كيف يمكن توصيف الواقع الجنسي في المغرب؟ كيف يمكن تفسيره؟ لماذا وكيف يجب الانتقال من المقاربات الإعلامية، ومن النظريات الاجتماعية إلى النظرية السوسيولوجية في هذا الموضوع الشائك والحساس بالنظر إلى ما يحيط بالجنسانية من تمثلات ومعايير وقوانين سلبية، وسالبة للحريات الفردية؟ 1- المقاربات الإعلامية تعبر هذه المقاربات عن نفسها من خلال نعت النفاق ومصطلح انفصام الشخصية (dédoublement de personnalité). يذهب الكثير من الصحافيين إلى اتهام المغربي بالنفاق في موضوع الجنس، بمعنى أن حياته الجنسية اليومية مليئة بسلوكيات وممارسات جنسية غير شرعية وغير قانونية وغير سوية (شاذة) مع حرصه على إخفائها وعدم تبنيها وعدم الاعتراف بها، حفاظا منه على صورة اجتماعية إيجابية؛ فهو يفعل أشياء ويقول أشياء أخرى، تناقض تماما ما يفعله. فخطابه اليومي عن الجنس، خطاب ديني وأخلاقي يدين كل أفعال جنسية خارج مؤسستي الزواج والأسرة خصوصا عندما يتعلق الأمر بالآخرين، وفي الوقت ذاته يقوم بتلك الأفعال بشكل متستر وخفي. من ثم للمغربي وجهان؛ وجه رسمي شكلي يساير الأخلاق الجنسية الأبيسية التقليدية، ووجه خفي مضمر يخرق يوميا تلك الأخلاق دون أدنى شعور بالتناقض؛ فهو يتصرف بشكل براغماتي نفعي يوفق بين المطلب الديني- الاجتماعي وبين رغباته الجنسية، وذلك نظرا لانعدام الحريات الفردية، بل هو يدين تلك الحريات، ويرى فيها انحلالا وتفسّخا أخلاقيا. لا شك أن مصطلح النفاق يصلح لوصف التعارض بين القول والفعل وصفا دقيقا، إلا أنه نعت يتضمن في طياته حكما أخلاقيا يتهم الفرد ويدينه ويطالب بمحاسبته، وهي أشياء غير مقبولة في المقاربة السوسيولوجية؛ فعالم الاجتماع لا يضحك من ظاهرة اجتماعية، ولا يبكي من أجلها، إذ تكمن مهمته في التفسير والفهم دون إصدار أيّ حكم قيمة. لذا، لا يحق لعالم الاجتماع تبني نعت النفاق لكي يظلّ محايدا وموضوعيا تجاه الظاهرة المدروسة. وقد ذهب البعض الآخر إلى استعمال مصطلح انفصام الشخصية المغربية لوصف الازدواجية وعدم الانسجام بين القول والفعل. إنه الطرح القائل بتواجد شخصيتين متناقضتين تتعايشان في صراع دائم في عقلية المجتمع المغربي. إن انفصام الشخصية عَرَض (symptôme) من بين أعراض الشخصية السكزوفرينية الفردية، وهو عرض غير إرادي لا يتحكم فيه الشخص السكزوفريني، بل لا يعيه في الكثير من الحالات، لأنه هديان واستيهامات لا علاقة لها بالواقع. المقصود بسحب هذا المصطلح على المجتمع المغربي هو إظهاره بمثابة مجتمع مريض يضطر إلى انفصام قهري تنفيذا للقمع الجنسي السائد. ورغم قهريته، يظل الانفصام الاجتماعي واعيًا بذاته، ومتبنيا لذاتها، اختياريا ومنفعيا، غير هدياني وغير استيهامي، خلافا تماما لما هو الأمر لدى بعض سكزوفرينيي الطب العقلي. وبالتالي، لا بدّ من رفض تنقيل هذا المصطلح من الفرد إلى المجتمع، ومن الطب العقلي إلى علم الاجتماع؛ فالمجتمع غير قابل للاختزال في مجموع أفراده. إنه بنيات ووظائف وعلاقات قوة بالأساس، وبالتالي لا يستقيم علميا سحب مصطلحات نفسية و/أو طب – عقلية فردية عليه (إلا مجازا). 2- النظريات الاجتماعية تعبر تلك النظريات عن نفسها من خلال ثلاثة مصطلحات هي العودة إلى الجاهلية، الفتنة والانحراف، وهي كلها ذات مصدر إسلاموي. أول من طبق مصطلح « العودة إلى الجاهلية » في « تحليل » المغرب هي حركة « الشبيبة الإسلامية » في مطلع السبعينيات من القرن الماضي. والمقصود بالعودة إلى الجاهلية، ذلك المصطلح الذي وضعه السيد قطب، تكفير المغرب، دولة ومجتمعا، بالنظر إلى عدم تطبيقه شريعة الإسلام. وبالتالي، يجب اعتبار المغرب دار حرب، واعتبار المغاربة مسلمين مزيفين يتوجب الجهاد ضدهم بفضل عنف ثوري يهدف إلى إحلال حكم الله. وقد اتهمت « الشبيبة الإسلامية » اليسار بالأساس، وحملته مسؤولية ما يقع في المغرب من فساد جنسي، وهو الأمر نفسه الذي نجده من جديد في مطلع الألفية الثالثة مع السلفية الجهادية التي اعتبرت بدورها أن عودة المغرب إلى جاهلية جنسية تعني شيوعية جنسية دون حدود وفوضى جنسية لا ضابط لها. أما مصطلح « الفتنة »، فقد استعمله عبد السلام ياسين شيخ « جماعة العدل والإحسان » في كتاباته الأخيرة من أجل التخلي عن مصطلح « العودة إلى الجاهلية » وتجاوز الجدرية الثورية الملازمة له؛ فالفتنة لا تعني أن المغرب ارتد عن الإسلام (كما هو الشأن في مصطلح العودة إلى الجاهلية)، فهي بالتالي ليست جاهلية، وإنما فقط أزمة وتخلف وعدم استقرار وفوضى وإلحاد. من تمظهرات الفتنة، يدقق ياسين، « الفساد الجنسي الذي جعل من المغرب بؤرة من البغاء الدولي »، وتعني الفتنة الجنسية إصابة المجتمع كله بهوس جنسي وبإقبال كبير على مختلف المتع الجنسية المحرمة من طرف مختلف الفئات الاجتماعية والمؤسسات الحكومية والهيئات الحزبية والمجتمع المدني. أما مصطلح الانحراف، فقد استعملته « جمعية الإصلاح والتوحد »، وهي الحضن الإيديولوجي الأول ل « حزب العدالة والتنمية ». والمقصود به، أن الأمة المغربية تخرق تعاليم الإسلام بالجملة، لكنها لا تزال مسلمة رغم ذلك؛ فشهر رمضان في نظرها لم يبق شهر عبادة وتأمل، بل أصبح شهرا يتميز بانتشار الشهوات والمتع الحسية، وعلى رأسها الملذات الجنسية. وبشكل عام، يعني المصطلح أن انتشار الاختلاط بين الجنسين وعري النساء انحراف بنيوي أدى إلى انتشار أمراض اجتماعية، مثل الإغراء بين الجنسين والخيانة الزوجية والطلاق والبغاء والأمراض المنقولة جنسيا وأولاد الحرام (الزنا). بتعبير آخر، يعني الانحراف زيغ المجتمع المغربي عن الطريق الصحيح والمستقيم. فالمجتمع يعرف حق المعرفة ما أقره الإسلام في الميدان الجنسي من تحريم الزنا واللواط والسحاق ومن اعتبارها فواحش كبائر. ورغم تلك المعرفة، ينحرف المجتمع عن تطبيق الأمر بالتحريم، ويتجه نحو الفساد الجنسي من خلال إقباله المتواتر على المحرمات الجنسية. يبين هذا العرض التركيبي أن النظريات الإسلاموية هاته نظريات اجتماعية لا تهدف إلى التفسير وإلى الفهم من خلال تحليل موضوعي أكاديمي للظاهرة الجنسية المغربية. همها الأساس هو اتهام المجتمع المغربي بالفساد الجنسي وبالانحلال الأخلاقي، انطلاقا من نموذج مجتمع إسلامي مثالي ماض وخال من الزنا ومن اللواط ومن السحاق، وهو المجتمع الذي لم يوجد قط تاريخيا؛ فهي نظريات تدين المغاربة وتعتبرهم مسلمين مرتدين أو فاسقين أو عاصين وتحملهم مسؤولية ما تعتبره فسادا من وجهة نظر إسلامية تتوق إلى مجتمع يضمحل فيه الزنا واللواط والسحاق بفضل عقوبتي الجلد أو الرجم. بتعبير آخر، أمام ما تسميه تلك النظريات « فسادا جنسيا »، الرهان هو تبرئة الإسلام (النصي النظري) من ذلك « الفساد » والمطالبة بتطبيق الإسلام حرفا قصد تحرير المجتمع من الفساد الجنسي. هذا وتجدر الإشارة هنا إلى التدرج التاريخي من مصطلح « العودة إلى الجاهلية » إلى مصطلح « الفتنة » ثم إلى مصطلح الانحراف، وهو انتقال من المصطلح الأكثر تشددا وعنفا إلى المصطلح الأخف والأيسر. إنه انتقال يعكس اندماج الحركات الإسلاموية التدريجي في الإطار الجمعوي أو الحزبي مع الإشارة إلى عودة مصطلح « العودة إلى الجاهلية » مع « السلفية الجهادية » في العشرية الأولى من الألفية الثالثة. وتؤشر عودة المصطلح الأعنف الراديكالي على شيئين اثنين؛ أولهما التنديد باندماج الإسلاموية في لعبة سياسية مرفوضة مبدئيا، وثانيهما انتشار أكبر للسلوكيات الجنسية قبل الزوجية والمثلية مع المطالبة بالحقوق والحريات الفردية. ويبقى الأهم في هذا التركيب إبراز التقاء المصطلحات الثلاث حول مقولة الفساد؛ فالعودة إلى الجاهلية فساد جنسي والفتنة فساد جنسي والانحراف فساد جنسي. بالنسبة إلى عالم اجتماع الجنس وهو يمارس حرفته، الرهان هو القيام بقطيعة إبستمولوجية مع المقاربات الإعلامية والنظريات الاجتماعية ذات الطابع القيمي الأخلاقي باعتبارها كلها سوسيولوجيا عفوية لا تقوم على أسس علمية. الرهان هو بناء نظرية سوسيولوجية علمية تسمح بفهم الظاهرة الجنسية دون إصدار أي حكم قيمة، وذلك بفضل وصفها وترتيب مؤشراتها وبتشخيص آليات تغيرها. وهذا هو رهان نظرية الانتقال الجنسي كنظرية سوسيولوجية التي وضعنا لبناتها الأولى سنة 2007، واستمررنا في إغنائها وتدقيقها في الكثير من كتاباتنا اللاحقة. 3- الانتقال الجنسي تقوم نظرية الانتقال الجنسي كنظرية عامة في الجنس على التمييز بين مراحل ثلاث: ا- مرحلة التطابق الديني، ونعني بها استمرارية بين سيادة معايير جنسية دينية، وبين انتشار سلوكيات جنسية دينية. ب- مرحلة الانفجار الجنسي، والمقصود بها انفجار الوحدة بين المعايير الجنسية، وبين السلوكيات الجنسية؛ فالأولى تظل دينية في حين تنفلت الثانية من المعيارية الدينية، مما يؤدي إلى انفجار كمي لسلوكيات جنسية قبل وخارج الزواج، ومثلية. ج- مرحلة التطابق العلماني ونعني بها استمرارية بين سيادة معايير جنسية علمانية، وبين انتشار سلوكيات جنسية علمانية. 3-1 مرحلة التطابق الديني تتميز هذه المرحلة بمأسسة المعيارية الجنسية الغيرية، والمقصود بذلك اعتبار العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة علاقة سوية لوحدها؛ فهي العلاقة الوحيدة التي بإمكانها ضمان النسل واستمرار الجنس البشري مع إرضاء الغريزة/الرغبة الجنسية. وفي الوقت ذاته، تعتبر المعيارية الغيرية كل علاقة بين شريكين مثليين علاقة شاذة، بل وترى أن كل ممارسة جنسية غير منجبة بالقوة ممارسة شاذة أيضا (الاستمناء، الجنس الفمي والإستي…). بالإضافة إلى سواء العلاقة الجنسية، مأسسة المعيارية الغيرية الزواج كإطار قانوني محدد للعلاقة الجنسية قصد تحديد نسب الأطفال بالأساس. في هذا الإطار، للإسلام خصوصية تكمن في إباحة التعدد الزوجي للرجال، بالإضافة إلى الحق في « ما ملكت اليمين » من نساء، وهو الحق في التسري دون حصر العدد، وذلك قبل الزواج وأثناءه. فالتسري شرعا هو وطء الأمة المملوكة ملك اليمين. أما المرأة، فلها الحق في زوج واحد فقط، ولا حق لها في إقامة علاقة جنسية مع ما ملكت يمينها من رجال. ولا يحق لها أيضا أن ترفض وضع الأَمَة، إن كان عقد امتلاكها سابقا على عقد اعتناقها الإسلام (فمجرد اعتناق الإسلام لا يحرر الأمَة من العبودية). بتعبير آخر، وخلافا للرجل، لا حق شرعا للمرأة المسلمة الحرة في الجنس قبل الزواج أو خارج الزواج، وهو ما يعني أنها مطالبة بالإمساك الجنسي قبل الزواج؛ أي بالعذرية. فطابو العذرية لا ينطبق على الرجل المسلم، حيث يمكنه التسري قبل الزواج، بل لا نجد في اللغة العربية (أو في الدارجة المغربية) اسما يفيد العذرية عند الرجال. على صعيد الممارسات الجنسية، انقسم المجتمع المغربي في مرحلة التطابق الديني إلى عالمين منفصلين؛ عالم الرجال وعالم النساء، عالم الفضاء العمومي الرجولي وعالم الفضاء الخاص النِّسْوي. إن الحدود الجنسية كانت أيضا حدودا مجالية، وهو ما يعني تطبيعا شبه-مؤسساتي لتمييز جنسي فضائي (ségrégation sexuelle spatiale) بفضل منع الاختلاط الجنسي من خلال إجبار النساء على القعود في البيت، أو على وضع لباس يغطي جسد المرأة كليا عند خروجها النادر من البيت. في هذا الإطار التمييزي، انحصرت معظم العلاقات الجنسية في إطاري الزواج والتسري؛ أي في إطارين شرعيين يعكسان معا الاستمرار بين المعيار الديني والسلوكيات الجنسية. طبعا، لا يمكن الجزم بأن العلاقات الجنسية غير الشرعية (زنا، بغاء ومثلية) كانت منعدمة كلية أثناء هذه المرحلة، فكل ما يمكن تأكيده هو أن تلك العلاقات كانت تشكل آنذاك ظواهر هامشية جدا، وكانت تعرَّف اجتماعيا كشذوذ وكفساد تبعا للمعيارية الإسلامية السائدة. بالإضافة إلى هاته الظواهر الجنسية الهامشية الثلاث التي تؤشر على عدم المطابقة التامة بين المعيار الديني والسلوك الجنسي، تجدر الإشارة إلى عدم احترام حق الزوجة في المتعة الجنسية، وهي الظاهرة التي يتكرر ذكرها في الكثير من النوازل الفقهية. فرغم تشديد الرسول على مراعاة حق الزوجة في بلوغ مرادها من النكاح، ورغم تذكير الفقهاء المغاربة في « آداب الزواج » على ضرورة « التقاء الماءين، ماؤه وماؤها » كناية على بلوغ الذروة الجنسية من كلا الزوجين، وبلوغ الذروة الجنسية من دعائم إحصان الزوجة في المنطق الفقهي الإسلامي، يبدو أن الكثير من الأزواج حولوا نكاح الزوجة إلى جماع إنجابي بالأساس، على حساب متعة الزوجة. فالجنسانية الزوجية كانت بشكل عام جنسانية « محترمة » لا تبيح للزوجة التعبير عن كل رغباتها الجنسية وإشباعها. 3-2 مرحلة الانفجار الجنسي سمة هذه المرحلة الأساسية هي انفجار الوحدة بين المعيار الديني والسلوك الجنسي؛ أي حدوث قطيعة بين معيار إسلامي يحرم الزنا والمثلية، وبين انتشار سلوكيات جنسية غير زوجية ومثلية. فالمعيار الإسلامي التحريمي لا زال يشكل المعيار الأساسي في تأطير النشاط الجنسي بشكل عام، رغم دسترة حقوق الإنسان سنتي 1996 و2011. فتلك الدسترة لم تفعَّل على صعيد القانون الجنائي المغربي، حيث لا زال الزنا بشقيه (المحصن وغير المحصن) محرما بصيغة وضعية هي التجريم، ولا زال اللواط والسحاق محرمين أيضا بنفس الصيغة. ورغم القطيعة بين الإسلام والقانون الجنائي فيما يتعلق بالعقوبات، لا زالت المعيارية الإسلامية فاعلة في ذهنية الإنسان المغربي في إدراك سلوكياته الجنسية غير الزوجية كحرام بيِّن. لكنها معيارية لم تعد مؤطرة للسلوكيات الجنسية الواقعية، رغم سيادتها المبدئية. فهناك اليوم قطيعة بين السلوكيات الجنسية والنموذج الجنسي الإسلامي، وهي قطيعة اتخذت شكل انفجار جنسي هائل، ما هي إذن التمظهرات الرئيسة لذلك الانفجار الجنسي؟ وما هي تبعاته؟ 3-2-1 تمظهرات الانفجار الجنسي للانفجار الجنسي ثلاثة تمظهرات هي: انفجار الجنسانية قبل الزوجية، انفجار العمل الجنسي، انفجار المثلية الجنسية. ا– انفجار الجنسانية قبل الزوجية من المؤشرات الإحصائية على وجودها، ذلك الفارق بين معدل السن عند أول علاقة جنسية، وبين معدل السن عند الزواج. فحسب دراسة لوزارة الصحة سنة 2013، معدل السن عند أول علاقة جنسية هو 16، 5 سنة عند الفتى و17، 8 سنة عند الفتاة. أما معدل السن عند الزواج، فهو 32 سنة عند الرجال و26 سنة عند النساء حسب آخر إحصاء وطني (سنة 2014). وهو ما يعني أن الحياة الجنسية تبدأ قبل الحياة الزوجية بسنوات كثيرة. فعلا، يمارس الشبان الجنس لمدة 15، 5 سنة قبل الزواج وتمارسه الشابات لمدة 8، 2 سنة قبل الزواج في المعدل. وتشير دراسة وزارة الصحة إلى أن 56٪ من العلاقات الجنسية تتم دون إيلاج فرجي وأن 25٪ من العلاقات يتم خلالها الإيلاج الفرجي. وعلى سبيل المقارنة، فإن دراسة أخرى لوزارة الصحة بينت أن العلاقات الجنسية دون إيلاج بلغت 31، 7 ٪ سنة 2007، وهو ما يعني أن نسبتها آخذة في الارتفاع، مع العلم أن التصريح بها ليس بالأمر السهل والهين. لذا من المنطقي افتراض ارتفاع تكراريتها بالمقارنة مع النسب المعلنة سنتي 2007 و2013. وهنا نذكر بأول بحث ميداني في الموضوع أنجزناه سنة 1976 في الدارالبيضاء، حيث صرحت خلاله تلميذة في الثانوي كان عمرها آنذاك 16 سنة قائلة: « أمارس الجنس دون إيلاج لأوفق بين المنع والرغبة » أي حفاظا على العذرية واعتبارا منها أن « الجنس دون إيلاج فرجي إثم صغير ». إلى جانب الجنس السطحي، تجمع كل الدراسات المتعلقة بالممارسات الجنسية قبل الزوجية على تكرارية كبيرة للممارسات الجنسية الفمية والإستية (من الخلف) والاستمنائية، كل ذلك للحفاظ على العذرية. وفي هذا الصدد، اقترحنا « المفهوم التوافقي للعذرية » الذي يحيل فقط على سلامة غشاء البكارة مع وجود علاقات جنسية متنوعة بديلة، وهو ما يتنافى مع المفهوم القرآني للعذرية الذي يعني غياب كل علاقة جنسية قبل الزواج كيفما كان نوعها. وتشكل هذه الجنسانية (غير الكاملة) البديلة ما سميناه ترميقا جنسيا يتم في أماكن غير ملائمة لممارسة الجنس قبل الزوجي. فقليلون جدا هم الشبان العزاب الذين يتوفرون على شقة مستقلة لاستقبال الشريكة الجنسية، وبالتالي كانت معظم العلاقات الجنسية قبل الزوجية تتم في دور السينما أو في السيارة أو في الغابة أو في الشاطئ أو في المراحيض… وشكل ذلك ما سميناه ترميقا مجاليا؛ فالترميق شمل إذن الجنس والمجال في آن واحد وفي نفس الفعل، وهذا ما سميناه « ترميقا جنسيا-مجاليا » (bricolage spatio-sexuel). إن التطبيق الأبيسي للمفهوم القرآني للعذرية جعل منها عاصمة (capitale) جسد الفتاة ورأسمال (capital) الفتاة الرئيس. فإذا فقدت الفتاة عاصمة جسدها قبل الزواج، فقدت كل شيء وفقدت بالأساس كل رأسمالها الاجتماعي، لأن « البغي وحدها تفقد عذريتها قبل الزواج » (قول شعبي). ونلاحظ هنا استغلال الفتاة، في مرحلة الانفجار الجنسي، اختزال العذرية في غشاء البكارة، عندما تعتبر نفسها عذراء ما دام الغشاء مصونا، وذلك رغم ممارسة الجنس بكل أنواعه (ما عدا الفرجي)، وهو نفس الموقف الذي يتبناه المجتمع بشكل عام. وفي حال الافتضاض غير المتبنى من طرف الفتاة، يتم اللجوء إلى ترميم غشاء البكارة (عند الطبيب) أو إلى استعمال غشاء بكارة اصطناعي لإيهام الزوج بالعذرية ليلة الزفاف أو إلى « شراء » شهادة عذرية عند طبيب في القطاع الخاص. وقد عبر بعض الفقهاء عن تأييدهم لهذه الممارسات تجنبا للفضيحة وللعار، رغم كونها تحايلا على المعيارية الجنسية الإسلامية؛ فهم لا يطالبون أبدا بجلد أو برجم الفتاة الزانية الباحثة عن عذرية زائفة. أيضا، يشكل اللجوء إلي تلك الحيل خيانة للأخلاق الجنسية الإنسية (humaniste) والنَّسَوية التي تعتبر الجنس قبل الزواج حقا من حقوق المرأة (والرجل على حد سواء). في الواقع، لم يبق هذا الطرح الثقافوي ساريا على كل المجتمع، إذ لم يبق غشاء البكارة رأسمالا أساسيا سوى عند الفتيات والأسر الفقيرة والقروية، والتي تكون أمية أيضا في غالب الأحيان. فالفتيات المنتميات إلى الطبقات الاجتماعية المتوسطة العليا، وإلى الطبقات الغنية لم تعد تولي أهمية لغشاء البكارة وللطقوس التي تحيط به أثناء ليلة الزفاف. وكانت الفيديوهات البورنوغرافية (منذ الثمانينيات من القرن الماضي) هي المُعلِّم الجنسي الأول للشباب المغربي، وكانت تشترى في الأسواق وتشاهد بواسطة التلفاز، مما كان يشكل بعض الصعوبات. أما اليوم، فالمواقع الإلكترونية والهواتف النقالة تساعد بشكل أيسر الانفجار الجنسي الحاصل، وهي كلها تلقن الشباب تربية جنسية مغلوطة وفاسدة، وتسهل التعارف وفرص اللقاء وتمكن من ممارسات جنسية افتراضية أو واقعية. ب- انفجار العمل الجنسي يشكل العمل الجنسي المظهر الثاني لمرحلة الانفجار الجنسي؛ فهو لم يبق اليوم ظاهرة هامشية ومحصورة تهم بعض النساء القلائل من المطلقات والأرامل، بل أصبح مهنة ومصدر عيش تطال الكثير من الشابات والشبان. ومن المستحيل إحصاء كل العمال والعاملات الجنسيات في المغرب، إما لأن العمل الجنسي مهنة سرية غير قانونية، وإما لأنها مهنة ظرفية غير قارة. ويشكل العمل الجنسي في كل الأحوال حلا غير مهيكل للبطالة المتفشية في أوساط الشباب الحضري. وقد تضخم العمل الجنسي من جراء الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن سياسية إعادة التقويم الهيكلي، وهي سياسة شملت المغرب أيضا في بداية الثمانينيات من القرن الماضي. وبالإضافة إلى تواطؤ بعض الأسر مع فتياتهم الممتهنات للعمل الجنسي (نظرا للحاجة، وفي بعض الحالات طلبا للمزيد قصد ارتقاء السلم الاجتماعي والتحول الطبقي)، لا بد من الإشارة أيضا إلى تواطؤ السلطات العمومية في تنظيم غير مهيكل لسوق بغائية غير مهيكلة. صحيح أن هناك من حين لآخر حملات قمعية تطهيرية ضد العاملات الجنسيات، لكن ما هو قار هو سياسة غض الطرف. فالعمل الجنسي يحرك السياحة الجنسية ويحرك الاقتصاد، وبالتالي تجد السلطات العمومية نفسها غير قادرة على ضبط سوق جنسية تجارية دولية، يتم داخلها استقطاب سواح جنسيين و »تصدير » عاملات جنسيات مغربيات إلى بعض الدول في الشرق الأوسط وفي أوروبا. وفي حالات تتكاثر، أصبح بيع خدمات جنسية أداة للاستهلاك وللعيش في « الرفاهية »، وليس وسيلة لمجابهة الفقر والبطالة. فبالنسبة إلى الفتيات المنحدرات من الطبقات الاجتماعية المتوسطة، لا يشكل البغاء حلا اضطراريا لإعالة الذات وإعالة الأسرة، وإنما وسيلة للتمتع واللهو وللظهور بمظهر الغنى. طبعا، لا تشعر هؤلاء الفتيات بالانتماء إلى عالم العمل الجنسي ولا يعرفن أنفسهن كباغيات. إن هذا الترابط بين الجنس والاستهلاك تلقى دفعة قوية بفضل السياحة العربية والغربية. فالكثير من الأموال العربية ذات المصدر النفطي تنتقل إلى المغرب بفضل السياحة الجنسية العربية. بتعبير آخر، تعمل بعض الدول العربية النفطية على تشجيع الانفجار البغائي في المغرب. ج- انفجار المثلية الملاحظ أولا أن اللوطيين والسحاقيات والمتشبهين والمتشبهات المغاربة يتخلون بدورهم تدريجيا عن هذه التسميات القدحية، خصوصا في صيغها المغربية الدارجة. ويعكس الانتقال إلى مفهوم المثلية قفزة نوعية في إدراك الذات وفي التماهي مع الميل المثلي. بتعبير آخر، يتم اليوم التخلي عن إدراك المثليين للمثلية كشذوذ بفضل توقف « المنظمة العالمية للصحة » عن فعل ذلك منذ 1991 وبفضل توصيات « مجلس حقوق الإنسان » منذ 2008 بالتوقف عن التمييز على أساس الميل الجنسي (orientation sexuelle). هذا وقد تم تشخيص موقف اجتماعي ناشئ مفاده أن المثلي، سواء أكان فاعلا أو مفعولا به، كائن لا يمكن إنكار رجولته نظرا لتوفره على ذكر؛ فالذكورة كافية لتحديد الرجولة بغض النظر عن الميولات والممارسات الجنسية. في الواقع، ما أعطى المثليين دفعة قوية هو الشبكة العنكبوتية التي مكنتهم من التعرف على بعضهم البعض، وعلى الالتقاء وعلى تشكيل جمعيات، وعلى خلق مواقع ومجلات إلكترونية. كل ذلك أدى إلى ميلاد هوية مثلية جديدة، فردية وجماعية، تدافع عن نفسها كأقلية جنسية لها حقوق ينبغي الاعتراف بها. هناك إذن انفجار للمطلب المثلي في المغرب من خلال تكاثر ظاهرة الخروج إلى العلن ومن خلال المشاركة في المظاهرات المنظمة من طرف جمعيات حقوق الإنسان. وقد شكلت حركة 20 فبراير 2011 مناسبة للحركة المثلية للظهور في الفضاء العمومي لأول مرة تحت شعار « الحب ليس جريمة »، ثم فيما بعد لخلق نقاش عمومي حول المثلية في إطار الدفاع عن الحريات الفردية. وقد بينت بعض الدراسات في الموضوع أن المثلي المغربي الجديد، خلافا للوطي، يرفض نظام المعيارية الجنسية الغيرية السائدة، فيجعل من نمط العيش المثلي اختيارا قارا ونهائيا. وقد ذهب بعض المثليين إلى كتابة عقد زواج بين رجلين أمام شهود مثليين ينص على أن الزواج تم « على سنة الله ورسوله »، وهو ما يعني أن المثليين يعرفون أنفسهم كمثليين مسلمين، وأن لا تناقض بين المثلية والإيمان. ظاهرة أخرى، تم رصدها بفضل الفعل السوسيولوجي الميداني، افتضاض غشاء البكارة المتبادل بين فتاتين مثليتين تعبيرا منهن عن رفض الزواج من رجل وعن اختيار نمط حياة مثلية. وبالتالي يمكن الخلوص إلى أن المثليين والمثليات والمزذوجي الجنسانية والمتحولين جنسيا؛ أي كل الفئات الجنسية التي تشكل مجتمع الميم، تعيش انتقالا صعبا من عدم الاعتراف المطلق إلى حالة من القبول الخجول من طرف المجتمع والدولة. فقد أدت الضغوطات الاجتماعية والملاحقات القانونية والمقاومات الإسلاموية إلى دفع البعض منهم إلى طلب اللجوء السياسي في بلدان مثل إسبانيا. 3-2-2 نتائج الانفجار الجنسي من الاستعراض السريع للانفجار الجنسي الثلاثي، تبين أن الجنسانيات قبل الزوجية والبغائية والمثلية جنسانيات مسروقة غير معترف بها كحقوق إنسان، فتتم في أماكن غير مناسبة وفي ظروف غير مناسبة. إنها جنسانيات غير محمية من أخطار متعددة. على رأس تلك الأخطار الإصابة بالأمراض المنقولة جنسيا، إذ تسجَّل كل سنة ما يقارب 400000 إصابة جديدة. ويرجع انتشار هذه الأمراض إلى الاستعمال الضعيف للغشاء الذكري الواقي لاعتبارات عدة منها: صورته الاجتماعية السلبية، ارتباطه بتقليص الشعور بالمتعة، غلاؤه، الحشمة عند شرائه، زرع الشك بين الشريكين الجنسيين، عدم فرض استعماله من طرف العاملة الجنسية خوفا من فقدان الزبون… هناك أيضا الحمل غير المقصود وغير المرغوب فيه نظرا للاستعمال الضعيف لوسائل منع الحمل. فنسبة الشبان الذين يعرفون تلك الوسائل وطرائق استعمالها الصحيحة هي 24، 7٪ في حين لا تتعدى تلك النسبة 19، 8٪ عند الشابات، وهو ما يعني أن وسائل منع الحمل مستعملة بشكل ناقص أو سيئ، مثلا قبل الجماع فقط وليس بشكل قار، ثم إنها لا تستعمل البتة عند الجماع السطحي دون إيلاج. كل هذا يؤشر على ضعف الوعي بخطر الحمل غير المقصود. من تبعات ذلك الحمل، انفجار الإجهاض السري في ظروف خطيرة على صحة المرأة الحامل أو على حياتها. فحسب « الجمعية المغربية لمكافحة الإجهاض السري »، تتم يوميا ما بين 600 و800 عملية إجهاض. وطبيعي ألا يطال الإجهاض كل الفتيات الحوامل قبل الزواج، مما يؤدى إلى ظهور وانتشار الأمهات العازبات، حيث بلغ عددهن 200000 حالة ما بين 2003 و2010. أما الولادات خارج الزواج، فحسب جمعية « إنصاف »، فقد بلغ عدد الأطفال المولودين خارج الزواج 44000 طفل في الدارالبيضاء لوحدها ما بين سنتي 2004 و2014. وتم التخلي عن 9400 طفل في نفس الفترة. الأدهى هو أن الانفجار الجنسي لا يعني الإشباع الجنسي بالنظر إلى أنه ترميق جنسي-مجالي يسيجه الخوف من المجتمع ومقاوماته الدينية، ومن السلطات وقوانينها، وهي مقاومات وقوانين مستبطنة إلى حد بعيد من طرف الفاعلين الجنسيين. وبالتالي، يشكل الانفجار الجنسي بؤسا جنسيا يخلق شعورا بالحرمان. لذلك، فللشعور الذي يلعب فيه البؤس الجنسي دورا لا يمكن إنكاره تبعات وخيمة على الأفراد وعلى المجتمع وعلى الدولة. إنه شعور يتم تفريغه في العنف اليومي ما بين الأفراد، وفي العنف الجنسي بكل أشكاله ضد النساء وضد الأطفال. كما يشكل أحد عوامل الوقوع في مخالب الإسلاموية الراديكالية وفي الإرهاب. فالبؤس الجنسي عامل له دور في رفض الحداثة كاختلاط جنسي في الفضاء العمومي، وفي المطالبة بعودة المرأة إلى البيت أو في فرض الحجاب/النقاب عليها، ثم في إرادة الهجرة إلى الجنة عبر الاستشهاد للقاء الحوريات (بالنسبة للرجال) أو إلى « الدولة الإسلامية في العراق وسوريا » الموفِّرة لعرض جنسي مغر لكل الجهاديين والجهاديات. 3-3 مرحلة التطابق العلماني تتميز المرحلة الثالثة من نظرية الانتقال الجنسي بعلمنة المعايير والسلوكيات الجنسية معا، بمعنى أن الدولة لا تقنن ولا تنظم الحياة الجنسية، انطلاقا من الدين السائد إحصائيا في المجتمع. ويعني هذا أن النظام العام الذي تحميه الدولة لا يبقى نظاما يقوم على قيم وتشريعات دين معين، بل يقوم على المساواة بين كل الأديان وعلى تحييد الأديان كلها من الفعل التشريعي، وهو ما يؤدي بالدولة العلمانية إلى التوقف عن اختزال الجنسانية وحصرها في مؤسستي الزواج والأسرة، وإلى إقامة المساواة بين كل الفاعلين الجنسيين: بين النساء والرجال، بين المتزوجين وغير المتزوجين، وبين الغيريين والمثليين. إنها مساواة في كافة الحقوق الجنسية والإنجابية كحقوق إنسان كما هي متعارف عليها دوليا. وتضم تلك الحقوق الحق في التربية الجنسية والحق في الجنس قبل الزواج والحق في الإنجاب خارج الزواج والحق في حرية اختيار جنس الشريك الجنسي… طبعا، داخل النظام العلماني، يحتفظ الفرد المتدين بحقه في رفض ممارسة كل ما يحرمه دينه في الميدان الجنسي، لكن رفضه ملزم بأن يظل فرديا وشخصيا. فلا حق للمواطن المتدين أن يفرض أخلاقه الجنسية على مواطنين آخرين لهم قناعات جنسية أخرى باسم الحريات الفردية. المفروض في الدولة العلمانية أنا تشكل الإطار العام لتعايش سلمي بين كل الميولات والاختيارات الجنسية والإنجابية بين الراشدين، شريطة أن تكون متراضية وخالية من أي شكل من أشكال العنف. خلاصات تبين نظرية الانتقال الجنسي أن المغرب في المرحلة الثانية؛ أي في مرحلة الانفجار الجنسي، انفجار الوحدة والانسجام بين المعيار الجنسي الإسلامي، وبين السلوك الجنسي الواقعي. وقد اتضح أن الانفجار الجنسي لا يشكل أبدا ثورة جنسية إيجابية، بل يعكس واقعا جنسيا بئيسا ومزريا يتمثل في جنسانية مسروقة وغير محمية وخطيرة. وبالتالي، فالرهان المطروح هو الخروج من الانفجار الجنسي والتخلص من تبعاته السلبية. أول خطوة مؤسسة في هذا الاتجاه هو القيام بإصلاح ديني يكمن أولا في تسجيل عدم واقعية الحلول الإسلامية « الرسمية » للمعضلة الجنسية القائمة. فالإمساك الجنسي قبل الزواج واللجوء إلى الاستمناء (العادة السرية) عند اشتداد التوتر الجنسي والصوم والزواج المبكر تشكل أجوبة يرفضها العقل في تمظهراته الطبية والاقتصادية، ثم هي حلول غير قابلة للتطبيق مهما بلغ إيمان المؤمن من قوة وصلابة. وقد أدرك الإسلام نفسه ذلك، عند إباحته لزواج المتعة الذي اعتبره الكثير من العلماء حلا لمسألة الجنس عند الشباب. والواقع أن نقد الحلول الدينية يقود إلى نقد أعمق، إلى التساؤل عن أسباب تحريم الجنس قبل الزواج وخارجه. فالسبب الرئيس يكمن في الحفاظ على طهارة النسب من خلال تجنب كل الولادات التي تقع قبل الزواج وخارجه. من ثم مطالبة الفتاة بالعذرية كوسيلة وحيدة لمنع الحمل قبل الزواج ومطالبة الزوجة بالإخلاص كوسيلة وحيدة لمنع الحمل خارج الزواج. إن الخوف من اختلاط الأنساب الأموال هو الدافع الأساسي لمنع كل جنسانية قبل وخارج زوجية، وهو دافع لا يصمد أمام توصل العلم الحديث إلى اكتشاف وسائل منع الحمل تمكن الفرد من ممارسة حقه في الجنس المتراضي دون خطر حمل غير مقصود. وحتى عند وقوع حمل غير مرغوب فيه، فإن الطب الحديث يمكن من توقيفه بشكل مأمون. فتكاثر النسل (مهما كانت ظروفه) لم يبق اليوم عامل قوة، ولم يبق رهانا في العصر الحديث نظرا لتعويض الطاقة البشرية بطاقات أخرى أكثر نجاعة. إنه الرهان الذي دفع أيضا إلى تحريم المثلية، باعتبارها مرضا وهدرا للمني، لا يكثران من عدد أفراد الأمة. والواقع أن الطب الحديث لم يؤكد أن المثلية مرض اسمه الأُبْنَةُ، كما أن الديموغرافيا لم تبرهن على أن المثلية تهديد بانقراض الأمة (أو البشرية). اعتبارا لهذا التدليل العقلاني، لا بد من اجتهاد بلا حدود يؤدي إلى تعليق العمل ببعض النصوص المرجعية المقدسة، أو إلى تأويلها تأويلا جديدا يتلاءم والظروف الجديدة التي يوجد فيها مسلم اليوم. ومن ثم، لا بد من إصلاح قانوني، خصوصا وأن القانون الجنائي في الحقل الجنسي أصبح بدوره عاجزا عن إخماد الانفجار الجنسي الحاصل. ففي سنة 2018 مثلا، تفيد المعطيات الإحصائية قلة المتابعات القضائية ضد الجنح الجنسية والإنجابية. فعددها لا يتجاوز 14503 حالة في « الفساد » (علاقة جنسية بين أعزب وعازب)، و3048 حالة في الخيانة الزوجية، و170 حالة في المثلية الجنسية و73 حالة في الإجهاض، وهي أعداد قليلة جدا بالنظر إلى ما يحدث منها في الواقع الجنسي اليومي الانفجاري، مما يعني أن خرق القوانين أصبح بنيويا، وأن تطبيق القانون لم يعد كافيا لكبح الانفجار الجنسي كتغير اجتماعي تاريخي حتمي. وبتعبير آخر، أصبح القانون متجاوزا ومتأخرا عن الواقع؛ فالمجتمع تغير بشكل كبير في سلوكياته الجنسية دون أن يساير القانون ذلك التغير السلوكي. فأصبح القانون مجرد قالب شكلي للتعبير والحفاظ عن إيديولوجيا جنسية إسلاموية تجاوزها السلوك الجنسي المُعَلْمَنِ إلي حد كبير في مجتمع مغربي معلمن إلى حد كبير. إن التغير الجنسي الاجتماعي يفرض إصلاح القانون الجنائي تبعا لتوصيات الدرس السوسيولوجي في الموضوع منذ 2007، ذلك الدرس الذي وجد تدريجيا من يعبر عنه في المجتمع المدني وفي المؤسسات التشريعية. وفعلا، شهدت سنة 2015 توصية ملكية في إصلاح الفصول القانونية المتعلقة بالإجهاض من أجل إباحة الإجهاض في حالتي الحمل الناتج عن جنس المحارم (inceste) وعن الاغتصاب وفي حالة التشوه الخلقي للجنين، وهي حالات غير واردة في القانون الجنائي بالنظر إلى مرجعيته الفقهية المالكية. وفي سنة 2019، طالب برلماني من اليسار بالاعتراف القانوني بالحريات الفردية، بالحق بالجنس قبل الزواج وبالحق في المثلية وبالحق في الإجهاض. وفي السنة نفسها، طالبت برلمانية من حزب ليبرالي بسن قانون يلزم الوالد البيولوجي بالاعتراف بولده البيولوجي وبالتحول إلى أب قانوني يضمن حقوق الطفل في النسب وفي النفقة وفي الإرث. إنها معارك صعبة تهدف إلى وقف الانفجار الجنسي؛ بمعنى أن الاعتراف القانوني بالجنس قبل – خارج الزواج (سواء أكان غيريا أو مثليا) وبنسب الطفل « الطبيعي » وبالأم العازب وبالإجهاض يشكل تطبيعا لكل تلك الظواهر. فلا تبقى ظواهر اجتماعية مرضية انفجارية وتفجيرية، وإنما تصبح سلوكيات ووضعيات يحميها القانون، فيضع حدا لكل المخاطر التي كانت تحيط بها، وهي غير قانونية. إنه التطابق العلماني بين المعيار (القانوني) والسلوك، فالقانون لا يبقى قامعا والسلوك لا يظل جانحا وسلبيا وخطيرا. ثالث إصلاح أساسي وضروري من أجل إنجاح الانتقال الجنسي؛ أي من أجل الخروج من الانفجار الجنسي وولوج التطابق العلماني، إصلاح اجتماعي. ونود هنا التركيز فقط على إحدى آليات الإصلاح الاجتماعي، وهي التربية الجنسية. إن هذه الأخيرة أصبحت اليوم ضرورة عمومية، فهي التي تمكن المواطن منذ طفولته من معرفة علمية، ومن قيم إنسية تحريرية ومساواتية تتعلق بالحق في الجنس (لذاته). وتمكن بالضبط من اجتناب ثلاث مخاطر رئيسة هي الأمراض المنقولة جنسيا والحمل غير المقصود، واستعمال العنف في البحث عن الجنس وأثناء ممارسته. علاوة على وظائفها هاته، تعمل التربية الجنسية في مفهومها الشمولي على تغيير معايير الجندر؛ بمعنى أنها تمكن الرجال والنساء معا على التحرر من النماذج النمطية اللامساواتية للرجولة وللأنوثة. وبالتالي، تعمل على ميلاد إنسان جديد لا يعتبر الرجولة تفوقا وسيطرة ولا يختزل الأنوثة في الجمال والإنجاب والتبعية والخضوع. إن القضاء على الانفجار الجنسي يقوم على هذه الأخلاق والقيم الإنسية التي بدونها لا تكتمل إنسانية الإنسان ولا يتحقق المجتمع سليم ومجتمع سلام.