يُقال إن أهل قرية كرهوا مسؤولا ،لظلمه وطغيانه وفساده كراهية عمياء، فانتظروا الإنتخابات التي أفرزت مسؤولا جديدا، ففرحوا بمقدمه، لكنهم اكتشفوا لاحقا أنه هو نفسه المسؤول الأول غير فقط حزبه، خطابه و مبادئه، وانتظروا الانتخابات الموالية من أجل انتخاب مسؤولا جديدا ، وفرحوا أيضا بمقدمه، فاحتفلوا وغنوا ورقصوا، لكنهم اكتشفوا بعد حين أنّه هو نفس المسؤول ، وقد خدعهم هذه المرة بقناعه ولحيته و تسبيحه و سجادته .. ففقد أهل القرية الأمل في المسؤول و في الإنتخابات و في إمكانية التغيير وفي كل شئ، و تيقنوا أن المسؤول في بلادهم لن يتغير مهما فعلوا. تشبه هذه الحكاية الإنتخابات في المغرب ، حيث يتفاقم الصراع بين التحالفات السياسية للفوز بالسلطة عبر صناديق الإقتراع وإجراء الإنتخابات ، و في النهاية تبقى نفس الوجوه المألوفة ، وكل مرشح منهم يقدم نفسه على أحسن ما يكون، فمنهم الوطني والشهم والمصلح والمجاهد والمتدين وغيرها من الأوصاف. ويبدو واضحا أمامنا اليوم، وخصوصا من لديه الحكمة والحلم والتفكير متسائلا حول نوعية هذا الصراع بين أقطاب الكتل السياسية، وأتباعهم، فاغلبهم يتسابق من أجل السلطة والجاه والاستفادة والمصالح الشخصية، ويندر من تجده مخلصا لمبادئه، وفيا لوطنه، أمينا على المواطن . تجدهم يقتحمون الميدان بلا أية برامج سياسية، وبلا أية أفكار عملية، وبلا أية مشروعات وطنية، اطلع عليها المواطن قبل الإدلاء بصوته و تلوين أصبعه. كرنفال غير نظيف سنعيشه في الايام القادمة ، هلوسة وهستيريا وجنون في الشوارع و الإعلام و شاشات التلفاز ،سب وشتم وقدف و تبادل الاتهامات ، في موسم الانتخابات .. سنشاهد نفس الوجوه ونفس الوعود ونفس الأكاذيب ونفس القصص ونفس الأذناب وحملة المباخر ونفس المتملقين ونفس المتزلفين والدجالين ونفس الباعة والمضاربين ، يظهر المتصنعون للتواضع والود والنزاهة لإيهام الناس الضعفاء أنهم الأفضل والأمثل والأجدر بالتمثيل في مختلف المناصب ، تزهر لغة الوعود وتزدهر ، ويعتدل لسان حال المرشحين بالمفردات العذبة والجذابة والكلام المنمق طبعا كل ذلك بهدف الخداع والتضليل وتشويه الحقائق وتزييف الواقع وكسب الأصوات ، ترحال من هنا إلى هناك و من هناك إلى هنا في غياب تام لبرامج سياسية واقعية و لوجوه سياسية جديدة ، برامج تتشابه ووجوه سياسية من العصر الحجري عاصرت كل التجارب السياسية دون أن تعطي أي إضافة، حروب تزكيات تحاك ليلا ونهارا سرا وعلانية. تزكيات تطرح لدى الرأي العام ا علامات استفهام كبيرة ، لسبب بديهي يتعلق في الأسس التي تعتمدها مختلف الأحزاب في اختيار مرشحيها للانتخابات، والتي تفرز دائما وأبدا نفس الوجوه، بل وفي نفس الدوائر غالبا، بغض النظر عن أداء هؤلاء "القادة الحزبيين" في دوائرهم، أو "إنجازاتهم" خلال الولايات التشريعية المختلفة. إن الأحزاب ، التي تصر على تخيير المواطنين بين نفس الوجوه، ثم تتساءل عن سبب عزوفهم عن المشاركة في الانتخابات، هي أحزاب لم تدرك بعد حقيقة و طبيعة الدور المنوط بها في تأطير المواطنين وتحفيز مشاركتهم في الشأن العام . كما أن سلوكها هذا، يؤكد بالملموس أنها تنظر للمواطنين نظرة "دونيةّ" أبعد ما تكون عن الندية والمشاركة، وفي أفضل الحالات، هم في نظرها "خزانات أصوات انتخابية" يجتهد نفس المرشحين مرة كل خمس سنوات، في استمالة أصواتهم بوسائل مشروعة وغير مشروعة، دون الحاجة لتجديد الخطاب أو وسيلة التواصل، أو محاولة الوصول إلى شرائح جديدة. إن الثقافة السياسية التي تجعل حزبا يرشح نفس الشخص على مدى نصف قرن! مع كامل الاحترام لجميع المرشحين، يضع علامة استفهام كبيرة على مجمل الثقافة الحزبية ومفهوم العمل السياسي عند هذا الحزب وغيره. ان العقلية والثقافة التي تؤبد مثل هؤلاء المرشحين، لن تحتاج للاهتمام بأمور "تافهة" من قبيل "البرامج الانتخابية والخطط العملية، و يبدو أن الأحزاب لم تستوعب بعد أنّ الأزمة مع الناخبين ليست أزمة برامج فقط بقدر ما هي أزمة التزام بتلك البرامج. كما لم تستوعب انعدام ثقة المواطنين في أغلب الأحزاب و بكل مرشحيها خصوصا من تقلدوا مناصب من قبل. الأحزاب مطالبة بتجاوز المنطق الكلاسيكي في تدبير الأمور، والإبداع في أساليب ممارسة العمل السياسي، عبر تشخيص دقيق للمرحلة الراهنة وطرح كافة الأسئلة الضرورية، والاجتهاد في إيجاد مخارج لربط الجسور مع مستقبل آمن. لأن عودة نفس الوجوه لتصدر المشهد الانتخابي ببلادنا، سيكون لها تداعيات سلبية في المستقبل خاصة أن بعض الأحزاب ترتب بالمباشر أو الغير مباشر، للحفاظ على وجوه مألوفة، اعتادت تأثيث المشهد الانتخابي، تحت الترويج لخطاب استفزازي مفاده أنه لا تنكر للرموز والحرس القديم والأعيان، وهو اعتقاد ما إذا رسم، سيزيد شيخوخة الجسم السياسي، الذي لا يحتمل الاستمرار في سماع أسطوانة مشروخة، لا تنسجم ألحانها وإيقاعاتها مع مضامين الدستور الجديد، الذي يراهن على «الفتوة السياسية». أمام الأحزاب في انتخابات 2021 فرصة تنقية بيتها والتصالح مع قواعدها والتفكير العملي في بناء أسس و مقومات الفعل السياسي ، لكسب ثقة ناخبيها، وهي عملية قد تكون شاقة ومكلفة بالنظر إلى تخلف هذه الأحزاب عن مواعيد بشرت بها، وبرامج لم تجتهد في تحقيقها، مع أخطاء وسلوكيات وترحال أغضبت عموم المواطنين، وساعدت على اتساع الهوة، بينها وبين الأحزاب، في خضم هذا الحراك التي يواجه الأحزاب، سيتم الحكم على مدى مصداقيتها، ووفائها بمنهجية التأطير وإدارة الشأن العام، حسب منطوق الدستور الجديد. وتبقى مسألة اختيار المرشحين من حيث الثقة فيهم ورصيدهم النضالي وأخلاقهم السياسية واحترافية ممارستهم، امتحان حقيقي للأحزاب، سيوضح جليا مدى جدية الاحزاب في ترشيد الأداء الحزبي و الرقي به. الأحزاب السياسية، مطالبة بالابتعاد عن تزكية المفسدين وناهبي المال العام في الانتخابات المقبلة، ووضع برامج تروم الحد من الفساد والريع والرشوة، إلى جانب مدونة للسلوك تعزز قيم النزاهة والتطوع والشفافية في تدبير الشأن العام.