يلحظ الزائر لمدينة القصر الكبير مدى إحتفاء وتعلق ساكنة المدينة بشهر رمضان الأبرك ؛ ويظهر هذا جليا في الأيام الأخيرة التي تسبق هذا الشهر الفضيل حين تبدأ إستعدادات قصراوة لإستقبال شهر الصيام ؛ ومن تلك المظاهر تحضير بعض أنواع الحلوى الأكثر استهلاكا (الشباكية-السفوف…). وبمجرد التأكد من دخول شهر رمضان تنطلق ألسنة ساكنة المدينة في المقاهي و الأحياء بالتهنئات قائلين: "عواشر مبروكة" وكما هو معروف فرمضان مناسبة لصلة الرحم بين العائلات و الأحباب بين بعد الفراق أو الإنقطاع فترى الأسر ذاهبة في زيارات عائلية تطبعها المحبة ومباهج الفرح والسرور تعلو وجوه الناس… مدينة القصر الكبير معروفة منذ القدم بكثرة المساجد و في هذا الشهر الفضيل يستوقفنا التواجد الرمضاني الكثيف داخل المساجد ؛ حيث تمتليء مساجد المدينة بالمصلين لا سيما صلاة التراويح وصلاة الجمعة نساء ورجالا شيبا و شبابا إلى حد إكتظاظ الشوارع القريبة من المساجد بصفوف المصلين…صورة تقشعر لها الأبذان تشعرك بالإرتباط الوثيق بين الساكنة وبين دينها وتمسّكها بقيمه ومبادئه. وفيما يتعلق بالإفطار القصري فينظم في أحياء المدينة موائد لإفطار المساكن و عابري السبيل كما تشرف بعض الجمعيات بالمدينة على توزيع وجبة الإفطار على الأسر المعوزة في مشهد يكرس قيم التعاون و التآخي بين سكان أقدم حاضرة بالمملكة… و في وجبة الإفطار نجد(الحريرة) التي تأتي في المقدمة ؛ حيث صارت علامة على رمضان ؛ ولذلك فإنهم يعتبرونها الأكلة الرئيسة على مائدة الإفطار، وهي عبارة عن مزيج من الطماطم و التوابل و بعض القطاني تقدم في آنية تقليدية تسمى "الزلايف"… وللحلوى الرمضانية حضور مهم في المائدة القصراوية فهناك (الشباكية و المسمن و السفوف و الرزيزة…) ليالي رمضان بالقصر الكبير تتحول إلى نهار ؛ فبعد أداء صلاة العشاء و التراويح يسارع الناس رجالا و نساءا للخروج للمقاهي الشعبية أو للفضاءات الخضراء للإجتماع و لتبادل أطراف الحديث. وفي المقاهي يبرز "الشاي القصراوي المنعنع " وترى المرتادي المقاهي مجتمعون سواء للعب أو لمشاهدة لعبة "البارتشي" المشهورة بالمدينة و شمال المملكة… كما تقام حفلات و سهرات رمضانية وتستمر حتى وقت السحور ويحكي الباحثون و المهتمون بتاريخ المدينة أن سكان هذه الأخيرة و على مر العصور ظلوا محافظين و متمسكين بتقاليد شهر رمضان الأبرك و ظلت تتناقل من جيل لجيل. شخصية (الطبال) أو (المسحراتي) كما يطلق عليها المشارقة – لا تزال ذات حضور وقبول- فعلى الرغم من تطور وسائل الإيقاظ فإن ذلك لم ينل من مكانة هذه الشخصية ؛ ولم يستطع أن يبعدها عن بؤرة الحدث الرمضاني ؛ حيث لا زالت حاضرة في كل حي وزقاق ؛ يطوف بين البيوت ليلا قارعا طبلته وقت السحور لإيقاظ الناس… وفي ليلة القدر المباركة التي يجمع كل قصراوة على أنها هيا السادس و العشرون من هذا الشهر الفضيل تقوم النسوة بزيارة عائلاتها المتوفين بمقبر "مولاي علي بوغالب" للترحم عليهم و لصباغة القبور و قراءة عليهم ماتيسر من الذكر الحكيم و إخراج الصدقة عليهم طلبا للمغفرة و الرحمة لهم…و نجد أن الزوايا و المساجد تكون ممتلئة عن آخرها في هذه الليلة و ترى المحسنين يقدمون للناس فيها وجبة العشاء التي تكون عادة عبارة عن (كسكس أو رزيزة…). ومع قرب إنقضاء أيام هذا الشهر تختلط مشاعر الحزن بالفرح ؛ الحزن لفراق هذه الأيام المباركة بما فيها من بركات وخيرات ؛ والفرح بقدوم أيام العيد السعيد وبين هذه المشاعر المختلطة يظل لهذا الشهر أثره في نفوس وقلوب ساكنة المدينة .