يذهب بن جلون إلى أن القيم الإسلامية، وخاصة قراءة القرآن، بصفة ذكية، تقدم إلينا طرق الخروج من هذه المشكلات، فالإسلام نجح في إصلاح مجتمع بدوي فاسد ومتحلل هو المجتمع الجاهلي. ودور المثقف في مغرب اليوم، في نظر الطاهر بن جلون، هو نشر الوعي الجديد وتشجيع القراءة والاهتمام بأمور الناس، لذلك قام بزيارة عدد من المدارس والإعداديات والثانويات العمومية والخاصة في مدينة الدارالبيضاء لتشجيع القراءة، فالمغاربة لم يكتب عليهم أن يكونوا ملاعين الأرض الأبديين! وحمل بن جلون في أنشطته الثقافية والإعلامية لسنة 2010 على البلدان الأوربية التي تستغل البلدان الإفريقية وتعمق جراحاتها بدعم أنظمة ديكتاتورية وتشجيع الإدارات الفاسدة والمرتشية فيها، فأوربا عليها أن تتحول إلى «كلية أخلاقية» لمعالجة هذا الاختلال الرهيب في رؤيتها ومنهج عملها، فهي المسؤولة عن مأساة الأفارقة والشعوب الأخرى، وإلا لماذا تتوفر البلدان الغنية في إفريقيا وآسيا على شعوب فقيرة؟ فالمسألة أخلاقية بالنسبة إلى أوربا وليست اقتصادية! ولم يخف بن جلون الحرج الذي يقع فيه الكاتب بلغة غير لغته الأم، ولكنه يقر بأن الأصول تلاحق صاحبها وإن حاول طمس آثارها، فالكتابة الشعرية عند الطاهر بن جلون يعتبرها مشكلة من التراث المغربي ولو أنه يكتب باللغة الفرنسية، كما عبر عن انتمائه العربي لما رفض التصويت في لجنة جائزة الكونكورد لشخص معروف بعدائه للعرب وللقضية الفلسطينية، خاصة وأن كل أعضاء لجنة التحكيم صوتوا لصالحه إلا بن جلون! ويبقى دور المثقف عنده هو الدفاع عن ملاعين الأرض، بتعبير فرانز فانون. أكيد أن البروز الثقافي اليوم لكاتبين مغربيين يكتبان باللغة الفرنسية كان لافتا، وهما اللذان كان يعوقها عامل اللغة عن التواصل مع عموم الجمهور المغربي الذي يشتغل على القراءة أكثر باللغة العربية. ويبدو تأثرهما بالمدرسة الفرنسية التي قادها سارتر في الالتزام الفكري والأخلاقي من خلال مجلته «الأزمنة الحديثة» أو في «الدفاتر البروليتارية»، وما كتبته رفيقته سيمون دوبوفوار في روايتها «المثقفون». وإلى جانبهما، كان مفكرون آخرون يساهمون، بشكل وافر، في النقاش الثقافي بالمغرب، خصوصا العلمين البارزين عبد الله العروي ومحمد عابد الجابري، رحمه الله، وهذا الأخير سنخصه بالذكر في فقرة خاصة به كمثقف استثنائي ودعه المغرب والعالم العربي سنة 2010. أما عبد الله العروي، وهو المؤرخ والفيلسوف والأديب المعروف، فقد أصدر سنة 2009 كتاب «من ديوان السياسة»، وهو الكتاب الذي مازال يثير النقاش في الوسط الثقافي المغربي، والذي نزل فيه من البرج العاجي الذي يتحصن فيه عادة المفكر والمثقف الأكاديمي إلى «حضيض» السياسة ومصالحها وحروبها وهمومها اليومية؛ فقد تكلم عن الملكية والبرلمان والدستور والقضاء واللغة. واعتبر في كتابه أنه لم يحصل بعد عندنا انفطام الفرد بين الغريزة والعقل وبين الاتباع والاستقلال، ولم ننتقل من التوكل إلى الهمة، ومن المبايعة إلى المواطنة. وما يجعل السياسة بئيسة هو بالضبط شموليتها، فلا تتكون نخب سياسية تتأهل وتتجدد باستمرار؛ ففي ظل الأميةِ السياسةُ طاغيةٌ ومنحطة، وفي ظل الديمقراطية مجالُ السياسة ضيق وقيمتها عالية، فالديمقراطية تحرر السياسة وتنقذها من كل ما ليس منها، فتصبح الرياضة رياضة والفن فنا وكذلك العلم والفلسفة، أما إذا طغت السياسة على الكل فإنها تجرّه معها إلى الحضيض. وذهب العروي، جريا على عادته في الكتابة، إلى نقد الأوضاع السياسية والثقافية في المغرب مع التركيز على المرجعيات والأسئلة المثيرة لا الأخبار والأجوبة العابرة، كما اشتغل على صياغة المقدمات وتجاهل الخلاصات؛ فبدون مقدمات ومرجعيات لا تفهم الأجوبة. وكان أسلوبه في خرجاته الثقافية والإعلامية يميل إلى النقد الصارم. وهو صاحب تجربة سياسية وانتخابية سابقة سنة 1971م، إذ كان يوزع على الناس في حملته الانتخابية كتبا وليس منشورات. وبقي العروي حاضرا في الساحة الثقافية والمعرفية بكتبه وحواراته وخلاصاته التي مازالت الأيام تثبت نجاعتها وصدقيتها، وهو صاحب طقوس في البحث والإبداع ذات مسلك صارم ومخيف، إذ يحكى عنه أنه إذا كان منهمكا في تفكير أو كتابة أو إبداع، من عادته أن يشعل مصباحا بلون أحمر، ويعني ذلك أنه يمنع على الجميع، بمن فيهم أفراد أسرته، الاقتراب من باب المكتب! ويبقى عبد الله العروي نموذج المثقف الشجاع والحاضر باستمرار في الفضاء الثقافي المغربي والذي يملك القدرة على الانتقال من الإيديولوجيا إلى التاريخ ومن الحرية إلى الدولة، ثم إلى العقل ومفاهيمه، ليعرج على عوالم الإبداع والرواية، من خلال رباعيته الرائعة «الغربة» و«اليتيم» و«الفريق» و«أوراق». كما عرفت سنة 2010 صحوة مثقف في المغرب من نوع خاص هو حسن أوريد الذي كان زميل الملك محمد السادس في المدرسة المولوية بالقصر الملكي. وبعد تقلد الملك الجديد مسؤولية الحكم في المغرب عينه ناطقا رسميا باسم القصر الملكي، ثم تولى منصب والي مدينة مكناس التاريخية. وعين سنة 2009، مؤرخا للمملكة خلفا للدكتور عبد الوهاب بن منصور، لكنه أعفي من هذا المنصب سنة 2010. وتذهب المناقشات الثقافية في المغرب والتحاليل الإعلامية إلى أن سبب التخلي عنه هو تأليفه كتابا بعنوان «مرآة الغرب المنكسرة»، والذي تضمن مجموعة من الإشارات المشفرة التي تنتقد الوضع الثقافي بالمغرب، خاصة في مجال التربية والتكوين والتعليم، وهناك من ربط الأمر بلعنة الثقافة التي ترافق المسؤول المثقف، وتؤكد استحالة أن يكون الإنسان مثقفا ورجل سلطة في الآن نفسه في المغرب. كما عرفت الأحداث الثقافية في المغرب إصدار «المرصد الوطني للثقافة»، وهو منظمة ثقافية أهلية يقودها مثقفون وأساتذة جامعيون، بلاغا يدعو فيه إلى مقاطعة أنشطة وزارة الثقافة، وخاصة جائزة المغرب للكتاب والمعرض الدولي للكتاب بالدارالبيضاء في فبراير 2011، مما زاد التوتر بين وزير الثقافة والفاعلين في المجال. -3 الصراع حول الخطاب الديني أ - التنصير في المغرب مشروع ثقافي تحت غطاء العمل الخيري: انفجرت خلال سنة 2010 ظاهرة التنصير في المغرب بشكل غير مسبوق، إذ تم ضبط ثمانية عشر منصرا كانوا يشتغلون تحت الغطاء الخيري للترويج للأفكار المسيحية في منطقة ريفية نائية تسمى «عين اللوح» بضواحي مدينة إيفران»، تابعة لولاية فاس؛ فقد تأسست في جماعة عين اللوح، التي يبلغ عدد سكانها 5278 نسمة، «قرية الأمل» المسيحية منذ 1951 في عز الاحتلال الفرنسي، وذلك على يد سيدتين أمريكيتين هما «إلين كريستين دوران» وصديقتها «إماجين». وتعتبر إلين من أهم رموز الكنيسة المعمدانية في مينيا بوليس، وقد تخرجت من مدرسة «الكتاب المقدس» في مينيا بوليس، ثم من مدرسة الإنجيل المقدس بشيكاغو، وهناك التقت برفيقتها «إيماجين» التي قضت شهورا عديدة في التدريب على العمل الميداني التنصيري؛ حيث «لبتا نداء الله» في بعثة ميدانية إلى المغرب بقرية «عين اللوح»، حسب وثيقة أمريكية تسربت إلى جريدة «المساء» المغربية. وأصبحت «قرية الأمل» بعين اللوح أول نواة تنصيرية ثابتة في المنطقة. وقد اشتغلت فيها «إلين» (التي توفيت سنة 2007 بمسقط رأسها) وصديقتها «إيماجين» (التي توفيت سنة 1995) ما يزيد على خمسين سنة، وكانت تمولهما منظمة «الاتحاد من أجل التبشير». وكان مشروع إلين الخيري يشتغل على حوالي 30 ألف طفل مغربي يحتاجون -في نظرها- إلى رعاية خاصة، ليكونوا متشبعين بقيم المسيحية الإنجيلية ومحققين اكتفاءهم الروحي الديني! كما اعتقلت السلطات المغربية ثلاثة مغاربة في مدينة العرائش، وهم رجل مغربي وزوجته وأحد معارفهما اعتنقوا المسيحية وكانوا يروجون لمفاهيمها وسط المواطنين، وهم يشكلون أسرة تحولت بسرعة من الفقر والحاجة إلى الثراء، حيث أصبحوا يمتلكون شقة فاخرة في أحد أرقى الأحياء بالمدينة؛ وهذا ما أثار أسئلة مقلقة حول هذه الظاهرة وأبعادها ومن المسؤول عنها، ففي مدينة العرائش توجد مؤسسة تبشيرية تدعى «دار الرهيبات»، تتكفل بأبناء الأيتام والمتخلى عنهم من خلال الحصول على كفالة قانونية للطفل المعني مع إخفاء ما يجري داخل الدار ونوعية التربية والتعليم اللذين يتلقاهما الطفل المتكفل به هناك. وقد شوهد أطفال مغاربة ينتمون إلى هذه الجمعيات الخيرية في مدن إيفران والعرائش والقصر الكبير وأزرو يحملون الصلبان في أعناقهم ويتحدثون عن المسيح والأناجيل وبعض ما ورد فيها من قصص وحكايات. وقد نشرت كتيبات كثيرة مترجمة إلى اللغة العربية تدعي أنها تقدم إلى القارئ المغربي تلخيصا وفيا لتعاليم كلام الله وتثبت صحته بالحجج التاريخية والمنطقية والروحية ليثق بصدق الإنجيل كمرشد روحي. وهذه الكتب تقدم إلى مغاربة يريدون الاستفادة من خدمات جمعية في تعلم اللغة الإسبانية بالرباط. كما يشتغل التنصير المسيحي عبر جمعيات خيرية مختصة في مجال الإعاقة وإعادة إدماج المعاقين وتأهيلهم وتقديم الخدمات الصحية (تصحيح النظر، وتقديم نظارات للفقراء)، وتوفير المياه للأسر الفقيرة في البوادي الجبلية النائية عن المراكز؛ وتقدم كذلك خدمات ترفيهية إلى الأطفال المسلمين في المغرب في مجال الألعاب والغناء والموسيقى والرقص، لتسهيل وصول الثقافة المسيحية إليهم.