«الإشكالية اللغوية والتعديلات الدستورية» عنوان الندوة الأكاديمية التي نظمها المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يوم السبت الماضي بمقر الحزب بالرباط، بمساهمة خبراء وأكاديميين في مجال اللغات واللسانيات كعبد القادرالفاسي الفهري، وأحمد بوكوس، ومحمد الشامي، أحمد عصيد وعبد الغني أبو العزم.. اختيار الموضوع منبثق من وعي الاتحاد بمدى ترابط وتداخل المسألة اللغوية بالهوية الثقافية، ومن جهة ثانية وعي الاتحاد بأن البعد الثقافي والفكري والمعرفي يعد من العناصر الأساسية لبلورة المواقف السياسية بحسب رشيدة بنمسعود التي قدمت كلمة باسم المكتب السياسي للحزب في بداية أشغال هذه الندوة. أكدت رشيدة بنمسعود خلال هذه الندوة التي حضرها أربعة أعضاء من المكتب السياسي وعدد كبير من الاتحاديين والاتحاديات بعدد من المناطق بالإضافة إلى فعاليات وناشطين أمازيغيين، أن الاتحاد يتعامل مع الهوية الثقافية من منظور تركيبي متعدد، يحتضن اللغة العربية الفصحى التي تمثل ذاكرة المكتوب وخزان قيم الانتماء الحضاري والإسلامي، إلى جانب طبعا اللغة الأمازيعية ولغات الحياة و اليومي المعيش ممثلة في الدوارج التي تعتبر لغات التخاطب والتواصل اليومي بالنسبة لفئات عريقة من ساكنة المغرب. وأضافت بنمسعود أن الاتحاد يرى إلى الهوية في حركيتها الدائمة وليس كمعطى ثابتا، وفي تعددها وتنوعها، إذ تعتبر المخزون الحضاري الذي ينصهر فيه البعد العربي الأمازيغي، الأندلسي الإفريقي والمتوسطي. فمن هذا المنطلق تعامل الحزب من خلال أدبياته وعبر محطات مؤتمراته الوطنية، مع الهوية الثقافية وفق توجه عقلاني يخدم ترسيخ التحديث السياسي الثقافي الذي يعد مدخلا ضروريا للتحديث السياسي والاجتماعي والاقتصادي، مطالبا بدسترة الأمازيعية وتمكينها من الدعم الكافي للحماية والنماء. وسجل عبد القادر الفاسي الفهري أن اللغة العربية لازالت بخير، حيث يتكلمها اليوم 350 مليون نسمة، وأصبحت لغة رقمية ويستعملها 65 مليون فرد في جهاز الحاسوب، بالإضافة إلى أنها أصبحت لغة عبر لغة وطنية، فهي لغة الاقتصاد والبورصات في العديد من الدول العربية وفي الصدد ذاته نبه الفاسي الفهري إلى أن هناك أعداء كثرا للغة العربية مافتئوا يشنون حملات مغرضة ضدها يتمثلون في جامعيين وفرنسيين مقيمون هنا بالمغرب ومأجورين لهذا الغرض، مشيرا كذلك للزحف الخطير للغة الفرنسية والذي يتهدد اللغة العربية ببلادنا، فضلا عن الانحرافات لبعض الإخوان الأمازيع الذين يجعلون من اللغة العربية عدوة لدودة للغة الأمازيعية، مشددا في هذا الإطار على أن ما يضايق الأمازيعية هي اللغة الشعبية وليس اللغة الفصحى. أما بالنسبة للهوية المغربية فلقد اعتبرها الفاسي الفهري، هوية مزيجه وتكاملية، وهناك تداخل ما بين اللغتين الأمازيعية والعربية التي كانت لها مهمة المدرسة والإدارة، فهذا التداخل والتكامل والتعايش والاستقرار اللغوي ما بينهما لم يهتز إلا بمجيء الاستعمار، فالتنوع الموجود في المغرب يتمركز ما بين لسانين، اللسان العربي بكل تنوعاته واللسان الأمازيغي بكل تنوعاته، بالإضافة إلى اللغات الكونية الأخرى الانجليزية والاسبانية والفرنسية التي لنا معها تاريخ، محذرا في نفس السياق من التطرف اللغوي والتطرف الفرنكوفوني والتبزيري. واقترح الفاسي الفهري مجلسا أعلى لتدبير اللغات تكون مهمته الأساسية تدبير المشاكل المرتبطة باللغات والتوازنات المتعلقة بها عبر تحضير ملفات متخصصة، وتعرض فيما بعد على الشعب، وأن لا يترك الأمر على ما هو عليه، لأن عمليات التدبير للقضايا اللغوية صعبة وليست في متناول عامة الناس، داعيا في هذا الصدد إلى أن يتضمن الدستور المرتقب في ديباجته إقرار هوية لغوية من العروبة والمزوغة وتدبير التعدد اللغوي في إطار التسامح، لأن التنافس ما بين للغتين العربية والأمازيغية أدخله الفكر الاستعماري، وبالتالي على الحركات الأمازيعية المتنورة أن لا تسقط في هذا الفخ. ومن جانبه دعا أحمد بوكوس، مدير المعهد الملكي للثقافة الأمازيعية، إلى أن يتجاوز البعض جملة من الاقتناعات المتجاوزة تاريخيا، بالنظر للمرحلة التي يعيشها المغرب والسياق المرتبط بالفضاءات المحيطة به والتي تقتضي من الجميع التفكير الرزين والعقلاني فيما يخص الإشكالية اللغوية، مشددا في الاتجاه ذاته على أنه آن الأوان ليعترف المغرب برافد من الروافد المكون للهوية و الثقافة المغربيتين، وذلك عبر ترسيم اللغة الأمازيعية بالوثيقة الدستورية التي سيصوت عليها الشعب المغربي في الاستفتاء المزمع تنظيمه في بداية شهر يوليوز. وتحدث بوكوس، خلال مداخلته حول أسباب ودواعي ترسيم اللغة الأمازيعية، إلى جانب اللغة العربية بالوثيقة الدستورية مجملها في عدة مسوغات أولها المسوغ السياسي المتمثل في أن ترسيم اللغة الأمازيعية مطلب مجتمعي لعدد من التنظيمات السياسية ولعدد أكبر من منظمات المجتمع المدنين، ثانيا المسوغ التاريخي ، ثالثا مسوغ له علاقة بحقوق الإنسان، ومسوغ القاعدة الديمقراطية، حيث يوضح أن الأمر لا يتعلق بشرذمة، بل هناك ملايين المغاربة ينطقون ويتعاملون الأمازيعية، رابعا مسوغ ثقافي لأن الثقافة الأمازيعية ثقافة حية، وأخيرا مسوغ القاعدة الاجتماعية. وأثناء حديثه عن حصيلة المعهد والمكتسبات التي حققت في هذا الإطار والتقدم الذي عرفته اللغة الأمازيعية من حيث جاهزيتها وتهيئتها، نوه أحمد بوكوس بحزب الاتحاد الاشتراكي الذي ترأس حكومة التناوب في شخص عبد الرحمان اليوسفي الذي ضمن الأمازيعية في التصريح الحكومي، والحبيب المالكي كوزير سابق للتربية الوطنية، الذي تم في عهد إدماج اللغة الأمازيعية لأول مرة في التعليم. أما بالنسبة لمحمد الشامي رئيس كنفدرالية الجمعيات الأمازيغية بشمال المملكة الذي تقدم بمذكرة للجنة المكلفة بمراجعة الدستور، فقد تمركزت مداخلته حول مدى أهمية ترسيم اللغة الأمازيعية بالوثيقة الدستورية المقبلة ضمانا للغة الأمازيعية للحماية القانونية من الميز اللغوي وتوفير لها الشروط الملائمة للتطور والنماء، وضربا لكل خصوم المقاربة التعددية ودعاة الأحادية أو البلقنة التي كان يدعو إليها الاستعمار. كما شدد الشامي على أن موقف حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في إدماج اللغة الأمازيعية كان جريئا وشجاعا وسيبقى مسجلا في التاريخ، وتحقق الشيء الكثير حين كان الاتحاد مسؤولا عن قطاع التعليم في مجال تعليم الأمازيعية، المعيارية التي تأسست على قواعد علمية دقيقة، والنمطية الخطية، معتبرا أن ترسيم اللغة الأمازيعية هو القاعدة بالنسبة لعدد من الدول، أما وطنية اللغة الأمازيعية في الدستور وصفه بالوضع الاستثنائي الشاذ والموجود بالجزائر. وبنفس المناسبة اعتبر أحمد عصيد أن عدم ترسيم اللغة الأمازيعية بالوثيقة الدستورية المقبلة شيء خطيرا جدا، وسيضع شرعية السلطة والدولة محل تساؤل، وسيخرج الناس للشارع من الاحتجاج، لأن وطنية اللغة الأمازيعية، مجرد اعتراف رمزي وهذا الاعتراف موجود وقائم بدون تضمينه بالدستور. لذلك يشدد أحمد عصيد على ترسيم اللغة الأمازيعية ساردا عددا من الشرعيات التي تبرهن على تحقيق هذا المطلب بداية من الشرعية السوسيو ثقافية، والشرعية السياسية، والشرعية الدينية، والشرعية الحقوقية. ويرى أحمد عصيد أن بترسيم اللغة الأمازيعية سنعيد تأسيس مفهوم الوطنية المغربية، وسنعيد أيضا النظر في الانتماء بالتكامل ما بين المكونين والتوازن في الشخصية، كما أنه لابد من قراءة مغربية لتاريخ المغرب على أسس الشرعية الديمقراطية، وسوف لا نبقى محتاجين إلى تزوير التاريخ، موضحا في هذا الصدد أن العلاقة الطبيعية ما بين اللغات ليست علاقة صراع وتصادم، وإنما الإيديولوجيات هي التي تتصارع وتتصادم. وفي آخر هذه الندوة قدم عبد الغني أبو العزم مداخلة، حول جدلية الاصلاح الدستوري ومعالجة التعدد اللغوي، أكد خلالها على أن الهوية المغربية متعددة ومتنوعة، وهذا في حد ذاته يشكل قوة في التوحد واللغات من مكونات الشخصية ولا دخل للإيديولوجيات في تحديد مسارها أو مجالاتها ومراتبها. ودعا عبد الغني أبو العزم إلى حوار وطني حول اللغة بعيدا عن الإيديولوجية، حورا يتسم بنوع من الهدوء الفكري والعقلاني بعيدا عن الرغبات العاطفية وبعيدا كذلك عن أي تدبير إيديولوجي، لأن التعدد اللغوي لا مفر منه ومسألة الترسيم اللغة الأمازيعية، يقول أبو العزم، وإن كانت لابد منها، لمَ لا. وتناول بالدراسة والتحليل لتجارب بعض الدول في هذا المجال كجنوب إفريقيا وإسبانيا ... وعرفت هذه الندوة نقاشا غنيا ومستفيضا تابعه الجميع إلى آخر نهاية هذه الندوة، حيث وصل عدد المتدخلين حوالي 20 متدخلا، أثروا النقاش باقتراحات وملاحظات وتوضيحات وجيهة.