تخضع صياغة النصوص القانونية في رسم السياسات العامة في مختلف القطاعات الإنتاجية لمسطرة معقدة تتطلب مهارات خاصة،في الصياغة القانونية للنصوص التشريعية، وفي مقدمتها الإلمام الجيد بمفردات اللغة ودلالاتها وبقواعد النحو والصرف والتركيب علاوة على الإحاطة الشاملة بمجال التشريع المقترح والأهداف المرسومة. ومن المصطلحات الأكثر تداولا في التشريع الجامعي سواء في القانون الإطار01.00 المتعلق بتنظيم التعليم العالي الصادر في 19 ماي 2000 أم بمشروع القانون المتعلق بالتعليم العالي والبحث العلمي صيغة 21 أبريل 2021 والذي لازال في طور التعديل والمناقشة بين الوزارة الوصية والشركاء الاجتماعيين مصطلحي التدبير والتسيير. وقد كان الصائغ القانوني دقيقا في استعمال المصطلحين، حيث يربط مصطلح التدبير دائما بالقيادة الجماعية ( مجلس الجامعة، مجلس التدبير) في حين يربط مصطلح التسيير بالقيادة الفردية ( رئيس الجامعة، رئيس المؤسسة) فما الفرق بين التدبير والتسيير في صياغة النصوص القانونية. إن مفهوم التدبير يعتمد على القيادة الجماعية في تطوير المؤسسة وتحقيق أهدافها، من خلال إذكاء روح المبادرة والتصرف وتوسيع دائرة التشاور والتواصل مع جميع المكونات والفرقاء وتعزيز ثقافة الانتماء إلى المؤسسة. ولهذا حرص القانون الإطار 01.00 والمشروع المرتقب على منح صلاحيات واسعة لمجلس المؤسسة تشجيعا للقيادة الجماعية للمؤسسة في اتخاذ كل القرارات التي من شأنها ضمان استمرارية حسن سير المؤسسة إداريا وتربويا وعلميا وماليا، أي أنه ينظر في جميع المسائل المتعلقة بمهام المؤسسة وحسن سيرها، وقد حرص المشرع على ذكر أهم الاختصاصات الموكولة لمجلس المؤسسة ومنها على وجه الخصوص توزيع الوسائل المالية على مختلف الهياكل وفي مقدمتها الشعب المطابقة للتخصصات ولمجال الدراسة والتكوين، والموافقة على مشاريع إحداث المختبرات، واقتراح إصلاح للتكوينات المدرسة داخل المؤسسة على مجلس الجامعة وغيرها من البنود المنصوص عليها في المادة 22 من القانون الإطار01.00. وبصفة عامة إن مجلس المؤسسة يتخذ جميع الإجراءات الرامية إلى تحسين سير المؤسسة. أما مصطلح التسيير فيأتي مرتبطا بالمسؤول عن المؤسسة أي العميد أو المدير أي بالقيادة الفردية . حيث تنص المادة 22 من القانون الإطار 01.00 على أن العميد أو المدير يقوم بتسيير المؤسسة الجامعية وبتنسيق جميع أنشطتها كما يسير مجموع "المستخدمين" المعينين للعمل بالمؤسسة. وإذا كان المشرع اكتفى بتخصيص فقرتين عامتين عن تسيير العميد أو المدير للمؤسسة، فإنه خص مجلس المؤسسة بمجموعة من الاختصاصات و المسائل المتعلقة بمهام المؤسسة و حسن سيرها. وفي أفق إرساء أسس حكامة ناجعة وفعالة تضمن تدبيرا شفافا ومسؤولا للمؤسسات الجامعية عمد مشروع القانون المتعلق بالتعليم العالي والبحث العلمي إلى إدخال تعديلات جوهرية في طريقة اختيار وتعيين عمداء أو مدراء المؤسسات الجامعية. فإذا كان القانون الإطار01.00 ينص على أن دراسة الملفات وترتيبها تتم من قبل لجنة تعينها السلطة الحكومية بناء على اقتراح من رئيس الجامعة، فإن مشروع القانون المرتقب قد أحدث تغييرا جوهريا في طريقة اختيار العمداء والمدراء وذلك بالاستغناء على اقتراح رئيس الجامعة والاكتفاء بلجان مختصة تعينها السلطة الحكومية المكلفة بالتعليم العالي والبحث العلمي يعهد إليها دراسة ملفات الترشيح ومشاريع تطوير المؤسسة المذكورة. ويتعين على هذه اللجنة موافاة السلطة المذكورة بالنتائج النهائية للترشيحات المقترحة في حدود ثلاثة ترشيحات على الأكثر، تخضع للمسطرة المعمول بها فيما يتعلق بالتعيين في المناصب العليا". وفي أفق ربط المسؤولية بالمحاسبة نص المشروع المرتقب على مجموعة من الإجراءات التي يتعين على العميد أو المدير الالتزام بها. فبالإضافة إلى مشروع تطوير المؤسسة الذي ينبغي أن يتضمن تصورا واضحا في مجال جودة التكوين، والنهوض بمشاريع البحث العلمي والابتكار، وتشجيع النبوغ والتميز وتحقيق الإشعاع العلمي والثقافي للمؤسسة، وتطوير شراكتها وتعاونها مع مختلف الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين والثقافيين، وغيرهم من الهيئات والمؤسسات الأخرى، أدخل المشروع المرتقب تعديلات جوهرية تصب كلها في اتجاه التتبع المستمر للتطبيق الفعلي لمشروع تطوير المؤسسة من قبل السلطة الحكومية المختصة، حيث تنص المادة 50 من القانون المرتقب على ضرورة تقييم مرحلي لمشروع تطوير المؤسسة ينجز من قبل السلطة المذكورة بعد انقضاء النصف الأول من مدة انتداب رئيس المؤسسة المعني، وعند انتهاء هذه المدة يمكن عند الاقتضاء، للسلطة الحكومية المكلفة بالتعليم العالي والبحث العلمي في ضوء نتائج التقييم المرحلي المنجز أن تقترح على رئيس الحكومة الإجراء الذي يتعين اتخاذه، وترتيب الآثار القانونية بشأنه. غير أن هذه الإجراءات الجديدة لن تكون كافية في إرساء الحكامة الجامعية المنشودة، ما لم تكن مصحوبة بآليات واضحة وشفافة في دراسة ملفات تطوير المؤسسات الجامعية، تقوم أساسا على المصداقية و تكافؤ الفرص وعلى النبوغ والتميز والاستحقاق. وإلى جانب التعديلات الجوهرية التي أدخلها المشروع المرتقب على طريقة اختيار العميد أو المدير وطريقة تنزيل مشروعه، منح المشروع المرتقب صلاحيات واسعة لمجلس التدبير – مجلس الكلية – وهذا ما جعل المشرع يستعمل مجلس التدبير بدل مجلس المؤسسة المنصوص عليه في القانون الإطار 01.00 ، لما لمفهوم التدبير من مغزى ودلالات حصرية قائمة على القيادة الجماعية للمؤسسة، في حين تقتصر مهمة العميد أو المدير في تسيير المؤسسة أي في التطبيق الأمثل لقرارات مجلس تدبير المؤسسة، حيث تنص المادة 45 من مشروع القانون على أنه "يدير شؤون كل مؤسسة للتعليم العالي … مجلس لتدبير المؤسسة، وبسيرها عميد أو مدير، حسب الحالة." ويستفاد من تتبع الصلاحيات الواسعة لمجلس التدبير أن المشروع المرتقب هو مشروع واعد منفتح متقدم ومبني على الحكامة و الشفافية في التدبير والتسيير، وبذلك يضاهي أرقى الأنظمة العالمية في تنظيم التعليم العالي والبحث العلمي، من حيث إنه يحدد بدقة مهام عميد أو مدير المؤسسة واختصاصات مجلس التدبير، ومن حيث إنه ينظم هياكل التعليم والتكوين والبحث العلمي والابتكار و ا لأنشطة الموازية وغيرها، ومن حيث تحديد شروط ولوج مختلف الأسلاك والمسالك الدراسية بمختلف التخصصات وإعداد الملفات الوصفية المتعلقة بها، وكيفيات تقييمها، وذلك طبقا للشروط والضوابط البيداغوجية الوطنية المعتمدة، والخاصة بكل سلك من ا لسلاك، وكلها ملفات كبرى تتطلب توسيع الاستشارة والقيادة الجماعية في تدبيرها وتسييرها. ورغم أهمية المشروع المرتقب في إصلاح التعليم العالي والبحث العلمي من حيث تحقيق جودة التكوين وتنويع العرض التربوي والنهوض بالبحث العلمي والابتكار، ورغم سعي المشروع إلى إرساء حكامة جامعية ناجحة وناجعة، وإرساء نموذج تربوي منفتح ومتجدد، فإن نجاحه وتطبيقه على أرض الواقع مرهون بإقرار نظام أساسي جديد يكون في مستوى تطلعات السيدات والسادة الأساتذة الباحثين وفي مستوى الرهانات الكبرى لإصلاح التعليم العالي والبحث العلمي ببلادنا بما ينسجم و مقتضيات القانون الإطار 51.17 .