إن المتأمل الموضوعي لمسار تشكل الهوية المغربية سيقف على تكامل المكونين العربي والأمازيغي على الدوام. ولعل تصدير دستور المملكة المغربية لسنة 2011، قد وفق بشكل مهم في رسم معالم هندسة ثقافية ولغوية متوازنة، حيث ميز أولا بين المكون والرافد، ومن ثمة أعطى للمكون العربي الإسلامي وصنوه الأمازيغي مكانة متقدمة، وأعتبرهما إلى جانب المكون الصحراوي الحساني الذي يمزج في الحقيقة بينهما، حصرا تسمية المكون في الهوية المغربية، ليضيف بعدها روافض الهوية وهي المتوسطي والعبري والأندلسي والإفريقي. إن الوعي بهذه الهندسة يعد أمرا أساسيا في الدفاع والنضال وحتى التخطيط الثقافي واللغوي ببلادنا. وفي هذا الصدد يجب التأكيد على أن أي محاولة لخلق التناقض بين المكون العربي والأمازيغي، لا يخدم أيا منهما، بل يمكن اعتباره خدمة مباشرة لأصحاب التغريب الثقافي واللغوي، وهو أيضا تسهيل لأصحاب الإلحاق الثقافي وذوو الشخصية المنهزمة، التي لم تستوعب بعد أن المغرب ليس ملحقة لأي كان، بل إن بلادنا عبر تاريخها العريق قد استطاعت أن تبصم على شخصية حضارية متفردة، كانت ولا زال عصية على التطويع والإلحاق. ويحسن في هذا المقام التأكيد بنفس القوة أن التطرف سواء أكان عربيا أو أمازيغيا يجب أن يجابه ويحارب، فهذه الأحادية الثقافية هي التي من شأنها الإضرار بشخصيتنا الحضارية المغربية، وكما أقول دائما فالأمازيغية كانت إبان اللحظات الأولى للدفاع عنها جوبهت بطرف قومي موغل في الأحادية الثقافية، رغم أن الخطاب التأسيسي الامازيغي تقدمه مناضلون وطنيون وحدويون، ولا أدل على ذلك شعار المرحوم إبراهيم أخياط والمتمثل في الوحدة في إطار التنوع. كما أن التطرف الأمازيغي الذي يحاول العيش على أساطير غير واقعية، وينسج تاريخا موغلا في المثالية، ويرى في العربية والإسلام العدو للأمازيغية هو الآخر في حاجة للتصدي والمجابهة. وقد يصدق على هذا التحليل تقسيم فرنسيس بيكون للأوهام العقلية لأربعة وهي: أوهام القبيلة، وأوهام الكهف، وأوهام السوق، وأوهام المسرح. والرابط بينها جميعاً أنها تجعل العقل كمرآة محدبة تعكس الأشياء بصورة مشوهة. لذلك فالمهمة المركزية لعقلاء المكونين هي محاربة هذا التطرف والانغلاق، وعدم توفير الظروف لانتشار هذا الفكر الأحادي لأن كلا الخاسر منه هو كلا المكونين بدرجة واحدة. ولعل التأمل في السياسة الاستعمارية كانت تتغيا نفس السبل والوسائل، ولتسهيل عملية هيمنة ثقافتها ولغتها، لعبت على وثر التفرقة بين العربية والأمازيغية، لكن هذه الاستراتيجية الاستعمارية قابلها ذكاء المغاربة عموما، رغم بعض الحالات المعزولة سواء داخل النخبة أو الجمهور. إن مهمة المثقفين والمناضلين على حد سواء هي الوعي بهذا التكامل وبمركزية المكون الأمازيغي والعربي، والعمل على التكامل بينهما في رسم معالم الشخصية الثقافية الوطنية، وهذا الوعي هو الكفيل بقطع الطريق أمام المنهزمين، ودعاة التغريب الهوياتي، وبدون هذا الوعي الاستراتيجي فلا يشكن أحد في أن الخاسر الأكبر سيكون هو العربية والأمازيغية. * باحث في اللسانيات الاجتماعية والتخطيط اللغوي