يكثر أن يُستمع إلى خطاب جوهره عبارة: (إدماج الشباب في العمل السياسي)، دونما نقد بناء لواقع الحال، ولا تدقيق للعبارة أو كلماتها؛ فلو عُمد لذلك لاكتشف أن العبارة تحتوي على اتهام صريح للشباب. اتهام يشي بقول فحواه (إنكم عازفون على السياسة يا شباب) والعيب فيكم، ما دامت التنظيمات موجودة، قد يصح بعض من ذلك؛ لكن على إثر ذلك يستحق الأمر شيئا من التعرية، ولا تعرية إلا بنقد ما دام الأخير لا يثبت بقدر ما يسائل، لهذا نتساءل هل الشباب فعلا عازف عن السياسة؟ وإذا سلمنا بعزوفه عن سياسة ما فأي سياسة؟. اذا ابتدأنا بالسؤال الأول، استدعينا شواهد مؤداها أسئلة حجاجية من الذي يتفاعل في مواقع التواصل مع قضايا سياسية، ومن تصدى لقانون 20-22، ومن رحم من خرجت مقاطعة بعض المنتوجات الاستهلاكية وشركة المحروقات إياها، ومن الذي قاد حراك 20 فبراير؛ ومن الذي يخرج اليوم في مظاهرات للمطالبة بتحسين الوضع الاجتماعي للبلد، ومن الذي يحاول الهجرة من وطنه بعد أن مقت استشراء الفساد والمحسوبية والزبونية وتوسع الهوة بين فقير هذه الرقعة وغنيها؟؟؟ وإذا سلمنا بأن ثمة سياسة يعزف عنها الشباب، فإننا سنسلم، ولو نسبيا، بكونه عازف عن سياسة التنظيمات الشكلية وتفريخها، التي تحاول أن تجعل منهم حطبا انتخابيا، وينتقد سياسة الكائنات الانتخابية التي تتغذى على حاجة الناس، وسياسة (المناطيد) الانتخابية، ويدحض مقاربة فصل الديمقراطية عن التوزيع العادل للثروات الكفيلة بتشغيله، والسياسة التي تؤجل الديمقراطية بحجة التنمية، والحال أن لا تنمية دونما ديمقراطية (فكيف ستوزع السلطة والثروة محتكرة؟)، ويبتعد من سياسة لا تجيب عن أسئلة المجتمع الحقيقية (التشغيل، الحكامة، التعليم...)، فكيف يعقل أن يتقارع المرء في سياسة يحكمها المال وهو بين براثن البطالة؟ وهل يمكن أن يقبل المرء بلعبة يعمل فيها كبيدق؟، وكيف له أن ينتمي لتنظيمات يضغط أحسن منها في مواقع التواصل؟؟؟ . يظهر إذن وبعد حديث جد مختصر أن الشعار ما هو إلا اتهام كعسل دس في السم، يتجاوز الواقع ليلقي باللوم على الطرف الأضعف. يتبع…