الانتخابات التشريعية الجزئية التي أجريت يوم الجمعة 19 شتنبر 2008 يتبين له بصدق ويتضح له بجلاء بأنها شكلت امتحانا أوليا ومنعطفا حاسما لحزب "الأصالة والمعاصرة" ، الذراع السياسية لحركة كل الديمقراطيين ومن ورائها صديق الملك وزير الداخلية الأسبق فؤاد عالي الهمة وبأنها أكدت بالفعل أن المولود الجديد الذي ازدان به فراش الأحزاب السياسية المغربية مؤخرا ، لن يكون سوى رقما ينضاف إلى قائمة الأحزاب الأخرى برمز جديد وببرامج مستهلكة. "" ولقد دخل حزب " الأصالة والمعاصرة" لصاحبه فؤاد عالي الهمة الانتخابات التشريعية ولو بصيغتها الجزئية لأول مرة في تاريخه، حيث شكلت مناسبة أكيدة للترويج لأطروحاته النظرية والفكرية، وكذا مناسبة لإبراز قوته الميدانية بعد أن أظهر تفوقا كبيرا على مستوى اللقاءات التواصلية التي عقدتها حركة لكل الديمقراطيين في مجموعة من المناطق والجهات، ولقد خاض حزب "الأصالة والمعاصرة" حملته الانتخابية بنفس الطريقة التي اشتغل بها عالي الهمة وباقي أعضاء لائحته الكرامة والمواطنة في دائرة الرحامنة خلال استحقاقات 9 شتنبر 2007، وكان بعض قيادي هذا الحزب يتوقعون تحقيق نتائج كاسحة مثل ما حقق صديق الملك ، لكن الواقع السياسي المغربي فرض نفسه كفاعل قوي ضد متمنيات وأحلام فؤاد عالي الهمة وأصدقائه، وجرت رياح الانتخابات التشريعية الجزئية بما لاتشتهيه سفينة حزب الهمة حيث لم يتمكن هذا الحزب الجديد من تحقيق ماكان يصبو له من جعل أول استحقاق انتخابي فرصة للنيل من الخصوم والمشككين ، وتلقى "منخرطوه" من "الكفاءات اليسارية ومنظري الحزب " صفعة قوية من قبل الناخبينوالشاهد على ذلك بعض الشعارات المضادة التي رفعت في مدينة اليوسفية أثناء الحملة الانتخابية ضد مرشح الحزب "صلاح الوديع". وهكذا لميستطع حزب"الأصالة والمعاصرة"سوى الظفربمقعد يتيم كان في الأصل لسعيد بنمبارك ( مرشح الدائرة الانتخابية بتزنيت) ، و الذي ألغي له في الأصل من طرف المجلس الدستوري بسبب استعماله المال في شراء أصوات الناخبين، إذ كان يقتضي متابعته قضائيا وحرمانه من الترشح لكن تمت إعادة انتخابه من جديد باسم حزب الهمة و هذا دليل على كون الانتخابات التشريعية الجزئية الأخيرة عرفت نفس الإفساد الذي عرفته سابقتها ، كما بينت بالملموس حالة استمرار الوضعية المغربية على ماهي عليه ، لكن الجديد فيها ، هو التأكيد مرة أخرى على أن الأحزاب السياسية محكومة ببنية وعقلية ومصالح وامتيازات ريعية ومافيوية طبقية جشعة ، تمنع عليها حتى مجرد التفكير بالتجديد والتغيير بأبعاده الإيجابية الوطنية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ، بالإضافة إلى ذلك أكدت مسألة إعادة انتخاب سعيد بنمبارك باسم حزب "الأصالة والمعاصرة" ، على التناقضات الصارخة للتصريحات التي أدلى بها بعض رفاق عالي الهمة في أكثر من مناسبة والتي مفادها أنهم جاءوا لمحاربة الفساد وأن من أهداف حزبهم وغاياته مضايقة ومحاربة سماسرة الانتخابات وتغذية الحقل السياسي بدماء ووجوه وأفكار جديدة... ولن يسمحوا لأنفسهم بأن يتحالفوا مع الانتهازيين والمفسدين الذين أوصلوا العمل السياسي إلى عمق الأزمة التي يعيشها حاليا...ولن يقبلوا تحت أي إكراه التعاون مع مثل هذه الكائنات. ولم يتمكن صلاح الوديع ،المعتقل السياسي السابق ومرشح الحزب بآسفي الجنوبية، من الفوز بالمقعد رغم مراهنة الحزب عليه كأحد الدعامات القوية بالإضافة إلى الحبيب بلكوش مرشح دائرة جيليز مراكش ،حيث كان الحزب الجديد يراهن على المرشحين الجديدين لقيادة الفريق البرلماني داخل القبة ،خاصة أثناء المواجهات أوالمناظرات والسجالات الكلامية و لمساندة فؤاد عالي الهمة الذي هوى في سجالات وصراعات مجانية أفقدته الكثير من وقاره كصديق مقرب من الملك . وأعرب العديد من المحللين السياسيين عن مدى اندهاشهم للنتيجة التي حصل عليها هذا الحزب رغم قرب صاحبه من الملك، وإحاطته باللعبة السياسية وخريطتها بالمغرب وعلاقاته الواسعة التي كونها عندما كان في قلب وزارة الداخلية ونظرا لجعجعة اللقاءات التواصلية التي عقدتها حركة لكل الديمقراطيين في مجموعة من المناطق والجهات المغربية في الآونة الأخيرة . ولقد كشفت نتائج هذه الانتخابات لجميع الأحزاب خاصة التي كانت تبدي تخوفاتها من هذا الحزب الجديد عن مدى محدوديته وعدم قدرته في التعامل بتفوق مع أسئلة الامتحان الأول في مادة الاستحقاقات السياسية وستجد بعض الأحزاب الإدارية نفسها في حاجة إلى مراجعة علاقاتها بهذا الحزب لأن الجبل تمخض فولد فأرا حسب رأي بعضهم ، كما كشفت هذه النتائج فعلا على أن غالبية المغاربة ينظرون إلى حزب الهمة نظرة شك وريبة لان هدا الحزب لم يكن وليد مخاض سياسي مجتمعي طبيعي بقدر ما جسد ظاهرة علوية نزلت بين عشية وضحاها إلى الساحة السياسية بالمظلات السحرية من فوق ودون تعب في إطار هدف معلن هو إعادة هيكلة الحقل السياسي الحزبي المغربي وهدف آخر غير معلن هو تحجيم دور حزب العدالة والتنمية في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة ، كما باتت أغلبية المتتبعين ترى في هذا الحزب ،الذي يجمع بين صفوفه كل الأصناف والفئات السياسية في غير تجانس، على أنه غير قادر على أن يعطي أي شيء للمغرب ولن يشكل قيمة مضافة في المشهد السياسي . .... بل انه مجرد نسخة طبق الأصل لباقي الأحزاب وبأنه لا يختلف عن التجارب السابقة بل تطبعه نفس الشروط المناخية السياسية، التي أفرزت باقي الأحزاب ، كما أنه تم بنفس المادة البشرية لهذه المخلوقات السياسية المشبعة بعقلية التسلط والاستئثار والفساد السياسي والمالي، والتزلف والوصولية وخاصة أن ما دفع بغالبية للمغاربة للعزوف عن العمل السياسي بشكل عام يكمن في تصرفات تلك الوجوه التي فاحت رائحتها تواطؤا في المتاجرة بأبناء الوطن وبخيرات البلاد متسترة وراء النفوذ والسلطة وكرست سياسة المحسوبية والزبونية وإغناء الغني وإفقار الفقير ويعتبر هذا الموقف الشعبي من هذه الأحزاب السياسية ومن العملية الانتخابية بشكل عام مبني على قناعة تكونت من خلال معاناة تجربة ما يزيد على العقدين من الزمن مع هذه المكونات السياسية، مفادها ، أن من يفقر البلاد لايمكن أن يغنيها ، ومن يضعفها لايمكن أن يقويها ، ومن يصادر الحرية لايمكن أن يعطيها . أما الحقيقة المطمئنة للجميع والتي أبانت عنها نتائج هذا الامتحان الأولي فهي أن الملك ملك جميع المغاربة والإسلام دين جميع المغاربة ولا يحق لأي كان استغلالهما لأغراض سياسية عابرة وقد تكون دنيئة أحيانا وكان الملك محمد السادس قد حرص في خطابه الأخير على أخذ مسافة عن حزب الهمة معلنا أنه ملك لجميع المغاربة. وعلى الحزب الجديد إذا كان يراهن فعلا على أن ينجح ويحقق نتائج أفضل في الدورة الاستدراكية وأقصد استحقاق الانتخابات الجماعية المقبلة والمقررة في يونيو 2009 ، أن يقف وقفة تأمل لمراجعة أخطائه وإعادة النظر في إستراتيجيته وتحالفاته و كذا القيام بنقد ذاتي لأنه مازال في بداية الطريق، وعليه أن يركز جهوده في البحث عن الخط الرابط بينه وبين المواطنين وان اقتضى الأمر إضافة دروس التقوية والدعم لإيجاده، وذلك عوض فتح جبهات ضد بعض الأحزاب السياسية ، وعليه أيضا التركيز على استيعاب الدرس الأساسي في كل امتحان في الاستحقاقات السياسية و الذي تتلخص خطوطه العريضة في ضرورة تصالح الأحزاب كهيئات سياسية – وليس كدكاكين للانتخابات- مع المواطنين وذلك بواسطة إحداث قطيعة مع المفاهيم القديمة في مقاربتها للشأن الانتخابي واعتمادها برامج ملموسة، تجد لكل قضية مطروحة حلا آنيا لأن ذلك هو السبيل الذي سيعيد الثقة في المواطن وجعله يساهم بدون تردد في المشهد السياسي، فاسترجاع الأمل هي نقطة الارتكاز التي قد تذيب الجليد بين الأحزاب السياسية والمواطنين، وتجعلهما في اتصال وتواصل دائمين يمكنانهما من المساهمة جنبا إلى جنب في المسيرة التنموية وبناء المغرب الذي نريده جميعا، لأن عدم تواصل الأحزاب مع المواطنين يقوض كل الحركة السياسية ويقتلع جذور الوطن ويؤدي إلى انهيار الذات الوطنية و انجازاتها التاريخية التي يجري العمل لأجلها ولأجل بلورتها وصيانتها وجعلها تنسج قوام المجتمع وتخليصه من الأمراض التي تنخره. وكل حزب استطاع أن يستوعب هذا الدرس جيدا، فانه قد يتمكن من النجاح بتفوق وبمرتبة الشرف في كل الاستحقاقات المقبلة. [email protected]