في سياق الحملة الانتخابية التي بدأت حرارتها في الارتفاع على بعد أمتار قليلة من محطة ثامن شتنبر، خرج القيادي الحزبي إدريس الأزمي، رئيس المجلس الوطني للعدالة والتنمية، موجها مدفعيته التي لم تعد ثقيلة نحو عزيز أخنوش، رئيس التجمع الوطني للأحرار، مدليا بتصريحات فاقدة للبوصلة أو خارج التغطية على الأصح، أكد من خلالها أن أخنوش "لا يصلح ليكون رئيسا للحكومة"، ونحن نوجه البوصلة كاملة نحو ما صدر عن قيادي العدالة والتنمية الذي أنعش قبل أشهر القاموس السياسي بمفردتي "بليكي" و"ديبخشي"، نؤكد بداية، أننا خارج المنظومة الحزبية ولم يسبق أن كنا مرتبطين بأي التزام حزبي، كما نؤكد بأحرف بارزة أننا لسنا مع رئيس الحمامة "عزيز أخنوش" ولا ضده ولا حتى غاضبين عليه، كما أنه ليست لدينا أية مواقف معلنة فيما يتعلق بحزب المصباح أو غيره من الأحزاب الوطنية التي تقود النزال الانتخابي. لكن، ومن باب متابعتنا للشأن السياسي وخاصة للنزال الانتخابي الذي دخل مراحله الأخيرة، نرى أن ما صدر عن قيادي المصباح من تصريح في حق أخنوش، كان حاملا لمشاعر الحقد والتسلط والتحكم والإقصاء، من منطلق أن رئاسة الحكومة متاحة لجميع الأحزاب على قدم وساق، وأخذا بعين الاعتبار أن سلطة الاختيار هي "ملك خاص" للمواطن/الناخب دون غيره، وإذا كنا نؤمن بروح الديمقراطية التي تتأسس على فعل الانتخابات، فلابد أن نحتكم لصناديق الاقتراع، التي على ضوئها تتحدد الخرائط السياسية وتتشكل المؤسسات التمثيلية، وفي هذا الإطار، فإن رجحت هذه الصناديق كفة الحمامة لتتقلد رئاسة الحكومة فمرحبا بها في وكر الحكومة، وإن مالت الكفة مرة ثالثة إلى المصباح، فلا يمكن إلا القول على الرحب والسعد، وإن مالت إلى الميزان أو الوردة أو الجرار أو الشمعة أو الكتاب أو أي حزب آخر، فكلنا أبناء الوطن الذي يسع قلبه الجميع. رئيس حزب الحمامة، قد نتفق معه وقد نختلف معه، لكن ليس لنا الحق في سلبه حقه المشروع في الوصول إلى رئاسة الحكومة، شأنه في ذلك شأن جميع قياديي الأحزاب السياسية المرشحة فوق العادة للفوز في استحقاقات ثامن شتنبر، ومكانته الاقتصادية لايمكن أن تكون حجة أو ذريعة لإعلان الحرب المبكرة عليه بدعوى أنه "ضعيف سياسي" أو "يجمع بين السلطة والمال"، لما في ذلك، من إقصاء وتطرف في الرأي، كما أن خطاب الحقد والهجوم والإقصاء، لم يعد يجدي، لأن مواطن اليوم، فقد الثقة في الأحزاب السياسية والانتخابات والمرشحين، ويئس من الوعود الكاذبة التي تتجدد في مواسم الانتخابات، وبات يحتاج أكثر من أي وقت مضى، إلى خطاب الثقة والوضوح والصراحة والإقناع ، كما يحتاج إلى خطاب سياسي راق ومسؤول ومتبصر، يزرع الثقة المفقودة في العمل السياسي والحزبي، ويذيب جليد النفور والعزوف عن المشاركة في الانتخابات. تصريحات قيادي المصباح، فاقدة للمصداقية لاعتبارات ثلاثة، أولها: لما سقط قبل أشهر بوعي أو بدونه، في منزلق "الديبخشي" و"البيليكي"، حينما رافع بقوة وحماسة قل نظيرهما دفاعا عن الريع السياسي الذي يسيل اللعاب، وثانيها: أن صوت المواطن / الناخب هو المفتاح والكلمة الفصل، ثالثها: أن ذات القيادي تحول بقدرة قادر إلى قارئ فنجان أو إلى قاض شرس، يستطيع أن يفصل فيمن يستحق رئاسة الحكومة ومن لا يستحق، وأن يحدد بكل برودة من هو ضعيف في السياسة ومن هو قوي وبارع فيها، وهذا كلام لايقبله عقل ولا منطق، ونرى أن هذا القيادي المثير للجدل، كان يفترض أن يجتهد في تواصله مع المواطنين، وأن يعرض حصيلته بالعاصمة العلمية فاس بالدليل والحجة والبرهان، وأن يراهن على إقناع أهل فاس بالأساليب الرصينة والمسؤولة، بعيدا عن خطاب التعصب والهجوم والمظلومية، أما أن يترك كل هذا، ويصوب المدفعية نحو حمامة أخنوش، لتشتيت الأذهان أو التغطية على محصلته السياسية والحزبية أو إبعاد النظر عما يستفيد منه من ريع سياسي، فهي ممارسة، قد تعطي الانطباع للمتتبعين والمهتمين أن الحمامة باتت أقوى ونور المصباح لم يعد براقا أو جذابا، كان عليه أن يرتقي بخطابه السياسي حتى يسترجع جانبا من المصداقية التي فقدت منه بعد واقعة "الديبخشي" و"البيليكي"، كما كان عليه أن يراعي صورة ومصداقية حزبه في لحظة انتخابية، تفرض الحكمة والتبصر السياسي، لكنه أصر مرة أخرى على إثارة "البوز السياسي" الذي قد يرفع من قيمة حمامة أخنوش في استحقاقات ثامن شتنبر، وقد يفقد المصباح جانبا من جاذبيته . في جميع الحالات، فنحن نقف على قدم المساواة أمام جميع الأحزاب السياسية بيمينها ويسارها ووسطها، وليس لنا مشكل مع الحمامة أو المصباح أو مع غيرهما، لكن نحن مع الأقوى والأجود والأصلح، نحن مع كل أحرار ونزهاء وشرفاء الوطن، الذين لهم الكفاءة والقدرة على خدمة المواطن والدفاع عن المصالح العليا للوطن، بكل مواطنة ومسؤولية وتضحية ونكران للذات، وفي خاتمة المقال نتساءل : هل تضررت حمامة أخنوش من ضربات المدفعية غير الثقيلة لقيادي المصباح ؟ أم أنها باتت أكثر خفة ورشاقة وأناقة وجاذبية على عكس ما كان متوقعا ومنتظرا؟، نرى أن الجواب سيبقى معلقا إلى يوم امتحان ثامن شتنبر، فعند الامتحان يعز المرء، أو يهان، على أمل أن ترتقي القيادات الحزبية بخطابها السياسي والانتخابي حتى لانردد على مضض "ليس في القنافد أملس" أو "ولاد عبدالواحد واحد" أو "لاعب، ولا محرمها"، أما خطاب "ضربني وبكا، وسبقني وشكا"، فقد نقبل به في الحومة أو في حمام النسوان، إلا في "السياسة"، التي تحتاج إلى خطاب المواطنة والمسؤولية والوضوح والصراحة والغيرة الوطنية ونكران الذات …إلى رجالات مخلصين لله والوطن، يتبارون بشرف ووطنية صادقة في خدمة الوطن ورقيه وإشعاعه، بعفة وقناعة ونزاهة واستقامة ونكران ذات ، بعيدا عن جائحة الريع ومتحوراته، ومن باب التنويه والتوضيح، فاختيارنا للعنوان أعلاه، كان من باب الصدفة، وهذا ليس معناه أننا "مع الحمامة" أو "ضدها"، لأن رأينا سنعبر عليه في صندوق الاقتراع بمسؤولية وحكمة وواقعية وبعد نظر، وإذا قيل في قاموس العشاق :"ما البقاء إلا للحبيب الأول"، فنحن نقول : ما البقاء إلا للأجود والأصلح .. إلا لمن يخدم البلاد والعباد بوطنية صادقة لا لبس فيها.