في شهر رمضان الفضيل تبقى (الحريرة) سيدة مائدة الإفطار ، ولا يمكن بتاتا أن تحتسي الحريرة إلا في ماعون يسمى بالدارجة ( زلافة ) ، ولا شك أن كل المغاربة يعرفون الزلافة وإن سميت في بعض المناطق بأسماء أخرى ، ولا شك أيضا أن أغلب المغاربة يحرصون على شراء ( الزلايف ) قبيل رمضان ، وهي طبعا تختلف في أثمنتها حسب جودتها والمادة المصنوعة منها ، لكن ليس هذا الموضوع الذي أردت أن أسلط عليه الضوء في هذه الاسطر ، وإنما على سبب التسمية ، وما معنى الزلافة ؟ إذا رجعنا إلى قواميس اللغة العربية فسنجد أن للزلافة جذرا لغويا فهي مشتقة من زلف ، جاء في المُغرب في ترتيب المعرب قول المطرزي : (ز ل ف) : (الزُّلْفَةُ) وَالزُّلْفَى الْقُرْبَةُ وَأَزْلَفَهُ قَرَّبَهُ وَازْدَلَفَ إلَيْهِ اقْتَرَبَ (وَمِنْهُ) الْمُزْدَلِفَةُ الْمَوْضِعُ الَّذِي ازْدَلَفَ فِيهِ آدَم إلَى حَوَّاءَ وَلِذَا سُمِّيَ جَمْعًا. وقال الزبيدي في تاجه : زلف ، الزَّلَفُ، مُحَرَّكةً: الْقُرْبَةُ، عَن ابنِ دُرَيْدٍ، زادَ غيرُه: الدَّرَجَةُ. والمَنْزِلَةُ. الزَّلَفُ: الْحِيَاضُ الْمُمْتَلِئَةُ، جَمْعُ زُلْفَةٍ، وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ للعُمَانِيِّ: حَتَّى إِذَا مَاءث الصَّهَارِيجِ نَشَفْ مِنْ بَعْدِ مَا كَانَتْ مِلاَءً كالزَّلَفْ الزَّلَفُ: الْحَوْضُ الْمَلآنث . وغير ذلك كثير مما يفيد معنى الاقتراب والدنو وما شابه ذلك ، وعليه فإننا إذا حاولنا ان نجد الخيط الناظم بين المعنى الدارج والأصل في اللغة العربية ونطرح السؤال: لماذا سمى المغاربة ذلك الماعون أو الإناء الذي تقدم فيه ( الحريرة) بالزلافة ؟ فإن الجواب هو أن : الزلافة سميت كذلك لأنها تًُقرب إلى شاربها وتقدم له ، يقال زلف الكأس : أي قربه وقدمه ، وقال الله تعالى ( وأزلفت الجنة للمتقين) أي قربت . وقياسا على قول الزبيدي الذي سمى الزلف بالحياض الممتلئة ، فيكمن القول أن ( الزلافة) سميت كذلك لامتلائها بالحريرة فتشبه الحوض الزاخر والممتلئ بالمياه والأسماك والكائنات الكثيرة ، وهي ( أي الزلافة) كذلك تكون زاخرة بعناصر كثيرة في مقدمتها الحمص والبقدونس والكرفس والبهارات المتنوعة التي تعطي مذاقا عجيبا لهذا الحساء الذي لا شك نعشقه ونفخر بالتزلف إليه ولا نتوانى في تقديمه لكل من يطلبه ويرغب فيه زُلافات زُلافات .