امتحان نيل شهادة التقني العالي؛ امتحانات المراقبة المستمرة: وبها يتم الانتقال من مستوى إلى آخر في غير السنوات الإشهادية. مباريات وامتحانات مهنية: – مباريات توظيف أطر الأكاديميات؛ – امتحانات الكفاءة المهنية و التربوية؛ – مباريات الترقي في الدرجة؛ – مباريات الولوج إلى المركزين الوطنيين للمفتشين… والملاحظ في السنوات الأخيرة تكاثر الاحتجاجات التي تواكب عددا من هذه الامتحانات، سواء على مستوى تنظيمها أو تصحيحها وإعلان نتائجها، أو عمليات الانتقاء الأولي لملفات المترشحين لاجتيازها… مما يسائل نظام الحكامة ورهان الجودة اللذين رفعتهما الوزارة، ومدى النجاح في تحقيق جودة التقويم وتحسين أساليبه وملاءمته مع تقويم الكفايات والتعلمات، استجابة لتطلعات الميثاق الوطني للتربية والتكوين، الذي خصص دعامته الخامسة للتقويم والتقييم والامتحانات. وتتجلى هذه الاحتجاجات في الكم الهائل من طلبات إعادة تصحيح أوراق المترشحين للامتحانات الإشهادية، والتي تكشف عمليات إعادة تصحيحها اختلالات كبيرة تسائل موضوعية التصحيح ونجاعة طرقه وآلياته وطرق مسك نقطه؛ بل ونجاعة الامتحانات في حد ذاتها؛ وكذلك الاحتجاجات التي تصاحب كل سنة عمليات الانتقاء الأولي لمباريات التوظيف أو الالتحاق بمركزي المفتشين ونتائجها النهائية، وكذا امتحانات التخرج منها، التي تبنى عليها نتائج الناجحين في التعيين… ولعل التأمل في كل هذا والبحث في أسبابه يوصلنا إلى ما يأتي: – على مستوى الامتحانات المدرسية الإشهادية: لعل أهم مشكل تعاني منه هذه الامتحانات هو طبيعتها ذاتها، فهي ما تزال امتحانات تقليدية تخاطب ذاكرة المتعلمين ومحفوظهم، وتقيس تحصيلهم المعرفي دون الاهتمام بقياس القدرات والمهارات والكفايات، مما يجعلها عرضة لمظاهر سلبية على قائمتها استفحال ظاهرة الغش، والاعتماد على حفظ الأنماط الجاهزة للامتحانات سواء تعلق الأمر بالمواد الأدبية كالفلسفة واللغات، أو العلمية مثل الرياضيات والفيزياء… ولعل ما يسهم في استفحال هذا المشكل: – تقادم البرامج والمقررات والكتب المدرسية التي استمرت سنوات دون تغيير، مما يجعل مجال التحرك والتنويع في الوضعيات الاختبارية ينغلق أو يضيق أمام لجن الخبراء المكلفين بإعداد الامتحانات؛ – الأطر المرجعية الجامدة التي تسهم في تنميط الأسئلة، وتحد من مجال حركة لجن الإعداد؛ – عدم ملاءمة صيغ الامتحانات وأشكالها مع نظام التدريس بالكفايات واستمرار الأشكال التقليدية للتقويم؛ – جمود طرق التدريس وتقادمها في ظل غياب تكوين مستمر فعال للأطر التربوية وأطر الإشراف والتأطير؛ – استمرار هيمنة بيداغوجيا الأهداف بشكلها التقليدي دون ربطها بالكفايات المسطرة للمواد؛ – غياب سياسة واضحة للدعم التربوي، وهو ما يجعل الفجوات في تعلم التلاميذ تستفحل وتتراكم عبر السنوات؛ – فساد نظام المراقبة المستمرة وعجز الوزارة عن مراقبة مصداقيتها ودقتها وحفاظها على مبدأ تكافؤ الفرص بين المتعلمين، وبين مؤسسات التعليم العمومي والمؤسسات الخصوصية؛ – كثافة البرامج التعليمية والمقررات، واهتمامها بالكم على حساب الكيف، وهو ما يرهق المتعلمين والمدرسين، ويهدر طاقاتهم. – على مستوى المباريات والامتحانات المهنية ومباريات التوظيف وولوج مراكز تكوين أطر التفتيش والتخطيط والتوجيه: تنبغي الإشارة هنا إلى أن الترشيح لهذه المباريات والامتحانات حق من حقوق الموظفين من نساء التعليم ورجاله، وغير الموظفين بالنسبة لمباريات التوظيف. ومن واجب الوزارة أن توفر لها جميع شروط الموضوعية والمصداقية والشفافية، وأن تضمن تكافؤ الفرص بين جميع المقبلين عليها، وتضع رهن إشارتهم مواصفاتها ودلائل اجتيازها في آجال كافية للإعداد؛ كما أن من واجبها توفير التكوين المستمر لأطرها في المستجدات المرتبطة بمجالات اشتغالهم… ومن جهة أخرى عليها أن تضمن سلامة إنجازها وتقويمها بتشديد آليات زجر الغش فيها، وتحسين ظروف تصحيحها ومسك نتائجها تجنبا للأخطاء التي تسيء إلى مصداقيتها، مثلما حصل في نتائج الامتحان الكتابي لولوج مركز تكوين المفتشين، وبعض نتائج مباريات الوظيف… ويمكن إجمال أهم تجليات الإخفاق في هذا المجال في: – غياب الشفافية في الانتقاء الأولي لاجتياز هذه الامتحانات والمباريات، فقد كشف نجاح بعض المترشحين في ولوج هذه المراكز دون التوفر على شرط من شروط الانتقاء (نقطة آخر تقرير تفتيش مثلا)، أو نجاح مترشح غاب عن الامتحان نهائيا، أو عن مادة من مواده؛ – غياب الشفافية في عمليات التصحيح وإعلان النتائج، حيث يتم الاكتفاء بإعلان أسماء الناجحين دون النقط التي حصلوا عليها في مواد المباراة أو الامتحان؛ – عدم فتح باب الطعون في النتائج، وإمكانية الاطلاع على أوراق المترشحين ومراقبة سلامة تصحيحها… وفي الختام يمكن تقديم مجموعة من الاقتراحات لتحسين شروط التقييم والتقويم: – في التعليم المدرسي: – تغيير نمط التقويم وأشكاله وتطويرها لتلائم التدريس بالكفايات؛ – تجديد البرامج والكتب المدرسية بانتظام كل 4 سنوات على الأكثر؛ – تغيير الأطر المرجعية وملاءمتها كل سنتين على الأكثر؛ – التكوين المستمر لأعضاء لجن إعداد الامتحانات والمباريات المختلفة وطنيا وجهويا، وكذا أطر التدريس في مجال التقويم وطرقه وأساليبه؛ – إعادة النظر في نظام المراقبة المستمرة بما يضمن تكافؤ الفرص بين المتعلمين، وخاصة بين التعليمين العمومي والخصوصي؛ – تنظيم الدعم المندمج والمؤسساتي، ومحاربة ظواهر الساعات الإضافية في المنازل والمؤسسات وفي أماكن أخرى؛ – تغيير نظام الانتقاء في المؤسسات ذات الاستقطاب المحدود وتوسيع عرضها؛ – تجويد نظام مسك نقط المراقبة والامتحانات والمباريات. – في المباريات والامتحانات المهنية: – ضمان الشفافية في كل مراحل إعداد وإجراء وتصحيح المباريات والامتحانات شفهيا وكتابيا؛ – ضمان حق الاطلاع على النقط وحق الطعن في النتائج؛ من هنا نخلص إلى أن التقويم في منظومة التربية والتكوين المغربية بقدر ما يشكل مكونا مهما من مكوناتها؛ إلا أنه ما زال في حاجة إلى تقويم للتقويم، إذ على الرغم من إحداث مديرية خاصة، ومركز مستقل لهذا الغرض إلا أن مشاكله ما زالت تتثقل كاهل المنظومة، ويعاني من تبعاتها كل من المتعلمين والموظفين والمترشحين للتوظيف بالتعليم المدرسي أو الجامعي، كما تعاني منها جميع مؤسسات التربية والتكوين والتعليم العالي المغربية. **** الامتحانات المهنية لوزارة التربية الوطنية.. "كلها وزهرو" عاطف الكرجي الامتحانات المهنية في قطاع التربية الوطنية؛ إما مباريات تسمح للمتبارين بالولوج لعالم التوظيف من خلال التعاقد مع الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، وإما مباريات تسمح لموظفي الوزارة بتغيير الإطار كما هو الحال بالنسبة لامتحانات ولوج مركز تكوين المفتشين أو الإدارة التربوية، وإما مباريات تمنح المترشحين إمكانية الترقي من درجة إلى أخرى لتحسين وضعهم الإداري والاجتماعي. ويلاحظ أن صدور هذه المباريات اتسمت بالثبات من حيث الإعلان عنها وعن تاريخ اجتيازها وصدور نتائجها، خلافا لما عرفته سنوات الثمانينات والتسعينيات؛ حيث كان الموظف يجتاز المباراة دون أن يعلن عن نتائجها، أو أن الوزارة الوصية لا تعلن عن المباراة أصلا؛ إما لغياب المناصب المالية أو لحسابات غير معروفة أو سياسية. إلا أن وضع هذه المباريات سواء التي تخص التوظيف أم تغيير الإطار أم الترقي في الدرجة، تغير في السنوات الأخيرة. لكن السؤال الذي يطرح هنا هو: إلى أي حد ساهم التغير الحاصل في تحقيق الأهداف المتوخاة من إجراء هذه المباريات؟ علما، أن المباريات لم تشرع إلا لقبول أجود المترشحين، واختيار أجود الأساتذة لتغيير الإطار، وترقية أجود الممارسين، جزاء لهم على جدهم واجتهادهم. فالجودة والاستحقاق هما المعيار الأساس للنجاح حسب منطوق المذكرات المنظمة لهذه المباريات. غير أن المتتبع لواقع الأمور على الساحة التربوية، يسجل مجموعة من الاختلالات، تجعل الوضع يوصف بالعبثي في كثير من الأحيان، لدرجة يسائل فيها البعض القائمين على الشأن التربوي المغربي عن الجدوى من إجراء المباريات أصلا، فمباراة توظيف الأساتذة أطر الأكاديميات التي كانت تعرف فيما مضى بمباريات التعاقد، شهدت احتجاجات كبيرة، سببها قبول مترشحين بمعدلات متدنية، وإقصاء آخرين حاصلين على معدلات مرتفعة، دون أن تكلف المديريات أو الأكاديميات نفسها إصدار أي توضيح للرأي العام في الموضوع. وقد وصلت العبثية في التسيير ذروتها في الموسم الفارط، حين قاطع المفتشون مباريات التوظيف إشرافا وتصحيحا للامتحان وترأسا للجان الاختبار الشفوي إلا أن المباريات أُجريت وصححت الأوراق واجتاز المتبارون الاختبار الشفوي، في غياب المفتشين بوصفهم العمود الفقري للمباراة، فمن عوضهم؟ وما هي كفايات المعوضين المهنية في التعامل مع هذه المباريات؟ وبالتالي هل يتوفر معيار الجودة في الناجحين؟. أما مباراة توظيف الأساتذة أطر الأكاديمية لهذا العام فجاءت مؤنثة النتيجة، لأن نسبة الإناث من الناجحين فاقت 80%، عزاه أحد المسؤولين إلى اجتهاد الإناث في التحصيل الدراسي وانصراف الذكور للعمل مساعدة لأسرهم، بينما فسره مراقبون، بأنه سير على خطى الشركات الخاصة ومعامل الكابلاج التي تفضل تشغيل الإناث بدل الذكور، لقلة انخراطهن في العمل النقابي، ولقبولهن بأجور متدنية مقابل متطلبات زملاءهم الذكور. جربت الوزارة الوصية جميع أشكال التنكيل والقمع مع هذه الفئة، لثنيها عن المطالبة بحقها في المساواة مع زملائها، ابتداء بمتابعة المناضلين أمام القضاء الإداري والمدني، ومرورا بالتهديد بالفصل وفسخ العقدة، وانتهاء بتفريق وقفاتهم السلمية برشهم بالمياه الباردة ليلا والاعتداء عليهم بالسب والضرب والسحل، وهو ما جعل البعض يصر أنه لما فرغ جراب الوزارة من الحلول، لجأت إلى الحيل بدل المواجهة، فسدت الباب الذي يأتيها منه الريح، ومنعت الذكور أصلا من ولوج سلك التوظيف. أما مباريات ولوج مركز تكوين مفتشي التعليم فلم تسلم هي الأخرى من العبثية في التسيير، بشكل جعل دم المقصيين من النجاح يتوزع بين قبائل الوزارة ومسؤوليها، فحادثة نجاح أكثر من عشر مرشحين في المباراة بشقيها الكتابي والشفوي ليتضح عند التحاقهم بالمركز أنهم لا تتوفر فيهم شروط الترشح أصلا، أبانت أن الأمر بيد هواة، رغم الفترة الطويلة التي تفصلنا عن تاريخ الحصول على الاستقلال. أما الأخطاء المتكررة سواء في أوراق الأسئلة أم في نماذج الأجوبة فغدت أمرا مألوفا للجميع، إلا أن مباراة هذا العام، خلقت الحدث في الوسط التربوي، لأنها لم تسل مداد النقد والسخط على نتائجها كما هو حال سابقاتها، وإنما دفعت المتضررين من نتائجها إلى التنقل من مختلف ربوع المملكة للاحتجاج أمام مركز تكوين المفتشين بالرباط، بسبب ما شابها من خروقات نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: مخالفة المذكرة المنظمة للمباراة والصادرة بتاريخ 27 أكتوبر 2020 تحت رقم 20/70 لمنشور رئيس الحكومة رقم 2020/16 القاضي ب"اعتماد اختبار كتابي واحد لكل مباراة أو امتحان" فالخرق الأول تمثل في اعتماد ثلاث اختبارات كتابية على خلاف ما أوصى به منشور رئيس الحكومة، أما الخرق الثاني فنوعي؛ تمثل في اختيار سنة التقليل من التنقل بوصفه استراتيجية عالمية للحد من انتقال فيروس كورونا، لدفع أساتذة أكاديميتي الدارالبيضاءسطات، والرباط سلاالقنيطرة إلى التشتت في مختلف جهات المملكة، بدل السماح للأشخاص باجتياز المباراة في مدنهم، ونقل الأوراق إلى الأكاديميات المعنية. أما الخطيئة التي أسقطت ورقة التوت فهي نجاح مترشحة متغيبة، لم يفطن إلى أمرها إلا بتغريدة فيسبوكية، ناهيك عن أن لائحة المترشحين الناجحين في إحدى أكاديميات الجنوب تضمنت أرقاما للامتحان لا تتطابق مع الأسماء المرفقة بها، الأمر الذي خلق جدلا. فمن هو الناجح في هذه الحالة؟ صاحب الرقم؟ أو صاحب الاسم؟. إضافة إلى ما ذكر، يلاحظ أنه لم يفلح أي مترشح في تجاوز عتبة الامتحان الكتابي في أكاديمية بني ملالخنيفرة، التي وزعت مناصبها بالتساوي تقريبا على النيابات المنتمية لهذه الأكاديمية، فإلى أي حد يمكن للأساتذة والأستاذات المعنيين وللرأي العام الوطني الوثوق في مصداقية ونزاهة مباريات سمتها الأساس ومعيار النجاح فيها هو الحظ؛ لأن الانطباع الذي تخلفه هذه التصرفات لدى كل ذي عقل أن الوزارة تغرف من الطرف، أو "كلها وزهرو".
*** الخبير التربوي عبد الرزاق بن شريج في حوار مع جريدة:" بيان اليوم" ¶ أثارت مباراة ولوج مركز مفتشي التعليم في الآونة الأخيرة جدلا كبيرا بعد واقعة التلاعب في لائحة أسماء الناجحين، ما الذي حدث بالضبط؟ أعتقد أن الحديث عن وقائع ما سمته وسائل الاعلام "فضيحة نجاح متغيبة" لا يفيد القضية في شيء، وحتى التطرق للأسباب لا يهم كثيرا، بل المهم في نظري هو المسببات، فالذي حصل هو نتيجة مسلكيات تدرجت في التغلغل وصولا إلى مرحلة "التطبيع معها" من طرف الجميع، أو كما يقال "إذا عمت هانت"، فالمعروف علميا حسب المنهج التاريخي، وخاصة تاريخ تطور السلوك البشري، أن تدهور الأخلاق من أهم الأسباب التي تسهم بقوة في انحطاط الشعوب أو الدول، ومن الأسباب التي يراها العلامة ابن خلدون دافعة للانحطاط والتقهقر والتراجع، الترف أو الفساد، أو الظلم، أو الرخاوة والنعومة عند تحليل البعض، وفي غياب القوة الداخلية الدافعة في الحفاظ على الدولة ومقوماتها الأساسية من الانهيار، أو ما أسماه ب"قوة العصبية"، حسب التعريف الاجتماعي، والتي فسرها بعض المفكرين المسلمين القدامى مثل الإمام الغزالي والماوردي ب "الشوكة"، وتتمثل في رابطة سياسية أو رابطة نسب أو رابطة اجتماعية، أو قوة الالتحام مع الدولة عند الأخطار والتوترات، كمناصرة لحماية الدولة، فغياب القوة الداخلية التي تمرر ضمن التربية على المواطنة وتجسيد شعار "حب الأوطان من الإيمان" ينمي في المجتمع سلوكات تسهم في تخريب الوطن دون وعي، وباعتقاد أن ذلك عاد ولا يشكل أي خطر على البناء السليم للمجتمع. وحتى قانونيا فخطأ موظف بسيط لا يدخل ضمن المسببات، ولا يفيدنا شنقه أو تعليق كل المشاكل عليه، وهو ما يعبر عنه المشرع المغربي في المادة 17 من الظهير 1.58.008 بتاريخ 24 فبراير 1958 الخاص بالنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، حيث يعتبر "خطأ المرؤوس لا يعفي الرئيس". وعليه، فالأهم اليوم هو مناصرة الدولة بمفهومها الاجتماعي والسياسي، والذي يتجلى في تقوية "الشوكة"، باعتبار التربية أساس الدولة ومشتل بناء المجتمع الصالح لنفسه ولأمته، وعلى المسؤولين تقوية المؤسسات المساهمة في بناء الدولة (الأحزاب، والنقابات، والجمعيات، وكل المؤسسات الدستورية،…) أملا في تقوية الجبهة الداخلية ضد الأخطار الخارجية والداخلية. ¶ ورغم ذلك يبقى للقارئ الحق في معرفة ما حدث، أليس كذلك؟ حقيقة يتطلع القارئ إلى معرفة ما حدث، وخاصة الذين يعتبرون أنفسهم ضحية الارتجال والأخطاء التي عرفتها المباراة، سواء في إعداد عناصر الأسئلة وعناصر الأجوبة أم التصحيح وكذا المسك والوقت المخصص لكل عملية، وهي مشاكل تقنية، قد تكون السبب المباشر للمشكل، دون تغييب احتمال مسألة التلاعب في النتائج، خاصة أن ما تسرب عن اللجنة التي كلفتها المفتشية العامة يقر أن الخطأ ارتكب من الجهة التي أشرفت على المباراة، خاصة أن عدد المترشحات والمترشحين هو فقط 21، و3 غائبون، وهي لائحة بسيطة ما يجعل مسألة ارتكاب خطأ المسك شبه منعدم. وعلى الرغم من أن لكل مترشح الحق في اختيار الجهة التي يريد، إلا أن اختيار جهة تبعد عن مقر العمل ومقر السكن بأكثر من 1611 كيلومتر تقريبا يطرح أكثر من سؤال، لكن المستغرب له قبل صدور النتائج النهائية هو أن يخرج مركز تكوين مفتشي التعليم ببيان يتحمل فيه المسؤولية، ويعتبر أنه أخطأ خلال عملية المسك، وهو تصرف غير مفهوم، ويدفع إلى التساؤل: ما نوع الضغوطات التي مورست عليه؟. لكن بعد صدور النتائج النهائية تخبلت الخيوط واختلطت الأوراق من جديد، حيث اتضح أن الأمر ليس بريئا، فهل يعقل أن توضع النتائج بالموقع الرسمي الإلكتروني للوزارة على أساس أنها دورة 24 و25 نونبر 2018، عوض دورة 28 و29 نونبر 2020، وسيبقى السؤال معلقا، مثل ما بقي سؤال من سرب امتحان البكالوريا منذ 5 سنوات، رغم تصريح وزير التربية الوطنية آنذاك رشيد بلمختار على شاشة القناة الرسمية المغربية أن المفتشية العامة وصلت في تحقيقاتها إلى أن الامتحان سرب من مركز بالدارالبيضاء، ولا أحد يعرف لحد الساعة من سرب وكيف؟، إن الحديث عن الاختلالات التي تقع في عدد من المباريات يحتاج إلى مجلدات سواء على مستوى مضامين الأسئلة وعلاقتها بالمتبارين، أو علاقتها بعناصر الأجوبة، أو الأخطاء العلمية الواردة بها، أو مدة التصحيح وطريقته، أو مدة الاختبارات الشفوية وطريقتها …وصولا إلى من يضع الاختبارات؟، لذا قلت لك إن تفكيك وتمحيص الأسباب المباشرة لا يفيد الموضوع، فكل ذلك نتيجة مسلكيات قيادة مركزية اشتغلت منذ سنوات على توزيع مناصب المسؤولية اعتمادا على معيار درجة الخضوع في تنفيذ الأوامر دون طرح الأسئلة، ودون التفات للقوانين، وتحويل العلاقات الإدارية إلى ما يشبه علاقة "الشيخ والمريد". ¶ لكن الوزارة الوصية أعلنت يوم8 يناير2021عن فتح باب الترشح لشغل منصب مدير مركز تكوين المفتشين ما يدل على أن المنصب أصبح شاغرا، سواء بالإعفاء أو الاستقالة، وهو ما يلمح إلى أن المركز يتحمل المسؤولية كاملة؟ لا أملك حقيقة الأمر، لكن كمهتم ومتتبع للشأن التربوي يمكن تفسير العملية كالآتي: – في حالة استقالة مدير المركز عن قناعة المربي الزاهد في الكرسي، سواء لأن الخطأ ارتكب في المركز، عن حسن نية أو عن سوئها، أو ارتكب الخطأ في جهة ما لكن بحكم أن المركز هو المنظم للمباراة، أعتبرها خطوة شجاعة تسير في تنزيل الحكامة، وسيرا على نهج الدول التي تحترم نفسها حيث يستقيل الوزير إن ارتكب خطأ في وزارته ولو أقل مما نتحدث عنه؛ – وإن تمت إقالة مدير المركز أو الضغط عليه للاستقالة بحثا عن كبش فداء مسكن للغليان الذي عرفته وسائل التواصل الاجتماعي بسبب الأخطاء المتتالية لنفس المباراة، فهذا مرفوض أخلاقيا على الأقل؛ – أما إن كانت العملية تدخل في إطار تغيير المسؤولين والمسؤوليات لتجديد الطاقات فبها ونعمت، لكن على المتحكمين في الأمور تطبيق ذلك على أنفسهم كذلك. ¶ ما هو الحل في نظرك لتجاوز مثل هذه الاختلالات التي يتخبط فيها قطاعٌ من المفروض أنه يشتغل على التربية ليكون قدوة لباقي القطاعات؟ قبل ذلك لابد من التذكير أنه أصبحت لوسائل التواصل الاجتماعي السلطة القوية التي فقدتها وسائل الإعلام التقليدية مثل الإذاعة والتلفزة والجرائد الورقية، فلولا تعليق أحد المترشحين لمباراة ولوج مركز تكوين مفتشي التعليم مسلك التعليم الابتدائي عبر الفايسبوك لما علم أحد بالموضوع. أما الحل فأراه معقدا بعض الشيء، لأنه يضعنا أمام سؤال آخر: هل يبدأ الإصلاح من القمة أو من القاعدة؟. وبالتالي هناك آراء تنتصر وتنادي بالبداية من القاعدة، وأخرى تدافع بقوة على أن الإصلاح يبدأ من القمة، ومهما يكن ففي نظري القاعدة لا تملك سلطة التنفيذ، القاعدة تمارس عليها السلطة وتقبلها سواء عن جهل أم عن خوف، و دور القاعدة المثقفة مختلف، كما يقول ماركس "خلف الأفكار البسيطة هناك علاقة قوة ترفع أفكارا معينة إلى السلطة وتترك أخرى خاضعة لها" وبالتالي يكون على المثقف أن يكيف أفكاره مع أفكار الحاكم، ويفتي بما أراده الحاكم، وعليه فغياب الإرادة السياسية لدى الحاكمين والمتحكمين هي السبب، فكيف نفسر الإبقاء على نفس الوجوه التي دبرت البرنامج الاستعجالي تدبيرا غير سليما، حسب تقارير المؤسسات الدستورية المغربية، وتكليفها بتدبير عملية تنزيل الرؤية الاستراتيجية 2015/2030، وتقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين الصادر بتاريخ 21/10/2019 حول "إطار الأداء لتتبع الرؤية الاستراتيجية في أفق 2030 " وهي الوجوه نفسها التي تكلفت بتنزيل مقتضيات القانون الإطار للتربية والتكوين 51/17؟. إن من يملك الجواب هو الذي يمكن له حل أزمة المنظومة التربوية. فعلى الأقل تغيير الأشخاص الذين التصقت جلودهم بكراسي الوزارة، والذين عمروا كثيرا على رأس المصالح والمديريات المركزية، يعطي بعض الأمل في الانخراط الحقيقي المبني على قناعة التغيير نحو الأفضل، لقد استنفذوا كل طاقاتهم ولم يعد لهم ما يقدمون للمنظومة، يمكن أن يستفيد منهم الوطن في مناصب أخرى. ¶ هل يفهم من كلامك أن تنزيل القانون الإطار 51/17 سيعرف نفس فشل البرنامج الاستعجالي؟ شخصيا حسب تجربة أكثر من 41 سنة في ميدان التربية والتعليم منها قرابة 30 سنة مفتشا تربويا، أنا غير مطمئن على الوضع الحالي للمنظومة التربوية، ولا أرى أي أمل في الأفق القريب، لست متشائما ولا عدميا، ولكني واقعي وبالتجربة والخبرة كل السبل سدت في وجه الطاقات الحية التي يزخر بها الوطن، سواء على المستوى المركزي أم الجهوي أم الإقليمي، الخناق اشتد على كل الغيورين مما دفعهم لاختيار التقاعد النسبي، خوفا على صحتهم من السكتة القلبية أو العيش بأزمات نفسية، فأزمة المنظومة لاتحل بالنصوص القانونية، بل تحل بتغيير العقليات وفق الشروط الثلاثة التي أتى بها "روجر موتشيلي" في كتابه "تغيير العقليات". ¶ ترافق مباراة توظيف الأساتذة أطر الأكاديميات خلال كل سنة انتقادات واسعة حول عملية الانتقاء، والامتحان الكتابي والشفوي، وصولا إلى إعلان أسماء الناجحين، بحكم خبرتك الطويلة في المجال ما هي ملاحظاتك حول هذه المسطرة؟ كما سبقت الإشارة إلى ذلك تعتمد الوزارة طريقتين أو أسلوبين لاستمرار التحكم، منذ تمكن المتحكمون في دواليب التدبير الإداري من السيطرة على كل الخيوط، وهما: – اختيار عينة خاصة من الموظفين لتحمل المسؤولية، تقبل تنفيذ الإملاءات دون نقاش، كما جاء في مداخلة مدير أكاديمية متقاعد في ندوة فكرية وتربوية نظمها المكتب الجهوي لنقابة مفتشي التعليم بجهة الدارالبيضاءسطات يوم 14 يوليوز 2020، حول موضوع "تدبير المنظومة التربوية جهويا في ضوء الجهوية المتقدمة، الإمكانيات، العوائق، والحلول"، حيث قال: "هناك بعض المديرين الجهويين لا يكتبون حرف الواو إلا إذا استشاروا المركز، وبالتالي التحكم عن بعد ينفع في كتابات التقارير كما يريدها "الزعيم". – إصدار قرارات ومقررات ومذكرات وتعليمات كتابية وشفوية للأكاديميات وهي تعلم أنها غير قابلة للتنفيذ، لكنها تتناغم مع برنامج أو مشروع "إصلاحي"، وبالتالي يجد "المسؤول" المنفذ نفسه تحت طائلة الاختيار بين التهديد بالتهاون أو كتابة "العام زين"، فكم برنامج إصلاحي محقق ب 100% على الورق، ولا أثر له على أرض الواقع، في هذا الجو تُجرى كل المباريات، حيث تصدر مراسلات مركزية تحدد الإجراءات وتواريخها، دون استشارة المنفذين الميدانيين، دون تغذية راجعة حول دليل المساطر والعمليات الإجرائية لمباريات الأساتذة والملحقين التربويين والملحقين الاجتماعيين وملحقي الاقتصاد والإدارة أطر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، وتمر كل المباريات في ظروف غير سليمة لا من حيث الزمن المخصص للعمليات، ولا من حيث عناصر الاختبارات وعناصر الأجوبة، والأمثلة كثيرة فيما يخص رمي الكرة للأكاديميات في الأمور غير القابلة للتنفيذ، لا يتسع المكان لجردها، وبالتالي لا يوجد من يلتفت للشكايات أو الاحتجاجات أو البلاغات والبيانات الصادرة عن التنظيمات، ويستمر الوضع كما هو. ¶ على ما يبدو التعيين الجهوي وصل إلى هيئة المفتشين أيضا، وهو ما يعني أنهم سيصبحون تابعين للأكاديميات وليس للوزارة، ما هي خلفيات هذا التوجه؟ وتأثيره في القطاع؟ هيئة التفتيش بالمغرب تعيش أوضاعا غريبة على كل الأصعدة، منذ إغلاق مركز تكوين المفتشين لمدة 14 سنة، مما يعني أن الوزارة الوصية تسعى إلى تدبير المنظومة دون هيئة التفتيش، ودون تقييم داخلي وتتبعي، فعلى المستوى المركزي أغلق الباب أمام جميع المفتشين لشغل مناصب مركزية، وخاصة مدير مديرية أو رؤساء الأقسام بمصالحها الداخلية والخارجية، بل حتى مجلس تنسيق التفتيش المركزي تم نسفه وتوزيع أعضائه على الجهات والأقاليم، بهدف إخلاء المصالح المركزية من المفتش(ة) وسيطرة فئة أخرى نعرف جيدا أنها لن تقوم مقام المفتش(ة) ولا المفتش(ة) يقوم مقامها، بل إن في تعاونهما وتعاون جميع الفئات ربح للمنظومة، ويمكن الإشارة هنا إلى المنزلقات والاختلالات التي ترد سنويا بمقرر تنظيم السنة الدراسية بسبب تغييب رأي المفتش(ة)، لأن المتصرف لا يعرف ما يقصد بأبسط مصطلح مثل "أسبوع" في لغة المفتش(ة) والمدرس(ة) ومدير(ة) المؤسسة، مثلا، مما يربك عملية المراقبة المستمرة، والامتحانات بما فيها الإشهادية، ويفرغها من أهدافها التعليمية والتعلمية والتربوية. والأمثلة كثيرة في هذا الباب؛ والغريب في الأمر أن وزارة التربية الوطنية هي الوزارة الوحيدة التي بها مفتشية عامة برأسين، وهي الوزارة الوحيدة التي جعلت المفتشين تحت إمرة المدبرين عوض انتمائهم للمفتشية العامة، هي الوزارة الوحيدة التي بها المفتشية العامة (عمليا) تحت إمرة الكتابة العامة، وفي النصوص القانونية هي التي تراقب كل جهاز التدبير، وبمقارنة بسيطة بين المرسوم رقم 112-11-2 بتاريخ 23 يونيو 2011 في شأن المفتشيات العامة للوزارات، وما يوجد على الموقع الإلكتروني للوزارة في صفحة "المفتشية العامة المكلفة بالشؤون التربوية والمفتشية العامة المكلفة بالشؤون الإدارية" ففي المادة الأولى من المرسوم "تخضع المفتشية العامة للوزارة مباشرة لسلطة الوزير، ويسيرها مفتش عام وفق مقتضيات هذا المرسوم"، وفي المادة الثانية "تناط بالمفتشية العامة مهام تفتيش ومراقبة وتدقيق وتقييم تدبير المصالح المركزية واللاممركزة للوزارة، كما تناط بها…"، أما بالنسبة لصفة الوزارة فلا وجود نهائيا لكلمة "مراقبة وتدقيق"، ونجد بدلا عنها "تحليل وإبداء الرأي"، "تقديم الاقتراحات"، "تحليل وقياس"، "تحليل وقياس وتقييم مدى تحقيق الأهداف"…. أسرد هذا ليفهم القارئ أن المدبر هو المتحكم في دواليب الوزارة، سواء على المستوى المركزي أم على المستويات الأخرى كما سبق ذكره، مع الإشارة إلى أن هناك فرق بين المدبر والمنفذ، ربما المتحكمون يعانون فوبيا المفتش، ولم يستوعبوا بعد أن لكل دورُه، وأدوارهم تتكامل لتجويد المنظومة التربوية، وعليه فلا يملك جهاز التفتيش إلا التنديد بمثل هذا التوجه الخطير المعتمد، وهو ما نجده في بيانات نقابة المفتشين، وخاصة بيان مكتبها الوطني الأخير (26/12/2020)، حيث "يجدد دعوته للوزارة للتخلي عن توجهها المفضوح لتذويب هيئة التفتيش بين موظفي الأكاديميات، ومنه النهج المتفرد الذي سارت عليه في تعيينات الخريجين الجدد خلال الموسم الفارط أو في تنظيم مباراة ولوج مركز مفتشي التعليم لهذا الموسم، وشجبه لمحاولاتها تمرير وتكريس تصورها المرفوض لملف الانتساب الإداري لهيئة التفتيش والذي لم يتم التداول في شأنه بعد"، وأعتقد أنه يوجد أكثر من هذا التعبير عن الحالة النفسية التي تعيشها هيئة التفتيش في ظل الإصلاحات، والرؤية الاستراتيجية وتنزيل مقتضيات القانون الإطار 51/17. ¶ هل سيتم إشراك المفتشين في مشاريع التكوين المستمر والبحوث التربوية المفتوحة بين الوزارة والمراكز الجهوية للتربية والتكوين؟ إقصاء المفتشين ليس فقط في ما ذكرت، بل في كل القضايا المفصلية والتي لن تنجح بدون مفتش، ويمكن إلقاء نظرة سريعة على اللائحة الإسمية للمكلفين بتنسيق وتدبير وتقويم المشاريع الاستراتيجية لتنفيذ أحكام القانون الإطار 51/17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين، الواردة بالمراسلة رقم 821/20 بتاريخ 22 شتنبر 2020، فلن تجد من بين منسقي المجالات على صعيد الأكاديميات الجهوية والمديريات الإقليمية أي مفتش(ة)، بل أسندت مجالات تعتبر من أهم اختصاصات المفتشين لمتصرفين ومهندسين،… مثل "الارتقاء بجودة التربية والتكوين" التي من بين مشاريعها "تطوير النموذج البيداغوجي"، "تجديد مهن التربية والتكوين والارتقاء بتدبير المسارات المهنية"، "الارتقاء بالحياة المدرسية"، "الارتقاء بالرياضة المدرسية"، "تحسين وتطوير نظام التقويم والدعم المدرسي والامتحانات"، "إرساء نظام ناجع للتوجيه المبكر والتنشيط المدرسي والمنهي والجامعي"، و"تطوير استعمالات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم"، فإن كان المتصرفون والمهندسون خبراء في تخصصاتهم فلن ينجحوا في مهام المفتش(ة)، ونفس منهجية الإقصاء نجدها في مضمون المقرر الوزاري رقم 31/20 بتاريخ 3 شتنبر بشأن المصادقة على استراتيجية التكوين المستمر بقطاع التربية الوطنية، وكذا المراسلة الوزارية رقم 5/21 بتاريخ 8/1/2021 في شأن تنزيل نفس المقرر. ¶ ولكن سواء في المقرر أو المراسلة الوزارية نجد المفتشين ضمن المشاركين في التكوين المستمر، أليس كذلك؟ من حيث ذكر المفتش في وثائق الوزارة فهذا لاشك فيه، لكن كيف؟ وفي أي مقام؟ هو المشكل، فلنا تجارب كثيرة مع مسلكيات واضعي النصوص القانونية على المقاس بهدف إقصاء هذه الفئة أو تلك، فحين إسناد مهمة "المسؤول عن العملية" في اختيار المكونين للمراكز الجهوية فالأمر محسوم، ولنا تجربة ليست ببعيدة في شأن إقصاء المفتشين الدكاترة، في مباراة توظيف أساتذة التعليم العالي بمراكز التكوين (دورة 2020) باعتماد معايير تناسب العاملين بالمراكز دون غيرهم (نقط عن سنوات التدريس بالمراكز والإشراف على البحوث بها)، ورغم حيف تلك المعايير المعتمدة، فقد اجتاز عدد من المفتشين الاختبار الأول (اختبار الملف العلمي) من المباراة بنجاح، غير أن النتائج النهائية أكدت أن المناصب هيئت لتسوية وضعية الدكاترة العاملين بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين وبالإدارة المركزية؛ ففي الوقت الذي كان فيه المفتشون الدكاترة ينتظرون من وزارتهم أن تنصفهم من الإقصاء المقصود الذي يتعرضون له في مباريات الجامعات، ها هي تضرب مبدأ الاستحقاق والنزاهة في مقتل، وهو ما يؤكد ما قلناه عن مباريات التوظيف بالوزارة، وعن الإقصاء الممنهج من التكوين المستمر. ¶ يرى العديد من رجال ونساء التعليم أن مسطرة الترقية والتدرج في السلالم لا زالت تحكمها مساطر قديمة، وهو ما ينعكس على رواتبهم الشهرية، ألم يحن الوقت بعد لإعادة النظر في هذه المساطر؟ تدخل مسألة الترقية ضمن القضايا التي يصعب حلها في الأجل المنظور، لأسباب عديدة سنركز هنا على سببين هما: – وجود نصوص قانونية مرقعة وغير متناسقة وغير شاملة لكل الفئات، وهي لوحدها تحتاج لدراسة خاصة تحلل بعد نظر ونفسية الذين أعدوا المراسيم، والقرارات الناظمة لترقي موظفي وزارة التربية الوطنية، ويكفي أن تجد بالمرسوم نفسه مادة مكررة خمس أو ست مرات لتفهم درجة الترقيع، توضع المادة وبعد سنوات تكثر الاحتجاجات لأنها أهملت فئة، فتوضع مادة ثانية بالرقم نفسه، فثالثة فتظهر فئة متضررة، وهكذا. – اعتماد مبدأ التحايل والخداع وحسابات ردود الأفعال خلال التفاوض بين الإدارة وممثلي الموظفين، وهو ما يسقط المبدأ الأسمى، ألا وهو التكامل والتعاون بين ممثلي الموظفين والإدارة من أجل وضع نصوص جامعة مانعة شاملة لكل الفئات، وكل التخصصات، وكل المهام، وكل الوضعيات؛ – لم تلتزم الحكومات السابقة والحالية بما يتم التوافق حوله على علاته، مما ينزع الثقة من الموقعين على تلك التوافقات والاتفاقات، وبالتالي تفقد الثقة في التنظيمات والمؤسسات على حد سواء.