مولود شعريّ جديد يضاف إلى الخزانة الأدبية المغربية والعربية، بصدور ديوان الشّاعر والفاعل الثقافي محمد بلمو "طَعنات في ظهر الهواء" الصّادر عن جمعية الفكر التّشكيلي. ويرثي محمد بلمو في هذا الدّيوان حفيدته "أريج" التي رحلت وهي لم تتعلّم بعد نثر الكلام، وينتفض ضد نشوة "قتلة الأمل" وتدبيجِ "إخوة يوسف (…) بيانات كاذبة في مدح فلسطين"، والطّعنات الصّديقة التي "تستلذّ الغدر … تعقد يسارا بيمين … كي ينتشر الليل رويدا … كي لا نرى". ويكتب بلمو عن الفراشة التي غنّت أسطورتها وحلّقت بعيدا في تجاويف النّار ويتشبّث، ويتشبّث وفق منطوق بيت له، ب"ضوء ضئيل يزعج الظّلام"، ويتغنّى في آخرَ ب"الأمل" الذي لا يموت، شاهدا على أنّه "انغرس في تراب المآسي… برعما هشّا (...) سقت الدّموع نموّ عصافيره… عشّا عشّا"، معلنا النفير في استعاراتِه: كي يقف في وجه ظالِمه. ويستعيد الشاعر ذكرى حفيدته في قصيدة "عودي أريج كي نرقص" متسائلا: "والآن… من سأحمل خفيفا على كتفي… لنشعل البهو رقصا وأغنيات"، ويسأل ذكراها في قصيدة أخرى: "أريج... هل أتابع… كي يشمتَ… في قمَري الظّلمُ". وتستقبل القارئ أولى قصائد ديوان ابن زرهون وهي تتذكّر حفيدته أريج، ويستشعر قلمه الكليم وهو يخطّ: "لو طرقتَ الخزّانَ... يا غسّان… مائة عام… لما سمعني أحد… غير الجدران… رحلت أريج… انطفأ قلبي… غار الجرح في جرحي… انغلقَت سمائي… اكفهرّت روحي… هجر قلبي قلبَه… استحالَ بوحي". وفي تقديم الباحث محمد الشيكر للديوان الجديد لصاحب "صوت التراب" و"رماد اليقين"، يقول إنّ "حياة بلمو قد تحوّلت، مع نكبته في حفيدته الصّغيرة الأثيرة أريج، إلى نزيف شعري منذور لطوارق القدر وطعناته الموجعة"، مضيفا أنّ "مع هذا الفقد الذي كابده الشاعر في ظرفية وجودية بالغة الهشاشة، تعمّق شعوره بتراجيديّة الشّرط الإنساني… وتجذّر إحساسه بسطوة القدر وجبروت الموت". ويذكر الشيكر أنّ شعرية التراجيدي في "طعنات في ظهر الهواء" لا تضعنا حيال أناَ عصف بها الألم، وهدّها الفقد وتعاورتها المواجع والأحزان من كلّ حدب وصوب، بل تشرعنا على ذات سيزيفية أشدّ تعلّقا بالعالَم، وأقوى إصرارا على مدافعة الّشّرّ وممانعة الأقدار، مذكّرا بأنّ "القلوب الموجعَة هي وحدها القلوب التي تعانق جراح الآخرين ببداهة جوانية". ويرى الكاتب أنّ الشاعر محمدا بلمو "ضمّ مأساته الشخصية وجرحه التراجيدي إلى مآسي العالَم ليجعل منها كيمياء للتّغيير وإرادة للانعتاق الجمعي، وربيعا مناهضا للرّداءة والنتانة، معارضا للقَسر والقهر…"، ويغدو الألم فيها "نسغا للأمل لا انكفاء على الذّات أو وجعا جوّانيا، ويصير الحزن ترياقا مضادّا للانهيار، والمأساة رغيفا للثّورة، والوجع نخْبا لمعانقة الحياة في إشراقة جديدة".