في أول نشاط ثقافي ينظمه مسرح محمد الخامس منذ افتتاحه بعد التوقف بسبب جائحة كورونا، تم تقديم قراءة في ديوان جديد للشاعر المغربي محمد بلمو بعنوان "طعنات في ظهر الهواء". منذ الصفحات الأولى للديوان، يحضر موضوعان حارقان بالنسبة للكاتب هما: وفاة حفيدته "أريج" التي أهدى لها الديوان. والموضوع الثاني هو فلسطين، حيث يكتب منذ الأسطر الأولى في إهداء إلى روح أريج: "لو طرقت الخزان يا غسان مائة عام لما سمعني أحد غير الجدران"، وهي إشارة إلى الرواية الشهيرة للكاتب الفلسطيني غسان كنفاني "رجال تحت الشمس" التي ترمز إلى تراجيديا معاناة الفلسطينيين مع الاحتلال الإسرائيلي ومع الواقع العربي، وهي رواية يموت أبطالها مختنقين داخل خزان نتيجة هذا الوضع التاريخي والوجودي المعقد. ديوان محمد بلمو مفعم ب "شعرية التراجيدي" كما كتب الناقد محمد الشيكر في المقدمة، ذلك أن "حياة بلمو تحولت، مع نكبته في حفيدته الصغيرة الأثيرة أريج، إلى نزيف شعري منذور لطوارق القدر وطعناته الموجعة"، يضيف الناقد. من قصائد الديوان نذكر : "همهمات" – "لا توقفوا ناركم" – "الأمل لا يموت"… أو قصيدة "عودي أريج كي نرقص" التي قرأ الكاتب مقتطفات منها خلال هذا اللقاء الذي قامت بتنشيطه الشاعرة فتيحة نوحو، وحضره نخبة من الشعراء والمثقفين، رغم ظروف بداية الخروج من الجائحة. في قصيدة "عندما أموت"، يكتب الشاعر ما يلي: "عندما أموت، أمشي وحيدا، إلى المقبرة، في الصباح أحيانا، في المساء، أو منتصف الليل، عندما أصل، أختار ربوة صغيرة، أدفنني واقفا، مثل شجرة، أغرس البحر في جبهتي، والزعتر في قدمي، وفوق رأسي، عُشَّ قبَّرة". يقول الكاتب إن الدوافع الخاصة للكتابة الشعرية هي نابعة من " هواجس ذاتية أو قضايا إنسانية واجتماعية. وعنوان هذا الديوان يلخص ذلك". وبخصوص دلالات اختياره لهذا العنوان: "طعنات في ظهر الهواء"، يوضح قائلا خلال هذا اللقاء: "الهواء له معاني كثيرة. له معنى مادي يحيل على تلوث البيئة أو رائحة الأسلحة والحروب عبر العالم … وهناك الهواء بمعناه الرمزي الذي يمكن أن يحيل على محن الشعب الفلسطيني الذي يعاني من الظلم". الديوان الصادر عن ناشره "جمعية الفكر التشكيلي" هو الرابع في مسيرة الكاتب، وقد صدر في 2019، إلا أن ظروف جائحة كرورونا هي التي قد تكون جعلت تقديمه يتأخر إلى غاية اليوم. أول ديوان صدر له هو "صوت التراب" عن منشورات اتحاد كتاب المغرب في العام 2001. وفي سؤال عن إشكاليات دعم نشر الكتاب في المغرب، أوضح محمد بلمو أن الوضع معقد وأن: "اتحاد الكتاب المغرب متوقف تقريبا اليوم"، وأن "وزارة الثقافة تقدم الدعم لنشر الكتب لكن بعض دور النشر لا تلتزم بدفاتر التحملات. عشرات الكتب تنال الدعم لكنها لا تصدر، ولا وجود لها في المكتبات. ووزارة الثقافة ليست لها الإمكانيات البشرية لتتبع هذا الجانب". تتميز تجربة محمد بلمو بكونه من الأصوات العشرية النادرة في المغرب التي تكتب أشعارا مشتركة مع مبدعين آخرين، رغم أن الشعر يبقى تجربة فردية وشخصية إلى أقصى الحدود. وهكذا أصدر في 2007 ديوان "حماقات السلمون" مع الشاعر عبد العاطي جميل. وفي 2018، أصدر مسرحية "حمار رغم أنفه" مع الكاتب عبد الإله بهندار. ومعروف عن محمد بلمو أنه صاحب تجربة جمعوية فريدة ومتميزة أيضا حيث أنه هو أول من أطلق "المهرجان السنوي للحمير" في مدينة زرهون لتكريم هذا الحيوان والذي صارت له سمعة كبيرة في المغرب وخارجه. إلى جانب الشعر، مارس محمد بلمو الصحافة لأزيد من عشرين سنة في عدد من الصحف الوطنية بالعربية والفرنسية. ومن بين مؤلفاته أيضا، "خمسة أيام في فلسطينالمحتلة"، وهو من جنس أدب الرحلة.