ساعات معدودات ويتوقف براق الحملة الانتخابية في محطته الأخيرة، بعد أسبوعين من السير بدون توقف، وهي حملة انتخابية فقدت الكثير من طباعها وعاداتها، في ظل حزمة القيود الوقائية و الاحترازية التي فرضتها وزارة الداخلية، اعتبارا للأوضاع الوبائية القائمة، المرتبطة بجائحة كورونا، لكن بالرغم من القيود المفروضة، فقد حضرت بعض المشاهد التي ظلت لصيقة بالحملات الانتخابية السابقة، من قبيل "البلطجة الانتخابية" بعد تسجيل حالات متفرقة من الصدام والمواجهة بين عدد من القوافل الثائرة، وارتفاع بعض الأصوات المنددة باستعمال المال في السباق الانتخابي، ورفع بعض المواطنين شعار "ارحل" في وجه بعض الوجوه الانتخابية المألوفة في عدد من الدوائر الانتخابية، بالإضافة إلى دخول جملة من الفنانين والرياضيين والحكام ورؤساء الأندية، حلبة التباري الانتخابي باسم أحزاب معروفة، وبروز مفهوم الأسرة أو العائلة الانتخابية في ظل تزكية الأحزاب السياسية لعدد من المرشحين المنتمين لنفس الأسرة والعائلة، واستمرار الكثير من الوجوه الانتخابية في خوض التباري الانتخابي بدون كلل أو ملل، منهم رؤساء أحزاب ووزراء وشيوخ برلمانيين، واستغلال الأطفال في بعض الحملات الانتخابية بدون حسيب أو رقيب، فضلا عن إغراق الشوارع والأحياء والساحات العمومية بالمطبوعات والأوراق الانتخابية، بكل ما لذلك من تأثيرات على البيئة والمجال. مع الحفاظ على نفس طقوس التواصل مع الناخبين، من خلال النزول إلى الشوارع والأحياء والدواوير والقرى النائية، تارة باستعمال طرق استفزازية من قبيل تسخير سيارات رباعية الدفع في الحملة، أو تهكمية كمن نزل إلى الميدان باستعمال دراجات هوائية، أو احتيالية وخداعية كمن جلس مع الساكنة وتقاسم معها الحليب والتمر والشاي وأشياء أخرى، لتكون الغاية واحدة، هي استمالة أكبر قدر ممكن من الناخبين، بشكل يتحقق معه الحصاد المنتظر، دون إغفال ما أبانت عنه الحملة من إفلاس قيمي وأخلاقي في صفوف بعض المرشحين الذين راهنوا على "الحبة" أو توزيع "صكوك الوعود الوردية" لتعبيد الطريق نحو محطة ثامن شتنبر، وأيضا في صفوف بعض الناخبين الذين أشهروا بدون حرج أو حياء سلاح "الحبة" مقابل "الصوت"، دون إغفال ارتفاع حمى الانتخابات لدى بعض القادة الحزبيين، الذين أخرجوا ما في جعبتهم من مدافع ثقيلة، لقصف الخصوم السياسيين وكبح جماح تحركاتهم وطموحهم، بطرق غير مسؤولة، لاتزيد بؤرة النفور والعزوف إلا توسعا وتعمقا. في تمام منتصف الليل من يومه الثلاثاء السابع من شتنبر الجاري، ستتوقف عجلات البراق الانتخابي بشكل نهائي، سيتراجع فيها المرشحون إلى الخلف، لتكون الكلمة الفيصل للناخبين يوم الاقتراع في لحظة ديمقراطية، يصعب معها المجازفة في تحديد البطل ووصيفه، أو الأحزاب السياسية التي ستكتسح النتائج، وذلك لاعتبارات عدة، مرتبطة بالأساس بحضور "الأمية السياسية" وغياب "الثقافة الانتخابية" و"تعدد الرموز السياسية" و"كثرة الوجوه الانتخابية" وضعف المنسوب القيمي والأخلاقي" و"استمرار الولاء الحزبي" و"تشابه البرامج الانتخابية" و"ارتفاع منسوب فقدان الثقة في بعض الأحزاب السياسية ومرشحيها" و"اتساع دوائر اليأس والرفض والعزوف"و "تباين مستويات الأحزاب السياسية المتنافسة على مستوى أدوات التأثير والتواصل والإقناع، وعلى مستوى "تغطية الدوائر الانتخابية على المستوى الوطني"، دون إغفال "اعتماد القاسم الانتخابي" الذي سبق أن أثار زوبعة من النقاش واللغط والجدل. وهي اعتبارات من ضمن أخرى، تصعب من مهمة قراءة الفنجان الانتخابي، لكن بالمقابل، يمكن التوقف عند بعض المؤشرات التي قد تحدد هوية البطل ووصيفه، منها على الخصوص نتائج انتخابات ممثلي المأجورين، ونتائج انتخابات الغرف المهنية، وتراجع ضوء المصباح وشعبيته بعد قيادته للحكومة خلال ولايتين متتاليتين، مقابل إشعاع الحمامة التي باتت أكثر رشاقة، واستمرار دوران عجلات الجرار، وجاهزية الميزان ورشاقة الوردة وشطارة السنبلة واستعداد الحصان وصمود الكتاب، وإذا كانت هذه الرموز تبقى مرشحة فوق العادة لتسيد انتخابات ثامن شتنبر، فإن ضبابية المشهد الانتخابي، تجعل الحظوظ قائمة بالنسبة لباقي الأحزاب المتوسطة والصغيرة، التي يمكن لها الرهان على حجم اليأس المستشري وسط شرائح واسعة من المواطنين، وعلى فقدان الثقة في الأحزاب الكبرى وتنامي موجات الرغبة في إحداث التغيير، عبر وضع الثقة في أحزاب سياسية أخرى خارج دائرة الأحزاب التي تبسط يدها على المشهد السياسي والانتخابي ، بينما الأحزاب الأخرى تكتفي بالفرجة والتنشيط. إيماننا بقواعد الديمقراطية وبالسيادة الشعبية التي تمارس عن طريق آلية الانتخابات، يفرض علينا احترام إرادة الناخبين واحترام جميع الأحزاب السياسية المشاركة في السباق الانتخابي، والتي ننظر إليها بمنظور الإنصاف والمساواة، وإذا كانت هذه الأحزاب تبحث عن حقها المشروع في الفوز والظفر بحصاد انتخابي وفير، فنرى أن الرهان الحقيقي هو التوقيع على انتخابات حرة ونزيهة، تعزز من صرح البناء الديمقراطي والانتخابي الوطني، وتفرز مؤسسات قوية ذات مصداقية، قادرة على الانخراط في صلب مشروع الحماية الاجتماعية، والنموذج التنموي الجديد الذي يعول عليه للمرور إلى مرحلة المسؤولية والإقلاع التنموي الشامل، بالموازاة مع حسن الترافع دفاعا عن مصالح الوطن وقضاياه الاستراتيجية، لذلك، فلا يهمنا من سيفوز أو من سيعلن عنه عريسا في ليلة الانتخابات، لكن يهمنا من هو قادر على خدمة الصالح العام، بنزاهة واستقامة ومسؤولية وتضحية ونكران ذات ووطنية صادقة مهما كان رمزه السياسي، وقد نتوقع أن يردد البعض أسطوانة التشكيك والتنديد والمظلومية والتبخيس، وقد يتبنى البعض الآخر خطة "لاعب ولا محرمها" بعد الإعلان النهائي عن النتائج، وهذه المناورات المكشوفة، لايمكن القبول بها، بل لم يعد ممكنا القبول بها، استحضارا لما يتربص بنا من أعداء وخصوم وحاقدين، ينتظرون هفواتنا وزلاتنا وخرجاتنا الفاقدة للبوصلة أحيانا، ليركبوا عليها بجبن وغباء، لذلك، فمصلحة الوطن وقضاياه المصيرية أكبر وأقوى من أي اعتبار سياسوي ضيق، والانتخابات في شموليتها هي أشبه بمباراة كرة قدم، تستعمل فيها كل الخطط التكتيكية والوسائل الفنية للفوز وكسر شوكة الخصوم والمنافسين، لكن لابد من القبول بنتائجها بروح رياضية، مادامت خدمة الوطن لاتخضع ولايمكن أن تخضع أبدا لمحددات "الحكومة" و"المعارضة".. انتهت تغطيتنا لطقوس الحملة الانتخابية .. إلى اللقاء.