ولفهم طبيعة خطاب النسوية الجديدة يجب ان نحلل ونعرف بنسويات الجندر حيث تعود جذورها وهي متنوعة ليبرالية واشتراكية وماركسية ونسوية تنموية ،وفلسفتها الليبرالية تقوم على فكرة الحقوق الفردية. ومن الناحية النظرية، تدعي النسوية الليبرالية أن الاختلافات الجندرية لا تستند إلى البيولوجيا، وبالتالي فليس بين النساء والرجال كل هذا الاختلاف – إن إنسانيتهم المشتركة تطغى على تمايزهم الإنجابي. وإذا لم يكن النساء والرجال مختلفين، فلا ينبغي معاملتهم بشكل مختلف بموجب القانون. يجب أن يكون للنساء نفس الحقوق ونفس التعليم ونفس فرص عمل كالرجال تماما. وعلى نفس المنوال ناضلت النسويات الماركسيات بمهمة إدراج ربات البيوت في بنية الرأسمالية. ربات البيوت مهمات وحيويات للرأسمالية، بل في لأي اقتصاد صناعي، وذلك لأن عملهن غير المدفوع الأجر في المنزل يحافظ على أرباب العمل والعمال ويعيد إنتاج جيل بعد آخر من أرباب العمل والعمال (وزوجاتهم في المستقبل) وقد صورت المرأة كجيش عمالة احتياطي ومنتج للأطفال لا يختلف في ظل الاشتراكية عما هو عليه في الرأسمالية. وفي نفس الاتجاه تناولت النسوية التنموية القضية السياسية لحقوق المرأة مقابل التقاليد الوطنية والثقافية. في المؤتمر العالمي الرابع للمرأة في الأممالمتحدة 1995، كان الشعار هو "حقوق الإنسان هي حقوق المرأة وحقوق المرأة هي حقوق الإنسان ". ادانت وثيقة منهاج العمل التي خرجت من مؤتمر الأممالمتحدة الممارسات الثقافية القامعة للنساء – وأد البنات، والمهر، زواج الأطفال، ختان الإناث. وافقت 187 حكومة وقعت على الوثيقة على الغاء هذه الممارسات. ومع ذلك، ولأنها جزء لا يتجزأ من التقاليد الثقافية والقبلية، فإن التخلي عنها يمكن أن ينظر اليه بوصفه تقليدا وخضوعا للأفكار الغربية. وجدت النسويات التنمويات اللواتي ينتقدن الاستعمار الغربي ومع ذلك يدعمن حقوق المرأة، هذه المسألة عصية على الحل. تواجه كل واحدة من نسويات إصلاح الجندر تناقضات بين التنظير والحلول العملية. وتقول النسوية الليبرالية إن النساء والرجال في الأساس متماثلون، وبالتالي ينبغي أن تكون المرأة متساوية من حيث التمثيل في المجالات العامة التي يسيطر عليها الرجال – العمل، الحكومة، المهن، والعلوم. ولكن إذا كان النساء والرجال قابلين للتبادل، ما الفرق الذي يحدث إذا كانت المرأة أو الرجل من يقوم بعمل معين؟ تقول الماركسية والنسوية الاشتراكية إن مصدر ظلم المرأة هو اعتمادها الاقتصادي على الزوج. وحلهن لهذه المشكلة هو وظائف بدوام كامل للنساء، مع توفير الدولة إجازة الأمومة المدفوعة ورعاية الأطفال. لكن، ما تمنحه الدولة، يمكن أن تأخذه الدولة أيضا. تعكس سياسات الدولة مصالح الدولة وليس مصالح النساء. فكون المرأة امرأة عامله أو أم فقط، يتوقف على الاحتياجات الاقتصادية للدولة. وبالنسبة للنسويات التنمويات ، ينعكس التركيز النظري على حقوق الإنسان العالمية ايجابيا في الضغط من أجل تعليم الفتيات والأمومة ورعاية صحة الطفل والموارد الاقتصادية للنساء اللواتي يساهمن بشكل كبير في دعم أسرهن. ومع ذلك، عندما تدعو السياسة الجندرية إلى الحقوق النسوية والاستقلال الجنسي، يتعين على الحركة النسائية في كثير من الأحيان أن تواجه القيم والممارسات الثقافية التقليدية التي تمنح الرجال السلطة على بناتهم وزوجاتهم. يُفهم الجندر بوصفه الحالة الإجتماعية، والهوية الشخصية، ومجموعة العلاقات بين النساء والرجال ومع بعضهم البعض. لم يعد الجنس البيولوجي المدخل الوحيد أو المادة الأساسية للترتيبات الاجتماعية، لكنه تفاعل معقد للجينات والهرمونات والفيسيولوجيا والسلوكيات. أما الجنسانية فهي بناء اجتماعي يرتكز على الفسيولوجيا ويجري التعبير عنها عاطفيا. كانت نقطة تركيز النسويات فيما يتعلق بعدم المساواة الجندرية هي أنها ليست مسألة فردية، بل متأصلة بعمق في بنى المجتمعات. ينشأ عدم المساواة بين الجندرين في مؤسسات مثل الزواج والعائلة والعمل والاقتصاد، والسياسة والأديان والفنون وغيرها من المنتجات الثقافية، واللغة التي نتحدث بها. ولذلك فإن تحقيق المساواة بين الرجال والنساء يتطلب حلولا اجتماعية وليس فردية. ما أود تأكيده هنا هو أن المصطلحات الثلاث: الجنس والجندر والجنسانية ليست قابلة للتبادل وليس بالضرورة أن تكون متوافقة. فصاحب/ة جنس معين ليس مرغما/ة على الالتزام بمعايير المجتمع التي يفرضها على جندره ، كمان أن جنسه/ها وجندره/ها لا يشي أبدا بتوجهاته/ها الجنسية التي تبقى شخصية جدا وهو/هي المخول/لة الوحيد/ة بالافصاح عنها. علمنة الجنس وزوال القدسية ومن اهم القضايا المثيرة للجدال قضية الجسد والجنس والنوع الاجتماعي حيث أشار المسيري في تحليله لعلمنة الجسد أنه أن مقاييس الجمال أصبحت لا علاقة لها بالوظائف الإنسانية، حيث أعيد تعريف الجسد الإنساني، بحيث يلائم الوظائف الظاهرية المادية (مجالات العمل) ولا يلائم الوظائف الإنسانية (الإنجاب، الرضاعة)، فعلمنة الجسد هي نزع الإنسانية منه. كما أوضح أن الجنس أصبح حالة أداء مادية عضلية متحررة من أية مشاعر إنسانية، ومنفصل تماماً عن مشاعر الحب وعن الزواج وعن الإنجاب… ولتحليل أعمق يجب ان نسرد تاريخيا بدايات بروز قضايا الجسد والجنس في الفكر الغربي ، حيث نجد في قراءات اليسار العربي وخاصة مقالة مهمة تؤرخ لهاته المسألة وهي بعنوان *الافراد والاجساد والجنسانية :عبر نقدية مستقبلية من ماضي الحركات اليسارية الفلسطينية *بقلم نشطاء من القوس للتعددية الجنسية والجندرية في المجتمع الفلسطيني حيث قام بعرض تاريخي حول قضيتين أساسيتين :العلاقة بين الفرد والمجتمع ،والمثلية الجنسية .وقد طرحت المقالة فرضية ان منتجات اليسار العربي ماهي الا ادبيات من زمن الاتحاد السوفياتي ،وهذا التأثير في تمثل العديد من القضايا نما وترعرع في ظل الثورة البلشفية ضد القيصر وفي أو المشهد السياسي بعد الثورة . وتطرح المقالة ان المثلية الجنسية خلال فترة حكم القيصر مجرمة ،وبعد التحول السياسي طرحت حكومة فلاديمير لينين التقدمية تشريعا ينظم المثلية ويعترف بها حيث استطاع ذوو ميول جنسية مثلية معلنة الانخراط في وظائف حكومية ،كما استطاعوا تقلد مناصب عليا في الأحزاب البلشفية السياسية ،لكن ستالين بعد توليه الحكم اعتبر المثلية الجنسية مرض برجوازي واعلن حظر المثلية الجنسية عام 1933 واعتبرت جريمة سياسية بحق البروليتاريا والدولة السوفيتية كما جاء في اعلان المثلية الجنسية 1931 من طرف رئيس مجلس مفوضي الشعب نيكولاي كوريلنكو. وتوضح الوثيقة ان تطبيق المبادئ اليسارية في المجتمع الفلسطيني تمثلت في ركيزتين أساسيتين الأولى متعلقة بقضايا الجندر ومشاركة النساء في العمل الحزبي السياسي ،وما يفيدنا نحن في مقالتنا اننا نود التوضيح بان قضية الجنسانية في الضمير المغربي مرتبطة بتمثلات الناس لهذا الموضوع الذي يتسم بنوع من التحفظ ويمكن اعتباره من الطابوهات المغيب في الضمير وعلى اعتبار ان المجتمع المغربي تقليدي في الأعراف والعادات ،وان هاته الظواهر موجودة لكنها تبقى شادة في الضمير الجمعي ،لذلك حتى في التراث المغربي ،ومعالجة قضايا الجنس والجسد والنوع والمثلية ،كلها قضايا تم تغليفها بقضية الحقوق الأساسية وهذا امر ركزت عليه النسوانية المغربية في سنوات التحرر والصراع السياسي وخصوصا ابان فترة السبعينات التي كانت فترة الذروة لليسار المغربي الذي طرح العديد من الإشكالات واراد استساخ التجربة الاشتراكية بحذافيرها مثله مثل اليسار العربي آنذاك ومن القضايا المجتمعية نجد قضية المساواة والجنسين وقضية التحرر والملكية الفردية وهي قضايا طرحت فيها أفكار لكنها بقيت مراهقة الطرح بعيدة كل البعد عن صياغة انموذج مغربي اجتماعي يحافظ على نسق ومشهد المغرب الحديث والمعاصر ،ليتم اصطدام جمعي بين تيار غريب عن المجتمع المغربي وبين ضوابط وحرس قديم محافظ على ثوابت الامة من كل زيغ وبهتان اثم ،ولذلك يمكن اعتبار ان الحركة النسائية قد استفادت من الاصطدام الجمعي بينها وبين المجتمع بقيمه ،لذلك تم الانصياع الأخلاقي لكن بقيت دعاوي الجنسانية حضرة في ادبيات وقراءات هنا وهناك ،ناهيك ان الاعلام المغربي قي العديد من المناسبات تبرز قضية الجنس حاضرة حتى اصبحنا مطبعين مع الصورة الجنسية للمراة وللرجل وللطفل بصفة عامة ،لكي نصل الى نزع القدسية من الجسد وتعريته من عوامل الترسب القيمي السميك التي ماهي الا بداية لفتح نقاش حقوقي بحق الجسد وحق الملكية الجسدية في افق تشريع يعترف للآخر بالوجود والانتشار وممارسه طقوسه الاعتيادية من زواج وممارسة وحياة مختلفة بدعوى حق الاختلاف والمشاركة في الوطن والتعددية المواطنة . ننتقل في نفس المنحى لكي نناقش قضية النوع الاجتماعي والذي هو مدخل اساي للترافع في كنف النسوية العالمية وليست فقط العربية وحتى الإسلامية منها ان صح هذا التصنيف الذي اخشى ان اقع في رباطه ،ولذلك فالنوع الاجتماعي نشأ ترجمة لمصطلح *الجندر*gender)) ،وقد قامت مجلة نسوية مختصة بتخصيص عدد خاص حول النوع الاجتماعي وطرحت مصطلح جديد وهو *الجنوسة*مصحوبا بشرح لمنطق اشتقاق تلك الصيغة الجديدة من الجذر الثلاثي العربي "ج ن س" فتأتي "الجنوسة " على وزن "الانوثة "و"الذكورة "جامعة بينهما ،ولما يتجه هذا المصطلح في صياغته من إمكانيات اشتقاقية . ولكن لم يتمتع اللفظ بالقبول العام ولم يتحقق له الانتشار بينما أخدت كلمة "الجندر "في الانتشار باللغة العربية الى درجة كونها هي السائدة. البيدوفيلية ونهاية الاسرة تقتات الليبرالية المتوحشة على قيم الانانية وتؤسس للشذوذ الاجتماعي داخل المجتمع بدون ان يهدد كيانه ،ويتركه يتغدى بفرائسه البريئة دون ان تستطيع ان تحرك ساكنا ،خوفا من الفضيحة ونظرة المجتمع ،ويبقى المفترس في الاسرة والمجتمع يذمر الجدار العازل للأسرة ،ويغرس عدم الثقة والاضطراب والانطواء والشذوذ ،وتنهار هاته المؤسسة الاجتماعية لتصبح هناك مؤسسات خارج الاسرة والتي قد تقوم مقامها ،مادامت عرى وقوة الاسرة قد انهارت بسبب القصف القيمي الذي يمارس في الخلف ،وبطريقة لا يعرفها الا الضحايا ،لتنهار تلقائيا ،ويصبح المجتمع مضطربا ،وتصبح العلاقات الشاذة طبيعية ،لان في ظل الصراع الاجتماعي تنهار مؤسسة الاخلاق ،وتنهار معها الجماعة وسلطة المجتمع ،وتصبح الفردانية هي السمة الوحيدة لتتأسس بعدها تلقائيا مؤسسات شاذة في المجتمع والتي أصبحت في العديد من الدول الغربية لها حقوق وتشريعات تنظم وضعها الاجتماعي ،كالأسرة المثلية . والشخص البيدوفيلي أو الغلماني بحسب التعريفات الأكاديمية هو الشخص المنجذب جنسيا إلى الأطفال سواء مارس الجنس أو لم يمارسه. وبسبب هذا الوصم "القاسي" لهذه الفئة من الناس، يتغاضى كثيرون عن ملاحظة أن ثمة حركة كبيرة نسبيا للمطالبة بمساواة الغلمانيين مع بقية التوجهات الجنسية، بدعوى أنهم شرذمة قليلون لن يؤثروا في واقع المجتمعات الغربية. لكن منذ فترة ليست بالبعيدة، وتحديدا في (مايو/أيار) 2018م، قامت منصة "TEDx Würzburg" في ألمانيا باستضافة طالبة الطب ميريام هايني لتعطي كلمة بعنوان: "البيدوفيليا هي توجه جنسي طبيعي" فجرت على إثرها موجة عارمة من الغضب على وسائل التواصل الاجتماعي. فبعد قبول الشاذ جنسيا في المجتمعات الغربية، ثم المتحولين جنسيا، ثم مسألة الجندرية ووجود أكثر من 50 نوعا غير الذكر والأنثى، هل يبدو الآن أن الدور قد حان لقبول الغلمانيين؟! و تطرح هذه القضية، وما يصاحبها من تحولات تطال المجتمع أسئلة عدة: كيف وصلت كرة الثلج المسماة بالتحرر الجنسي وقبول الآخر إلى هذا المنعطف؟! وما الذي جعل قضية البيدوفيليا تصل إلى منصة "TEDx"؟ وهل كان هذا العرض هو الأول من نوعه في مناقشة مسألة البيدوفيليا علنا؟ أم أنه مجرد حلقة في سلسلة طويلة من الفعاليات التي يقيمها أشخاص ومنظمات تدافع عن البيدوفيليا وتسعى في ترسيخ وجوده في العالم؟ والسؤال الأهم: ما المراحل التي قد يتطور فيها الحديث حول البيدوفيليا لتصبح في نهاية المطاف أمرا معتادا ومقبولا؟! وما أوجه التشابه بين حجج ومنطق حركة الشواذ جنسيا وبين مثيلاتها في حركة البيدوفيليا؟! حتى الآن لا يزال فتح موضوع البيدوفيليا للنقاش في العلن من التابوهات (المحرمات) في المجتمعات الغربية، فما أن يبدأ الشخص بالحديث حول البيدوفيليا -أيًّا كانت وجهة نظره- فإن سهام النقد تصوب إليه من كل جهة، للدرجة التي يصاحب الحديث عنها تكلفة اجتماعية باهظة، تدفع الأفراد لتفضيل تجنب التطرق لها. تسعى حركة البيدوفيليا إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية: الأول هو تقليل أو حذف سن الموافقة (Age of Consent)، وهو الحد الأدنى القانوني المسموح به من العمر لممارسة الجنس مع شخص آخر، والهدف الثاني هو إزالة البيدوفيليا كمرض من الدلائل الإرشادية لمنظمات الصحة، أما الهدف الأخير فهو عدم تجريم العلاقة بين الرجل البالغ والطفل الموافق على العلاقة. يبدو إذن أن خطر البيدوفيليا ليس بعيدا كما نظن، فإذا استمر الحال على الوتيرة نفسها، وتصاعدت الأصوات والمنصات المطالبة بمساواة الغلمانيين مع بقية الأفراد المجتمع، فإنه لا يستبعد أن نجد المجتمعات الغربية في يوم من الأيام تحتفي بزواج رجل غلماني بطفل ، وتشجع هذا النموذج بدعوى ترسيخ الحريات وتعزيز حقوق الأطفال وتمكين الشباب، قل أي دعوى أو أي سبب حينئذٍ، المهم ألا تقول بيدوفيليا، لأن الغرب سيتجاوز هذا المصطلح المشين، وسيكون المصطلح في ذلك التوقيت مجرد تراث من زمن الرجعية والتخلف. وهذا الوضع المخيف اصبح يهدد المجتمعات المحافظة ، لسهولة التواصل وحركة النقل للأشخاص، مما يتحتم علينا ان ندق ناقوس الخطر امام هذا الوباء الاجتماعي المخيف الذي يعشش في المجتمع ،فربما بدأ خفي سرعان ما سيصبح علنا يفترس العديد من الأبرياء . وهذه الصورة عاشتها المدنية الغربية الهوبزية منذ أجيال ومازالت تفرض نفسها على بنياتها الاجتماعية ، رغم الأنظمة والمنظمات الرافضة لهذا المرض العضال في المجتمع والذي يقصف في حق الأبرياء والأطفال ويهدد تماسك الاسر والمجتمع . ولذلك يجب ان تعمل النسوانية بشكل عام على خلق حرس اجتماعي في المجتمع يعيد الحميمية بين الجنسين في مؤسسة الزواج الشرعي ويضمن نظرة معتدلة للمرأة والرجل في مساواة ومناصفة تعيد انسجام المجتمع وتوازنه ، ولذلك سنخصص في الحلقات اللاحقة بإذن الله مجموعة من القضايا التي تشكل دائرة نزاع بين الرجل والمرأة وخاصة المساواة في الإرث والتشارك والكد والسعاية. *مؤسسة تراحم للدراسات والأبحاث الاسرية