بمجرد اقتراب موعد الانتخابات طفى إلى السطح مجددا موضوع المال و السلطة و ما يرتبط به. مما يجعلنا نوقن و نفهم منذ البداية بأن الأمر يدخل ضمن التدافع و الصراع الحزبي الانتخابي و لا علاقة له بالتناول الأكاديمي العلمي أو حتى الفلسفي لعلاقة المال بالسلطة وحكم الجمع بينهما. لاشك أن الاسلاميين، و هم الذين طرحوا النقاش من جديد، خبروا الحرب الاعلامية بل أصبحوا من محترفي الحروب السيكولوجية على وسائل التواصل الاجتماعي. هم الذين يدركون جيدا الغطاء الذي يجب الباسه لفكرة ما لكي تنفذ إلى عامة الشعب. كيف لا و هم من يتقنون فن التلاعب بالعقول عبر إنتاج قوالب و معلبات أيديولوجية سهلة الهضم و تعفي متناولها من أي تفكير. يدرك الإسلاميون أن العاطفة الدينية من أسهل المداخيل لتمرير أي فكرة و كيفما كانت. فلو توقفنا عند كل فكرة من الأفكار التي يتم الترويج لها بكثرة فسنجد أنها متهافتة و غير مؤسسة و هدفها تأليب الرأي العام و شيطنة شخص أو هيئة و النفاذ إلى لاوعي الجماهير و إذكاء الحقد الطبقي و الضغينة التي يكنها المسحوقين لأصحاب المال. وكلها أفكار يصدق عليها القول الشعبي "يا لمزوق من برا اش خبارك من لداخل". كل هذا يدخل ضمن ما ذهب إليه كوستاف لوبون في سيكولوجية الجماهير حيث أكد على أن المحركون للجماهير يعتمدون على التأكيد و التكرار و العدوى. زواج المال و السلطة: أية مقاربة ؟ من يتناول هذه الفكرة للوهلة الأولى و دون التدقيق فيها و التفكير فيها سيذهب إلى حد تحريم بل تجريم ممارسة السياسة من طرف أصحاب المال و رجال الأعمال. و الحق أن هذا لم ينزل الله به من سلطان. و لم تجرمه لا القوانين الوطنية و لا المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. فمنذ متى أصبح مجال السياسة حكرا على "المكردين" أو المسحوقين ؟ هذا قد يكون متفهما في إطار المذهب الماركسي الكلاسيكي الذي يشرعن للسيطرة السياسية للبروليتارية على جميع أجهزة الدولة و هياكلها و على وسائل الإنتاج تحت مسمى ديكتاتورية البروليتارية و غيرها من المفاهيم التي تدعوا إلى الاستئثار بالسلطة و تحصين الذات السياسية في إقصاء تام للأخر من خلال إغلاق جميع الأبواب الديمقراطية التي ستمكنه من الوصول إلى السلطة. إذن، على غرار المنظومة الشيوعية التي حصرت تولي الحكم في طبقة اجتماعية معينة(البروليتارية أي الطبقة العاملة) منظمة في إطار الحزب الوحيد و تحكم باسم الشعب و لا تقبل تواجد تيارات سياسية مخالفة حيث تسمي هذا النمط في التدبير بالديمقراطية المركزية، تولدت جماعة سياسية تتخذ الدين الإسلامي و المفهوم اللبيرالي للديمقراطية مرجعيات نظرية حيث لا ترفض قوى الإسلام السياسي المفهوم الليبرالي للديمقراطية الذي يقوم على تداول السلطة ولكن على مستوى الممارسة فهي وفية للمفهوم الشيوعي الكلاسيكي للديمقراطية. و يتجلى ذلك من خلال أليات الاغتيال السياسي الرمزي التي تلجا إليها هذه الفئة لكي تستأثر بكل شيء و ذلك بمنطق "إن لم تقتل عدوك فعلا فاقتله بالإشاعة". إن افتحاص دقيق لخطاب و ممارسة الإسلاميين تبين أن أطروحاتهم تنطوي على ترسبات الماركسية اللينينية، سيما فيما يتعلق بالتنظيم و تدبير الصراع السياسي حيث تطبق الفكر اللينيني بالحرف. إن ما نراه اليوم هو ديمكتاتورية على نمط الإسلاميين. فبمجرد أن جربوا مذاق السلطة حتى تشبتوا بالكراسي ولو بالعض على النواجد. توسلوا كل الحيل و الأساليب، إسلامية كانت أو ليبرالية أو اشتراكية، المهم هو البقاء في السلطة. وهذا راجع إلى إدراكهم أن وجودهم و استمرارهم رهين بالتواجد في مراكز القرار خصوصا بعد القرارات اللاشعبية التي أقدموا على اتخادها خلال العشر سنوات الماضية. حسنا، لنفترض أن أصحاب المال ليس لهم الحق في ممارسة السياسة على اعتبار أن زواج المال بالسلطة سيولد شيء كارثي غير مرغوب فيه. فما الذي ولده زواج الدين بالسلطة ؟ الجواب نجده في العشر سنوات التي قضاها الإسلاميون في الحكم. ما الذي قاموا به ؟ ماهي القرارات التي اتخذوها لصالح الشعب ؟ الم تكن أغلب إن لم نقل كل قراراتهم لا شعبية ؟ ما الذي قدموه للمرأة غير ما قدمه الملك ؟ ما الذي فعلوه لأجل الامازيغية غير ما فعله الملك ؟ ما الذي انجزوه في التغطية الاجتماعية غير ما انجزه الملك ؟ اليس في زمنهم اعتقل أكبر عدد من الصحافيين و قمعت الاحتجاجات؟ لماذا إذن سيخاف الشعب من زواج المال و السلطة ؟ لنا نماذج عدة في رجال أعمال يمارسون السياسة و يعتبرون من أنجح السياسيين. بل إن البنية الذهنية لرجل الأعمال و تكوينه يجعله يفكر بمنطق رابح-رابح في أغلب الاحيان. عكس منطق السياسي الديماغوجي المتعصب لمرجعيته الذي يشتغل بمنطق رابح-خاسر. و هذا ما ظهر جليا خلال المفاوضات التي قادها السيد عبد الاله ابن كيران بعد انتخابات 2016. مفاوضات تمت بمنطق رابح-خاسر مما أدى إلى هدر ستة أشهر من الزمن الحكومي و السياسي المغربي. فهل بإنزال قوي للبرلمان و تحديهم للإجراءات الاحترازية لكوفيد-19 من أجل قاسم انتخابي لا يهم المغاربة في شيء و يهم حزبهم في كل شيء. فهل بكذا ممارسات يعتقدون أنهم سيحصنون وجودهم و سيحصلون مجددا على المرتبة الاولى في الانتخابات. إذن، الذي يجب أن يحارب ليس هو انخراط رجال الأعمال في السياسة و إنما استعمال المال في المعارك الانتخابية من أجل الحصول على المقاعد بطرق غير مشروعة. يجب التمييز بين رجل أعمال لديه الحق كما لغيره الحق في المشاركة السياسية كما تضمنه له المواثيق الدولية لحقوق الانسان بدون أي تمييز و بين مستعملي المال لشراء الذمم. العمل الخيري او الاحسان العمومي و أبعاده السياسية ارتبط العمل الخيري الاحساني بحركات الإسلام السياسي حيث استطاعت هذه الاخيرة أن تنفذ إلى عمق المجتمع و تؤسس شبكات علائقية جد معقدة. لقد انتبه الإسلاميين منذ البداية إلى أن المدخل لكسب عطف الناس و محبتهم و من تم صوتهم الانتخابي يتجسد في الاشتغال في المجال الاجتماعي. وهكذا نجد أن حركة التوحيد و الإصلاح الذراع الدعوي لحزب العدالة و التنمية نص على العمل الخيري في ميثاقه بل اعتبر العمل الخيري عبادة تعم المسلمين كافة كل حسب طاقته و ذهب إلى اعتبار الاسهام في هذا العمل الجليل واجب (ميثاق حركة التوحيد و الاصلاح ص.80). و من خلال هذا الوقوف عند مأسسة العمل الخيري يمكن فهم الرهان الأساسي و البعد الاستراتيجي لهذا المجال في دورة حياة هذا التيار الاسلامي حيث يعدو الامر أن يكون عمل مناسباتي. و أسسوا ،بذلك، المئات من الجمعيات التي تشتغل في هذا المجال باستثمار العاطفة و الجانب الديني الذي يدعو إلى البر و الإحسان. و ظل منذ ذلك الحين مجال الاحسان و الاعمال الخيرية حكرا على الاسلاميين و استطاعوا من خلاله اعداد خزان انتخابي هائل في غفلة من السلطة أو في ظل تساهلها مع العمل الخيري بحكم أنه لا يمكن منع الاعمال الخيرية و المساعدات الاجتماعية. و يكفي إلقاء نظرة على لوائح الجمعيات التي تستفيد من الدعم العمومي و علاقاتها بحزب العدالة و التنمية ليتبين الخيط الأبيض من الأسود. تقوم هذه الجمعيات بدعم الفئات المعوزة و الفقيرة حيث تقوم بتوزيع المواد الغذائية في شهر رمضان(القفة)،و دعم الأسر في اقتناء الكتب و اللوازم المدرسية، و شراء أضاحي العيد، و التكفل بالمرضى من خلال المساهمة في إجراء العمليات و توفير الأدوية، و توزيع الملابس و غير ذلك من الامور. لذلك، فإن ما يقوم به الإسلاميون من هجوم على كل مؤسسة تضامنية تشتغل أو تحاول اختراق مجال العمل الخيري ولو في إطار القانون، ليس نابع من غيرة على المواطنين أو حرصهم على تطبيق القانون أو محاربتهم للاستغلال السياسي للعمل الخيري كما يروجون لذلك. و انما مصدره ايقانهم القوي بأن مصدر قوتهم الانتخابية هي الجمعيات الخيرية التي يسيرونها في كل أرجاء المملكة و هم للأمانة بارعون في ذلك. و يعلمون علم اليقين أن أي تدافع أو تنازع أو منافسة في هذا الميدان ستفقدهم لا محالة العديد من الأصوات الانتخابية و ستقلص من حجم كتلتهم الانتخابية المعروفة و المعدودة. و هنا يحتكمون إلى منطق حلال علينا و حرام عليهم، فلابأس أن يشتغل الإسلاميون بمنطق الإحسان طيلة السنة و دون توقف. لكن لا يمكن لأحد غيرهم أن يلج هذا المجال لأنه يشكل خطرا حقيقا على تواجدهم من داخل المؤسسات و على قاعدتهم الجماهيرية. إذن، يتعلق الأمر في الحقيقة بتحصين مجال ظل محتكرا من طرف الاسلاميين و لم تكن توليه باقي القوى سيما الحزبية أية أهمية تذكر. و كان من الطبيعي أن ينتفض الإسلاميون و هم يرون و يلمسون أن المجال الذي يبرعون فيه لم يعد حكرا عليهم و أن هناك من انخرط فيه بقوة و ينافسهم بنفس سلاحهم. وفي علاقة الإحسان بالقاسم الانتخابي يدرك الإسلاميين أنهم غير ذوي شعبية و أن الكتلة الناخبة التي تدين لهم بالقفف الرمضانية و "الإحسان" طول السنة لابد أن يتلاشى مع هذا القاسم. و هذا من بين الاسباب الرئيسية التي دفعتهم إلى الانخراط بقوة في مواجهته. لهذا هم ضد القاسم الانتخابي الذي يفتح الباب على مصراعيه أمام مشاركة سياسية وازنة و ضمان تمثيلية سياسية متعددة تخرج المشهد السياسي من الثنائية الحزبية و احتكار التمثيلية البرلمانية. إن تموقع الإسلاميين المشاركين في اللعبة السياسة ضد القاسم الانتخابي ليس دفاعا عن الديمقراطية بل دفاعا عن كتلتهم الانتخابية التي باسمها يدعون أنهم يمثلون الشعب. لذا فكلما اتسعت دائرة المشاركة إلا وتبعثرت اوراق الإسلاميين من الناحية الحسابية. إن أخطر ما يعاني منه الإسلاميون هو الشعور بالتفوق الناتج عن ضبطهم، حسب اعتقادهم، الدقيق للخريطة الانتخابية و ضمانهم لتصدر الانتخابات سيما و أنهم يعولون على قاعدتهم لا غير. مما يجعلهم ينظرون إلى معارضيهم نظرة دونية و تحقيرية يمكن ملامستها من خلال تصريحاتهم. و كان آخرها تصريح الأمين العام لحزب العدالة و التنمية السيد سعد الدين العثماني حيث قال "غلبتونا في معركة القاسم الانتخابي و غانغلبوكوم في الانتخابات". لكن الأكيد هو أن هناك معطيات جديدة يجب التعامل معها و هناك تنظيمات تشتغل منذ مدة و في صمت و لم يعد الأمر كما كان. و هذا التصريح في حد ذاته يندرج في إطار طمأنة الأتباع أكثر منه قولا للحقيقة. و هذا لا ينفي كونهم يتقنون لعب دور الضحية المضطهدة، عند الاقتضاء، لكسب تعاطف شعبي. خلاصة القول، لا أجد ما أختم به هذا المقال أحسن مما جاء في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان في باب المشاركة في إدارة الشأن العام من أن المشاركة في تدبير الشأن العام سواء بطريقة مباشرة أو بواسطة ممثلين يختارهم بحرية تامة، حق لأي مواطن بدون التمييز بسبب اللون، أو الدين، او اللغة، أو العرق، أو الجنس، أو الرأي، أو النسب، أو الثروة و نسطر على هذا السبب الأخير الذي قامت عليه الدنيا و لم تقعد.