بسم الله الرحمن الرحيم زكاة الفطر : شعيرة متعلقة بشهر رمضان ، ولذا شرعت في نفس السنة التي فرض فيها صيام رمضان ، وهي السنة الثانية من الهجرة ، تسمى زكاة الفطر ، وهو اسمها على لسان صاحب الشرع أضافها للتعريف ، و تسمى زكاة الفطرة ، كأنها من الفطرة التي هي الخلقة . فوجوبها عليها تزكية للنفس ، و تنقية لعملها ، و زكاة الرؤوس ، أو الرقاب ، أو الأبدان : لأنها واجبة على الأشخاص ، لا على الأموال ، فلا يشترط لها ما يشترط للزكوات الأخرى من ملك النصاب و نحوه .وقد تضاف الى الشهر فيقال : زكاة رمضان ، لأنه محل الصيام . والأسئلة الكبرى التي تشغل بال عموم المواطنين حولها ، هي : ما هو حكمها ؟ و على من تجب ؟ وما هو مقدارها ؟ وما هو وقتها ؟ و كيف تؤدى في هذه الظرفية الاستثنائية زمن كورونا ؟ وهذا ملخص للجواب عن تلك الأسئلة ، مراعين في ذلك الجادة من أقوال أئمة المذهب . حكم زكاة الفطر : حكمها : الوجوب ،والأصل في ذلك : حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فرض زكاة الفطر من رمضان ، صاعاً من تمر ، أو صاعاً من شعير ، على العبد و الحر والذكر و الأنثى والصغير والكبير من المسلمين ." متفق عليه. وقيل : دليلها أيضا : عموم القرآن ، قال تعالى : ﴿ و آتوا الزكاة ﴾ (البقرة : 43) أي آتوا الزكاة المفروضة في القرآن يعني في الفطر ، لتسمية النبي صلى الله عليه وسلم إياها زكاة ، ولأن الزكاة وردت في القرآن مجملة ، فأبانت السنة المراد بها .وروي أن سيدنا عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى كان يأمر الناس بإخراج صدقة الفطر و يتلو هذه الآية: ﴿قد أفلح من تزكى، و ذكر اسم ربه فصلى﴾ (الأعلى:14-15) فراعى رحمه الله عموم اللفظ ، وسريان علة التطهير . والمهم : أن فرضيتها لا إشكال فيه ، لتوارد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بها ، وحضه عليها ، وذلك بين . ولقد حكم العلماء على المخالف في الوجوب بالشذوذ . معشر المؤمنين والمؤمنات : تجب زكاة الفطر على كل مسلم يملك مقدار صاع ، يزيد عن قوته ، و قوت عياله يوما و ليلة ، صام رمضان ، أو أفطر لعذر ، أو بغير عذر ، مسافراً كان أو مقيماً ، يخرجها عن نفسه ، و عمن تجب عليه نفقتهم شرعاً ، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يخرج زكاة الفطر عن نفسه ، وعن بنيه الصغار ،فجرى الحكم بذلك . والنفقة تجب في الشرع ب : أ-القرابة : فيخرج زكاة الفطر عن أولاده ، و أبوين إذا كانا فقيرين ، وألحقوا بالأبوين زوج الأم ، و تسقط زكاة الولد ببلوغ الغلام ، و كان قادرا على الكسب ، و لم يكن منشغلا بالأهم كالدراسة مثلا ، و بدخول البنت على وزجها .لأنها تتبع النفقة . ولا خلاف أن الابن الصغير إذا كان موسراً ، ففطرته في ماله كنفقته . ب- الزوجية : فيخرج الإنسان زكاة الفطر عن زوجته ، و ألحقوا بها زوجة الأب الفقير . ويندب للمسافر أن يخرج عن نفسه إذا كان عادة أهله يخرجون عنه ، وإلا وجب عليه الإخراج ، وحيث اكتفى بإخراج أهله عنه أجزأه إن كان عادتهم ذلك أو أوصاهم ، وتكون العادة والوصية بمنزلة النية ، وإلا لم تجزه لفقدها .وكذا يجوز إخراجه عنه والعبرة في القسمين بقوت المخرج عنه .فإن لم يعلم احتيط لإخراج الأعلى . المقدار الواجب : الواجب هو : الصاع : بنص حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما المتقدم ، و عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : " كنا نخرج زكاة الفطر صاعاً من طعام ، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر ، أو صاعاً من أقط ( اللبن المجفف ) أو صاعاً من زبيب "متفق عليه. والصاع مكيال أهل المدينة وهو : أربعة أمداد بمده عليه الصلاة و السلام . و المد : ملء كفي الرجل المعتدل ، فيكون الصاع أربع حفنات بكفي الرجل الذي ليس بعظيم الكفين و لا صغيرها . والمطلوب : أن يخرج الإنسان مقدار صاع من الطعام المعتاد المقتات في البلد وجنسه : الأصناف التسعة ، وهي : القمح والشعير والسلت والذرة والدخن والأرز والتمر والزبيب والأقط ، وتفضل الحنطة ، والاعتبار الإخراج من غالب قوت البلد ، فإن اقتيت غيرها وكان ذلك في زمن الرخاء والشدة معا تعين الإخراج منه ، ويندب إخراجها من قوته الأحس من قوت أهل البلد . ومقدارها: على ما حرره العلماء من المالكية وغيرهم في الصاع أنه : خمسة أرطال و ثلث (الحنطة) من أواسط القمح . وعلى ما هو منصوص عليه قدح وثلث . ولما كان وجوب الزكاة متعلقاً بالمكيالات دون الموزونات . و المكيالات تختلف في الوزن : فمنها الثقيل كالحنطة و العدس ، و منها الخفيف كالشعير و الذرة ، و منها المتوسط . بسبب ذلك – وقع الخلاف في تقديرها بالوزن ، من بلد إلى آخر كما هو معلوم ، والصواب : أن يراعي الإنسان عرف بلده مع أخذه بالأحوط . ويجوز في أيامنا هذه إخراج القيمة إذا اقتضتها المصلحة الراجحة ، وإن كانت مخالفة للمشهور ، وقد صدرت بذلك فتوى المجلس العلمي الأعلى .إذ العبرة : إغناء الفقير عن الطواف في يوم العيد -كما جاء في الحديث -ودفع حاجته وسد خلته. ولأنها أيسر وأكثر فائدة .ومقدارها بالقيمة (15درهما) ولا يلتفت لقول من يشوش على الناس بالقول بعدم إخراجها قيمة ، أو بغير ما هو مقتات الان . ومن لم يقدر على إخراج كامل ما عليه من الزكاة ، أخرج ما قدر عليه ، فإن وجب عليه آصع متعددة ، ولم يجد إلا بعضها ، فإنه يبدأ بنفسه ثم بزوجته ثم بقرابته كالإبن والأب. ولا يزيد على الصاع المحقق سدا لذريعة تغيير المقادير الشرعية ، والتطوع خارج المقدار حسن . وقت إخراجها : الفطر من رمضان هو وقتها الذي يظهر فيه وجوبها ، واختلف كلام الأئمة في الموضوع ، لاختلافهم في تفسير وتعيين سبب وجوبها : الفطر .هل هو غروب الشمس من آخر رمضان ؟ أو عند طلوع فجر يوم العيد قولان مشهوران ؟ والمختار أنه : غروب الشمس من ليلة العيد ، ومهما يكن فإن وقت أدائها يمتد إلى غروب شمس يوم العيد: متى أخرجها فيه كان مؤديا ، ويصح تقديمها بيوم أو يومين وقيل بثلاث ، ولا يكون قاضيا الا بغروب شمس يوم العيد . ويستحب أن تؤدى بعد فجر يوم الفطر قبل الصلاة . ويكره تأخيرها عن الصلاة ، ولا يجوز تأخيرها عن يوم العيد ، ومن أخرها بلا عذر يأثم ، ويؤمر بها ، ولا تسقط عنه بحال من الأحوال . لكوننها فرضا ، ولأن المقصود : سد الخلة ، وهو حاصل في سائر الأوقات. مصرفها : تدفع زكاة الفطر للمسلم الفقير و المسكين ، والمشهور أنها تعطى لفقير الزكاة ، وما تعارف عليه كثير من الناس من إعطائها إلى إمام المسجد أو النفار أو الغياط أو الطبال ، سواء أكانوا فقراء أم لا ، فهو عرف باطل . واستحب الإمام مالك أن يعطى كل مسكين ما أخرج عن كل إنسان من أهله ، وإذا كان الإنسان يعيش في بلد ، لا يوجد فيه مصرف زكاة الفطر ( الفقير المحتاج إليها ) جاز له نقلها إلى بلد آخر يوجد فيه مصرفها . كيف نؤديها في ظل الظرفية الاستثنائة ؟ هذا سؤال يتردد على ألسنة الكثيرين هذه الأيام ، والا عتبار في ذلك : أن نراعي الظرف الخاص ، فوقت الشدة يستدعي مراجعة لأحوالنا وتصحيح علاقتنا بشرع ربنا ، وإخلاص النية لله عز وجل ، واحتساب الأجر لديه " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى " فالفائز من أداها ابتغاء ثواب الله ومرضاته والدار الآخرة ولا يكون غرضه في ذلك سمعة أو ذكرا . مع الحرص على التحقق من الحكمة من مشروعيتها . أخرج الإمام أبو داود و الإمام ابن ماجه في سننيهما من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : "فرض رسول الله صلى الله عليه و سلم زكاة الفطر : طهرة للصائم من اللغو و الرفث ، و طعمة للمساكين " فبين الحديث أن الحكمة من مشروعيتها ، والفائدة من إخراجها ، هي : 1-تطهير الصائم ، وتزكيته من اللغو. وهو : ما لا فائدة فيه من قول أو فعل ، و من الرفث : فاحش الكلام ، أي أنها تجبر ما فيه من قصور . أخرج ابن شاهين في " فضائل رمضان" عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " صوم شهر رمضان معلق بين السماء والأرض ، و لا يرفع إلا بزكاة الفطر " . قال ابن شاهين : حديث غريب جيد الإسناد . وقال وكيع بن الجراح رحمه الله تعالى : " زكاة الفطر لشهر رمضان كسجدة السهو للصلاة ، تجبر نقصان الصوم كما يجبر السجود نقصان الصلاة". 2- إطعام المساكين و الرفق بهم ، ففي زكاة الفطر مشاركة وجدانية لإحسان عام يوم العيد ، لما فيه من إشاعة المحبة ، و المسرة ، و الفرح في جميع أنحائه ، و خاصة المساكين و أهل الحاجة فيه ."أغنوهم في هذا اليوم ".فكان القصد : غناهم في ذلك اليوم ، والقصد بما سواها من الزكوات : ما يغني الفقير عما يحتاج من النفقة والكسوة في المستقبل . ونص أئمتنا على أن المطالب بها يخرجها على ما يحضره بالاجتهاد، ويراعي في ذلك الأحوج والأصلح ، ومن الاجتهاد : تقديم الفقير المتضرر بسبب هذه الجائحة – كيف ما كان ضرره- على غيره مواساة له ، وتخفيفا عنه . وإنها لفرصة غالية الى ترسيخ قيمة التضامن والتعاون ، قال تعالى : ﴿وتعاونوا على البر والتقوى ، ولا تعاونوا على الاثم والعدوان﴾ (المائدة: 3) وفي الصحيح عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: " قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم:" مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم. مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " اللهم تقبل منا صيامنا وقيامنا وزكاتنا ، وفرج عنا ، واحفظنا من كل شر ومن سوء ومن كل بلاء ومن كل مصيبة ن يأرحم الراحمين ويارب العالمين . اللهم ارفع الوباء عنا وعن الناس أجمعين * بقلم: الدكتور محمد التمسماني، عميد كلية أصول الدين بتطوان – جامعة عبد المالك السعدي