افترضت حسن النية وأنا اتابع أطوار قضية الضابطة السابقة وهيبة خرشش منذ ان صارت موضوعا للتداول الإعلامي، الذي أتفق مع بعضه، ولكن في المقابل لا أتقاطع طولا ولا عرضا مع مواد إعلامية أخرى. مواد لم تبحث عن أجوبة لأسئلة حقيقية ولا عملت من أجل الكشف عن المندس في الثنايا، ولم تقم حتى بواجبها المهني من حيث الأمانة في نقل الخبر، وإنما سعت إلى تأزيم الوضع وتعميق الإشكال، بل كان هاجسها هو التشويش وإكثار الضجيج أملا في أن تتلاشى الحقيقة في وسط الضوضاء. حاولت تتبع خيط القضية رغم كثرة المعنيين والمتدخلين وغلبة حضور الطفيليين، وعملت بالمبدأ القانوني القائل "أن الشك يؤول لصالح الطرف الضعيف"، واستدعيت مرة أخرى حسن النية المفرطة التي تتماهى مع السذاجة أحيانا، لأصطف إلى جانبها كمتعاطف مع امرأة تمر بمحنة. تولدت لدي قناعة أن السيدة لا شك أنها ضحية، ليس من خلال ما تدعيه، ولكنها ضحية تصفية حسابات أخرى يعرفها جيدا محمد زيان ومن يقف خلها، بل خلفهما، ضحية كونها أداة لتدبير صراع قد تعرف بعضه ولكنها أكيد تجهل جله، وأضحت بذلك وسيلة للمساس بالمؤسسات وبرموز السيادة ووحدة الأمة، وحائطا قصيرا لكل من أراد استهداف أمن واستقرار البلاد والعباد. ومع تتالي الخرجات غير المحسوبة للضابطة السابقة يبدو وكأنها غير راضية بموقع الضحية، ولكنها مصرة على الانضمام إلى كتيبة الخراب وجوقة النواحين وعلى تعزيز صفوف المتربصين. وأكدت من خلال رسالتها الأخيرة أنها فعلا أحد أفراد العصابة وشريكة في جريمة تحاك ضد الوطن. ولفرز الأمور وتنزيه الحقيقة عن الزيف، بحكم أن هناك من يراهن على تكدير مياهه لكي تبدو عميقة كما يقال، يكفي أن أثير الملاحظات والتساؤلات التالية: أولا – هل صدفة تتزامن خرجات الضابطة السابقة مع خرجات أخرى من هنا وهناك؟ أليس وارد أن يكون خلف الركح ضابط إيقاع ومحرك خلف الستار لخيوط الدمى؟ خرجات يوحدها الموضوع والهدف وهو استهداف المؤسسات، وإن تفرقت بهم السبل، فالكتيبة متنوعة وتتشكل من خليط لأفراد ذوو سوابق إرهابية ومخفقون في مسارهم الرياضي وفاشلون في تجربتهم الإعلامية … ثانيا – تضمن شريطها الأخير أسلوبا غير مقبول، وهو توظيف منطق الابتزاز، وفقا لمعادلة إما مسايرة هواجسي غير القائمة على أساس أو اللجوء إلى تدويل القضية، جاعلة بذلك المواطنة فعلا واقفا على تحقق شروط معينة. ثالثا – توظيف متعسف للخطاب الديني، توددا واستعطافا، فالترافع ينبغي أن يكون موضوعيا ومتجردا ومبنيا على وقائع ووسائل إثبات وليس على خطاب ديني لكسب التعاطف ولو خارج وقائع القضية كما هي متداولة. رابعا – أجمعت هذه الأمة منذ سنة 2011 على خيار ملكية دستورية ديمقراطية واجتماعية … بشكل لم يعد معه مسموحا بالمرة العودة بهذه المكتسبات إلى الوراء، فالملك باعتباره رئيس الدولة، هو المؤتمن الأول على حماية الدستور وحكم المؤسسات. فتوجيه رسالة إلى الملك لا تمنح حصانة لصاحبها كما ليس معناه منح الحجية المطلقة لما هو وارد فيها.