في حين يطمح المغرب إلى انتزاع موقف إسباني صريح مؤيد له بخصوص قضية الصحراء، بعد ظلت إسبانيا تعترف ضمينا بسيادته على الإقليم منذ توقيعهما لاتفاق مدريد سنة 1975، من خلال عديد الشراكات الأمنية والإقتصادية التي جمعتهما، من قبيل التنسيق الأمني ومكافحة الهجرة السرية إلى جانب إتفاق الصيد البحري…، فضلا عن التفاهم الضمني بتجميد النزاع القائم حول مدينتي سبتة ومليلية… فإلى جانب كونها باتت الشريك التجاري الأول للمغرب، فإسبانيا هي التي نسقت مع الجانب المغربي في سنة 1975 لتنظيم عملية انسحابها العسكري من الصحراء، لتساهم في ترجيح كفته في الصراع القائم حول الإقليم منذ اندلاعه، كما أنها سبق أن صنفت البوليساريو كمنظمة إرهابية منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وأغلقت مكتبها بمدريد بعد أن طردت عناصره، على إثر استهداف البوليساريو لسفينة تجارية اسبانية في ساحل المنطقة… فاسبانيا لا تزال تسعى لتعزيز علاقاتها مع الجانب المغربي، من خلال زيادة التبادل التجاري بين البلدين وتسهيل ولوج الشركات الاسبانية الى السوق المغربي، بما في ذلك تلك العاملة في الاستثمار في الصحراء، بحكم قرب المغرب من اسبانيا وبحكم موقعه الاستراتيجي الذي بات وجهة مفضلة لعديد الإستثمارات الدولية الكبرى، فضلا عن التفاهمات الأمنية المبرمة بينهما، والتي تشمل ملفات تحظى باهتمام بالغ لدى السياسيين الإسبان، في مقدمتها تلك المتعلقة بالجوانب الأمنية. تريد اسبانيا أيضا المحافظة على دور سياسي في ما يتعلق بتدبير النزاع حول الصحراء، باعتبارها المستعمر السابق للإقليم، وهو ما يجعلها تبقي على قنوات اتصال مفتوحة مع كافة أطراف النزاع بما في ذلك البوليساريو، لكنها تقتصر في علاقاتها مع الأخيرة على الجانب الشعبي والمدني، دون أن ترتقى بها إلى المستوى الرسمي، الأمر الذي يتيح لها لعب أدوار ناعمة ترتبط أساسا بتقديم المساعدات للاجئين الصحراويين في تيندوف، واستقبال جالية صحراوية معتبرة، فضلا عن دعم الجهود والوساطات الأممية الرامية إلى حل النزاع. كما تسعى اسبانيا الى الحفاظ على علاقات طيبة بالجزائر التي تجمعها بها تفاهمات مشابهة بتلك التي تجمعها بالمغرب، وإن بمستوى وحجم أقل، ليس باعتبارها بلدا مجاورا فقط، ولكن بالخصوص لكونها المورد الرئيس لاستهلاكها من النفط والغاز. إكراهات تجعل اسبانيا توازن بين القوتين الإقليميتين المطلتين على ضفتها الجنوبية المغرب والجزائر، وإن كان وضعها الجيوسياسي يتيح للمغرب أوراق ضغط أكثر من تلك التي في حوزة الجزائر، خاصة مع التطورات المتسارعة التي يشهدها ملف الصحراء الغربية في الآونة الأخيرة، والتي تميزت بتعزيز موقعه في النزاع، عبر عبر عديد المكاسب والانتصارات الميدانية التي حققها، في مقدمتها اعترافات عديد القوى الدولية والإقليمية الوزانة بسيادته على الإقليم. لكن تطور تداعيات النزاع لتشمل العلاقات في ما بين البلدين، سيفتح المجال أمام المغرب لتوظيف أوراق ضغط سياسية جديدة، لن تقتصر على إمكانية تحريك ملف سبتة ومليلية، وإفساح المجال لتحرك الإنفصاليين الكطالان، بل ستشمل إمكانية التأثير في المشهد السياسي الداخلي الإسباني، بالنظر إلى الوضع الهش التي تعيشه الحكومات الإسبانية المتلاحقة، مع تعذر التفاهم حول تحالفات حكومية في ما بين أحزابها المتصدرة للانتخابات، وبروز شبح سحب الثقة في برلمانها مرارا. فبغض النظر عن مآل التطورات الأخيرة المرتبطة بالعلاقات في ما بينهما، يظل الثابت أن انتظارات المغرب من اسبانيا تتعلق بقضية تحتل أعلى سلم أولوياته، مع إبدائه الاستعداد لتوظيف كل وسائل الضغط المتاحة له وباحتمالات تصعيد مفتوحة، في حين أن محل الخلاف بين البلدين لا يحتل ذات الدرجة من الاهتمام بالنسبة لصانع القرار الإسباني. ليبقى الحكم على مدى نجاعة المواقف المعبر عنها من لدن كافة الأطراف رهين بمسار تطور الأحداث التي ستصب في النهاية في اتجاه جلوس كافة المتدخلين على طاولة الحوار وإعادة ترتيب العلاقات في ما بينهم مجددا. فحجم الملفات المشتركة، وتشعب العلاقات يفرض عليهم جميعا الخروج بتفاهمات حول كل القضايا المثارة.